قوم لوط في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل
الوحدة الشرعية
فائز شبيل
مقدمة:
نستعرض في هذه المقالة موقف الشرائع السماوية الثلاث حول الشذوذ الجنسي، وهو ما يسمى في تشريعنا الإسلامي بعمل قوم لوط، والتي تتمثل بدراسة عمل خارج عن الفطرة والعقل الشرع والعرف
أولاً: قوم لوط في القرآن الكريم:
أرسل الله نبياً خاصاً إلى قوم تكاثرت معاصيهم وازدادت مفاسدهم، وأعظم تلك المعاصي انتكاس الفطرة وانحراف الشهوة، اتباعاً لهواهم ووقوعاً في مصائد الشيطان وشباكه.
كانت صفاتهم التي اشتهروا بها:
- كانوا بلا دين، ولذا دعاهم لوط عليه السلام لتقوى الله والدخول في دينه، فقال: )إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٦١ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ ١٦٢ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٦٣ وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٤ ([الشعراء: 161-164].
- الرغبة في ممارسة الجنس بين الرجال
- التصفير والتصفيق.
يقطعون الطريق، وهو السبيل الذي ذكره الله في كتابه العزيز؛ )وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ( [العنكبوت: 29].
- وكانوا يرتكبون فواحش ومعاصي أخرى في ناديهم لم يفصلها القرآن الكريم.
- الجهل، قال لهم لوط عليه السلام: ﵟبَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَﵞ[النمل: 55]
- الإسراف من المعاصي، قال له لوط عليه السلام: ﵟبَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَﵞ[الأعراف: 81].
- كانوا معاندين ومستهزئين ومكابرين ومعلنين الفاحشة من دون استحياء، يدل على هذا موقفهم من لوط عليه السلام وهو ما عبرت عنه الآيات الكريمة: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} (الأعراف:82)، {قالوا أولم ننهك عن العالمين } (الحجر:70)، {قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين} (الشعراء:167)، {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} (العنكبوت:29). فهم لم يفعلوا ما فعلوه على استحياء وغفلة من الناس، بل أعلنوا في فاحشتهم، وظاهروا في باطلهم؛ استخفافاً بما جاءهم به لوط عليه السلام، واستهزاء بالقيم والفضائل والأخلاق([1]).
محاولات لوط الاقناعية لقومه:
- خاطبهم بخطاب الفطرة، فقال: ﵟأَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٥ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ ١٦٦ﵞ[الشعراء: 165-166]، قال لهم الله خلق لكم أزواجاً تأتونهن، فالفطرة التي جبلتم عليه وأنشأكم الله عليها هي هذه، فكيف تعتدون وتأتون ما هو مخالف للفطرة، فهذا اعتداء على الفطرة والخلق، فالله لم يمنعكم من قضاء الشهوة التي خلقها بكم، ولكنه جعل لها محلا لا يصلح غيره لها.
- خطاب العقل: حيث سألهم سؤالاً استنكارياً فقال: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)﴾ ، أي كيف تفعلون هذا الفعل وتأتون الرجال في أدبارهم التي هي محل الأذى، ففيه من الفساد والأمراض وقطع النسل والأضرار الكثيرة، ولأنهم عدموا عقولهم التي تعلم وتفرق بين الفضيلة والرذيلة وصفهم الله بقوله: )بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ([النمل: 55].
- خطاب التهديد والوعيد وتمني العقوبة بأهل الأهواء: حيث تمنى لوط عليه السلام أن تكون له قوة باطشة، تردع قومه عن منكرهم، وتردهم عن باطلهم. وأنه لا بأس على المسلم أن يستعين بغيره لنصرة الحق الذي يدعو إليه، ولخذلان الباطل الذي ينهى عنه، هذا ما نفهمه من قوله سبحانه: ﵟقَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ ٨٠ ﵞ[هود: 80]
ثانياً: قوم لوط عند النصارى([2]):
يلاحظ جليا أن عمل قوط لوط وهو أن يأتي الرجل الرجل حرام وممنوع في الديانة النصرانية وهي فاحشة وشهوة نجسة وإثم، فمن خلال رسالة بطرس وغيره من الكتب المقدسة عند النصارى ظهر أن قوم لوط مارسوا الدعارة والفحش واتبعوا شهواتهم النجسة ولا يستمعون النصيحة وكانوا يتفاخرون بذلك:
- وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ.
- إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ.
- يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مُعَاقَبِينَ،
- وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِ. جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ([3]).
ثم لما كثر من الفحش والعصيان نزل عليهم العقاب ففي الآية 20: وَقَالَ الرَّبُّ: «إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا، 24 فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ، 25 وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتِ الأَرْضِ([4]).
وتدين النصرانية الشذوذ الجنسي، وتحذر من مغبة القيام بهذا الفعل. جاء في الانجيل: “لا تضلوا، لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور…. يرثون ملكوت الله”([5]).
ولكن الكنيسة المسيحية تتعرض لضغوطات من قبل الشاذين جنسياً من أجل تغيير مواقفها من الشواذ ، ومن هذه الضغوطات ما تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من أجل مباركة زواج اللواطيين والسماح بتغيير الجنس وغيره. ولكن الكنيسة لم تغير موقفها، وأصدر الفاتيكان وثيقة تمنع الشاذين جنسياً من كل السيامات وحتى من الزواج. إلا أن هذا الرفض لم يمنع الكنيسة من إبداء بعض اللين، ففرقت بين من له مجرد ميل تجاه الجنسية المثلية دون ممارستها، وبين من يمارس الجنسية المثلية فعلياً، فحرمت هذا الفعل على الأخير، وأظهرت التسامح على الأول.
ولكن في الفترة الأخيرة وصل الأمر ببابا الفاتيكان أن صرح أنه للمثليين حقاً في تكوين العائلة مما سبب حرجاً للمحافظين في الكنيسة الكاثوليكية([6]). وليس هذا ببعيد على أهل الديانة النصرانية واليهودية فقد تغير في الأحكام بناء على رغبة العامة أو خوفا من السلطة أو مراعاة للأغنياء وأهل المكانات عندهم وقد حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن غيّر اليهود حكم الزاني المحصن من الرجم إلى تسويد الوجه والتشهير، وذلك مراعاة لحال كبرائهم وأغنيائهم وأهل المكانات، ففي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة من اليهود قد زنيا، فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما. قال: {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فجاءوا، فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور، اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليه، قال: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد، إن عليهما الرجم، ولكنا نكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما، فرأيته يجانئ عليها الحجارة.»([7])
وننبه هنا أن مما ساهم في تغيير الكنيسة لمواقفها ظهور آثار الشذوذ عند بعض الكهنة الذين اخذوا يبررون ميلهم الجنسي بقولهم: “إن البتولية موجهة بالذات إلى الكهنة المغايرين للجنس، وهي مطلوبة منهم فقط، وعليهم الحفاظ عليها حسب ما تسمح لهم قدرتهم على تحملها. أما الكهنة المماثلين للجنس فهم يفتخرون بهذا التوجه الجنسي([8])“
أما الكنيسة الأرثوذكسية فقد حافظت على موقفها المدين لممارسة الشذوذ واعتبرته خطيئة وفعلا لا أخلاقياً، وهي تعتقد بأن واجب الكنيسة هو السعي إلى إصلاح الشاذ عن طريق شفائه روحياً وجسدياً وليس مباركة ممارساته أو وإيجاد القوانين لتشريعها([9]).
ثالثاً: قوم لوط عند اليهودية:
في التوراة: لقد وجد لوط – عليه السلام – نعمة في عيني الرب فأرسل ملائكته لإخراجه هو وأصهاره وبنيه وبناته من مدينة سدوم التي أرسلوا لإهلاكها ومن فيها لشرور أنفسهم وقبائح أعمالهم ونص ذلك: “وقال الرجلان وهما – من الملائكة – للوط من لك أيضًا ها هنا؟ أصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة اخرج من المكان لأننا مهلكان هذا المكان”([10]). فلا بد أن يكون لوط بارًا تقيا للرب ليستحق نجاة الرب له ومن خطاب لوط لربه يثبت ذلك حيث إنه يقول: “وهو ذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك وعظمت لطفك الذي صنعت إلىّ باستبقاء نفسي”([11]).
اعتبر العهد القديم اللواط “شناعة” يجب أن يعاقب عليها بالموت. فقد ورد في التوراة: “لا تضاجع ذكراً مضاجعة امرأة، إنه رجس”([12])، وكذلك ورد أيضا في السفر نفسه: “إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجساً. انهما يُقتَلان. دمهما عليهما”([13]).
وبناء على هذا فاليهود المتدينون لا يظهِرون تسامحاً أبداً تجاه الجنسيين المثليين، ويمنعون عليهم ممارسة المهن القيادية ويصرون على معاملتهم على أساس أنهم مرضى.
([2]) ينظر: قصة لوط بين القرآن الكريم والتوراة دراسة مقارنة لجهاد حماد (40) وما بعدها.
([3]) رسالة بطرس الرسول الثانية 2.
([5]) (كورنثوس الأولى 10، 6:9).
([6]) https://www.bbc.com/arabic/world-54668978
([7]) «صحيح البخاري» (9/ 158 ط السلطانية)، برقم: (7543).
([8]) https://annabaa.org/arabic/community/2455
([9]) https://www.orthodoxlegacy.org/?p=551