أوجه الاختلاف بين حقوق الانسان في الإسلام والمواثيق الوضعية الغربية
عبدالحق دحمان
مركز المجدد للبحوث والدراسات
مقدمة
في الكثير من الأحيان تطرح عدة نقاشات خصوصاً في العالم المتقدم بين عدة اتجاهات فكرية وسياسية (العلمانيين، المستشرقين، الايدلوجيين، الباحثين الأكاديميين…) حول موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان بين مؤيد بأن الإسلام كرم بني آدم، وأعطى له كل الحقوق، وبين منكر ورافض لذلك متحججاً بعدة اعتبارات ومعطيات، فهل تبنى حقاً الإسلام حقوق الإنسان؟ وكيف تعامل معها؟
ينطلق الدين الإسلامي تأسيسياً من وحدة تحليل رئيسية وجوهرية تتمثل في الإنسان كفاعل ومفعول به، وذلك بتمييزه وتكريمه على باقي المخلوقات الأخرى بما فيها الملائكة والجن، وهو ما يدل على الموقع والمكانة المهمة التي فضل بها الله عز وجل الإنسان بجعله محور هذا الكون، وقد قد قال الله تعالى في منزل تحكيميه بسورة الإسراء الآية 70 : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ ، إضاقة إلى ذلك فلقد تعددت وتنوعت أشكال تكريم الإنسان، فتم تسخير المخلوقات والطبيعة له في العالم الدنيوي، لذلك ذكرت مفردة سخر في القرآن الكريم حوالي 17 مرة للدلالة على طبيعة العلاقة بين الإنسان –الذي سخر له له- والمخلوقات الأخرى[1].
ورغم عدم اتفاق الغرب إلى غاية الآن على حدود مفهوم حقوق الإنسان عبر محاولاته العديدة لفرض تصوراته الحاصة النابعة من خلفياته الأيدلوجية – لرأسمالية والاشتراكية- والحضارية والفسلفية، فإن المسلمين أسسوا نظاماً وحددوا عدة مبادئ وقواعد منذ البدايات الأولى للإسلام انطلاقاً من مبدأ العدالة الشاملة غير التمييزية، وعدم ازدواجة المعايير، فأعطى حق التفكير والاعتقاد، وحق اللجوء، وفرض حقوقاً للأقليات الأخرى، ونص على عدم ظلم الآخرين وانتهاك حرماتهم، وركز على الضرورات الخمس للإنسان، واعتبرها خطاً أحمر لا يجوز المساس بها، ويتعلق ذلك بحرمة النفس والعقل والدين والمال والنسل. وعموماً يمكن القول بأن حقوق الإنسان في الإسلام تتميز بعدة خصائص مقارنة بحقوق الإنسان في العالم الغربي أبرزها الآتية:
- حقوق الإنسان في الإسلام أعمق وأشمل من حقوق الإنسان في العالم الغربي المسطرة في الوثائق الوضعية، لأن مصدرها هو القرآن الكريم (ثيولوجي إلهي)، وهو ما أقره كذلك المجلس الإسلامي في البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر في باريس بتاريخ 19 سبتمبر 1981 عندما اعتبرها بأنها ليست منتوج ملك أو حاكم، أو قرار صادر عن سلطة أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة مصدرها إلهي لا تقبل الحذف والتعطيل أو النقص، ولا يسمح بالاعتداء عليها أو التنازل عنها[2].
- تمثل مصدراً تشريعياً للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية، والدساتير الوطنية، إذ تم الاعتماد على مبادئها ونهجها في الكثير من الحيثيات خصوصاً إذا تحدثنا عن حق اللجوء، وحقوق الأسرى، وحمايتهم أثناء الحروب والنزاعات.
- تنطلق حقوق الإنسان من مبدأ العدالة الشاملة، وهي مبدأ راسخ منبعه الأصل الانساني، فلا فرق بين شخص وآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، ففي الوقت الذي كان القوي يستعبد الضعيف في مهام شاقة، ويعتبره ملكا له للون بشرته أو فقره أتي الإسلام ليحرم هذه التصرفات، ويعتبر بأن المسلم حر بالفطرة لا يجوز استعباده، ولا فرق بين شخص وآخر بغض النظر عن طبيعته صاحب جاه أو ملك أو عبد أو غير ذلك، إلا بالعمل الصالح الذي سيجزى عليه من الله سبحانه وتعالى.
- الحرية؛ بمعنى أن الإنسان حر في خصوصياته لكن في ظل احترام الآخر، كما لا يجوز استعباده، فالنفس البشرية يجب إحاطتها بالتكريم والحماية وتأمينها من الذل والقهر والكبت والاستعباد والتقييد.
- أسبقية الإسلام عن المواثيق والشرائع الوضعية في إرساء مبادئ حقوق الإنسان كونها متأصلة في العقيدة والرسالة الإسلامية منذ بدايتها .
- التقديس؛ أي تقديس حقوق الإنسان؛ فلقد اعتبرت ضرورات لا حقوق، إذ يقول المفكر الإسلامي محمد عمارة في هذا الصدد: إننا نجد في الإسلام قد بلغ الإيمان بالإنسان وتقديس حقوقه حداً تجاوز به مرتبة حقوق عندما اعتبرها ضرورات، ومن ثم أدخلها في إطار أولويات”[3].
ومن جانب آخر، فإنه عند النظر إلى تقنين ومأسسة حقوق الإنسان على المستوى العالمي، فلقد كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية في العاشر من ديسمبر 1948 عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يعرف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان كنتاج لثمرات ومسار نضالي حول حقوقه المختلفة، والنابعة أساساً من الفلسفة الغربية، والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الصادر في 1789، وتتقاطع مبادئ هذا الإعلان مع الكثير من المعطيات المتعلقة بالحقوق في الإسلام رغم عمق وشمول هذا الآخير مقارنة بهما سواء من حيث الكم أو النوع، فما عرفه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد مارسته الحضارة الإسلامية كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية لا يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها أو يفرط بها حتى ولو باختياره إن هو أراد، كما يجب أن نميز كذلك بأن حقوق الإنسان في الإسلام لم تأتي على كنتاج لمعاناة أو صراع بين حاكم ومحكوم أو ثورة أو مظاهرات أو حرب، وإنما أتت وشرعت بأصل الخلق، فهي غاية الدين العليا ورسالة الإسلام، ومرتكزات للعقيدة، فلقد منحها الله للإنسان، وقيدت الشريعة هذه الحقو بمراعاة مصلحة الغير، وعدم إضراره بالجماعة، لذلك فهي ليست مطلقة ولا مقيدة، وإنما تأتي في إطار خلقي واحترام الآخرين دون المساس بهم، ولقد ألزمت الشريعة الإسلامية المسلم النضال من أجلها، وذلك بالحفاظ وعدم التفريط أو التقويض فيها.
خاتمة
إذا تم النظر إلى حقوق الإنسان في الإسلام والبحث في أبرز مضامينها وسياقها التطوري التاريخي عبر عدة مراحل، سنلاحظ بأنها متأصلة ومتجذرة بداية بتكريم الله عز وجل الإنسان بجعله أسمى كائن هذا الكون، وعدم التمييز بينه وبين الآخرين إلا بالعمل الصالح –التقوى-، ومن هذا المنطلق، فإن أسبقية الدين الإسلامي في هذا الجانب هي أسبقية نظرية تطبيقية سياقية –متكيفة- مع طبيعة المجتمعات المسلمة المحافظة، مقارنة بالحق الوضعي الإنساني الغربي الذي يحاول فرض تصوراته النابعة من تطور الفلسفة الغربية ونضالات شعوبها في هذا الجانب وصولاً إلى تقنينها ومأسستها عالمياً في 10 ديسمبر 1948.
ورغم وجود عدة تقاطعات بين البيان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، فإن هذا الأخير أعمق، ويساير طبيعة المجتمعات في إطار خلقي لا سيما إذا تحدثنا عن الحرية التي حددها الفكر الإسلامي ونبذها في حالة إضرارها بالآخرين على عكس الفكر الغربي الذي جعلها مطلقة مما أفرز مظاهر سلبية تخالف في بعض الأحيان الطبيعة البشرية .
كما يجب على المجتمعات المسلمة الحفاظ على هذه الحقوق المتأصلة في الدين الإسلامي، وعدم الانصياغ وراء الحقوق الغربية التي تمس في الكثير من الأحيان مقومات المجتمعات المسلمة نظراً لعدم توافقها مع طبيعة هذه المجتمعات، ونظراً لبعض التشوهات التي تمس جانب كبير من الحقوق الغربية.
قائمة المراجع
- علي عبد الله، عن حقوق الإنسان في الإسلام، انظر الرابط الآتي: https://2u.pw/GKnrBdB
- محمد عارة، الإسلام وحقوق الإنسان صرورات لا حقوق، عالم المعرفة، العدد 89، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب، ماي 1985، ص 14-15.
- البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، 14 سبتمبر 1981، انظر الرابط الالكتروني الآتي: https://2u.pw/mM9DA
[1] علي عبد الله، عن حقوق الإنسان في الإسلام، انظر الرابط الآتي: https://2u.pw/GKnrBdB
[2] البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، 14 سبتمبر 1981، باريس، انظر الرابط الالكتروني الآتي:ٍ https://2u.pw/mM9DA
[3] محمد عارة، الإسلام وحقوق الإنسان صرورات لا حقوق، عالم المعرفة، العدد 89، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب، ماي 1985، ص 14-15.
فعلا إذا تم النظر إلى حقوق الإنسان في الإسلام والبحث في أبرز مضامينها وسياقها التطوري التاريخي عبر عدة مراحل، سنلاحظ بأنها متأصلة ومتجذرة بداية بتكريم الله عز وجل الإنسان بجعله أسمى كائن هذا الكون,,
لكن هل ما يريد الله عز و جل للانسان هو ما يريده حلف الفقيه و السلطان للانسان؟
هل يمكن لقداسة الله عز و جل ان تنتقل الى فقهاء مؤدلجين و سلاطين مستبدين؟
هل يمكن للفقيه المتشبث بالخلافة الدينية ،و للسلطان المتشبث بتوريث عرش الحكامة ،ان يعطيا للانسان ما يعطيه الله عز وجل للانسان؟
هل يمكن للفقيه و السلطان ان يشبها الانبياء المفضلين عند الله؟
نحن لا نشك في عظمة ا و قداسة لاسلام ،عندما يكون بين يدي الله و الانبياء، لكننا نرفض قطعا ان تبقى للاسلام عظمته و قداسته عندما ينتقل الى اشخاص،خصوصا عندما يكونون مرضى التوريث السياسي و الخلافة الدينية؟؟؟