متغير القوة في العلاقات الدولية بين المنظور الغربي والتصور الإسلامي
دحمان عبد الحق
مركز المجدد للبحوث والدراسات
تعتبر القوة أحد أهم المتغيرات التي اهتمت بها البشرية منذ القدم، لأن اكتسابها يعني الهيمنة والتحكم والقدرة على التأثير في الآخر ، لذلك فإن مختلف الفواعل السياسية اليوم تحاول اكتسابها بمختلف الآليات والطرق، فهي التي تفرض منطق الصعود والهبوط في النظام الدولي، فسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً على مختلف المتغيرات في العلاقات الدولية يعود إلى توظيفها لخيارات القوة الأساسية المتوفرة لديها، خصوصاً إذا تحدثنا عن القوة العسكرية والاقتصادية، ويشير العديد من المفكرين إلى أن القوة (Power) تعني في أبسط معانيها قدرة أحد العناصر الفاعلة في الساحة السياسية على التأثير على الأطراف الأخرى في توجهاتها وسلوكاتها نحو الاتجاه الذي يصب في مصلحته.
والقوة في العلاقات الدولية كفلسفة ونظرية ليست بالأمر الجديد، وإنما كانت موضع نقاش وجدال فكري ونظري بين المدارس الفكرية والنظرية في العلاقات الدولية، حيث يعتبرها أنصار المدرسة الواقعية الكلاسكية متغيراً ـأساسياً في العلاقات الدولية، ومحدداً مهماً لسلوكات الدول، لذلك فهي تسعى إلى اكتسابها وتعظيمها، ومن هذا المنطلق فلقد عرف “هانس مورغنتاو” في كتابه “السياسة بين الأمم” على أن العلاقات الدولية هي صراع من أجل القوة، ويعتقد الواقعيون أن القوة بمفهومها الصلب (Hard Power) [1]هي معطى يتم استخدامه بكثرة في التفاعلات الدولية من أجل تحقيق مكاسب معينة من خلال إعلان الحرب، وهو المنطق الغالب على طبيعة العلاقات الدولية عكس أطروحة السلم والاخلاق التي يروج لها المثاليون.، واستخدموها كذلك في تفسيراتهم العديدة للواقع الدولي إلى جانب متغيرات أخرى مثل الجيبولتيك والطبيعة والسكان، وهي عناصر كانت تحظى باهتمام أيضاً في التفسير الواقعي مع إهمال نسبي للقوة الاقتصادية والناعمة، وسط حديث اليوم عن ضرورة إدماج عناصر جديدة في الواقعية لتحليل العلاقات الدولية في ظل تراجع المعايير التقليدة لمفهوم وعناصر قياس القوة، فالقوة الاقتصادية والتكنولوجيا والفضاء السيبراني أصبحت كذلك متغيرات مهمة في العلاقات الدولية.
وعلى عكس المنظور الواقعي يرى الليبراليون بأنه مع تطورات مسارات العولمة لا سيما في شقها الاقتصادي، وزيادة الاعتماد المتبادل وظاهرة التكتلات والمؤسسات الاقتصادية الدولية كلها دلائل على ان القوة الاقتصادية كذلك تحتل موقع جد مهم في التفاعلات الدولية، وتساعد على تحقيق السلم والأمن، أن تشابك وتعاون الدول مع بعضها البعض يقلل استخدام القوة العسكرية نظراً لوجود مصالح مستركة بينهم، بينما تتوجه النظريات التكوينية –ما بعد الوضعية- إلى التركيز على الجانب الناعم من القوة من خلال تعظيمها لدور الأفكار والهويات والدين والثقافة في تحريك سلوكات وتوجهات الدول بالساحة الدولية، حيث ترى أنها متغيرات مهمة تم تغييبها خلال الصراع الأيدلوجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، ولقد برزت هذه الأطروحات مع كتابات أنصار المدرسة البنائية والنقدية وما بعد الحداثة، وكذلك كتابات صامويل هنغتنتون وفرانسيس فوكوياما[2].
هذا بشكل عام عن متغير القوة التي اختلفت المقاربات الغربية في العلاقات الدولية في توضيف جوانب أهميتها –أولوية عنصر على آخر- كمحدد لسلوكات الفواعل في التفاعلات الإقليمية والدولية، أما عن الإسلام فلقد وجه منذ بداياته الاهتمام بالقوة بمفهومها الشامل لما لها من انعكاسات إيجابية على الأمة، لأنها تحمي المجتمع المسلم من شرور وعداوة الآخرين وأذاهم، فلقد أمر وأوجب الإسلام أتباعه بإعداد القوة وامتلاك مقدراتها حتى تكون لهم القدرة على ردع ومواجهة الكفار، وقد ورد ذلك في نص قرآني صريح بقوله تعالى في الآية 60 من سورة الأنفال: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ“.
قالإسلام أمر بالتهيأ الجيد لاستعمال القوة فيما ينبغي قصد ردع الأعداء وإخافتهم من توظيف القوة والعنف ضدهم؛ أي إلقاء الرهبة والخشية في قلوب الذين يفكرون في الاعتداء على الأمة الإسلامية، وهذا لا يعني استعمالها للعدوان، وإنما القوة في الإسلام مرتبطة بضوابط وقيود شرعية إسلامية وإنسانية لا تسمح للمسلمين باستعمالها في كل وقت وكل مكان، ولا يحبذ استعمالها إلا في الحالات القصوى نظراً لتداعياتها السلبية ونتائجها الوخيمة من دمار وتخريب وخسائر في الأرواح، وهذا يتنافى مع أهداف الإسلام السمحة الإنسانية والأخلاقية التي تدعوا إلى السلم والأمان، وهذا ما ورد في الآية 208 من سورة البقرة في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ“.
وبهذا فلقد وجب على الدول المسلمة إعداد القوة قدر الاستطاعة في مختلف المجالات، حتى يكون لهم تأثير فعال في الساحة الدولية والإقليمية، لأن القوة متغير حاسم في الوقت الراهن يحرك سلوكات واستراتيجيات مختلف الفواعل الدولية، والفرق بين المنظور الإسلامي للقوة والمنظور الغربي هو أن القوة في الإسلام للردع لا العدوان، أما في الفكر الغربي فإن هدفها السيطرة الهيمنة على الآخر قصد تحقيق المصلحة الآنية، وهي ليست لخدمة الإنسانية وإنما لمصالح ذاتية على حساب الضعفاء[3]، وهو ما يبرز جليا في فلسفة القوة عند تحليل أفكار هوبز وميكافيلي ، وغيرهم[4].
خاتمة
إن مختلف الأدبيات بالعلاقات الدولية تحدثت عن القوة في العلاقات الدولية انطلاقاً من التركيز على جانب معين دون آخر (قوة صلبة، ناعمة، اقتصادية…) على غرار الفكر الإسلامي الذي منذ بداياته دعى الأمة الإسلامية إلى التركيز على متغير القوة بمفهومها الشامل واستعمالها كغاية ردعية، وكذلك لتأثيراتها الإيجابية على الأمة على النحو الذي يجعل تحركاتها في الواقع الدولي مؤثرة وفعالة.
قائمة المراجع والمصادر
- جوزيف ناي، القوة الناعمة وسيلة للنجاح في السياسة الخارجية، ترجمة: محمد توفيق، السعودية: دار العبيكان، 2007.
- غصنة حمد متعب العامري، أخلاق القوة بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الغربي، دراسة تحليلة مقارنة، المجلة الالكترونية المتعددة التخصصات، العدد 41، أكتوبر 2021، ص 8.
- محمد توفيق المقداد، القوة من منظار الإسلام ، الموقع الالكاتروني: (15/03/2023).
- ناصر جندلي، التظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسرية والتكوينية ، الجزائر: الخلدونية: 2007، ص 20-145.
[1] يقصد بالقوة الصلبة القوة المادية (العسكرية والاقتصادية)، في حين نحت جوزيف ناي في سنة 1990 مفهوماص آخر للقوة يسمى بالناعمة الذي يقوم على الجاذبية للتأثير على الغير بدل توظيف التهديد والإرغام والعقوبات الاقتصادية، وتقوم أساساً على توظيف القيم والهوية والإعلام والدبلوماسية كجوانب مهمة للتأثير على سلوكات وتوجهات الأطراف الأخرى، وهناك أيضاً ما يسمى بالقوة الذكية (Smart Power)، والتي تعني المزج بين القوة الصلبة والناعمة. للمزيد حول تفاصيل القوة الصلبة والناعمة يمكن الاطلاع على كتاب: جوزيف ناي، القوة الناعمة وسيلة للنجاح في السياسة الخارجية، ترجمة: محمد توفيق، السعودية: دار العبيكان، 2007، ص 5-9.
[2] ناصر جندلي، التظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسرية والتكوينية ، الجزائر: الخلدونية: 2007، ص 20-145.
[3] غصنة حمد متعب العامري، أخلاق القوة بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الغربي، دراسة تحليلة مقارنة، المجلة الالكترونية المتعددة التخصصات، العدد 41، أكتوبر 2021، ص 8.
[4] محمد توفيق المقداد، القوة من منظار الإسلام ، الموقع الالكاتروني: (15/03/2023).َ
Very interesting topic, thanks for putting up.
I couldn’t resist commenting
Very interesting information!Perfect just what I was searching for!
Superb site you have here but I was wanting to know if you knew of any forums that cover the same topics discussed in this article? I’d really like to be a part of online community where I can get opinions from other knowledgeable individuals that share the same interest. If you have any recommendations, please let me know. Many thanks!
Thank you, I’ve just been searching for information about this subject for a long time and yours is the best I’ve found out till now. But, what about the conclusion? Are you positive concerning the source?
Thank you, I have just been searching for information about this topic for a while and yours is the greatest I’ve came upon till now. But, what about the bottom line? Are you sure about the source?