تجليات ظاهرة القوة في الفلسفة الغربية والإسلامية
دحمان عبد الحق
مقدمة:
يجمع مختلف المفكرين بتوجهاتهم وإيدلوجياتهم بأن القوة تمثل احد المتغيرات المهمة في العلاقات الدولية التي تحدد سلوكات الأطراف الدولية في البيئة الخارجية ، فالطرف او الفاعل الذي يمتلك مختلف عناصر القوة او اهمها هو الطرف الذي بإمكانه لعب أدوار فعالة في العلاقات الدولية، فامتلاك الولايات المتحدة لمختلف عناصر القوة وتوظيفها بشكل جيد جعلها فاعل مهيمن ومسيطر على مختلف التفاعلات العسكرية والاقتصادية والثقافية الحاصلة في الواقع الدولي.
وعند الحديث عن متغير القوة فلا يمكن تجاوز الجانب النظري الذي اسهبت فيه الادبيات الغربية بشكل كبير خصوصا عند التطرق إلى الجانب الصلب او ما يسمى بالقوة الصلبة، والتي كثر التركيز عليها في فترة الحرب الباردة نظرا لتركيز المعسكر الغربي والشرقي على التنافس العسكري واستخدام الحرب كآلية لتحقيق اهداف السياسة في العديد من الحالات كالحرب بين الكوريتين، كما لا يمكن ايضا إهمال الجانب الاقتصادي للقوة الذي ركزت عليه المقاربة الليبرالية لاسيما الجديدة التي رأت ان تزايد التشبيك والتعقيد والاعتماد المتبادل بين الدول من شأنه ان يحدث السلم بين الفواعل الدولية، وأحلت القوة الاقتصادية كمتغير مهم وأساسي مكان القوة العسكرية التي ركزت عليه المدرسة الواقعية بتفرعاتها العديدة.
وتعتبر كذلك القوة الناعمة كمفهوم ومتغير جديد نحته جوزيف ناي جانب آخر مهم ظهر بعد نهاية الحرب الباردة للدلالة على الجاذبية دون الإرغام المادي او العنفي، ودور الهويات والثقافة والدين في تحريك سلوكات الأطراف الدولية في الساحة الدولية، ووسط هذا النقاش والجدال فلا يمكن إهمال ايضا حديث الفكر الإسلامي عن متغير القوة الذي فصل في عناصرها واهميتها كوسيلة ردع ضد الاعداء، واستخداماتها في حدود معينة مختلفا بذلك في بعض الحيثيات عن الفكر الغربي الذي شرعن القوة وربطه بالمصلحة وتحقيق اهداف السياسة على حساب الأمن والسلم في العديد من الحالات.
وعلى هذا الأساس فإن هذه الورقة البحثية تحاول التفصيل في مضامين تناول متغير القوة في الفكر الغربي ومقارنته بالفكر الإسلامي من خلال طرح التساؤل الآتي: كيف تناولت الادبيات الغربية متغير القوة؟ وما هي الفواصل التي ميزت الفكر الإسلامي عنه في تطرقه إلى هذا المتغير؟
اولا: مفهوم القوة
يقابل مفهوم القوة باللغة الإنجليزية (power)، وتعني في ابسط معانيها قدرة طرف “ا” على التأثير في طرف او اطراف اخرى نظرا لا متلاك الطرف الأول عناصر القوة المختلفة التي تمكنه من التأثير على الآخر وتحريك سلوكاتهم وتوجهاتهم مما يجعلهم تابعين ومتأثرين، وينطبق هذا المثال على تبعية الدول الأوروبية للولايات المتحدة الأمريكية [1].
ويبرز هذا المفهوم بحساسية شديدة في فضاء العلاقات الدولية نظرا لأهميتها في تحديد علاقات التأثير والتأثر، ويرتبط مفهوم القوة بعدة أبعاد يمكن التطرق لها كما يلي:
- البعد الصلب للقوة (Hard Power): يرتبط التصور التقليدي للقوة بالمنظور الواقعي بمختلف تفرعاته، فمتغير ومفهوم القوة بالنسبة لهم هو وسيلة وغاية تسعى الدولة لتحقيقها من أجل الحفاظ على امنها القومي، ويقصد بالقوة الصلبة القوة المادية التي تتضمن الشق العسكري والاقتصادي، وتستند هذه القوة على إمكانيات الدولة العسكرية والبشرية من عتاد وأسلحة وجنود وموارد، وهي أدوات يمكن من خلالها التأثير والضغط على الآخر، لذلك فهي مهمة جدا لدى الواقعيون، ويضيف الواقعيون العديد من العناصر الأخرى التي تعظم القوة العسكرية، وهي ما يسميها ميرشايمر بالعناصر الكامنة، وتشمل : المساحة والجغرافيا والثروة والتصنيع، في حين يعتبر الواقعيون النيوكلاسيكيون انه يمكن إضافة البعد الاقتصادي كذلك للبعد العسكري حتى يكون التأثير اكثر في الساحة الدولية ويرون ان القوى الاقتصادية لا تستطيع الدفاع عن نفسها بدون ان تكون لديها قوة عسكرية، وهي بذلك تلجأ إلى الاعتماد على الغير وتنطبق هذه الحالة على اليابان وكوريا الجنوبية .
2_ البعد الناعم للقوة ( Soft Power): مصطلح نحته جوزيف ناي في كتابه القوة الناعمة ويتعلق بتأثير جاذبية طرف معين على الآخر من دون إرغام أو تهديد باستعمال القوة، وهنا الأداة تكون القيم والثقافة، وترتكز القوة الناعمة عموما على ثلاث عناصر، وهي: الثقافة، القيمة السياسية، والعمل الدبلوماسي، وهي متغيرات تؤثر على المتلقي باخذ المطلوب من خلال الاشتراك في التوجهات والقيم وقدرة الدولة أ على جذب الآخر باستعمال أدوات ناعمة كالحنكة الدبلوماسية[2].
3– القوة الذكية (Smart Power): تعني القوة الذكية المزج بين القوة الناعمة والصلبة، فالاعتماد على بعد واحد لم يعد كافيا لتحقيق اهداف وسياسات الدول، ولقد ظهر هذا المفهوم مع الحرب الأمريكية على الارهاب، وبرز بشكل اكبر في فترة باراك أوباما الرئاسية، ويتم استخدامها في إطار استراتيجية متكاملة تعمل على المزج لين عناصر وأدوات القوة الناعمة والصلبة (الأداة العسكرية، الدبلوماسية، الإعلام، العقوبات الاقتصادية….الخ [3].
4- القوة السيبرانية ( Cyber Power) : ظل مفهوم القوة السيبرانية محل جدل بين المفكرين، فإحدى محاولات تعريف القوة السيبرانية هي القدرة على استخدام الفضاء السيبراني لخلق تأثير في الاحداث بجميع القطاعات، وتندرج هذه القوة فيما يسمى بالمجال الخامس او الفضاء الخامس بعد البر والبحر والجو والفضاء، ويتم عبرها استخدام بيانات الاتصال وشبكة الانترنت والمعلومات الالكترونية للحصول على نتائج مرجوة عبرها عبر التأثير في الاطراف، الاخرى وتزداد اهمية هذه القوة مع زيادة الاعتماد الكبير على الإنترنت في مختلف القطاعات خصوصا في الدول التي خطت خطوات كبيرة في مجال الرقمنة.[4]
ويضيف البعض إلى تلك القوى واحدة من أسوأها ألا وهي: القوة الحادة Sharp Power ووصفوا كل من الصين وروسيا باستعمالهما، تلك القوة للنيل من الديمقراطيات الغربية، وهذا يبرز مساحة العداء والتنافس الدولي بين (قوة) الديمقراطيات و(قوة) تلك الدول في السابق في بناء (القوة) ، هذه القوى كانت وما زالت محل دراسات خبراء كثر منهم جوزيف ناي، كادوارد هاليت كار، سوزان نوسيل، ريتشارد ارميتاج، دانيال كويل وغيرهم من منظري القوة والباحثين والمهتمين بالقوة ومحدداتها [5].
ثانيا: فلسفة القوة في الفكر الغربي
في التاريخ السياسي الغربي الذي أسهب في التفصيل في عناصر وأهمية القوة في العلاقات الدولية هناك مجموعة من المفكرين لا يمكن تجاوزهم خصوصاً إذا تحدثنا عن أنصار الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية، ويمكن ذكر أبرز المفكرين الذين تحدثوا عن القوة في الجانب السياسي كالّآتي:
- مكيافلي: تحدث عن القوة قبل أربع قرون واعتبر ان الأمير لا بد أن تكون لديه القوة والنفوذ لتخويف المحكومين، وهو تطبيق للدكتاتورية بمفهومنا المعاصر على أساس ان الاستبداد هو الذي يساهم في استمرار نظام الحكم.، ويرى ميكافيلي ان القوة هي مقياس للشرعية، فالسياسة بالنسبة له معركة من أجل الحصول على القوة التي يتم بها السيطرة على الآخرين، ونصح الحاكم كذلك بضرورة تعظيمها حتى لا يمتلك الآخرين كذلك القوة ، لأن البشر انانيون ويبحثون عن الهيمنة والسيطرة [6].
- ريمون آرون: وينظر للقوة على أساس انها سيطرة طرف ، وفرض هيبته على الأطراف الأخرى، وهي ليست بالأمر الجديد، وإنما حالة طبيعية مرتبطة بالعلاقات الانسانية والاحتماعية، فالفرد القوي يحاول فرض هيبته على الآخري، ولقد فصل ريمون آرون أحد رواد المدرسة الواقعية في عناصر القوة، واعتبر ان الجيوبولتيك والسكان والموارد عناصر مهمة لا يمكن أن نستثنيها لقياس قوة الدولة [7].
- حنة ارنت والقوة: تعتبر حنة ارنت من اكثر المفكرين الذين تحدثوا عن الثورة بشكل عميق، وربطتها بمفهوم القوة ، وترى ان قيامها عادة يتم بعد ضعف النظام وعجزه عن تلبية حاجات الناس، فالقوة حسبها هي أساس الحكم لأنها وسيلة للسلطة للبقاء وممارسة النفوذ والعنف الشرعي، وتميز آرنت بين القدرة والقوة، إذ تعتبر الأولى تتم عبر الإقناع ووسائل سلمية، على غرار الثانية التي تستعملها السلطة لتحقيق النصر[8].
- هانس مورغانتو: يعتبر مورغانتو احد الأباء المؤسسين للمدرسة الواقعية الكلاسيكية أن القوة هي متغير رئيسي في العلاقات الدولية، مثلها مثل تواجدها في الحياة الإنسانية والبشرية، فالتاريخ الإنساني هو عبارة عن صراع من أجل الحصول على القوة للبقاء والهيمنة، وبذلك فهو على عكس المنظور المعياري في العلاقات الدولي لا يؤمن كثيرا بالقيم والضوابط القانونية، ويرى بأن الحالة الغالبة في التاريخ الدولي هي الحرب، وبذلك فهو يعطي تعريفا للعلاقات الدولية من خلال وصفها بأنها صراع من أجل القوة، فهذه الأخيرة يعتبرها وسيلة وغاية تسعى إليها الدولة من أجل الحفاظ على بقائها[9].
- ماكس فيبر: طرح أحد أقوى التعاريف أثراً لمفهوم القوة من زاوية اجتماعية وسياسية، إذ حدد القوة بأنها احتمال أن يكون أحد الأفراد قادراً في نطاق علاقة اجتماعية، على تنفيذ إرادته الخاصة رغم المقاومة، وذلك بغض النظر عن الأساس الذي يقوم عليه هذا الاحتمال. إن هذا التعريف يوحي، كما يقول داهل، بأن الشخص (أ) له قوة على الشخص (ب)، إلى حد أنه يستطيع أن يتغلب على مقاومة (ب) لو أنه أراد المقاومة، الأمر الذي يعني أن مصالح (ب) سوف يُضحى بها لصالح تحقق مصالح (أ)، والمحافظة عليها، واعتبر ان ممارستها في إطار العنف المشروع جائز للسلطة من أجل الحفاظ على النظام العام[10].
- جون ميرشايمر: في واقعيته الهجومية يعتقد جون ميرشايمر ان الغيبة والشك الموجودان في العلاقات الدولية احد اسباب الفوصى، ويدعوا الدول إلى امتلاك اكبر قدر من القوة بسبب هذا الغيبة والشك ، فكل تسعى إلى تعظيم قوتها عبر الأسلحة الهجومية، وهي الوسيلة التي تحافظ على بقاء الدولة في هذا العالم الفوضوي.
من خلال تناول بعض إسهامات أبرز المفكرين الغربيين حول مفهوم القوة نلاحظ ان القوة تم ربطها بالمصلحة والسلطة في إطار الهيمنة والسيطرة على الآخر حتى يتم توجيهه والتحكم في سلوكاته، وهو الأمر السائد في الواقع الدولي الخالي فالقوى التي تمتلك عناصر قوة أكبر تؤثر على الأطراف الضعيفة على النحو الذي يخدم ويحقق مصالحها.
ثالثا: القوة في الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد
من عناصر قوة أي فكر تقديمه كما هو منذ البداية، وطرحه على حقيقته دون تدليس ولا تلبيس، والفكر الإسلامي المستوعب لحركة الزمن وتغيير الظروف أولى من غيره أن يُطرح على حقيقته كما جاءت أصوله في الوحيين: كتاب الله، وسنه رسوله، لا أن يُطرح مبتوراً أو ناقصاً أو مشوَّهاً أو مفسَّراً تفسيرات خاضعة لعوامل تغير الزمان والمكان والإنسان، ومن هنا فإن الفكر الإسلامي لا يقدم بتقدم الزّمن، ولا يعتريه العجز في يوم ما عن تقديم الحلول، ولا تقعد به التطورات الّتي يشهدها العالم عن أداء دوره المصيري الّذي لا يمكن لأي فكر آخر أن ينهض به[11]. ومثل هذا الفكر قد عالج مفهوم القوة وفصل فيها منذ اربعة عشرة قرنا، فلقد أمر الإسلام أتباعه بإعداد القوة والقدرة لمواجهة كلّ الحالات السلبية التي يمكن أن تتعرّض لها الأمة والمجتمع الإسلامي، وقد وردت في القرآن القرآن الكريم آية صريحة (60) في سورة الأنفال بقوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ … ﴾ .
فالإسلام يأمر بإعداد القوّة، لا لمجرّد إظهار القوة أو استعمالها كيفما كان وفي كلّ ظرفٍ ومكان، وإنّما لاستعمالها حيث ينبغي، وحيث يكون لها الدور الحاسم في ردّ العدوان أو كبح جماح الأعداء، أو لإلقاء الرهبة والخشية في قلوب الذين يفكّرون في الإعتداء على الدولة الإسلامية أو على المسلمين. وهذا يعني أنّ القوّة من منظار الإسلام هي محكومة بضوابط وقيود شرعية وأخلاقية وإنسانية لا تسمح للمسلمين باستعمالها حيث يجب وحيث لا يجب[12]. كما مفردة”ترهبون” الواردة في الآية الكريمة، لا تدل على السياق والمعنى السلبي الذي يروج له اليوم، وإنما
جاءت هنا كبعد وقائي أمر به الله عز وجل المسلمين من خلالعبر تجهيز عدة السلاح والخيل من أجل إخافة الأعداء حتى لا يتجرأ الأعداء (دار الحرب، ودار العهد) على محاربة المسلمين أو خيانتهم أو غدرهم ، وهو معنى منسجم مع روح العصر آنذاك[13].
– ومما تقدم في النص القرآني نلاحظ بأن كلمة الإرهاب حملت دلالة إيجابية تختلف عن معنى الرعب المتعلق بالحرب والقتال، فالخوف والفزع الذي ورد في النص القرآني في سياق العبادة مرتبط بالمحبة والخضوع وطاعة الله عز وجل، أو تم ربطه وجوباً بإعداد القوة (العقلية، المادية والبدنية) لما لها من تأثير نفسي على الخصم يمكن من خلاله زرع الخوف لدى المشركين وإرهابهم ومنعهم من التعدي على البلاد الإسلامية ، وهنا يتبين أن الغاية من توظيف اللفظ ردعية.
ويوجد في التاريخ الإسلامي عدة أحداث وشواهد على عدم استعمال القوّة ضدّ الأعداء مع أنّهم كانوا تحت يد المسلمين، كما حدث عندما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة المكرمة حيث تصوّر الكثيرون ممّن حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام الحديث ودولته في المدينة المنورة أنّ هذا الفتح سينتج عن سفك الدماء وعداوة وقتل وانتقام، كما قال بعضهم عندما دخل مكة قائلاً: (اليوم يوم الملحمة) فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فردّ عليه بقوله: (اليوم يوم المرحمة) وعفا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عن أغلب الذين كانوا قد حاربوه وقال لهم كلمته المشهورة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، بمعنى ان القوة مقيدة ومضبوطة من حيث الاستخدام، لأنّ القوّة في الإسلام عندما يجوز أو يجب استعمالها إنّما هو من أجل إزالة العقبات والموانع التي تقف حائلاً بين الناس المضلّلين والمستضعفين وبين ربّهم وخالقهم، تلك العقبات التي تضعها الفئات المسيطرة والمهيمنة على مقدّرات الأمور حتى لا يرى الشعب _ المحكومين_ الأمور على حقيقتها وواقعها، ولكي لا يدركوا الواقع الضالّ والسيء الذي يعيشون فيه والذي يُعتبر نوعٌ من الحاجب والساتر لبصائرهم وأبصارهم عن رؤية الحقيقة التي خلق الله الإنسان من أجل الوصول إليها والإلتزام بمضامينها وأحكامها وأنظمتها[14].
ومن هنا نخلص بات إبراز وإظهار القوّة في الإسلام مردّه الأمور الآتية:
- الإعداد الجيّد والمنظّم والقوي لقدرات المسلمين وطاقاتهم وإمكانياتهم المادية والبشرية والنفسية.
- إلقاء الرهبة والخشية في قلوب الأعداء فيما لو حاولوا التفكير بالإعتداء على المسلمين، وهو ما يقابل مفهوم الردع الذي يعني في ابسط معانيها بسط الخوف لدى الفاعل الآخر حتى لا يستطيع الهجوم، لأنه في حالة إذا هاجم سيلقى ردا قويا ومدمرا.
- عدم تضييع القوّة وتشتيتها باستعمالها كيفما كان وإنّما لإعمالها في وقت الحاجة إليها، وإنما تم تحديد قيود وروابط شرعية وأخلاقية وإنسانية لها.
- شمولية مفهوم القوة لتشمل العدة والزرع والجند والنفس ، وغير ذلك.
- خامسا: إن البُعد الإلهي للقوة في الإسلام منح كذلك صفات الرحمة والرأفة والعفو عند المقدرة، لأنّ وظيفتها تختلف جذرياً عن القوّة عند الآخرين الذين لا ينطلقون من منطلق إلهي، ويرون أنّ القوّة هي الوسيلة للسيطرة والهيمنة وفرض الإرادة والمصير على الضعفاء من الأفراد والأمم والشعوب كما حدث في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عملت الدول الاستعمارية في العالم وبما تملكه من أدوات القوّة على السيطرة على معظم دول العالم وقهرها واستغلال مواردها ونهبها وتنصيرهل، وإقامة أنظمة على ما يناسب مصالحها ومنافع شعوبها بغضّ النظر عن مصالح الشعوب المستضعفة والمقهورة، لأن القوة في الفكر الغربي مرتبطة بالهيمنة والمصلحة والاستغلال، وهذا يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحديث[15].
أما عن أبرز المفكرين المسلمين والعرب الذين تحدثوا بإسهاب وفصلوا في مفهوم القوة فنجد أبرزهم كما يلي:
- ابن خلدون: يربط ابن خلدون القوة بالعصبية ويرى ان أساس الحكم يندرج في إطار تجليات ظاهرة القوة، فامتلاك عصبية للقوة والنفوذ والعدد يجعلها تتحكم في العصبيات الأخرى، إذ ان الرئاسة لا تكون إلا للغالب.
- ويذهب ابن إلى اكثر من ذلك عندما يرى ان العصبية هي مصدر القوة، فهي التي تولد لدى الأفراد والأشخاص إحساسا وشعورا بالقوة خصوصا إذا احست بالتهديد من عصبية او عنصر خارجي، كما يعتبر أن الوازع الديني له دور كبير في زيادة هيبة وقوة الدولة باعتباره ركيزة للعمل الجماعي [16].
- مالك بن نبي : من ابرز أعلام الفكر العربي والإسلامي في القرن العشرين، وهو أحد رُوّاد النهضة في القرن العشرين ويُمكن اعتباره امتدَادًا لابن خلدون، رتبط مفهوم القوة عنده بالحروب، وارتبط مفهومها بالنسبة له بالمواجهة المسلحة وسباق التسلح والحرب، وحاول أن يبرهن على مدى فشل الحروب في تحقيق الأهداف وإصلاح المجتمعات. فحسب وجهة نظره أن القوة ألغت القوة وعلى نحو مبكر، وهو الذي وصلت إليه أوروبا بعد أن جربت كل أنواع الحروب الدينية والقومية والعالمية وأعلنت العودة للإنسان بدون قوة، أي العودة إلى الاهتمام بجوانب أخرى أهم من التسلح وممارسة القوة الصلبة كالتنمية الاقتصادية والبشر[17].
- عبد الرحمن الكواكبي : يعد أحد رواد النهضة العربية ومن أبرز مفكريها في القرن التاسع عشر، اشتهر بكتابه: «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، وتحدث الكواكبي عن القوة في إطار عسكري، ويهاجمها في حالة استخدامها للاستبداد، ويقسمها الى صنفين: (داخلية وخارجية)؛ وتعني القوة التي يمارسها الحكام ضد المحكومين والثانية القوة التي تستخدمها الأمم ضد بعضها البعض.
على من وجود العديد من الإختلافات الواضحة حول مفهوم القوة في الفكر العربي والإسلامي، يمكننا القول بأن أغلب المفكرين أجمعوا على أهمية القوة كضرورة وحاجة لمجابهة محتاف التهديدات التي تمس المجتمع المسلم، واعتبروا ان استخدامها في غير محلها يعتبر ظلما، وبالتالي فلقد حاولوا اخلقة هذا المفهوم ووضع ضوابط له عكس الفكر الغربي، ويبين الجدول الآتي أبرز الفروقات الموجودة حول القوة بين الفكر الغربي والإسلامي.
جدول 1: أبرز أوجه الاختلاف بين الفكر الغربي والإسلامي حول متغير القوة
معيار الاختلاف | الفكر الغربي | الفكر الإسلامي |
من حيث الهدف | الهيمنة والسيطرة والتحكم في تصرفات الآخر
|
ردعي بالدرجة الأولى لزرع الهيبة والخشية لدى الأعداء
|
من حيث الضوابط | غير مقيدة مرتبطة بالطبيعة البشرية التي تريد دائما تعظيم القوة | مقيدة ومرتبطة بضوابط شرعية واخلاقية وإنسانية
|
من حيث الشمولية | كان التركيز على القوة يقتصر على البعد الحربي او العسكري _ الضيق_ ، ومع دينامية الأحداث والوقائع الدولية اتسع هذا المفهوم ليشمل أبعاد اخرى.
|
منذ بداياته ركز على القوة بمفهومها الشامل |
من حيث الحاجة | ضرورية | ضرورية وواجب شرعاً |
خاتمة:
تضمنت الادبيات الغربية متغير القوة على أساس انه القدرة في التأثير على الآخر في سلوكاته وتحركاته وتوجهاته مما يجعله تحت هيمنة وسيطرة الطرف المؤثر خصوصا إذا امتلك الطرف الأول عناصر القوة العسكرية والاقتصادية، وهو ما يحدث حاليا في الواقع الدولي فهيمنة القوى الكبرى على الدول الضعيفة يعود إلى فجوة القوة بينهما، بينما الفكر الإسلامي منذ حوالي ١٤ قرن أعطى ضوابط عملية لمفهوم القوة ، وحدد استخداماتها، وربطها بظروف وحالات معينة.
فلقد دعى الدين الإسلامي إلى ضرورة امتلاك القوة قصد الاستطاعة بمفهومها الشامل من عدة وتعداد وفكر وجند ، وغير ذلك قصد ردع الأعداء واحداث الريبة والخشية في قلوبهم حتى لا يعتدوا على الأمة الإسلامية ومقدساتها، ولا يتعلق مفهوم القوة في الفكر الإسلامي بجزء معين، وإنما فصل في انواعها وراى انه لا بد من امتلاك مختلف صنوفها وتم ربطها بالحكمة والفكر حتي يحسن توظيف من أجل نصر السلم والأمان ، لا بسط السيطرة والهيبة على الأمم والدول الضعيفة، فالدين الإسلامي ينصر المظلومين .
إن تدبر القوة واقعيا لدى المسلمين يتطلب وجود إدراك سياسي كبير بضرورة تحجيمها قصد المستطاع خصوصا في الشق الاقتصادي والعسكري عبر مجموعة من المقترحات كالآتي:
- بناء استراتيجيات دقيقة وملمة بالوضع الراهن لدراسة حقيقة الإمكانيات الموجودة لدى الأمة الإسلامية لاسيما وأنها الحيز الجغرافي الذي تتربع عليه غني بالموارد الهيدكربونية والمعادن الذي تحتاجها الدول الغربية مما تجعلها ورقة رابحة مؤثرة إن تم توظيفها بشكل جيد
- _ معرفة مواضع الخلل التي تمس الأمة الإسلامية ونقاط ضعفها ومعالجتها بالشكل الذي يجعل الدول كتلة اقتصادية وسياسية مؤثرة في الواقع الدولي
- توفر الإرادة السياسية الحقيقة لبناء الذات من أجل التمركز في الواقع الدولي تدريجيا بدل التموضع في منطقة الهامش والتبعية للغرب سواء كانت حتمية او طوعية، وهو ما يسميه المفكر مالك بن نبي ” القابلية للاستعمار” في وصفه لتبعية العالم الجنوبي للمتقدم، وما يشير إليه كذلك ابن خلدون في حديثه عن ولوع المغلوب بالغالب
- عدم تجريد القوة من بعدها الأخلاقي والإلهي والانساني كما فعل الغرب ، لأن تجريدها من هذا الجانب يسمح في انتشار الاستبداد والنهب والقتل والعدوان والعنف، وهي امور يرفضها الدين الإسلامي.
- الاستفادة من تجارب بعض الدول في مسارها التنموي الذي انعكس على واقعها الداخلي والخارجي بشكل إيجابي.
قائمة المراجع :
- أبو شنب حسين، الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، القاهرة: دار مدبولي، 1995، ص 23-24.
- حنة آرنت، تر: إبراهيم العريب، في العنف، بيروت: دار الساقي، 1992.
- الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، 1994م.
- مبروك غضبان، مدخل للعلاقات الدولية، عنابة: دار العلوم للنشر والتوزيع، 2007.
المقالات:
- تغريد صفاء، ولبنى خميس مهدي، اثر ااسيبرانية في تطوير القوة، مجلة حمورابي، العدد 33-34، شتاء 2020، ص 150_152.
- حطاب عبد المالك، التوجهات المختلفة في النظر إلى القوة في الفكر العربي والغربي، مجلة المعيار، العدد2 ، 2018، ص ص 57_58.
- علي جاسم محمد التميمي، اثر التحول من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة في العلاقات الدولية، مجلة الطريق العلمي والعلوم الاجتماعية، المجلد 6، العدد 2، 2019.
- عواضة حنان علي، السلطة عند ماكس فيبر، مجلة الاستاذ للعلوم الانسانية والاجتماعية، المجلد 1، العدد 206، سبتمبر 2013.
- مصطفى محمد الغبيدي، توظيف القوة الناعمة في س خ الامريكية، اتجاه الشرق الاوسط، رسالة لنيل متطلبات شهادة الماجستير في جامعة المستنصرية، العراق، 2014.
- شروق مستور، مفهوم القوة : أي موقع يحتله في الفكر العربي، الموقع الالكتروني: بتاريخ : 28/03/2023.
- محمد توفيق المقداد، القوة من منظار الإسلام، الموقع: بتاريخ: 23/03/2023.
- عيد بن مسعود الجهني، دور القوة في العلاقات الدولية، الموقع: بتاريخ: 18/03/2023
[1]أبو شنب حسين، الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، القاهرة: دار مدبولي، 1995، ص 23-24.
[2]علي جاسم محمد التميمي، اثر التحول من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة في العلاقات الدولية، مجلة الطريق العلمي والعلوم الاجتماعية، المجلد 6، العدد 2، ص 36.
[3]مصطفى محمد الغبيدي، توظيف القوة الناعمة في س خ الامريكية، اتجاه الشرق الاوسط، رسالة لنيل متطلبات شهادة الماجستير في جامعة المستنصرية، العراق، 2014، ص 14-16.
[4] تغريد صفاء، ولبنى خميس مهدي، اثر ااسيبرانية في تطوير القوة، مجلة حمورابي، العدد 33-34، شتاء 2020، ص 150_152.
[5]عيد بن مسعود الجهني، دور القوة في العلاقات الدولية، الموقع: بتاريخ: 18/03/2023.
[6] حطاب عبد المالك، التوجهات المختلفة في النظر إلى القوة في الفكر العربي والغربي، مجلة المعيار، العدد2 ، 2018، ص ص 57_58.
[7] عبد المالك حطاب، مرجع سابق، ص 57.
[8] حنة آرنت، تر: إبراهيم العريب، في العنف، بيروت: دار الساقي، 1992، ص 50_51.
[9] مبروك غضبان، مدخل للعلاقات الدولية، عنابة: دار العلوم للنشر والتوزيع، 2007، ص 74-78.
[10] عواضة حنان علي، السلطة عند ماكس فيبر، مجلة الاستاذ للعلوم الانسانية والاجتماعية، المجلد 1، العدد 206، ص 265_ 268.
[11] عبد الحكيم صادق الفيتوري، قوة الفكر الإسلامي تقديم أصوله كما انزلت، الموقع الالكتروني
[12] محمد توفيق المقداد، القوة من منظار الإسلام، الموقع: بتاريخ: 23/03/2023.
[13] الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، 1994م، ص 57.
[14] محمد توفيق المقداد، مرجع سابق
[15] المرجع نفسه.
[16] ابن خلدون، المقدمة، ص 122-124.
[17] شروق مستور، مفهوم القوة : أي موقع يحتله في الفكر العربي، الموقع الالكتروني: بتاريخ : 28/03/2023.
Please let me know if you’re looking for a author for your site. You have some really great articles and I believe I would be a good asset. If you ever want to take some of the load off, I’d love to write some articles for your blog in exchange for a link back to mine. Please blast me an email if interested. Thanks!
Do you mind if I quote a few of your articles as long as I provide credit and sources back to your site? My blog site is in the very same area of interest as yours and my visitors would really benefit from a lot of the information you provide here. Please let me know if this okay with you. Thanks a lot!
I visited a lot of website but I think this one has got something extra in it in it
Hello there! I know this is kind of off topic but I was wondering if you knew where I could get a captcha plugin for my comment form? I’m using the same blog platform as yours and I’m having problems finding one? Thanks a lot!
Nice post. I learn something more challenging on different blogs everyday. It will always be stimulating to read content from other writers and practice a little something from their store. I’d prefer to use some with the content on my blog whether you don’t mind. Natually I’ll give you a link on your web blog. Thanks for sharing.
I’ve learn some excellent stuff here. Definitely price bookmarking for revisiting. I wonder how a lot attempt you place to make any such magnificent informative website.
Someone necessarily help to make seriously posts I might state. That is the very first time I frequented your website page and up to now? I amazed with the research you made to make this particular publish extraordinary. Wonderful job!
Thank you for any other informative site. The place else may just I get that type of information written in such a perfect method? I’ve a venture that I’m simply now operating on, and I have been at the look out for such information.
I truly appreciate this post. I have been looking everywhere for this! Thank goodness I found it on Bing. You’ve made my day! Thank you again
We absolutely love your blog and find the majority of your post’s to be just what I’m looking for. Does one offer guest writers to write content to suit your needs? I wouldn’t mind producing a post or elaborating on a number of the subjects you write concerning here. Again, awesome weblog!
Good day very cool blog!! Guy .. Beautiful .. Amazing .. I’ll bookmark your website and take the feeds alsoKI’m glad to seek out numerous useful info right here in the post, we’d like develop extra strategies in this regard, thanks for sharing. . . . . .
Good – I should certainly pronounce, impressed with your site. I had no trouble navigating through all tabs as well as related info ended up being truly simple to do to access. I recently found what I hoped for before you know it at all. Reasonably unusual. Is likely to appreciate it for those who add forums or anything, website theme . a tones way for your customer to communicate. Excellent task..