فائز شبيل
مركز المجدد للبحوث والدراسات
كان الزمن النبوي من الأزمان العظيمة في التعايش والاندماج مع كل المجتمعات سواء المجتمع المكي من كفار قريش وغيرهم، أو الحبشة وفيه المجتمع النصراني، أو المجتمع المدني وفيه المجتمع اليهودي والمنافقين وغيرهم.
ومع كل تلك الأزمان والمجتمعات قد تحصل بعض الخلافات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يتعامل معها بعدل وحكمة وتعايش أمره الله به ومن ذلك ما حدث في أن اختلف يهودي ورجل من الأنصار وحصل بينهما تساب وخلاف شديد، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. قال: فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون في أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله»، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا([1]).
قال ابن الملك: «وإنما نهى عليه الصلاة والسلام عن تفضيله عليه من تلقاء أنفسهم؛ تواضعا منه – صلى الله عليه وسلم -، وزجرا للأمة عن تفضيل بعض الأنبياء على بعض من عند أنفسهم؛ لأداء ذلك إلى العصبية وإلى الإفراط في محبة نبي، والتفريط في محبة آخر، أو الإزراء به، وهو كفر»([2]).
إن الذي يسمع هذا الحديث يظهر له كيف كانت اليهود تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعدل لهم في الحكم، فمجرد ما اعتُدي عليه هرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشكو له ويأخذ منه حقه.
وأيضا يظهر أن الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى في المدينة كان أمرا غير مقبول وأمرا يغضب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويؤخذ من الحديث أن كل فعل أو قول يسبب تعصبا أو تمييزا عنصريا بين المجتمع الواحد من المسلمين وغيرهم فإنه يمنع، لما في ذلك من تأليف القلوب وتخفيف الخلاف ونشر المحبة بين الناس. ويراعى هذا المبدأ النبوي في كل البلدان الإسلامية التي فيها أديان أو فيها مذاهب فقهية فكل ما يسبب فتنة أو فرقة أو نزاعاً فإنه يمنع ويغلق بابه.
كان الحال كذلك في زمن الخلفاء الراشدين وخاصة في خلافة عمر بن الخطاب صاحب المدة الزمنية الأكبر في الحكم والأكثر استقرارا وتمكناً، وكان انتشار الإسلام في زمنه على عدة محاور مهمة، منها فتح بيت المقدس التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها بعد موته، فكانت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكان عمر بن الخطاب متبعا لنهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعايش والإنصاف مع أهل الأديان، ولذا من مقولاته العظيمة: “أوصيكم بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم عهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم.
وعندما صارت بيت المقدس تحت ظل الحكم الإسلامي أصدر عمر بن الخطاب مرسوماً عظيماً اشتهر باسم “العهدة العمرية”، وكان فيها من الأصول والقواعد العظيمة التي تظهر حق العيش والكرامة والأمان والاستقرار، وأن الإسلام دين رحمة ودعوة إلى الحق.
وكان نص العهدة العمرية ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة»([3]).
وهؤلاء يعتبرون من أهل الذمة حيث إنهم صاروا من ساكني الدولة الإسلامية، مقيمين فيها لا يريدون أن يتركوا أرضهم وأموالهم، ولهم عهد وعقد وميثاق، وعقد الذمة عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم، وتمتعهم بحماية الجماعة الإسلامية ورعايتها بشرط بذلهم الجزية، والتزامهم أحكام القانون الإسلامي في غير الشئون الدينية، وبهذا يصيرون من أهل دار الإسلام، فهذا العقد ينشئ حقوقا متبادلة لكل من الطرفين المسلمين وأهل ذمتهم بإزاء ما عليه من واجبات.
فمن خلال عهدة عمر يظهر الرُشد في التعامل معهم في ظل الخلافة الراشدة، ففي هذه الوثيقة عدة أمور:
- الأمان الشخصي على المال والنفس والأهل والمسكن.
- الأمان الديني على دور العبادات.
- حرية التنقل والسفر أو البقاء والاستقرار.
- حرية العبادة.
- منع إذائهم أو التعرض عليهم.
- حرية التجارة والتعليم وغيرها.
وإذا انتقلنا وقفزنا إلى المرحلة العظيمة في الإسلام وهي مرحلة الأندلس وما فيها من تعدد مجتمعي وعرقي وديني فهي في الواقع من أفضل الحقب التي مرت على الدولة الأموية في التعايش والاندماج بين الأديان، وما تعرف بربيع الأندلس وأساسها قرطبة الجميلة والعظيمة، ففي الأندلس الإسلامية، كان التعايش بين الأديان يتميز بالتسامح والتعايش السلمي بين الجميع. كان اليهود والمسيحيون واليهود والرومان والأمازيغ وغيرهم يعيشون بجوار المسلمين في بيئة متعايشة وسلمية، وكانوا يتمتعون بالحرية في ممارسة شعائرهم الدينية وممارسة حرفهم وتجارتهم. وكانت هناك المدارس والجامعات التي كانت تضم طلابًا من مختلف الأديان والأعراق والشعوب([4]).
كانت الأندلس مركزًا للحضارة الإسلامية، حيث عاش اليهود والمسيحيون بجوار المسلمين في بيئة سلمية ومتعايشة. وقد استفاد المسلمون من مساهمات الأقليات الدينية في العلوم والفلسفة والأدب.
يمكن للنموذج الأندلسي حاليًا أن يلعب عدة أدوار، منها: إعداد إطار نظري وعملي للحوار وقواعد التعايش ، لأنه على المدى القصير يتجلى في جو التسامح والتعايش السلمي الذي يميز التجربة الأندلسية السياسية والاجتماعية. البشر والحضارات التي لم تفقد أصالتها وطاقاتها الرمزية والعملية لأنها تمثل دافعًا جديدًا لغرس دروس الماضي في واقعنا المعاصر وكذلك في المستقبل المنظور.
يفرض الوضع الفريد للبلد الأندلسي، بسبب طبيعته ، طرقًا مختلفة للتعايش والتعامل مع أهل الذمة اليهود والمسيحيين. هذه العوامل ، بالإضافة إلى التهديد المستمر للجيوش المسيحية والوضع الخلافي على المستوى السياسي ، ساهمت في تشكيل الإطار المألوف للنهضة اليهودية. والسبب في ذلك أنه بسبب انشغال الدولة بالتهديد المسيحي على الشمال ، سرعان ما تحولت الاسترضاء الداخلي إلى تسامح مبالغ فيه مع الجميع خاصة لليهود.
([1]) صحيح البخاري (8/ 108 ط السلطانية)، برقم: (6517).
([2]) شرح المصابيح لابن الملك (6/ 160).
([3]) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 609).
([4]) كانت الأندلس، حين فتحها المُسلمون، عامِرة بالسكّان الذين ينتمي أغلبهم إلى الدّيانة الـمسيحيّة. وكان بعضهم من العناصر الإيبيريّة (Iberos) التي هاجرتْ إليها من قديم الزَّمان من الـمغرب، فيما كان بعضها الآخر ينتمي إلى العناصر الكلتيّة (Celtos). وإلى جانب المسيحيّين اشتملت الأندلس على اليهود والقوط والرُّومان، فضلاً عن العناصر العربيّة الـمُصاحبة للفتح الإسلامي والبربر/ الأمازيغ، الذين سرعان ما اختلطوا بالعناصر الأصليّة، فنتج عن ذلك عنصر جديد عُرف في ما بعد باسم “الـمُولَّدين”. ينظر: https://cutt.us/XKatz مقال بعنوان: في نموذج العَيش الأندلسيّ د. محمَّد حلمي عبد الوهَّاب.
Howdy! Do you use Twitter? I’d like to follow you if that would be okay. I’m absolutely enjoying your blog and look forward to new posts.
Yesterday, while I was at work, my sister stole my iphone and tested to see if it can survive a 40 foot drop, just so she can be a youtube sensation. My apple ipad is now destroyed and she has 83 views. I know this is totally off topic but I had to share it with someone!
very good publish, i actually love this website, carry on it
The next time I read a blog, I hope that it doesnt disappoint me as much as this one. I mean, I know it was my choice to read, but I actually thought youd have something interesting to say. All I hear is a bunch of whining about something that you could fix if you werent too busy looking for attention.