رحلة حاج
زهرة سليمان أوشن
الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، الشعيرة المميزة
سياحة وتأمل، عطاء وبذل، جمال وجلال، تواصل وعرفان
رحلات في رحلة وعبادات في عبادة
فهو عبادة قلبية وروحية، بدنية ومالية، جماعية وفردية
جمعت بين أطرافها فوائد عديدة ومنح فريدة.
في الحج يقصد الحاج بيت الله الحرام في زمن مخصوص ووقت معلوم ليقوم بتأدية شعائر محددة بكيفية مخصوصة يتلقى كيفيتها وأدابها، فرائضها وسننها من كتاب الله تعالى وسنة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعلم فقهها ومسائلها من فقهاء أجلاء ينيرون الدرب ويوضحون ما أشكل عليه ويجيبون على تساؤلاته حولها.
ويفهم الحاج أحوال هذه الشعائر وأهدافها، عمق معانيها من أهل المعرفة السالكين درب العرفان، ليجد في ذلك الفهم مع صدق التوجه وإخلاص القصد، جمالا وجلالا في تلك الخطى التي يخطوها وهو يسير في ذلك المكان المبارك وتلك الربى الطيبة.
ففي تلك الرحلة المباركة يؤدي الحاج فرضا يفرض على كل مسلم بالغ قادر مستطيع مرة واحدة في العمر.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿96﴾
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴿ 97﴾
ينتقل الحاج تاركا أهله وبلده متوجها إلى البيت الحرام، إلى تلك البقعة المباركة مكة وقلبه يملؤه الشوق والحنين لها ، كيف لا…؟؟
وهي مسقط رأس الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
مكة ذلك المكان الطاهر الذي استودع فيه الخليل زوجه الكريم هاجر وابنه الحبيب إسماعيل عليه السلام
فإذا بعد النصب راحة وبعد العطش رئيا ومكرمة
وكان زمزم الريء والشفاء، الجائزة والبركة للأم المؤمنة ولكل من سار في درب اليقين والصبر
ولعل الحاج يتذكر تلك الأحداث وهاتيك العبر وهو يسعى بين الصفا والمروة فيتعلم دروسا في التفويض والتوكل ، حسن الظن بالله وجمال الرضا بقدره.
يتعلم كل ما سبق وهو في شعيرة تحتاج إلى صبر ومصابرة ، إصرار ومثابرة.
فيتسربل بهاتيك الفضائل العظيمة، فإذا بسلوكه حلم وتوؤده، عفو وإحسان، يظهر ذلك جليا في حجته وبعد رحلته ليعود إلى دياره وهو أكثر إشراقا وأحسن أخلاقا.
يطوف بالبيت العتيق
وما أدراك ما الطواف، صلاة وصلة، حركة وبركة، دعاء وتذلل، قرب وتجلي.
انسجام مع حركة الكون وتناغم مع منظومة الحياة، فإذا هو يمشي وفي خطواته خشوع وانكسار، وبين خلجات روحه راحة وسكينة، وفي قلبه فرح وحبور
كيف لا ….؟
وهو يخطو هناك
وما أروع وأوسع وأجمل ما هناك
حيث البلد الأمين وحجر إسماعيل ومقام إبراهيم، وكأنه يسمع دعواتهما المباركات وأنفاسهما الطيبة وقلبهما المخلص وهما يلهجان بالدعوات بعد رفعهم لقواعد من البيت
ويتذكر الآيآت الكريمة في سورة البقرة وهي تنقله إلى هذا المشهد المميز فيتلو خاشعا وهو ينظر إلى الكعبة لمشرفة:- ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 129
يدور حول تلك الكعبة وأنواراستارها السوداء تتلألا حوله،
يطوف وكلما طاف زاد حبا وقلبه يخاطبه،،، در، سر، مباركة هذه الخطى فربما وقع خطوك على خطوهم أولئك المباركون الذين طافوا هنا من قبل، لقد شغفهم هذا البيت حبا فسارعوا يلجأون إليه ويتعطرون منه
( أنبياء الله الكرام جاؤوه، والأولياء والصالحون قصدوه، والعلماء العاملون إليه حجوا وفي ساحاته صلوا )، يخاطب نفسه، ويردف قائلا: بيت وأي بيت، يكفيه شرفا أنه أول بيت بني لعبادة الله ويتردد صدى الآية في في كل جوارحه :- ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران 69
يصلي في مقام إبراهيم، مستجيبا لنداء ربه : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) البقرة من الآية 125
يحدث نقسه وقلبه ويرسله وهج الشوق إلى خليل الله إبراهيم، فيخاطبه قائلا :يا خليل الرحمن، أي حب ووصل كان بينك وبين الله وأي علاقة كانت بينك وبينه، طوبى لك، لقد جعلك ترفع بناء بيته وتنادي الناس بالحج إليه، ويتلو هاتين الآيتين من سورة الحج:- ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27
تلتقي عيناه بتلك الستائر السوداء الني تغطي الكعية، يعيد النظر، يكرر التحديق مرات ومرات، يسعد القلب وتقر عينه فتشرق في نفسه شموس وتمطره أنوار.
يخرق جدار الزمن يجتاز قرونا لينطلق إلى هناك، إنه يشم ريحه الطيب، يرى بقلبه، بصفائه ، نور وجهه الوضاء وإشراقة محياه البهئ.
ها هو في جمع كبير من أصحابه هنا
رباه، إنه يوم فتح مكة ،، بأبي أنت وأمي يا رسول الله،، تنادي بها كل خلاياه
لكأنه ينظر إليه،، وهو يحطم الأصنام ويطهر مكة من الشرك، ها هو يتلو: ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) سورة الإسراء 81)
شخص ما يصعد على سطح الكعبة ، يا الله إنه بلال ،،هل كان أهل مكة يأبهون به من قبل ؟ ما كانوا يرونه إلا عبدا عليه أن يسمع ويطيع، لقد هزمهم بيقينه وثباته وهو يترنم أحد أحد.
إنه اليوم في فتحها يرفع الأذان ينادي بالتكبير، ولعل حكما تتناثر لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد، قائلة : أن الله أكبر من كل كبير وأن من أعتز بغير الله ذل وأن من أراد أن يرفع فلا يجعل له وليا ونصيرا إلا الله
الله أكبر،الله أكبر،، مبارك هذا النداء يملأ الأرجاء ويعانق السماء
يحدث نفسه،، وهو يرى نور- محمد صلى الله عليه وسلم – أولئك الذين عاندوه، كذبوه، بكل قبيح وصفوه، ظاموه ،حاولوا أن يقتلوه، من أرضه أخرجوه، حاربوه، ها هم اليوم يقفون أمامه وقد جاء فاتحا منتصرا، هل يستحقون إلا عقابا على ما اقترفوه ؟
لكن اللقطة تبهره، الحبيب يترفق بهم، يحاورهم بأدبه الجم، يسألهم بكل رقة قائلا: ما تظنون أني فاعل بكم..؟
قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم،، وتتردد الكلمات في نفسه وهو ينظر إلى هذا المشهد المهيب، الآن عرفتم أنه أخ كريم وابن أخ كريم
فلماذا حاربتموه وأخرجتموه ,,ألا تستحون القصاص بعد كل ما فعلتموه ؟
لكن صاحب الخلق الرفيع، تبسم في وجوههم، ما كهرهم ولا عنفهم، ما وبخهم ولا عاتبهم
وقال جملته الندية المدوية ، ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )
يردد بكل الحب والامتنان ونردد معه صلوات الله عليك وسلامه يا سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وإمامنا محمد.
تتنزل دموع الفرح والبهجة، الحب والاحترام، الشكر والعرفان
وهو يقف وقد تجلى أمامه هذا المشهد المهيب بكل تفاصيه الجليلة والجميلة لخير المرسلين وإمام المتقين
يرسل دعواته إلى مولاه، أن يا رباه قبسا من رفعه حبيبك محمد وحزمة من نوره،
اللهم سيرا على نهجة وتأسيا بسنته واقتداء بسيرته لعلي أكون أهلا لأخوته ومحبته وشفاعته ومن تم رفقته في جنات النعيم
وكأنما يسمع ما حوله يردد،، أمين آمين آمين
وتستمر المناسك وتتنوع شعائرها،
في اليوم التاسع من ذي الحجة، إنه وإنهم هناك فوق جبل عرفات وعلى صعيده الطاهر
يا الله أي جمع هذا وأي موقف هذا..؟!
يا الله من كل حدب وصوب جاوؤا، يلبون النداء، يقصدون رب الأرض والسماء
تباينت ، بلدانهم، لهجاتهم، ألوانهم، أعرافهم
جمعهم الإيمان ووحدهم الإسلام
لا فرق بين أبيض وأسود ولا بين فقير وغني إلا بما يحمله في قلبه من تقوى وإخلاص
البياض يكسوهم، الإحرام لباسهم، إنهم يتضرعون، يبكون إلى الغني الوهاب يأجأرون، وإياه وحده يدعون
وتتكاثف المعاني ويظلله الجلال والجمال، يستصغر نفسه، يعاتبها على تقصيرها، يدعو بكل صدق، اللهم تقبل مني ولا تردني خائبا
تحنقه العبرات، تقتله الحسرات لكنه يدرك أنه يوم الرحمة والاستجابة فلا يظن بربه إلا أنه سيكرمه وهذا الجمع وكل من علق قلبه بهذا المقام.
إنه عرفة يوم التهليل والدعاء، يوم المعرفة والعرفان، يوم الاعتراف والاغتراف
وإنها لرحلة وأي رحلة
I love your blog.. very nice colors & theme. Did you make this website yourself or did you hire someone to do it for you? Plz reply as I’m looking to construct my own blog and would like to know where u got this from. kudos
I haven’t checked in here for a while because I thought it was getting boring, but the last several posts are good quality so I guess I will add you back to my everyday bloglist. You deserve it my friend 🙂
very nice publish, i certainly love this web site, keep on it