د. إسماعيل علي السهيلي
ملخص البحث:
تناولت الدراسة إشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي باعتباره سُلطة أمرٍ واقعٍ يقوم على الاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر خلافاً للأصل الشرعي الذي يَعتبر الأمة مصدر السّلطة وصاحبة الحق في منحها لمن ترضاه بإرادتها وحرية اختيارها دون إرغام أو إكراه، ورغم أهمية هذه الإشكالية المعقدة إلاّ أن نصيبها من الدّراسة مازال محدوداً ولا يتناسب مع خطورتها وتأثيراتها العميقة على الدّولة والمجتمع، وقد سعت الدراسة إلى الإسهام في بحث هذه الإشكالية تحقيقاً: بدراسة مختلف جوانبها بأدلتها ومقولات الأئمة والفقهاء الذين تناولوها قبولاً ومنعاً، وتحريراً: بتخليصها مما يلتبسُ بها نتيجة قصور النظر والتنظير وإهمال السياقات التاريخية والسياسية، وتقريراً: ببيان وجه الصّواب فيها وتحديد ما يترتب على الاعتراف بسلطة المُتغلب، وطبيعة الشرعية السياسية التي تُمنح له وشروط ذلك وضوابطه ومتطلباته.
ونظراً لتعقد هذه الإشكالية فقد تمّ الاستناد في إطار ما يُعرف بالتكامل والتكافؤ المنهجي على مجموعة من مناهج التحليل التي يعتقد الباحث أنها تتلاءم وتتكافأ منهجياً مع المشكلة البحثية، وبما يُساهم في بناء الإطار النظري الذي يُمكّن من التعليل والتفسير واستخلاص النتائج العامة، ويحقق الفهمَ الأمثلَ لهذه الإشكالية وكيفية التَعامل معها، وما يترتب عليها على صعيد الفكر والممارسة السياسية الإسلامية في الماضي والحاضر.
وقد توصلت الدّراسة إلى نتيجة مركزية مفادها أنّ الاعتراف بسُلطة الحكّام المتغلبين الذين أصبحت سُلطتهم أمراً واقعاً كان حصيلةُ موازنة فقهاء الفكر السياسي الإسلامي بين خيارين: إمّا الاستمرار في مُقاومة المُتغلبين، وعدم منحهم أيّ نوع من الشّرعية، ومن ثمّ تحمّل تبعات ما يترتب على ذلك من أضرار كبيرة ومحققة تَنزل بالمسلمين ودولتهم ومجتمعهم، أو البحث عن مخرج فقهي يراعي الواقع ويُؤدي إلى الاستمرار في إنجاز الوظائف والمهام التي لأجلها تُقام السلطة السياسية، فاختاروا الخيار الثاني، ووجدوا له سنداً في القاعدة الفقهية القاضية بأنّ الضرورات تُبيح المحظورات، وفي إطار كلّ هذا انتهت الدراسة إلى أن هنالك حاجة مُلحّة لإجراء مُراجعات فكرية تنصرف بمجموعها لوضع عدة ضوابط وشروط ومتطلبات ينبغي الوفاء بها ومراعاتها عند الاعتراف والتعامل مع الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً.
الكلمات المفتاحية: التغلب، الحكم، الفتنة، الضرورة، القوة، الفكر السياسي الإسلامي.
يُعد التّغلب والاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر من أهم الإشكاليات المُثارة في الفكر السياسي الإسلامي قديماً وحديثاً، ورغم أن مشروعية وشرعية تولي مقاليد الحُكم في الإسلام تقوم على رضا الأمة وحُرية اختيارها، وأن عقد الإمامة هو عقد مراضاة واختيار لا يدخله إرغام أو إكراه، فقد حصل تراجعٌ عن هذا الأصل بسبب ظروف موضوعية في حُكومات ما بعد الخلافة الراشدة، تتعلق بإيقاف الفتنة والاقتتال الذي جرى بين المسلمين، والحرص على تحقيق وحدة المجتمع المسلم الذي أصابه التفرق والانقسام، وتمّ منح المتغلبين نوعاً من الشرعية كحالة ضرورة ملجئة، وزاد تعقد هذه الإشكالية مع مرور الزمن حيث تمّ إهمال السياقات التّاريخية والسياسية التي نشأ فيها التغلب، وتم استدعاء المقولات والرؤى الفقهية التي أقرت بمشروعية التغلب وتوظيفها كأساس فكري يُؤصّلُ بواسطته لشرعية هذا النمط من أنماط الاستيلاء على الحكم، ممّا أدى إلى تراجع الشورى والرضا كطريقة شرعية للوصول للحكم وتداوله والاحتفاظ به، واستبدال ذلك بالغلبة أو القهر، وجعل تولي الحكم وممارسة شؤون السياسة حكراً على أصحاب القوة والشوكة والنفوذ.
ورغم أهمية هذه الإشكالية التي تُعد من صميم مجال السياسة والحكم ماضياً وحاضراً، إلاّ أن نصيبها من الدراسة والبحث مازال محدوداً ولم تنل الاهتمام الذي يتناسب مع خطورتها وتأثيراتها على الدولة والمجتمع، وهذا ما تسعى هذه الدراسة للإسهام به من خلال بحث ودراسة إشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي ، تحقيقاً : بدراسة مختلف جوانب الإشكالية بأدلتها ومقولات الأئمة والفقهاء الذين تناولوها قبولاً ومنعاً، وتحريراً: بتخليصها مما يلتبس بها نتيجة قصور النظر والتنظير وإهمال السياقات التاريخية والسياسية، وتقريراً: بتوضيح طبيعة المشروعية والشرعية التي تترتب عليها وشروط ذلك وضوابطه ومتطلباته.
تكمن أهمية الدراسة في طبيعة الإشكالية التي تتناولها ببعديها النظري والتطبيقي، وبهذا فإن للدراسة أهميتان، علمية وأخرى عملية:
تكمن الأهمية العلمية للدراسة في كونها تسعى لإلقاء نظرة أوسع حول إشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي، والإسهام في بناء نظرية عامة عن التغلب نشأةً وممارسةً ومشروعيةً وشرعيةً، والعمل على تجاوز التناول الفقهي العام لهذه الإشكالية الذي يركز على نقل مقولات المُقرّين والرافضين لشرعية سلطة الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً، إلى سبر السياقات التاريخية والسياسية التي ظهرت فيها تلك المقولات ومتابعة تطورها، واستقصاء الدوافع والمقاصد المُحركة لها، مع التركيز على الانتقال من الوصف إلى التفسير، ومن استحضار الحدث السياسي والتاريخي إلى فحصه وتحريره وبيان آثاره القديمة والمعاصرة.
تكمن الأهمية العملية للدراسة في كونها تتناول واحدة من أخطر إشكاليات الحكم والسياسة في الواقع الإسلامي المعاصر، إذ تعددت أشكال التغلب في عصرنا الراهن من ثورات وانقلابات عسكرية وحكومات الأمر الواقع، وعادةً ما يُصاحب ذلك استدعاء المقولات الفقهية المُقرّة بشرعية الحاكم المتغلب مبتورةً عن دواعيها وسياقاتها التاريخية والسياسية، وإهمال بيان أن الاتجاه العام في الفكر السياسي الإسلامي يُجمع على أن تولي الحكم في الدولة الإسلامية يجبُّ أن يقوم ابتداءً على طريقٍ شرعيٍ يُعبّرُ عن إرادة الأمة وحرية اختيارها، وأن حالة الإقرار بشرعية سلطة الحاكم المتغلب إنما هي حالة استثنائية خارجة عن الأصل الشرعي، وبهذا فإن الدراسة تقدم جوانب عملية يُمكن أن تُسهم في إدراك وفهم طبيعة التعامل الشرعي المطلوب اتباعه مع الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً، ومن جهة أخرى تُسهم الدراسة في تقديم إضافات معرفية مُؤصّلة تسهم في رفض ظاهرة الاستيلاء على الحكم بالقوة والتي تُهدّد الاستقرار السياسي في بلدان العالم الإسلامي المُعاصر.
فرضيات الدراسة:
التغلب في الفكر السياسي الإسلامي إشكالية معقدة ومعالجتها تتطلب الانطلاق من عدة فرضيات تُساعد على فهم وتفسير هذه الإشكالية والإحاطة بمُختلف جوانبها، وستقوم هذه الدراسة باختبار صحة أو عدم صحة الفرضيات التالية:
- يضع الفكر السياسي الإسلامي فروقاً واضحةً بين تولي الحكم عن طريق رضا الأمة وحُرية اختيارها وبين توليه عن طريق التغلب بالقوة أو القهر.
- يتسم الفكر السياسي الإسلامي بتعدد اتجاهاته حول منح الشرعية السياسية للحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً.
- لم يكن إقرار فقهاء الفكر السياسي الإسلامي بشرعية الحاكم المتغلب مبدأً انطلقوا منه، وإنما كان خياراً اضطروا إليه تحت ضغط ظروف موضوعية دفعتهم لذلك.
- يضع الفكر السياسي الإسلامي فروقاً بين الحاكم المتغلب الذي استولى على الحكم بالقوة، وبين الحاكم الشرعي الذي وصل للحكم برضا الأمة وحُرية اختيارها.
- تتسع أصول ومبادئ الفكر السياسي الإسلامي لوضع العديد من الاشتراطات والضوابط والمتطلبات التي ينبغي أن يرتبط بها منح الشرعية السياسية للحاكم المتغلب.
تسعى الدراسة لبحث مجموعة من الأهداف أهمّها ما يلي:
- استقصاء الجذور والسياقات السياسية والتاريخية التي أدت لنشوء التغلب في الفكر السياسي الإسلامي.
- بحث مدى صحة دعوى انعقاد الإجماع في الفكر السياسي الإسلامي على شرعية إمامة المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً.
- بيان طبيعة وضوابط وشروط ومُتطلبات الشرعية التي مُنحت في الفكر السياسي الإسلامي للحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً.
- توضيح العلاقة بين التغلب كمفهوم وبين المفاهيم المرتبطة به والتي يستند عليها للاستيلاء على السلطة في الفكر السياسي والممارسة التاريخية الإسلامية.
الدراسات السابقة:
هنالك بعض الدراسات التي تناولت التغلب في الفكر السياسي الإسلامي، إلاّ أن السمة الغالبة عليها أنها تناولت إشكالية التغلب بمنظور جزئي إما بالتركيز على الجانب الفقهي مشروعية وشرعية، أو بالتركيز على الأبعاد التاريخية وإهمال تطور الإشكالية، أو بالنظرة السلبية الحادة التي تنظر للتعامل الفقهي الإسلامي مع إشكالية التغلب على أنه كان ذو هدفٍ وظيفيٍ يتمثّل في منح المشروعية السياسية الإسلامية للحاكم المتغلب وتمكينه من تكريس استبداده بمجال الحكم والسياسة وإسكات معارضيه الذين ينادون بالشورى وحق الأمة في الاختيار.
وبصورة إجمالية فمن أهم الدراسات السابقة التي تناولت التغلب التالي:
- دراسة قدمها أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبا الخيل بعنوان (التغلب: دراسة في الفكر السياسي الإسلامي) لنيل درجة الماجستير من قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، عام 1424ه الموافق 2003م.
وقد اتسمت الدراسة بالتّوسع في استقصاء التعريف اللغوي للتغلب واستعمالاته في القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذا في الاصطلاح الفقهي الموروث، واستقصاء الجذور التاريخية للتغلب في التاريخ الإسلامي، كما توسعت في تناول كيف تحول الحكم في الدولة الإسلامية من الخلافة الراشدة الذي كان قائماً على البيعة السياسية الشرعية إلى الملك الذي يقوم على القوة والقهر.
أيضا اتسمت الدراسة بالاستعراض والمناقشة لآراء الأئمة والفقهاء الذين يرون طاعة الحاكم المتغلب والاعتراف بسلطته، وقد بذلت الدراسة جهداً كبيراً في استقصاء المقولات التي تُبين أن الباعث على ذلك هو الحرص على وحدة جماعة المسلمين وحالة الضرورة المُلجئة، ومن جهة أخرى توسعت الدراسة في استقصاء أدلة وحجج الاتجاه القائل بعدم مشروعية التغلب وذلك من خلال عملية تتبّع نصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية ونموذج الخلافة الراشدة والتاريخ الإسلامي.
- دراسة حسين بوبيدي وعبد الحميد مهري بعنوان (سلطة المتغلب في الفكر السياسي الإسلامي السني: دراسة في أثر الحوادث التاريخية على الاختيارات الشرعية)، مجلة الآداب والحضارة الإسلامية، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 2022م، المجلد 14، العدد 28، قسنطينة الجزائر.
تناولت الدراسة إشكالية التغلب في الفكر السياسي السُّني من خلال التركيز على متابعة تشكّل المقولات الفقهية السياسية التي تدعم سلطة المتغلبين وتُبرر لتجاوز الشورى واستحضار أثر التاريخ وفاعلية السياسة لفهم تلك الأقوال لإدراك العلاقة الوطيدة بين الآراء الشرعية والضغوط الزمنية، وقد اتسمت الدراسة بنظرة نقديّة حادّة وحُملت بشدّة على الأئمة والفقهاء الذين تحدثوا عن إعطاء الشرعية للحاكم المتغلب، ووصفتهم بأنهم قد أسسوا لموقف ديني يمثل جنوحاً من السلطة الدينية إلى تكريس رؤية تصبُّ في صالح السلطة السياسية المتغلبة.
ويُؤخذ على الدراسة أنها لم تتناول مقولات الاتجاه الفقهي الإسلامي الذي رفض إضفاء الشرعية على المتغلبين، وأنها تجاوزت هذه المبررات الموضوعية التي كانت وراء القول بمنح الشرعية للمتغلبين، وخلصت إلى التعميم المُجافي للحقيقة من خلال القول بأن الخطاب التاريخي السني يُعبر في الحقيقة عن حالة من التبرير الديني الذي يُضفي المشروعية والشرعية على سلطة المتغلب ويُشكّل في ذات الوقت بناءً فكرياً يسمح بالاستبداد من خلال إنتاج مقولات فقهية تُؤصّل لطاعة السلطة السياسية المتغلبة، ومنع كل ما من شأنه أن يُؤدي إلى زعزعتها، وفي ذات الوقت تحميل جَورها إلى انحرافات الرعية.
- دراسة حسام الدين خليل فرج بعنوان (إمامة المتغلب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة)، مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية بماليزيا، كوالالمبور، المجلد 22، العدد 43، 2018م.
اتسمت الدراسة بالتركيز على توضيح عدم صحة إطلاق القول بإجماع العلماء على انعقاد إمامة المتغلب، وذلك من خلال نقل أقوال العديد من الأئمة والفقهاء قديماً وحديثاً الذين يرون عدم شرعية إمامة المتغلب، كما توسعت الدراسة في استعراض اتجاهات الفكر السياسي والإسلامي حول مشروعية التغلب قبولاً ورفضاً، وكيف ينبغي التعامل مع الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً، كما ركزّت الدراسة على تتبّع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وحوادث التاريخ الإسلامي، ومقولات العلماء قديماً وحديثاً، والتي عادةً ما يستند عليها كلّ اتجاه لتدعيم صحة ما يَذهب إلى تقريره فيما يتعلق بتولي مقاليد الحكم بصفة عامة، والاستيلاء عليه بالقوة أو القهر وبدون رضا الأمة وحُرية اختيارها بصفةٍ أخص.
وبصورة إجمالية يُمكننا القول أن الدراسات السابقة قد أسهمت في تسهيل إلمام دراستنا هذه بإشكالية التغلب ومدى تعقّدها واختلاف التعامل معها نظراً وتنظيراً في الفكر السياسي الإسلامي، وساعدت في تحديدٍ أكثر دقة لمشكلة الدراسة وصياغة فرضياتها وأهدافها، ومثّلت مصدراً مهماً لجمع المعلومات، أيضاً حفّزت الباحث لبذل جهد أكبر في استخدام منهجية تحليل تتلاءم وتكافأ منهجياً مع إشكالية التغلب، التي تُعد من أكثر إشكاليات الفكر السياسي الإسلامي تركيباً وتعقيداً، وقد ساعد ذلك على تلافي القصور الذي شاب العديد من الدراسات التي يغلب على كثيرٍ منها نقل الأفكار والمقولات مبتورة عن السياق العام التي صدرت فيه، ومن ثم وقوفها عند الوصف والتصنيف دون الانتقال إلى التفسير ومحاولة تعميم النتائج، وقد أسهمت هذه المنهجية في فتح المجال للتعقيب على جوانب عديدة ومهمة، وخاصة فيما يتعلق بالإطار العام لإشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي، وعدم الاكتفاء بتناولها من خلال استعراض وسرد آراء أئمة وفقهاء الفكر السياسي الإسلامي حول مشروعية وشرعية التغلب قبولاً ورفضاً والمبثوثة في كتب الفقه العام، والأحكام السلطانية، والعقائد والفرق، والتاريخ، بل علاوةً على ذلك قامت هذه الدراسة باستقصاء وتحليل هذه الآراء وسياقاتها وتطورها وظروفها التاريخية والسياسية، وإعادة تحريرها وصياغتها في إطارٍ فكريٍ متكاملٍ يُمكن أن يُسهم في بناء النظرية العامة للتغلب في الفكر السياسي الإسلامي.
نظراً لتعقّدِ إشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي سيتم الاستناد في إطار ما يُعرف بالتكامل والتكافؤ المنهجي على مجموعة من مناهج التحليل التي يَعتقد الباحث أنها تتلاءم وتتكافأ منهجياً مع المشكلة البحثية التي تتناولها هذه الدراسة، فمن جهة سيتمُّ الاعتماد على المنهج التاريخي للاستفادة من مقولاته وأدواته التحليلية للتعرف على الكيفيات والمُسبّبات، وأصالة وجودة المصادر، وتحري وفحص السياقات التاريخية التي ظهر فيها التغلب، ومتابعة تطور هذه الإشكالية تاريخياً، وكذا في استحضار المقولات الفكرية والسياقات السياسية التي صدرت فيها وفحصها ونقدها، وتوظيف كل هذا بما يُساهم في بناء الإطار النظري الذي يُمكّن من التعليل والتفسير واستخلاص النتائج العامة.
ومن جهة أخرى ستعتمد الدراسة على المنهج الاستنباطي الذي ينطلق من القواعد الكلية ليصل إلى الجزئيات، وكذا المنهج الاستقرائي الذي ينطلق من الجزئيات ليصل إلى حكم كلي، واستعمال المنهجين بما ينسجم مع ما قرّره علم أصول الفقه الإسلامي فيما يتعلق بقواعد الفهم السليم، وطرق الاستدلال المعتمدة، ومناهج الاستنباط الصحيح.
أيضاً سيتمُّ الاستعانة بالمنهج الوصفي لتحديد أهم المعلومات التي ينبغي جمعها، والاستفادة منه في توضيح وتحديد وتفسير العلاقة بين مُتغيرات إشكالية التغلب، وربط الأسباب بالنتائج، وبما يُؤدي للتّعرف على إشكالية التغلب في الفكر السياسي الإسلامي، وفهمها فهماً سليماً على صعيد الفكر والممارسة السياسية الإسلامية.
التَغلّبُ كلمة عربية جاءت من الجذر اللغوي غَلَبَ ، وهي اسم فاعل من الخماسي (تغلَّب) والثلاثي منه (غَلَبَ)، والمفعول مَغْلوب، ومن ألفاظ التغلب التي جرت على ألسنة العرب : الغَلْبُ ، والغَلَبَةُ ، وغَلَبَهُ عَلَى الشَّيْءِ: أخذه منه عِنوةً وقَهْراً، ومادة غلب عند ابن فارس([1]) تدلّ على القوة والقهر والشدة، وجاء في القاموس المحيط: تَغَلَّبَ: اسْتَوْلَى قَهراً ([2])، وقد وردت كلمة غَلَبَ واشتقاقاتها في القرآن الكريم في عدة آيات منها قوله تعالى ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾([3]) وقوله عزّ من قائل ﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾([4])، والتغلب، والغلبة، والقهر، ألفاظ تُفيد الاستيلاء على الحكم بالقوة ويُسمى المستولي على الحكم متغلبا([5]).
ويذهب كثيرٌ من مفكري الفكر السياسي الإسلامي إلى أن التغلب يُشير لأمرين الأول: أنه يتمّ عن طريق الاستخدام الفعلي للقوة الماديّة (استخدام السلاح) للاستيلاء على منصب الخليفة، والأمر الثاني: أن التغلب يفتقر إلى البيعة السياسية الشرعية، ومن جهة أخرى يذهب آخرون إلى أن التغلب أحياناً لا يتضمن استخدام القوة المادية المُسلّحة، وإنما التهديد باستخدامها لانتزاع السلطة قهراً تحت التهديد باستخدام القوة والعنف ([6]).
وفي دراستنا هذه ينصرف التغلب إلى الاستيلاء على الحكم من خلال الاعتماد على القوة المُسلحة أو التهديد باستخدامها بما ينطوي على ذلك من حصول الإكراه والقهر لتولي مقاليد الحكم دون بيعة سياسية شرعية تُعبر عن رضا الأمة وحُرية اختيارها، وبحيث يصبح المتغلب مستولياً على مقاليد الحكم كأمر واقع، ولا مجال لدفعه إلا باستعمال القوة التي لا يُعرف نتيجة ما سيؤول إليه استخدامها من نجاح أو فشل في إزالة المتغلب، وما سيترتب على الاستخدام من نتائج على مؤسسة الحكم والمجتمع.
ثانياً: الشّوكة والعصبيّة أدوات التغلب:
يرتبط التغلب ارتباطاً وثيقاً بالشّوكة، فالشوكة أداة المتغلب وسنده لإحكام سلطته وبسط سيطرته على مقاليد الحكم، وهي تنصرف إجمالاً إلى القوة المادية جُنداً وعتاداً، وإلى النفوذ أتباعاً وأشياعاً، ويُعتبر الجويني أبرز مفكري الفكر السياسي الإسلامي تناولاً للشوكة، فالشوكة عنده على مستويين، الأول : الشوكة الذاتية التي يتمتّعُ بها المتغلب وتُمكّنه من انتزاع الحكم وتولي مقاليده بدون بيعة وعقد، وهنا يصير صاحبها إماماً شرعياً بمجرد تغلبه بالقوة، والمتغلب في هذه الحالة يكون في حكم العاقد والمعقود له، ولبسط شرعية هذا المتغلب يتقدّم الجويني خطوة إلى الأمام مُقرّراً أنها تشمل مُؤيديه ومُعارضيه فعليهم جميعاً الإقرار بسُلطته والدخول في طاعته وعدم منازعته، ذلك أن المتغلب وإن استغنى عن الاختيار والعقد، فلابدَّ أن يستظهر بالقوة والمنّة، ويدعو للجماعة والطاعة ليصير الإمام على أهل الوفاق والاتباع، وعلى أهل الشقاق والامتناع ([7])، وأما المستوى الثاني للشوكة : فهو ينصرف إلى الشوكة النابعة من قوى مساندة وداعمة لتولي المتغلب مقاليد الحكم، وقد بيّنَ الجويني ذلك بقوله “إن بايع رجلٌ واحدٌ مرموقٌ، كثيرُ الأتباع والأشياع مُطاع في قومه، وكانت منعته تُفيد ما أشرنا إليه [ غلبة من يُعارض ] انعقدت الإمامة” ([8])، ومن جهة أخرى ينظر الجويني للشوكة من منظور وظيفي يتعلق بالقدرة على تثبيت الحكم واستمراره واستقراره وقمع المعارضين ، مقرراً أنه ” يُعتبر في البيعة حصولُ مبلغٍ من الأتباع والأنصار والأشياع، تحصل بهم شوكةٌ ظاهرة، ومنعةٌ قاهرة، بحيث لو فُرِض ثوران خلاف، لما غلب على الظن أن يُصطَلم أتباع الإمام، فإذا تأكّدت البيعة و تأطّدت بالشوكة والعَدد والعُدد، واعتضدت، و تأيّدت بالمـُنّة، واستظهرت بأسباب الاستيلاء والاستعلاء، فإذ ذاك تثبت الإمامة وتستقر، وتتأكد الولاية وتستمر”([9]).
وعلى ذات السياق يرتبط التغلب بالعصبية ويُعتبر ابن خلدون صاحب نظرية متكاملة للاستيلاء على الحكم والمحافظة عليه من خلال العصبية، وقد عَقد في مقدمته عدة فصول تتعلق بالعصبية، ومفهوم العصبية عنده ينصرف إلى الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم والنسب الواحد قبائل وعشائر بشكل أساسي، ثم رابطة الحلف مع غيرهم من القبائل، ويرى ابن خلدون إلى أن القوة والقهر هما أساس العصبية وكُتلتها الصلبة، فهُما عامل ابتداء وبقاء لتولي مقاليد الحكم والحفاظ عليه أو فقدانه، مقرراً ” أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك”([10])، وأن بقاء الحكم مرتبط ببقاء العصبية القبلية والولاء والحلف، وأنه إذا انقرضت العصبية وضعفت القبيلة عن المدافعة والحماية، انقرضت ما يُسميه بالدولة ويقصد بها السلطة الحاكمة، فتظهر حينها عصبية جديدة أكثر قوة من سابقتها وتكون غالبة على من سواها من العشائر والقبائل فتتولى مقاليد الحكم ([11]).
وقد ذهب ابن خلدون مذهباً بعيداً في التنظير لدور العصبية في التمكين لتولي مقاليد الحكم حين حاول تفسير إجماع الصحابة يوم السّقيفة على تقديم قريش للخلافة، إنما يرجع لكون القوة والقدرة على قهر المخالفين وتثبيت الحكم حينها كانت للقرشيين باعتبارهم كما يقول: ” قادرون على سوق الناس بعصا الغلب إلى ما يُراد منهم، فلا يخشى من أحد خلاف عليهم ولا فرقة لأنهم كفيلون حينئذ بدفعها ومنع الناس منها”([12])
وبرغم أن ابن خلدون يرى أن أصل تولي الحكم ينبغي أن يستند على البيعة القائمة على الرضا وحُرية الاختيار([13])، إلاّ أن نظرته التحليلية لصيرورة العمران البشري جعلته ينتهي لتقرير واحدة من أهم الخُلاصات الحاكمة لآليات الوصول للحكم والمحافظة عليه وفقدانه، فقد جعل حكم الأمر الواقع أو ما أسماه بالأمر الوجودي أساساً ومعياراً لمشروعية الحكم وشرعيته وقرر أنه “لا يقوم بأمر أمّة أو جيل، إلا من غلب عليهم، وقلّ أن يكون الأمر الشرعي مخالفاً للأمر الوجودي”([14])، وبهذه الخلاصة غضَّ ابن خلدون الطرف عملياً عن اشتراط البيعة القائمة على الرضا كوسيلة شرعية لتولي الحكم، وعن الشروط الواجب توفرها في السّاعي لتولي الحكم، واستعاض عن ذلك باستعمال القوة والغلبة والقهر للاستيلاء على السّلطة وجعلَ معيار ذلك أن يكون المُتصدر للحكم “من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها، ليستتبعوا من سواهم”([15]).
ثالثاً: السياقات التاريخية والسياسية لنشوء التّغلب وتطوره:
حين أسّس رسول الله صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة جعل الشورى أساساً للحكم وقاعدة حاكمة للتدبير السياسي في الدولة الوليدة، وقد وصف الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه هذه الحالة الجديدة من الممارسة السياسية بقوله: “ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم”([16]).
وقد ترسّخ هذا المبدأ في فكر وممارسة صحابته رضوان الله عليهم، وحين وافاه الأجل كانت مسألة استمرار الدولة الإسلامية حاضرة بقوّةٍ في أذهانهم، وأمضوا ذلك عملياً في أوّل ترتيب سياسي عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقدموا مسألة اختيار حاكم لهم يملأُ الفراغ السّياسي على دفنه رغم أن المأثور هو تعجيل دفن الموتى، وقد علّلَ الصحابي سعيد بن زيد، ذلك بأن الصحابة “كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة”([17]).
ففي اجتماع سقيفة بني ساعدة، التي عقد فيها أول مؤتمر دستوري في تاريخ الدولة الإسلامية، تمّ الإقرار بأن تولي الحكم إنما يكون بالشورى الحُرة القائمة على رضا الأمة وحُرية اختيارها ([18])، وتمّ اختيار أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه ليكون خليفة للمسلمين ببيعة قائمة على الرضا والاختيار الحُر، وسار الأمر كذلك مع بقية الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم عمر وعثمان وعلي ([19]).
بعد ذلك حصل التراجع الأكثر تأثير في طريقة الوصول للحكم في التاريخ الإسلامي باستبدال الحكم القائم على البيعة السياسية الشرعية المعبرة عن رضا الأمة وحُرية اختيارها بالاستيلاء على الحكم بالغلبة والقهر، فقد تمّ الانقلاب من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض وقد لخص الجويني هذا الحال بأن ” الخلافة بعد مُنقرض الأربعة الراشدين شابتها شوائب الاستيلاء والاستعلاء، وأضحى الحق المحض في الإمامة مرفوضاً، وصارت الإمامة ملكاً عضوضاً” ([20]).
وقد مثّل استيلاء معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على الحكم وفرضَ سلطته بالقوة نقطة تحول فارقة في التاريخ الإسلامي لخصها التابعي الكبير أبي حازم المديني بقوله للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ” إن آبائك قهروا الناس بالسيف وأخذوا المُلك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى” ([21])، وصاحَب هذا التحول الكبير في نمط الوصول للحكم ظروفاً موضوعية دفعت بجماعة المسلمين وفيهم عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم للإقرار بشرعية السلطة السياسية الجديدة التي أقامها معاوية رضي الله عنه، فقد استطاع بقوّته وعدله فرض سلطته على معظم أراضي الدولة الإسلامية، كما أن قُدراته السياسية وإنجازاته الإدارية الكبيرة خلال فترة ولايته على الشام جعلت آمال المسلمين تنعقد عليه في الاستجابة لحاجة المجتمع المسلم المُلحة للاستقرار السياسي، والقضاء على الحروب والفتن المستمرة منذ سنوات والتي كادت أن تعصف بوجود الدولة الإسلامية، إضافة إلى أن سُلطته السياسية الجديدة جعلته في نظر المسلمين القادرَ على مواجهة الأخطار والتهديدات الخارجية من الروم المتربّصين على تخوم الدولة الإسلامية، وعلاوةً على ذلك فإن اختلال موازين القوى بشكلٍ كبيرٍ بين جيشه وجيش الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قد أدّى إلى استئناف وحدة المسلمين في كيانٍ سياسيٍ واحدٍ تحكمه سُلطة سياسية واحدة بتنازلِ الحسن لمعاوية منتصف سنة إحدى وأربعين هجرية وسُمي ذلك بعام الجماعة لاجتماع الكلمة وزوال الفتنة بين المسلمين ([22]).
ومع مرور الزمن تجذّر التغلب، وصار الوصول للحكم والاحتفاظ بالسلطة السياسية ومُمارستها يقوم على القوة والغلبة، ويُحدثنا ابن خلدون عن هذا التطور في إشكالية التغلب في التاريخ الإسلامي بقوله: ” فقد رأيت كيف صار الأمر إلى الملك وبقيت معاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق، ولم يظهر التغير إلّا في الوازع الذي كان ديناً ثم انقلب عصبيةً وسيفاً، وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك، والصّدر الأول من خلفاء بني العباس إلى الرّشيد وبعض ولده، ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا اسمها، وصار الأمر مُلكاً بحتاً، وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها، واستعملت في أغراضها من القهر والتقلب في الشهوات والملاذ “([23] ).
ومع العصر العباسي الثاني حصل تطورٌ من نوع آخر في إشكالية التغلب، فظهرت قوى جديدة متغلبة على الحُكّام الشرعيين من بني العباس، فقد تسلّط قادة الجيش والوزراء من بني بويه على الخلفاء العباسيين وتسمّوا باسم أمير الأمراء وهو المنصب الأعلى مقاماً في الخلافة العباسية، وهو صاحب السلطة الفعلية في ديوان الخلافة ببغداد وبقية أرجاء الدولة، ومارس نفس الدور من بعدهم قادة الجيش السلاجقة، ومن جهة أخرى تغلبّ ولاة وأمراء كثيرون على أقاليم عدة في الدولة العباسية، وينقل لنا ابن مسكويه وهو مؤرخ مُعاصر لتلك الأحداث هذا التطور في إشكالية التغلب بقوله : ” فصارت الدنيا في أيدي المتغلّبين وصاروا ملوك الطوائف، وكلّ من حصل في يده بلد ملكَه ومنع ماله، فصارت واسط والبصرة والأهواز في أيدي البريديين، وفارس في يد علي بن بويه، وكرمان في يد أبي علي بن إلياس، وأصبهان والريّ والجبل في يد أبي علي الحسن بن بويه … والموصل وديار ربيعة وديار بكر في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد محمّد بن طغج، والمغرب وأفريقية في يد أبي تميم، والأندلس في يد الأموي، وخراسان في يد نصر بن أحمد، واليمامة والبحرين وهجر في يد أبي طاهر بن أبي سعيد الجنّابي، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، ولم يبق في يد السلطان وابن رائق [ أمير الأمراء في الدولة العباسية] غير السواد والعراق ” ([24])
أمام هذا الحال المضطرب سيُقدم الماوردي وهو أحد أهمّ رواد الفكر السياسي الإسلامي، والذي كان بمثابة المُستشار السياسي للخليفة العباسي رؤيته الفكرية والعملية لمعالجة أزمة الشرعية السياسية الناجمة عن ضعف مؤسسة الخلافة منذ العصر العباسي الثاني، ففي كتابه الشهير الأحكام السلطانية والولايات الدينية قدّم الماوردي جهداً تنظيرياً جديداً سعى من خلاله لإيجاد تسوية سياسية اعتقد أنها تحفظ استقرار الدولة ووحدتها مُمثلة برمزية الخليفة العباسي، وفي ذات الوقت تُعطي نوعاً من الشرعية للحكام المتغلبين، فتحدّث عن نوعين من الإمارة على الأقاليم والبلدان، هما إمارة الاستكفاء: وتنشأ بعقد من الخليفة عن اختيار، وتختصّ بصلاحيات محددة، وبتعبير الماوردي تشتمل على عمل محدود ونظر معهود([25])، والنوع الثاني إمارة الاستيلاء: وهو ما يعنينا في شأن التغلب، فهذا النوع من الإمارة يُعقد عن اضطرار، وفيه يستولي الأمير بالقوة على بلاد، ثم بحكم الأمر الواقع يقوم الخليفة بتقليده إمارتها، ويُفوض إليه تدبيرها وسياستها، فيكون الأمير المتغلب باستيلائه على السلطة الحاكم الفعلي المستبد بالسياسة والتدبير، ويظل الخليفة العباسي صاحب السلطة الإسمية كرمز جامع لوحدة الخلافة والدولة، ويُبرر الماوردي هذا الحال بأن في الاعتراف بسلطة المتغلب حفظ القوانين الشرعية وحِراسة الأحكام الدينية، بالخروج من الفساد إلى الصحة، ومن الحضر إلى الإباحة، وأنه يجوز مع الاستيلاء والاضطرار ما امتنع في تقليد الاستكفاء والاختيار، وذلك استدعاء لطاعة الأمير المتغلب، ودفعاً لِمُشَاقَّتِهِ ومُخالفته، ولوقوع الفرق بين شروط الْمُكْنَةِ والعجز، وقد برّرَ الماوردي ذلك بأن الضرورة تُسقِط مَا أَعْوَزَ مِنْ شروط الْمُكْنَةِ، وأن ما يُؤدي لتحقيق المصالح العامة تُخَفَّف شروطه عن شروط المصالح الخاصة ([26]).
من جهة أخرى نشأ في التاريخ الإسلامي نمطٌ آخرٌ من التغلب ومازال سارياً حتى اليوم، وهو ناجمٌ عن غياب التداول السّلمي للسلطة، وإبقاء مجال السياسة والحكم حكراً على الحاكم وقرابته وأشياعه، وإدارته بالقوة والقهر، الأمر الذي أدى إلى استبعاد المشاركة السياسية الشعبية، وانسداد قنوات العمل السياسي السلمي في وجه القوى السّاعية للحكم أو المُشاركة فيه، والتي لم تجد من سبيل للتعبير عن رؤاها ومطالبها وتطلعاتها السياسية سوى الاحتكام للقوة والسلاح، ومن ثم كان سلّ السيف واستخدام القوة المسلحة وسيلة للتغلب واكتساب الشرعية، بمعنى أنه متى ما تمكّنت السلطة الحاكمة من إلحاق الهزيمة بهذه القوى، تعزّزت شرعيتها، وتجذّرَ تسلُّطها، واحتكارها لمجال السياسة والحكم، وعلى العكس من ذلك متى ما تمكّنت هذه القوى من هزيمة السلطة الحاكمة واستولت على الحكم، صاروا حُكاماً متغلبين واكتسبوا شرعية سُلطتهم من النصر الذي أحرزوه، ويستمر الحال على هذه الصورة، حتى تظهر قوى جديدة متطلعة للحكم، فتسلّ السيف والقوة المسلحة في وجه السلطة الحاكمة الجديدة، وإن انتصرت فإنها تكتسب شرعية حكمها من التغلب والنصر الذي أحرزته.
رابعاً: اتجاهات الفكر السياسي الإسلامي حول شرعية التغلب:
نجد من خلال تتبّع الأدبيات الإسلامية الموروثة وجود عدة آراء حول شرعية من تغلّب واستولى على الحكم بالقوة أو القهر ([27])، ويُمكننا إجمالها في الاتجاهين التاليين:
1- الاتجاه القائل بعدم شرعية التغلب:
يذهب هذا الاتجاه إلى التأكيد على عدم شرعية التغلب، فهو مُنافٍ للشرع وتَعدٍ على حق الأمة في البيعة السياسية الشرعية، وهو هدمٌ لمبدأ الشورى الذي قرّره الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، كما أنه يُمثّل خطراً على جماعة المسلمين وتهديداً لوحدتها ([28]).
ويذهب هذا الاتجاه إلى أنه لا اعتبار للواقع الذي أصبح فيه المتغلب مستولياً على مقاليد الحكم، وأنه لا تجوز طاعته، ويبرز من رواد هذا الاتجاه، الإمام مالك بن أنس([29])، فقد كان يُفتي صراحةً وعلانيةً لأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور بأنه (ليس على مُستكره طلاق)، ونتج عن هذه الفتوى إسقاطات سياسية تمثلت في قيام أهل المدينة بالقياس عليها بأنه مادام طلاق المُكَره باطل فإن أيمان البيعة المتضمنة طلاق النساء والتي كان الحكام العباسيون يأخذونها كرهاً من أهل الحل والعقد ومن الناس باطلة أيضاً، وبسبب هذه الفتوى قام والي المدينة بالتنكيل بالإمام مالك وضربه بالسياط حتى خُلِعت كتفه، وكذلك يَبرز من رواد هذا الاتجاه القاضي أبو بكر الباقلاني، الذي رأى أن أهل السنة (الأشاعرة) هم أصحاب الحق بعقد الإمامة وتوليها، وشدّد على عدم شرعية تنصيب حاكم من غيرهم من الفرق المنسوبة إلى الأمة كالمعتزلة والنجارية المرجئة، وأبدع اسم دار القهر للبلد الذي يستبد المتغلب منهم بحكمه، قائلاً: “فإن دفعونا عنه وعقدوا لبعض مُوافقيهم، فليس له إمامة ثابتة، ولا طاعة واجبة، وكنا نحن في دار قهر وغلبة” ([30]) ، كما يضمّ هذا الاتجاه بعض فقهاء الشافعية كابن حجر الهيتمي الذي يرى أن “المتغلب فاسق مُعاقب لا يستحق أن يُبشر ولا يُؤمر بالإحسان فيما تغلب عليه، بل إنما يستحق الزجر والمقت والإعلام بقبيح أفعاله وفساد أحواله “([31])، والقول بعدم شرعية التغلب هو أيضاً مذهب الخوارج، وأكثر المعتزلة ([32]).
ويرى هذا الاتجاه أن المتغلبين هم أمراء جور، والله تعالى إنما أمر بطاعة أولي الأمر المُتّبعون لله ورسوله، وأمراء الجور” لا يُؤدّون أمانة ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئاً إلى كتاب ولا إلى سنة، إنما يتّبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند اللَّه ورسوله، وأحق أسمائهم اللّصوص المتغلبة ” ([33]).
2-الاتجاه القائل بشرعية التغلب:
يضمُّ هذا الاتجاه غالبية الأئمة وفقهاء الفكر السياسي الإسلامي ([34])، ويرون وجوب طاعة الحاكم المتغلب الذي تَمكّن من الاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر وصارت سلطته أمراً واقعاً، ومن أهم من تصدّر هذا الاتجاه الإمام الشافعي، حيث يُؤثر عنه أنه قال : “كلّ من تغلّب على الخلافة بالسيف حتى يُسمى خليفة، ويُجمع الناس عليه، فهو خليفة”([35])، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل فقد أكّد على وجوب ” السمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البرّ والفاجر، ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين “([36]) .
وقد أدّت هذه الرؤية ببعض الباحثين المعاصرين ([37]) إلى أن حملوا بشدة على أئمة وفقهاء هذا الاتجاه، مُدّعين بأن الخطاب التاريخي السُّني يُعبّرُ في الحقيقة عن حالة من التبرير الديني الذي يُضفي المشروعية والشرعية على سُلطة المتغلب، ويُشكّل في ذات الوقت بناءً فكرياً يسمح بالاستبداد من خلال إنتاج مقولات فقهية تُؤصّل لطاعة السلطة السياسية المتغلبة، ومنع كل ما من شأنه أن يُؤدي إلى زعزعتها، وفي ذات الوقت تحميل جورها إلى انحرافات الرعية.
وإذا ما تمعّنا في هذا الحكم القاسي سنجد أنه يتسم بقدر كبير من التعميم وعدم الموضوعية، فهو يُهمل الإطار العام الذي صدرت فيه مقولات رواد الاتجاه القائل بطاعة الحاكم المتغلب، كما أنه لا يُعير الاهتمام الكافي لبيان أن أصل رؤيتهم يقوم على اعتبار أن البيعة السياسية الشرعية القائمة على رضا الأمة وحُرية اختيارها هي السبيل الشرعي للوصول للحكم وتداوله، وأنهم حين قالوا بمنح الشرعية للمتغلب لم يكونوا يتحدثون عن شيءٍ افتراضي لم يحدث، وإنما كان كلامهم نتاجاً لإشكالية سياسية عايشوها، وتطلبت تفاعلهم معها، فالإمام الشافعي قال بطاعة الحاكم المتغلب متأثراً بواقع عصره، الذي تمثّل في فتنة ابني هارون الرشيد :الأمين الحاكم المُبايع له بالخلافة، والمأمون الخارج عليه، وصراعهما عسكرياً على الحكم واقتتالهما عليه وما رافق ذلك من سفك للدماء واستباحة للحرمات، والذي انتهى بتغلب المأمون واستيلائه على مقاليد الحكم ([38])، وكذلك كان الحال مع الإمام أحمد بن حنبل فقد عاصر هذه الفتنة، وعاش أيضاً محنة القول بخلق القرآن، وامتحان العلماء بذلك طيلة حكم المأمون والمعتصم والواثق، ونزل به في هذه المحنة الكثير من الضرب والسجن لإجباره على القول بخلق القرآن([39]).
ولعل في الإحاطة بشكل أوسع بالإطار العام لفكر الإمام أحمد بن حنبل حول التغلب والذي تُمثل آراؤه أهم ما يستند عليه القائلون بوجوب طاعة المتغلب، سيُمكّننا من فهم الأساس الفكري الذي انطلق منه هذا الاتجاه واستيعاب سياقاته ومقاصده، وسنجد أن الإمام أحمد حين ذهب للقول بوجوب طاعة المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً، كان متأثراً برؤية فكرية حاكمة، وظروف موضوعية مؤثرة، فهو قبل أن يكون فقيهاً هو محدث وإمام مدرسة أهل الحديث، وقد روى في مسنده الكثير من أحاديث الفتن التي تحثّ على الصبر على جور الحُكّام، وتجنّب الفتن والترغيب في الطاعة، واجتماع المسلمين، وقد تركت تلك الأحاديث لديه أثراً عميقاً عزّزته الخبرة التاريخية المتجسدة في فشل حركات الخروج المُسلح على الحُكام المتغلبين والتي تزعّمها وشارك فيها العديد من الصحابة والتابعين، وترتّب عليها نتائج مأساوية من قبيل سفك الدماء، واستباحة الحرمات، وتفريق جماعة المسلمين، وتعطل وظائف ومهام ومقاصد الإمامة … الخ، وبناء على كل هذا صارت قضية تحريم الخروج على السلطات الحاكمة عنده قضية مبدأ وأصل من أصول السنة وليست مجرد خيار تتحكم فيه الظروف وموازين القوى، ولذلك رفض ما أشار به فقهاء بغداد من خلع طاعة الحكام الذين يجبرونه ومن معه من الفقهاء على القول بأن القرآن مخلوقاً وليس كلام الله، وأكّد لهم على عدم شقّ عصا المسلمين([40])، مشدداً على أن ” من خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شقَّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم“([41])، وقد انتهى الإمام أحمد بن حنبل إلى تقرير خُلاصة قوامها أنه ” لايحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مُبتدعٌ على غير السنة “([42]).
هذه الرؤية الفكرية التي تُوجب طاعة الحكام المتغلبين وبيان أن الاعتراف بسلطتهم هو بحُكم الأمر الواقع وخلافاً للأصل الشرعي، لم تأتِ هكذا جُزافاً بل كانت حصيلة مأزق فكري كبير تَطلّب من فقهاء ومُفكري الفكر السياسي الإسلامي الموازنة بين خيارين: إما الاستمرار في مقاومة المتغلبين، وتحريم طاعتهم، وعدم منحهم أي نوع من الشرعية، ومن ثم تَحمّل تبعات ما يترتب على ذلك من أضرار مُحققة تنزل بالمسلمين ودولتهم ومجتمعهم، وإما البحث عن مخرج فقهي يُراعي الواقع السلبي لتدهور مؤسسة الحكم في الدولة الإسلامية من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض، ويمثل في نفس الوقت عُذراً لأفراد الأمة عن الاستمرار في المقاومة وتحمّل تبعاتها، ويُؤدي أيضاً إلى استمرار تحقق الوظائف والمهام والمقاصد التي لأجلها أقيمت السلطة السياسية، فاختاروا الخيار الثاني، ووجدوا له سنداً في حالة الضرورة التي تعني ” أن تطرأَ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضررٍ، أو أذى بالنفس، أو بالعضو، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها، ويتعين عندئذٍ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعاً للضرر عنه في غالب ظنّه ضمن قيود الشرع “([43])، وأصل ذلك القاعدة القاضية بأن “الضرورات تُبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها”([44]) .
فعندما وازن الأئمة والفقهاء الذين أوجبوا طاعة المتغلب بين خيار مقاومته وخيار الاعتراف به كأمر واقع، وجدوا أن صُلب حالة الضرورة – إن جاز التعبير – هو اختيار أخف الضررين، لأنه “إذا تعارض مفسدتان، رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما”([45])، فالأصل هو مُقاومة الحاكم المتغلب، إلا أنه إذا كانت مقاومته ستُؤدي إلى فتنٍ تنتهي بالتمكين لسلطته، وغلوه وإمعانه في القهر والتسلط والاستبداد، والتحلل من أيّ قيد يُلزمه بالوفاء بالوظائف والمهام والمقاصد التي عادة لأجلها تُقام السلطة السياسية، فإن الضرر الأخف يكون هو الاعتراف بالأمر الواقع بحكم الضرورة التي تبيح المحظورات، وهذا ما حصل بالضبط مع الفقهاء القائلين بطاعة الحاكم المستولي على السلطة بالقوة أو القهر.
وقد أجاد الإمام الغزالي رحمه الله في إيجاز هذا الموقف بقوله : “ليست هذه مسامحة عن الاختيار، ولكن الضرورات تُبيح المحظورات، فنحن نعلم أن تناول الميتة محظور، ولكن الموت أشد منه، فليت شعري من لا يُساعد على هذا ويقضي ببُطلان الإمامة في عصرنا لفوات شروطها، وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدي لها، بل هو فاقد للمُتصف بشروطها، فأي أحواله أحسن: أن يقول القضاة معزولون، والولايات باطلة، والأنكحة غير منعقدة، وجميع تصرفات الولاة في أقطار العالم غير نافذة، وإنما الخلق كلهم مُقدمون على الحرام، أو أن يقول الإمامة مُنعقدة، والتصرفات والولايات نافذة بحكم الحال والاضطرار”([46]).
3- التفرقة بين الحاكم الشرعي والحاكم المتغلب بحكم الأمر الواقع:
رغم إقرار فقهاء الفكر السياسي الإسلامي بمنح الشرعية للمتغلب إلا أنهم كانوا يرون أن هنالك فروقاً بين الحاكم الشرعي الذي تولّى مقاليد الحكم بطريقة شورية تُعبر عن رضا الأمة وحُرية اختيارها، وبين والحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً بحكم القوة أو القهر، ومن مظاهر هذه التفرقة أن الإمام مالك بن أنس أفتى بحرمان المتغلب الجائر من النصرة حين تخرج عليه خارجة، وقال دعه ينتقمُ الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما ([47]) رغم أن نصرة الحاكم هي من أهم الحقوق الشرعية التي يجب على الأمة الوفاء بها، كذلك نقل ابن فرحون المالكي عن مالك ما يُفيد تقريره منع إعانة المتغلب الجائر على تسيير شؤون الحكم، قال ” اختلف أبو محمد بن عبد الله بن فروخ وابن غانم قاضي أفريقية، وهما من رواة مالك رحمه الله تعالى، قال ابن فروخ: لا ينبغي للقاضي إذا ولّاه أمير غير عدل أن يليَ القضاء، وقال ابن غانم: يجوز أن يلي، وإن كان الأمير غير عدل، فكتب بها إلى مالك، فقال مالك: أصاب الفارسي – يعني ابن فروخ – وأخطأ الذي يزعم أنه عربي- يعني ابن غانم – “([48])، وعلى ذات السياق نجد الإمام أحمد بن حنبل وهو من أهم الفقهاء الذين أقروا بطاعة الحاكم المتغلب يذمّ ويقبح المتغلبين، وقد روى عنه حفيده حنبل قال: “حدثنا أبو الفتح بن منيع قال: سمعت جدي يقول : كان أحمد إذا ذكر المأمون قال: كان لا مأمون”، وقال في امرأة لا ولي لها (السلطان) فقيل له: تقول السلطان، ونحن على ما ترى اليوم، وذلك في وقت يُمتحن فيه القضاة، قال:” أنا لم أقل على ما نرى اليوم، إنما قلت السلطان”([49])، كما نقل ابن الجوزي في كتابه مناقب الإمام أحمد أنه لما سُجن في عهد المعتصم ليقول بخلق القرآن، جاء السجان يوماً فقال له، يا أبا عبد الله، الحديث الذي يُروى في الظَلَمة وأعوانهم صحيح ؟ قال : صحيح، قال السجان: أفأنا من أعوان الظلمة ؟ قال: لا، قال: وكيف ذلك؟، قال: لأن أعوان الظلمة الذي يأخذ شعرك، ويغسل ثوبك، ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم([50])، وسنجد نفس هذه الرؤية التي تُفرّق بين الحاكم الشرعي والحاكم المتغلب عند الإمام أبي حنيفة فقد امتنع عن تولي القضاء في الدولتين الأموية والعباسية، وتحمّلَ العذاب والسجن نتيجة لذلك، بل لقد أعلن وجوب المقاطعة السياسية الشاملة للحكام المتغلبين، ونقل عنه الزمخشري أنه ” كان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ أجره لما فعلت “([51]).
وقد ذهب سلطان العلماء عزّ الدين بن عبد السلام إلى تقرير الامتناع عن دفع الحقوق المالية للحاكم المتغلب الجائر، لما في ذلك من عون له على الجور والعصيان وتضييع الحقوق، وأنه يُشرع دفعها لمن يصرفها في مصارفها، قال: “تولّي الآحاد لما يختص بالأئمة مفسدة، لكنه يجوز في الأموال إذا كان الإمام جائراً يضع الحق في غير مُستحقيه، فيجوز لمن ظفر بشيء من ذلك الحق أن يدفعه إلى مستحقيه تحصيلاً لمصلحة ذلك الحق الذي لو دفع إلى الإمام الجائر لضاع، ولكان دفعه إليه إعانة على العصيان”([52]).
خامساً: ضوابط ومتطلبات واشتراطات منح الشرعية للمتغلب:
تبين معنا فيما سبق أن فقهاء ومفكري الفكر السياسي الإسلامي تعاملوا مع إشكالية التغلب باعتبارها أمراً واقعاً في الفكر والممارسة التاريخية الإسلامية، وأن هنالك تصورات فقهية، وسياقات تاريخية، وظروف موضوعية، جعلتهم يذهبون للقول بطاعة الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً ومنحه المشروعية والشرعية، ونرى أنه يَظلُّ من الصعوبة بمكانٍ تصور قيام المتغلب بالوفاء بالوظائف والمهام والأهداف العُليا المطلوب من السلطة السياسية الحاكمة إنجازها ما لم يتم وضع ضوابط ومتطلبات واشتراطات يجب مراعاتها والعمل على الوفاء بها، وبدونها يصير هنالك خلل فقهي وفكري ووظيفي عميق في منح الشرعية للمتغلب، والاعتراف بسلطته ومعاملته كما يعامل الحاكم الشرعي، ومن أهم الضوابط والمتطلبات والشروط ما يلي:
- استمرار التأكيد على الأصل الشرعي للوصول للحكم وتداوله:
ينبغي أن يُواكب عملية الاعتراف بسلطة الحاكم المتغلب توضيح أن ذلك هو خلاف الأصل الشرعي للوصول للحكم والذي يجب أن يقوم على رضا الأمة وحُرية اختيارها دون إكراه أو إرغام، وأن الشرعية التي تم منحها للمتغلب الذي أمسك بمقاليد الحكم وأصبحت سلطته أمراً واقعاً، إنما هي بحكم الحال والاضطرار، وأنه خلاف الأصل الشرعي، فنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين قد جعلت طريقة الوصول للحكم قائمة على الشورى بضوابطها الشرعية قال تعالى﴿ وأمْرُهم شُورى بَيْنَهُمْ﴾([53])، وأن الواجب على المسلمين “إذا وقعت بينهم واقعة، اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى الله عليهم، أي لا ينفردون برأي، بل ما لم يجتمعوا عليه لا يُقدمون عليه”([54])، كذلك ثبت من السنة النبوية الفعلية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك للمسلمين حق اختيار من سيخلفه في الحكم، وقد تُوفي ولم ينص على شخص بعينه ليخلفه، ولذلك قدّم الصحابة رضي الله عنهم مسألة اختيار حاكم لهم على دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أن المأثور هو تعجيل دفن الموتى، ويُستفاد من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد وضع قاعدة دستورية تقرر أن الأمة هي مصدر السلطة ومالكها، وأنها صاحبة الحق في إسنادها لمن ترضاه، وقد استقرت هذه القاعدة لدى الصحابة رضوان الله عليهم، ولذلك فزع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، عندما سمع رجلاً يقول: “والله لو مات عمر لبايعت فلاناً “، وسار على وجه السرعة لإبلاغ عمر رضي الله عنه الذي غضب أشد الغضب، وقال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم([55]).
وقد ظلت هذه القاعدة الدستورية – الأمة مصدر السلطة، والحاكم وكيل ونائب عنها – حاضرة ومستقرة لدى فقهاء ومفكري الفكر السياسي الإسلامي، فالإمام الباقلاني يقرر أن الحاكم “في جميع ما يتولاه وكيل للأمة ونائب عنها، وهي من ورائه في تسديده وتقويمه وإذكاره وتنبيهه، وأخذ الحق منه إذا وجب عليه، وخلعه والاستبدال به، متى اقترف ما يوجب خلعه” ([56])، وسيتكرر نفس المعنى بعد ذلك عند كثير من الأئمة والفقهاء، ومنهم ابن تيمية الذي جاء في عصر شهد تمكّن المتغلبين واستئثارهم بمجال السياسة والحكم (ت: 728ه)،حيث جدد التأكيد على هذا المبدأ بقوله: “وهم [الحكام ] وكلاء العباد على نفوسهم بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر ، ففيهم معنى الولاية والوكالة”([57]) .
وفي ذات السياق تتحدث مصادر الفكر السياسي الإسلامي عن أن الرضا هو العنصر الأساسي في البيعة السياسية الشرعية، التي تعني الحق في الاختيار والتعاقد الطوعي، وأنها عقد مُراضاة واختيار بين طرفين: طرفه الأول الأمة أو من يمثلها، وطرفه الثاني المتصدي لتولي للحكم، فقد ذكر أبو يعلى الفراء أن أهل الحل والعقد كانوا يقولون للمُبايع: بايعناك على بيعة رضى، على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة ([58])، وجاء عند بدر الدين ابن جماعة أن صيغة عقد البيعة أن يقال: “بايعناك راضين على إقامة العدل والقيام بفروض الإمامة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم “([59]).
وتكمن ضرورة استمرار التأكيد على الأصل الشرعي للوصول للحكم وتداوله في أمرين عمليين غاية في الأهمية، الأمر الأول: استمرار تذكير الأمة وخاصة أهل الحل والعقد فيها بأنها صاحبة السلطة ومصدرها، وأن المتغلب مُغتصب للسلطة، وأن الإقرار بسلطة المتغلب والدخول في طاعته ما هو إلاّ لدرء الفتنة، وما يترتب عليها من سفك الدماء، وانتهاك الحرمات، وتعطل وظائف الدولة، ومن ثم فإن هنالك فرق بين الحاكم المتغلب الذي استولى على الحكم بالقوة أو القهر، وبين الحاكم الشرعي الذي تولى الحكم برضا الأمة وحُرية اختيارها، والأمر الثاني: ينصرف إلى ممارسة الضغط القيمي والأخلاقي والنفسي على الحاكم المتغلب بحيث يكون دائم الشعور بأنه استولى على الحكم غصباً عن الأمة، وبطريقة مخالفة لما يُقرّره الشرع الحنيف، ومن ثم دفعه بعد أن تستقر سلطته وتستتب له الأمور إلى أن يُحسن إدارة الدولة، وينتهج العدل في حكمه، ويجتهد في تحري تحقيق مصالح الأمة ودرء الضرر عنها، والعمل على تحبيب الناس فيه واستجلاب رضاهم عن سياساته وممارساته، ويتخذ ذلك سبيلاً لتصحيح شرعيته بالرجوع للأمة لتمنحه السلطة برضاها وحرية اختيارها.
- ضوابط الإقرار بشرعية الحاكم المتغلب:
اتضح فيما سبق أن الأساس الفكري للإقرار بطاعة المتغلب ارتكز على حالة الضرورة الملجئة، وقد رأى رواد الاتجاه القائل بشرعية طاعة المتغلب أن الظروف التي دفعتهم لذلك هي ذات طابع مؤقت، ومن ثم ظلوا في كتاباتهم يُؤكدون على انعقاد الإمامة بالبيعة القائمة على رضا الأمة وحرية اختيارها، إلا أنه في واقع الأمر لم تزُل تلك الظروف التي اُعْتُقِدَ أنها استثنائية، فمع مرور الزمن صار التغلب والاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر أكثر ترسخاً في التاريخ الإسلامي، وصاحب ذلك تراجع في التنظير، انعكس في صورة خلط مفاهيمي بين الحاكم الشرعي والحاكم المتغلب، على عكس ما كان عند الرواد الأوائل، فلم يعد يعبأ بالشروط الواجب توفرها في الحاكم إلا بشرط الإسلام، كما يظهر ذلك من الخلاصة التي نقلها الإمام الشوكاني الذي أكد على أنه ” قد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، ولم يستثنوا من ذلك إلاّ إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجبُّ مجاهدته لمن قدر عليها”([60]) .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ارتقت طاعة الحاكم المتغلب، وإن كان جائراً وفاسقاً إلى مستوى طاعة الحاكم الشرعي العادل، وترتب على ذلك أن الأمة تظل ملزمة بالوفاء له بجميع حقوق الإمامة إلى أن يموت أو يأتي متغلب آخر فيقهره ويستبد بالحكم من جديد، ويتمتع بالتالي بجميع حقوق الإمامة كاملة.
وقد صاحب هذا التنظير في الممارسة العملية تراجع في الوظائف والمهام والأهداف العُليا المطلوب من الحاكم القيام ، بحيث اُختُزِلت في نهاية الأمر عند كثير من الفقهاء المتأخرين في هدفين هما : حماية دار الإسلام ، ومنع الفتنة([61]).
والملاحظ أنه لم يُقابل ترّسخ التغلب وتجذّره في التاريخ الإسلامي تطويراً موازياً على الأقل في الأساس الفكري الذي انبنى عليه الإقرار بطاعة المتغلب، فحالة الضرورة التي مثّلت الأساس الشرعي الذي استند عليه القائلون بوجوب طاعة المتغلب يحكمها مجموعة من القيود والضوابط، حتى يصح الأخذ بحكمها، وتُخطئ القواعد العامة في التحريم والإيجاب بسببها، ومن تلك الضوابط والقيود أن “ما أبيح للضرورة يُقدّر بقدرها”([62])وأهمية هذا الضابط أنه يفرض على المتصرف – الأمة – في حالة الضرورة، أن يلتزم بدائرتها، فإن جاوز تلك الدائرة وتوسع في استباحة المحظور الشرعي فقد سقط عن تصرفه المشروعية، ومن ثم فهذا الضابط يقضي بأن على الأمة عدم التعامل مع الحاكم المتغلب كما تتعامل مع الحاكم الشرعي، بمعنى أن على الأمة أن تمنح المتغلب من حقوق الإمامة ما يتناسب مع ما يفي به من المقاصد ويُنجزه من الوظائف والمهام التي لأجلها تُقام السلطة السياسية، ويأتي على رأس تلك الحقوق حق الطاعة، فلا يجوز التوسع في طاعة المتغلب إلا فيما يُعينه على إنجاز تلك الوظائف والمهام، بحيث لا يجوز لأفراد الأمة الانحياز إلى جانب المتغلب وإعانته على تكريس تغلبه وجوره واستبداده بغرض الاستفادة من مغانم الحكم وامتيازاته.
كما يقتضي ضابط (الضرورة تُقدر بقدرها) أن يكون حكم الضرورة التي لأجلها تُستباح المحظورات هو التأقيت، أي أن تكون حالة الضرورة التي دعت للإقرار بوجوب طاعة المتغلب حالة عرضية استثنائية وليس لها صفة الدوام، بحيث تكون الأمة وخاصة أهل الحل والعقد مُلزَمون بالبحث عن الوسائل المشروعة التي من شأنها أن تُعيد للأمة حقها في اختيار حاكمها، وتُؤدي في نفس الوقت إلى التعجيل بإنهاء سلطة المتغلب التي “لا يجوز أن تُوطَن الأنفس على دوامها، ولا أن تُجعل كالكرة بين المتغلبين، يتقاذفونها ويتلقونها”([63])، كما يبرز أيضاً من الضوابط والقيود التي تحكم حالة الضرورة، وله علاقة بالإقرار بطاعة المتغلب “أن لا يُخالف المضطر -الأمة – مبادئ الشريعة الإسلامية استناداً على أن ما خالف قواعد الشرع لا أثر فيه للضرورة”([64]).
ويقضي هذا الضابط أيضاً بأن الإقرار بطاعة المتغلب يجب أن يكون له هدف عملي يتمثل في أن تَبذل الأمة قُصارى جهدها لحمل المتغلب على الالتزام بالخضوع للشريعة الإسلامية، فلا يُعرقل تطبيق أحكامها، ولا يعمل على سنّ قوانين معارضة لها، وكذا حمله على الالتزام برعاية مصالح الأمة، ودرء المفاسد عنها، وتحقيق العدل والحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم الشرعية.
- إعادة النظر في التساهل بشرط العدالة:
وقع الاتجاه القائل بوجوب طاعة المتغلب في تفريط واضح كان ينمو مع مرور الزمن وتزداد معه إشكالية التغلب تعقيداً، وذلك بالتساهل في الشروط الواجب توفرها في الحاكم، وعلى رأسها شرط العدالة، وقد انتهى الحال بهذا الاتجاه كما نقل الشوكاني إلى التمسك بشرط الإسلام فقط، بل إن ابن جماعة قرر أنه “لا يقدح في ذلك [طاعة المتغلب ] كونه جاهلاً أو فاسقاً على الأصح”([65]).
وإذا أمعنا النظر في هذا الحال سنجد أن الخبرة السياسية في التاريخ الإسلامي تزودنا بأعظم الدروس التي تُؤكد على أن أهم الأسباب التي أدت إلى تجذر التغلب والتسلط والقهر في التاريخ الإسلامي هو عدم مراعاة شرط العدالة في المتغلب، إما بالتساهل هروباً من تحمل تبعات التمسك به أو عن اضطرارٍ وطِّنْتِ الأنفس على عدم بذل الجهد اللازم للخروج منه.
وعليه فلا بد للأمة من إعادة النظر في التساهل الذي لحق بهذا الشرط على صعيد الفكر والممارسة، والعودة للأصل الشرعي والتشديد على ضرورة اشتراط أن يكون الحاكم مُتحلياً بشرط العدالة باعتبارها سمة نفسية وسلوكية تقوم بدور وظيفي مركزي في عملية الحكم والممارسة السياسية، ويُقصد بها أن يكون الحاكم في غالب أحواله ” صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً للمآثم، بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضى والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه” ([66])، ومعيار ثبوت العدالة هو: الاستفاضة والاشتهار الذي يتحدث به الناس، ونقيض ذلك هو الفسق والجور اللذان يتداخلان بشكل كبير في المجال السياسي وينتجان في النهاية الاستبداد بالحكم تولية وبقاء، وبشؤون الدولة والمجتمع تدبيراً وممارسة.
ولاشك أن شرط العدالة هو أهم الشروط التي ينبغي أن يتحلى بها الحاكم، وقد ذهب أئمة التفسير إلى أن قوله تعالى : “لا ينال عهدي الظالمين”([67])، يدل على اشتراط العدالة، وانتفاء الفسق عمن يتصدى لمنصب الإمامة، وقرر الإمام القرطبي في تفسيره للآية ضرورة ” أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل، مع القوة على القيام بذلك، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُنازعوا الأمر أهله … فأما أهل الفسوق والظلم فليسوا له بأهل”([68])، وأكد الإمام الجصّاص على أن الآية قد أفادت أن العدالة شرط في جميع من كان في محل الائتمام به، وأن دلالة الآية تثبت بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق، لم يلزم إتباعه ولا طاعته ([69]) .
وفي نص عظيم الدلالة يوضح الشوكاني أهم علل اشتراط العدالة في المتصدر لمنصب الحاكم مبيناً أهم الآثار المترتبة على عدم وجودها، وكأنه يحذر المسلمين من التساهل في هذا الشرط، وأنهم متى ما تساهلوا في ذلك وولوا غير العدل، فإن محصلته اختلال أمور الدين والدنيا، قال: “العدالة ملاك الأمور، وعليها تدور الدوائر، ولا ينهض بتلك الأمور التي ذكرنا أنها المقصودة من الإمامة، إلا العدل الذي تجري أفعاله وأقواله وتدبيراته على مراضي الرب سبحانه، فإن من لا عدالة له لا يُؤمن على نفسه، فضلاً عن أن يؤمن على عباد الله، ويُوثق به في تدبير دينهم ودنياهم، ومعلوم أن وازع الدين وعزيمة الورع لا تتم أمور الدين والدنيا إلا بها، ومن لم يكن كذلك خبّط في الضلالة، وخلط في الجهالة، واتّبع شهوات نفسه، وآثرها على مراضي الله سبحانه ومراضي عباده، لأنه مع عدم تلبّسه بالعدالة وخُلوّه من صفات الورع لا يُبالي بزواجر الكتاب والسنة، ولا يبالي أيضاً بالناس ، لأنه صار متولياً عليهم نافذ الأمر والنهي فيهم”([70]).
- ضرورة استتباب الأمر للمتغلب وحصول الاستقرار السياسي في الدولة:
من أهم خصائص الفكر السياسي الإسلامي أنه فكر قصدي الدلالة له وظيفة في المجتمع مرتبط بالواقع المعاش تفاعلاً وتأثراً وتأثيراً، فهو يُولي أهمية كبيرة للموائمة بين متطلبات الواقع وضرورة أن تكون الاستجابة له على ما يقتضيه النظر الشرعي، وفي هذا السياق جاءت ضرورة التعامل مع الحاكم المتغلب الذي استولى على السلطة بالقوة أو القهر وأصبحت سلطته أمراً واقعاً، ونظراً لأنه في هذه الحالة يصعب وصف المتغلب بأنه حاكم كامل الشرعية، وفي نفس الوقت يصعب وصفه بأنه حاكم غير شرعي، فإن الفكر السياسي الإسلامي يُولي عناية كبيرة لاعتبار الواقع السياسي ومآلاته وخاصة مدى قدرة المتغلب على الإمساك بمقاليد الحكم واستمراره واستقراره، فوجود الحاكم بمثابة صمام الأمان في المجتمع، وفي وجوده تستقيم الأمور، ويتردّد من قد تُسوّل له نفسه الإقدام على المفاسد، ولذلك فإن عدم الاعتراف بشرعية الحاكم الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً يجعل المجتمع في فوضى شاملة لأن “إمساك أهل الجسارة عما يُريدونه من الفساد في الأرض لا يكون إلا بهيبة السلطان، ومخافة الإيقاع بهم، فإن كثيراً بل الأكثر، لولا مخافة السلطان لكان له من الأفاعيل ما لم يكن في حساب، ولهذا ترى من لا سلطان عليه في جميع البلاد يفعل ما ترجف منه القلوب وتذرف الدموع”([71]).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الفكر السياسي الإسلامي يأخذ بعين الاعتبار مدى حصول المتغلب على تأييد قوى تتمتع بالشوكة والقدرة على إرغام المعارضين للقبول بالأمر الواقع، وتثبيت الحكم وإشاعة الاستقرار السياسي في الدولة والمجتمع، ويُعتبر ذلك بمثابة معيار إضافي يدعو للاعتراف بسلطة المتغلب نظراً لأنه” يُعتبر في البيعة حصول مبلغ من الأتباع والأنصار والأشياع، تحصل بهم شوكة ظاهرة، ومنعة قاهرة، بحيث لو فُرض ثوران خلاف، لما غلب على الظن ان يُصطلم أتباع الإمام، فإذا تأكدت البيعة وتأطدت بالشوكة والعَدد والعُدد، واعتضدت، وتأيدت بالمـُنّة، واستظهرت بأسباب الاستيلاء والاستعلاء، فإذ ذاك تثبت الإمامة وتستقر، وتتأكد الولاية وتستمر” ([72]).
- ربط شرعية المتغلب بما يُنجزه من وظائف ومهام السلطة السياسية:
يربط الفكر السياسي الإسلامي بين طريقة إدارة الدولة وممارسة السلطة وبين الشرعية السياسية للمتولي لمقاليد الحكم، وهذا الربط نابع في حقيقة أن المصلحة الشرعية هي وحدة التحليل الرئيسية (Unit of Analysis) في الفكر السياسي الإسلامي، والتي يأتي تحقيقها على رأس الدواعي الموجبة لإقامة السلطة السياسية في المجتمع، وهي تنصرف بشكل محدد لضرورة وفاء السلطة السياسية الحاكمة بمصالح المحكومين ودفع المفاسد عنهم([73])، فالثابت في الفكر السياسي الإسلامي أن مشروعية الفعل السياسي من قبل السلطة الحاكمة تتحدّد بمقدار قربه أو بعده عن الوفاء بمصالح المحكومين تأسيساً على القاعدة القاضية بأن ” تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة “([74]).
ومن هنا يأتي الربط بين شرعية الحاكم المتغلب وبين طريقته في سياسة الدولة وتحقيق الوظائف والمهام المطلوب منه الوفاء بها، فكلما كان الحاكم أقرب إلى إنجاز الوظائف والمهام والأهداف العليا المناط بالسلطة السياسية تحقيقها كلما عُد ذلك معياراً لتصحيح شرعيته وانعكس على الاعتراف والإقرار بسلطته والعكس صحيح، بمعنى أن الاعتراف هنا ينصرف للآثار القانونية المترتبة على أعمال وممارسات السلطة السياسية وليس فقط على طريقة الوصول للحكم، خاصة متى ما التزم المتغلب بتطبيق أحكام الإسلام في سياسته وتدبيره، وجهد في إنجاز الوظائف والمهام المطلوب من السلطة السياسية تحقيقها رعاية لمصالح المحكومين ودفعا للمضار عنهم، وقد عبر الماوردي عن هذه الحالة بقوله ” فَإِذا توثبوا على الْملك بِالْكَثْرَةِ واستولوا عليه بالقوة، كان ملك قهر فإن عدلوا مع الرعية وساروا فيهم بالسيرة الجميلة صار ملك تَفْوِيض وَطَاعَة فرسا وَثَبت، وإن جاروا وعسفوا فهي حولة توثب ودولة تغلب، يُبيدها الظلم ويُزيلها البغي، بعد أن تهلك بهم الرعايا وتخرب بهم البلاد “([75]).
- وجوب قيام الأمة بمناصحة الحاكم المتغلب والاحتساب عليه:
لم يكن اعتراف معظم رواد الفكر السياسي الإسلامي بسلطة الحاكم المتغلب وشرعية حكمه إقراراً بمنحه صكاً بالحكم يُمارسه كيفما يشاء، فيستبد ويرتكب المنكرات ويُخالف أحكام الشرع الحنيف، ويُضرّ بمصالح الأمة وحقوق الناس دون معارضة أو تقويم لسياساته وممارساته الفاسدة، بل على العكس من ذلك فالفكر السياسي الإسلامي يُشدد على ضرورة مناصحة الحاكم، وأنه لا يسقط الإثم عن الأمة إلا عندما يُوجد بها ناصحين للحاكم على الكفاية، ويُبذل من الجهد الذي يسقط الإثم عن الأمة ويُقيم الحجة على الحاكم المتغلب الجائر.
ومن المهم التنبيه على أن مناصحة الحكام المتغلبين في التاريخ الإسلامي لم تكن مجرد وعظٍ وترغيبٍ، بل كانت تتضمن إلى جانب الوعظ والترغيب استنكاراً لتصرفات المتغلبين وأعوانهم وترهيبهم من مغبّةِ التمادي في الممارسات المضرة بمصالح الأمة، والأدبيات الإسلامية الموروثة زاخرة بالنماذج المُشرقة، ونكتفي هنا بالتذكير برسالة الإمام سفيان الثوري إلى هارون الرشيد كنموذج لهذا النمط من المناصحة، حيث انتقد فيها تعديات هارون الرشيد وإساءته وتجاوزاته وتجوله في بيت مال المسلمين بغير حق، وكذا نقد المظالم والحرمات التي ترتكب والحقوق التي تضيع إلى غير ذلك من مظاهر الجور([76]).
ولا يفوتنا التنبيه على أن من أهم أهداف مناصحة الحكام المتغلبين هو عدم ترك مجال السياسة والحكم لهم ليستأثروا به ويجعلوه حكراً عليهم وعلى أهل العصبية والقوة والمصالح الخاصة، بل يجب على قيادات الأمة الفكرية بذل الجهد والإسهام العلمي والفكري لمعالجة تدهور السياسات والممارسات، وإصلاح مؤسسات الدولة وتطويرها بما يُحافظ على غايتها وتطوير مستوى أدائها بما يكفل تحقيق مصالح الناس، وحمايتها من الفساد ومزاولة التدمير والانهيار الذي عادةً ما يصاحب التغلب، وهذا ما نبّه عليه الإمام الشوكاني، حيث قرر أنه لو امتنع أهل العلم والفضل والدين عن الاتصال بالحكام ومناصحتهم لتعطلت الشريعة المطهرة، لعدم وجود من يقوم بها، ولتبدلت المملكة الإسلامية بالمملكة الجاهلية في الأحكام الشرعية، ولخولفت أحكام الكتاب والسنة جهاراً، ولا سيما من الحاكم وخاصته وأتباعه، ولحصل لهم الغرض الموافق لهم، ووجدوا أعظم السبل إلى التخلص من أكثر أحكام الإسلام قائلين جهلنا، لم نجد من يعلمنا، لم نلق من يبصرنا، فرَّ عنا العارفون بالدين، وهم في حقيقة الأمر قد وجدوا في انصراف العلماء عنهم فرصة انتهزوها، وشدة أطلقت عن أعناقهم، وعزيمة إسلامية ذهبت عنهم([77]).
ولتحقيق مزيدٍ من الفاعلية في مواجهة سياسات وممارسات المتغلب الجائر، فإن الفكر السياسي الإسلامي يُقدم وسيلة أثرها أكثر عمقاً من وسيلة المناصحة وهي الاًحتساب على الحكام المتغلبين أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ذلك أنه “لا معروف أعرف من العدل، ولا منكر أنكر من الظلم”([78])، قد ورد في الحديث الصحيح أن القائم بالنهي عن منكرات الحكّام الظلمة في منزلة أعظم المجاهدين في سبيل الله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر”([79])، إن قيمة هذا التشجيع الكبير والحث العظيم على الاحتساب على الحكام المتغلبين الظلمة، وتبشير المحتسبين باستحقاق هذه المرتبة العظيمة في الدين والدنيا، تكمن في الآثار والفوائد العظيمة للدولة والمجتمع المترتبة على ذلك، وفي ذات الوقت خطورة القيام بهذه الفريضة، وعزوف أكثر الناس عنها ” لأن من جاهد العدو، وكان متردداً بين رجاءٍ وخوفٍ لا يدري: هل يَغْلِبْ أو يُغْلَبْ ؟ وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق، وأمره بالمعروف، فقد تعرض للتلف، وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف”([80]).
وقد زاد الإمام الغزالي رحمه الله هذا المضمون جلاء حين قرر وجوب الاحتساب على الحكام المتغلبين الظلمة، وأنه ينبغي إغلاظ القول عليهم، و وسمهم بــــ “التجهيل والتحميق والنسبة إلى الفسق وقلة الخوف من الله وما يجرى مجراه ، فهو كلام صدق والصدق مستحق بل أفضل الدرجات كلمة حق عند إمام جائر”([81]).
ملاحظة ختامية بشأن شرعية المتغلب:
أخيراً لا يفوتنا التنبيه على ملاحظة ختامية مفادها أنه نتيجة للتفاعلات السياسية في الدولة والمجتمع، واعتباراً للواقع السياسي القائم والظروف الموضوعية الاستثنائية التي تُشكله، فإنه قد تحدث حالات معينة يتطلب كل منها منح الشرعية السياسية للحاكم المتغلب خلافاً للأصل الشرعي الذي يُقرره الفكر السياسي الإسلامي من أن الأمة هي مصدر السلطة، وأن عقد الإمامة هو عقد مراضاة واختيار لا يدخله إرغام أو إكراه، ويمكن إجمال ذلك في حالات أربع كما يلي:
الحالة الأولى: دخول الدولة في حالة من الفوضى والاضطرابات الواسعة التي تُوشك أن تُؤدي لانهيارها، وتأكد فشل الحاكم القائم في استعادة الأمن والاستقرار، وقيام متغلب بالاستيلاء على الحكم، وتمكنه من إنقاذ الوضع وفرض سلطته وتحقيق الأمن والاستقرار، وحفظ حياة الناس وأعراضهم وممتلكاتهم وتوفير ضرورات وحاجيات بقائهم ومعيشتهم.
الحالة الثانية: قيام متغلب بالاستيلاء على الحكم وفرض سلطته والإمساك بمقاليد الحكم والقوة، لمواجهة عُدوان خارجي محقق يُهدد باجتياح الدولة واحتلالها، بعد تأكد فشل أو تراخي الحاكم القائم عن القيام بواجب حماية الدولة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها ومواطنيها.
الحالة الثالثة: قيام متغلب بالاستيلاء على الحكم بعد حصول حرب أهلية أو اقتتال داخلي بين أطراف نافذة تنتمي للسلطة الحاكمة، وتمكن هذا المتغلب من إيقاف الحرب والاقتتال، وفرض سلطته على الجميع وتحقيق الأمن الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي، وبسط سلطان الدولة على معظم أراضيها ومواطنيها.
الحالة الرابعة: قيام متغلب بالاستيلاء على الحكم والإمساك بمقاليد السلطة، وتحقيق نجاحات ملموسة في الوفاء بواجبات الدولة ووظائفها تجاه مواطنيها، بعد أن تمكّن من الانقلاب على حاكم ظالم وفاسد ومستبد تأكد عدم رغبته في إصلاح نفسه أو السماح لغيره بإعانته على إصلاح سياساته وممارساته الفاسدة والجائرة التي أصر من خلالها على منع حقوق الناس، وانتهاك حرماتهم وحرياتهم، وتعطيل أحكام الشرع الحنيف، وتعمد عدم إنجاز الوظائف والمهام المُناط بالسلطة الحاكمة القيام.
تبين لنا من الدراسة أن التغلب ينصرف إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر وجعلهما أداة للمحافظة عليه وسبيلاً لتداوله بين المتغلبين، وثبت صحة الفرضية الأولى التي انطلقت منها الدراسة ومفادها أن الفكر السياسي الإسلامي يضع فروقاً واضحة بين تولي الحكم عن طريق رضا الأمة وحرية اختيارها، وبين توليه عن طريق التغلب بالقوة أو القهر، وقد تأكد في الدراسة أن هذا النمط من أنماط الوصول للحكم والاستيلاء عليه يُعد مُنافياً للأصل الشرعي الذي يُقرّر أن الأمة هي مصدر السلطة ومالكها، وأنها صاحبة الحق في إسنادها لمن ترضاه بطريقة شورية تُعبر عن إرادتها وحرية اختيارها، وأن ذلك هو أساس الشرعية والمشروعية في الفكر السياسي الإسلامي.
كذلك ثبتت صحة الفرضية الثانية ومضمونها أن الفكر السياسي الإسلامي يتميز بتعدد اتجاهاته حول منح الشرعية السياسية للحاكم المتغلب، وقد خلصت الدراسة إلى أن هذه الاتجاهات تتمحور حول اتجاهين الأول يضم غالبية الأئمة وفقهاء الفكر السياسي الإسلامي ويرون وجوب طاعة المتغلب الذي تمكّن من الاستيلاء على الحكم بالقوة أو القهر وصارت سلطته أمراً واقعاً، والاتجاه الثاني يرى عدم شرعية التغلب وأنه لا اعتبار للواقع الذي أصبح فيه المتغلب مستولياً على مقاليد الحكم، وأن المتغلبين أمراء جور، والله تعالى إنما أمر بطاعة أولي الأمر المتبعون لله ورسوله.
أيضاً ثبت صحة الفرضية الثالثة وقوامها أن إقرار رواد الفكر السياسي الإسلامي بشرعية الحاكم المتغلب لم يكن مبدأً انطلقوا منه، وإنما كان خياراً اضطروا إليه تحت ضغط ظروف موضوعية دفعتهم لذلك، وأن هنالك سياقات تاريخية وسياسية حدثت بعد الخلافة الراشدة أدت إلى تحولٍ جذري في نمط الوصول للحكم والاحتفاظ به وتداوله، وذلك بانقلاب الحكم الشوري القائم على رضا الأمة وحُرية اختيارها إلى الملك العضوض القائم على القوة والقهر، والمستند إلى القوة المادية المتمثلة في الشوكة والعصبية، وأن رواد الفكر السياسي الإسلامي خلصوا إلى ضرورة منح المتغلب الشرعية تجنباً لوقوع الفتن وما يترتب عليها من تفرق أمة المسلمين، واستمرار سفك الدماء، وانتهاك الحرمات، وتعطل الوظائف والمهام والأهداف العليا التي يجب على السلطة السياسية الحاكمة القيام بها.
كما انتهت الدراسة إلى إثبات صحة الفرضية الرابعة وقوامها أن الفكر السياسي الإسلامي يضع فروقاً بين الحاكم المتغلب الذي استولى على الحكم بالقوة، وبين الحاكم الشرعي الذي وصل للحكم برضا الأمة وإرادتها وحرية اختيارها، وقد تبين من الدراسة أن هذه الفروق كانت واضحة ومعمول به عند كثير من الأئمة والفقهاء.
كذلك ثبت صحة الفرضية الخامسة وقوامها أن أصول ومبادئ الفكر السياسي الإسلامي تتسع وتُشجع على وضع العديد من الاشتراطات والضوابط والمتطلبات التي ينبغي أن يَرتبط بها منح الشرعية السياسية للحاكم المتغلب، وقد تناولت الدراسة أهم هذه الاشتراطات والضوابط والمتطلبات، وأنها بمجموعها تُعبر عن حيوية الفكر السياسي الإسلامي وقدرته على حفظ حق الأمة في السلطة السياسية، وفي ذات الوقت واقعيته في الاستجابة لضرورات الواقع السياسي المُعاش.
من جهة أخرى خلصت الدراسة إلى أنه مع مرور الزمن اتسع التغلب وترسخ وصار الأساس للاستيلاء على الحكم وتداوله والاحتفاظ به، وأن هذا يستدعي إجراء عدة مراجعات في الفكر السياسي الإسلامي، ومن أهمها تجديد التأكيد على أن الأمة هي مصدر السلطة، وأن عقد الإمامة هو عقدٌ بين طرفين، طرفه الأول الأمة أو من يُمثّلها وطرفه الثاني الحاكم، وأن هذا العقد هو عقد مُراضاة واختيار لا يدخله إرغام أو إكراه، أيضاً تقرّر من الدراسة الحاجة المُلحّة لإعادة النظر في الأساس الفقهي الذي تمّ الاستناد عليه لمنح الشرعية للمتغلب والاعتراف بسلطته وطاعته ( الضروراتُ تُبيح المحظورات) ، ذلك أن حالة الضرورة لا يُعمل بها على الإطلاق، بل يحكمها مجموعة من القيود والضوابط، وأنه ينبغي عدم التوسع في استباحة المحظور الشرعي فـــالضرورة تُقدّر بقدرها، أيضاً تَقرّر في الدراسة أهمية التفريق بين الحاكم المتغلب الذي أصبحت سلطته أمراً واقعاً، وبين الحاكم الذي يتولى الحُكم بالشورى، والتأكيد على أن لذلك قيمة عملية ينبغي توظيفها في ممارسة الضغط القيمي والأخلاقي والنفسي على الحاكم المُتغلب، بحيث يكون دائمَ الشعور بأنه استولى على الحكم غَصباً عن الأمة، وبطريقة مُخالفة لما يُقرره الشرع الحنيف، ومن ثمّ دَفعهُ بعد أن تستقر سلطته وتستتبَّ له الأمور إلى أن يُحسن إدارة الدولة، ويَنتهج العدل في حكمه، ويجتهد في تحري تحقيق مصالح الأمة ودرء الضرر عنها، ويتخذ ذلك سبيلاً لتصحيح شرعيته بالرجوع للأمة لتمنحه السلطة برضاها وحُرية اختيارها.
- إبراهيم بن شمس الدين بن فرحون المالكي، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ج1، تحقيق الشيخ جمال مرعشلي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1 ، 1995م.
- ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، المجلد2، ج3، بيروت، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، ط2، 1987م.
- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، مكتبة دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى، 1997م.
- ابن هشام ، السيرة النبوية ، ج4 ، تحقيق همام عبد الرحيم ومحمد أبو صعيليك ، مكتبة المنار ، الزرقاء ، الطبعة الأولى ، 1988م.
- أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ج2، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت، المكتبة العصرية، د.ط، 1995م.
- أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق، د. أحمد البغدادي، الكويت، مكتبة دار قتيبة، ط1، 1989م.
- أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك، تحقيق محي هلال سرحان وحسن الساعاتي، بيروت، دار النهضة العربية، د.ط، د.ت .
- أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، ج4 ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر ، 1399هـ – 1979م.
- أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، ج2، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الله التركي وكامل محمد الخراط، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1997م.
- أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، مناقب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، دار هجر للطباعة والنشر، ط2، 1409هـ.
- أبو المعالي عبد الملك الجويني، غياث الأمم في إلتياث الظلم، تحقيق خليل منصور، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1997م.
- أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، مناقب الشافعي، تحقيق أحمد صقر، ج1، القاهرة، مكتبة دار التراث، 1970م.
- أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تحقيق الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1987م.
- أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، أحكام القرآن، ج4، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1988م.
- أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1983م.
- أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، بيروت، دار الفكر، د.ط، 1994م.
- أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، أصول السنة، الخرج السعودية، دار المنار، ط1، 1411هـ.
- أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مجلد1، ج2، بيروت، مؤسسة مناهل العرفان، د.ط، 1996م.
- أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه؛ تجارب الأمم وتعاقب الهمم، ج 5، تحقيق أبو القاسم إمامي، سروش، طهران ط2، 2000م.
- أبو يعلى الفراء، الأحكام السلطانية، تحقيق محمود حسن، دار الفكر، بيروت ، د.ط، 1994م.
- أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبا الخيل، التغلب: دراسة في الفكر السياسي الإسلامي، رسالة ماجستير قدمت إلى قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، عام 1424هـ – 2003م.
- الحافظ المنذري، مختصر سنن أبي داود، تحقيق محمد حامد الفقي، ج6، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ط، د.ت.
- بدر الدين بن جماعة، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم، قطر رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، ط2، 1991م.
- تقي الدين أحمد بن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق أبي يعلى القويسني، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ط، 2000م.
- تقي الدين ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج1، تحقيق د. محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1986م.
- جلال الدين السيوطي، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ، د.م ، دار إحياء الكتب العربية ، د.ط ، د.ت.
- جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط3، د.ت.
- حسام الدين خليل فرج، إمامة المتغلب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، مجلة التجديد،الجامعة الإسلامية بماليزيا، كوالالمبور، المجلد 22، العدد 43، 2018م.
- حسين بوبيدي وعبد الحميد مهري، سلطة المتغلب في الفكر السياسي الإسلامي السني: دراسة في أثر الحوادث التاريخية على الاختيارات الشرعية، مجلة الآداب والحضارة الإسلامية، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 2022م، المجلد 14، العدد 28، قسنطينة.
- رضوان السيد، الدولة والسلطة في الفكر السياسي الإسلامي في كتاب مجلة العربي، رؤى إسلامية معاصرة، الكويت، ط1، 2001م.
- زين العابدين إبراهيم ابن نجيم الحنفي، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993م.
- ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ج1، بيروت، دار النفائس، ط5، 1985م.
- عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ط، د.ت.
- عزالدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، مؤسسة الريان، بيروت، 1990م.
- فخر الدين الرازي، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، ج27، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1990م.
- مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف محمد نعيم العرقسُوسي ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط8، 1426هـ.
- محمد بن علي الشوكاني، رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين، تحقيق د. حسن الظاهر، دار ابن حزم، ط1، 1992م.
- محمد بن علي الشوكاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، ج3، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 2000م.
- محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، ج7، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، د.ت.
- محمد رشيد رضا، الخلافة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012م.
- محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار، تحقيق إبراهيم شمس الدين، ج4، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1999م.
- محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل، ج1 ، تحقيق مصطفى حسين أمين ، د.م ، دار الكتاب العربي ، د.ط ، د.ت.
- وهبة الزحيلي، نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي، دمشق، دار الفكر، ط4، 1997م.
( [1]) أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة ، ج4 ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر ، 1399هـ – 1979م ، ص 388.
( [2]) مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط8، 1426 هـ – 2005، ص121.
([5] ) ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي ج1، بيروت، دار النفائس، ط5، 1985، ص244.
([6] ) أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبا الخيل، التغلب: دراسة في الفكر السياسي الإسلامي، رسالة ماجستير قدمت إلى قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، عام 1424هـ الموافق 2003م، ص67-69
( [7]( أبو المعالي عبد الملك ا لجويني، غياث الأمم في إلتياث الظلم، تحقيق خليل منصور، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1997م
ص 146،145.
([10] ) عبد الرحمن ابن خلدون ، مقدمة ابن خلدون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ط، د.ت ، ص139
( [15]) المصدر السابق ، ص196 .
([16]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، مكتبة دار السلام، الرياض، الطبعة الأولى، 1997م، ص416.
([17]) ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، المجلد2 ، ج3، بيروت، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، ط2، 1987م،ص207.
([18]) ابن هشام ، السيرة النبوية ، ج4 ، تحقيق همام عبد الرحيم ومحمد أبو صعيليك ، مكتبة المنار ، الزرقاء ، الطبعة الأولى ، 1988م ، ، ص413 .
([19]) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج1، تحقيق د. محمد رشاد سالم ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1986م، ص 530- 533 .
([20] ) الجويني، مصدر سابق ، ص66
([21]) أبا الخيل، مصدر سابق، ص 101- 104 ، 156
([22] ) المصدر السابق، ص 105، 106.
([23] ) ابن خلدون، مصدر سابق ، ص 208
([24] ) انظر: أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم؛ ج 5، تحقيق أبو القاسم إمامي؛ الناشر: سروش؛ طهران ط2 ؛ 2000م ص 459
([25] ) أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق، د. أحمد البغدادي، الكويت، مكتبة دار قتيبة،ط1، 1989م، ص40.
( [26]) المصدر السابق، ص 44 ،46،45.
([27] ) انظر: حسام الدين خليل فرج، إمامة المتغلب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية بماليزيا، كوالالمبور، المجلد 22، العدد 43، 2018م، ص 183- 216، وقد خلصت الدراسة إلى وجود أربعة اتجاهات الفكر السياسي الإسلامي حول التغلب الأول: يرى صحة إمامة المتغلب بمجرد استيلائه على الحكم ، وأنه لا يحتاج لعقد أو بيعة، والثاني: يرى أن إمامة المتغلب لا تنعقد إلا بعقد وبيعة الأمة، والثالث : يرى التفريق بين حالتين ، الحالة الأولى : أن يكون التغلب في وقت خلا من إمام للمسلمين فتصح الإمامة للمتغلب إن كان جامعاً لشروط الإمامة، والحالة الثانية : أن يتغلب في وقت فيه إمام للمسلمين فإن كان هذا الإمام متغلباً على من سبقه انعقدت إمامة المتغلب الجديد ، وأما إن كانت إمامته قد ثبتت بعهد أو بيعة فلا تصح إمامة المتغلب الجديد، وأما الاتجاه الرابع فيرى أن إمامة المتغلب غير منعقدة مطلقاً فلا شرعية تأتي بالتغلب والقهر بل الواجب رفضها ومقاومتها.
([28] ) أبا الخيل، مصدر سابق، ص 165.
([30] ) الباقلاني أبو بكر محمد بن الطيب، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تحقيق الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1987م، ص471 .
([31]) أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، ج2، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الله التركي وكامل محمد الخراط، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1997م، ص627
([32] ) أبو الحسن الأشعري أبو الحسن، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ج2، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت، المكتبة العصرية، د.ط، 1995م، ص158.
([33] ) محمود بن عمر الزمخشري ، الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل،ج1 ، تحقيق مصطفى حسين أمين ، د.م ، دار الكتاب العربي ، د.ط ، د.ت ، ص524 .
([34] ) انظر على سبيل المثال: الجويني، مرجع سابق، ص،148، أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1983م، ص150، ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، مصدر سابق، ص528.
([35]) أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، مناقب الشافعي، تحقيق أحمد صقر، ج1،القاهرة،مكتبة دار التراث، 1970م، ص448
([36] ) أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ، أصول السنة ، الخرج السعودية ، دار المنار، ط1، 1411هـ ، ص 42.
([37] ) انظر: حسين بوبيدي وعبد الحميد مهري، سلطة المتغلب في الفكر السياسي الإسلامي السني: دراسة في أثر الحوادث التاريخية على الاختيارات الشرعية، مجلة الآداب والحضارة الإسلامية، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 2022م، المجلد 14، العدد 28، قسنطينة، ص46
([38]) جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط3، د.ت، ص254.
([39]) انظر: المصدر السابق، ص264، 284، 289.
([40]) أبو يعلى الفراء ، الأحكام السلطانية ، تحقيق محمود حسن ، دار الفكر ، بيروت ، بدون طبعة ، 1994م ، ص25 .
([41] ) ابن حنبل مصدر سابق ، ص45.
([42] ) ابن حنبل ، مصدر سابق، ص 46.
([43]) د. وهبة الزحيلي ، نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي ، دمشق ، دار الفكر ، ط4 ، 1997م ، ص64 .
([44]) جلال الدين السيوطي ، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ، د.م ، دار إحياء الكتب العربية ، د.ط ، د.ت ، ص93 ، زين العابدين إبراهيم ابن نجيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993م، ص85
([45]) السيوطي المصدر السابق، ص96، ابن نجيم، المصدر السابق، ص89 .
([46]) الغزالي، مصدر سابق ، ص151 .
([47]) أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، أحكام القرآن،ج4، بيروت، دار الكتب العلمية ، ط1، 1988م، ص154
([48]) إبراهيم بن شمس الدين بن فرحون المالكي ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ج1 ، تحقيق الشيخ جمال مرعشلي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1995م، ص19 .
([49]) الفراء، مصدر سابق، ص 25،24 .
([50]) أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، مناقب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، القاهرة، دار هجر للطباعة والنشر، ط2، 1409هـ ص431 .
([51]) الزمخشري، مصدر سابق ، ج1 ، ص184 .
([52]) عزالدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، مؤسسة الريان، بيروت، 1990م، ص80 .
([54] ) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، ج،27، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1990م، ص152
( [55]) ابن حجر العسقلاني، مصدر سابق، ج12، ص176.
([56] (الباقلاني، مصدر سابق، ص476.
([57] ) تقي الدين أحمد بن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق أبي يعلى القويسني، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ط، 2000م، ص19.
([58]) الفراء، مصدر سابق، ص30 .
([59]) بدر الدين بن جماعة، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم، قطر رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، ط2، 1991م ص57.
([60]) محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، ج7، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، د.ت، ص175.
([61]) د. رضوان السيد، الدولة والسلطة في الفكر السياسي الإسلامي في كتاب مجلة العربي، رؤى إسلامية معاصرة، الكويت، ط1، 2001م، ص62.
([62]) السيوطي، الأشباه والنظائر، مصدر سابق، ص93، ابن نجيم، الأشباه والنظائر، مصدر سابق، ص86.
([63]) محمد رشيد رضا، الخلافة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، د.ط ، 2012م، ص40
([64]) الزحيلي، مصدر سابق، ص66.
([65]) ابن جماعة، مصدر سابق، ص55.
([66]) الماوردي، الأحكام السلطانية مصدر سابق، ص89.
([67]) سورة البقرة، الآية: 124.
([68]) أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مجلد1، ج2، بيروت، مؤسسة مناهل العرفان، د.ط، 1996م، ص108.
([69]) الجصاص ، مصدر سابق، مجلد1، ص98.
([70]) محمد بن علي الشوكاني، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، ج3، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 2000م، ص702.
([71]) محمد بن علي الشوكاني، رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين ، تحقيق د. حسن الظاهر ، دار ابن حزم ، ط1 ، 1992م، ص79.
([72]) الجويني، مصدر سابق، ص 39
([73]) عزالدين بن عبد السلام، مصدر سابق، ص58.
([74]) السيوطي، الأشباه والنظائر، مصدر سابق، ص93، ابن نجيم الحنفي، مصدر سابق، ص85.
([75] ) أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك، تحقيق محي هلال سرحان وحسن الساعاتي، بيروت: دار النهضة العربية، 1981م، ص 155
([76]) انظر نص الرسالة كاملاً في: أبي حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، بيروت، دار الفكر، د.ط ، 1994م، ص382 .
([77]) انظر: الشوكاني ، رفع الأساطين مصدر سابق ، ص74 .
([78]) محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار ، تحقيق إبراهيم شمس الدين ، ج4 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1999م، ص38 .
([79]) الحافظ المنذري، مختصر سنن أبي داود، تحقيق محمد حامد الفقي، ج6، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ط، د.ت، ص190، حديث رقم 4178.
([80]) الإمام أبو سليمان الخطابي، معالم السنن، وهو مطبوع بحاشية المصدر السابق، ص190.
Does your website have a contact page? I’m having a tough time locating it but, I’d like to send you an e-mail. I’ve got some creative ideas for your blog you might be interested in hearing. Either way, great blog and I look forward to seeing it develop over time.
Hello! I could have sworn I’ve been to this blog before but after browsing through some of the post I realized it’s new to me. Anyways, I’m definitely happy I found it and I’ll be book-marking and checking back frequently!
It’s hard to find knowledgeable people on this topic, but you sound like you know what you’re talking about! Thanks