مفهوم الإرهاب: دراسة مقارنة بين الفقهين الإسلامي والغربي
عارف عادل مرشد *
- مقدمة
يُعد موضوع الإرهاب من الموضوعات التي أثرت على حياة الناس والأمم في جميع مجالات الحياة، كمجالات الأمن والاقتصاد والسياحة وغير ذلك من المجالات. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية ازداد الحديث عن الإرهاب ومكافحته ،وعُقدت حوله المؤتمرات والندوات. وازداد الاهتمام من علماء الإسلام في النظر في الأحداث التي تدور، وإعطاء الحكم فيها، خاصة بعد وصف العالم الإسلامي بأنه عالم مليء بالإرهاب، ويعمل على تصديره للخارج.
ولما يشكله الإرهاب من خطورة على المجتمع الدولي، فقد قامت المنظمات الدولية والإقليمية بجهود لمكافحته، كما قامت الدول بسن التشريعات الوطنية للقضاء على الإرهاب ومكافحته. وقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في تحريم الاعتداء على النفس البشرية، فاعتبرت النفوس كلها واحدة، ومن اعتدى على إحداها، فكأنما اعتدى عليها جميعاً.
- مفهوم الإرهاب
عند تتبع مفهوم الإرهاب من الناحية اللغوية في مختار الصحاح([1]), ومعجم لسان العرب([2])، والمعجم الوسيط([3])، نجد أنها تتفق على أن كلمة << رهب>>، تعني الخوف والفزع، مما يعني أن أغلب الكلمات ذات الجذر الثلاثي << رهب>> تُستخدم في سياق الخوف والفزع.
[الإرهاب] يُقصد بها << Terrorism>>نجد أن كلمة <<Oxford Dictionary>>)[4]وفي قاموس أكسفورد(
استخدام العنف والتخويف أو الإرهاب وبخاصة لبلوغ أغراض سياسية, بينما نجد الصفة <<Terrorist>> [الإرهابي] بمعنى الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية محددة.
وقد ظهر مصطلح الإرهاب <<Terrorism>>بالمفهوم المعاصر أول مرة في عام ١٧٩٨م في ملحق الأكاديمية الفرنسية وكان مشتقاً من الاسم <<Terreur>> والمشتق بدوره من الأصل اللاتيني <<Terror>> و <<Terror>> و <<Terroris>>، وقد استُعمل لوصف حكومة الثورة الفرنسية التي كانت ترهب الشعب، فكان الإرهاب وصفاً لنظام الحكم السائد آنذاك.
وقد حدث بعد ذلك تحول كبير في مدلول الإرهاب، فإبان الثورة الفرنسية كان الإرهاب نظاماً في الحكم ووسيلة يقتصر استعمالها على من بأيديهم زمام السلطة، يعني أن استعمالها كان قانونياً، أما مع ظهور تيار الفوضويين في روسيا، فقد أصبح الإرهاب وسيلة تُستعمل ضد الحكومات والسلطات، أي أنه أصبح صورة خارجة عن القانون، وهذا ما كان يريده الفوضويين لأن القانون بنظرهم هو ثمرة من ثمار السلطة القائمة ونتيجة لها ووسيلة لدعمها.([5])
أما بالنسبة لمفهوم الإرهاب في المصادر المؤسسة [القرآن والسنة]، فقد وردت كلمة الإرهاب ومشتقاتها بمعنيين دل عليهما أكثر من نص، المعنى الأول: بمعنى الخشية والخوف من الله تعالى: وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (البقرة/40 ) فيأمر الله بني إسرائيل بالوفاء بالعهد الذي أخذه عليهم بأن يسلموا قلوبهم لـه، استسلاما منوطـا بـالخوف منـه وحـده وإفراده بالخشية.
ومثله قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ (الأعراف/154) والرهبة هنا فـي الآية هي الخوف من الله والخشية له.
وكذلك قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾(الأنبياء/90) فيثني الله على الأنبياء السالف ذكرهم عليهم السلام وذريتهم الصالحة أنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويـدعون الله رغبة في ثوابه ورهبة من غضبه وعقابه.
ومثله قوله تعالى: ﴿ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ (الحشر/13) فاليهود والمنافقون يخافون المؤمنين أكثر من خوفهم من الله.
وكذلك قوله تعالى: ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾)القصص/32).
ومعنى الآية اضمم يدك إلى صدرك من الخوف يذهب عنك الرعب، فالمراد بالجناح اليد لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده الأيسر فقد ضم جناحه إليه، وبذلك يذهب الخوف.
والمعنى الثاني: تخويف الخصم وإثارة الفزع فيه من ذلك قوله تعالى: ﴿ قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ (الأعراف/116) فقد ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم، وأتوا بألوان من السحر وضروب الشعوذة، بمهارة أخذت بألباب الناس وسكرت عقولهم. وألقت الرعب والخوف في قلوبهم، فرهبهم الناس.
وهذا يعني استعراض تلك القوة المعدة من الخيل وفرسانها، بحيث يراها العدو ويرى بها ما يرهبه ويقتل في نفسه كل داعية من دواعي الطمـع فـي المسلمين، وفي لقائهم في ميدان القتال، وهذا يعني أن الإعداد للحرب إنما هو لإرهاب العدو أولاً حتـى ينزجر ولا تحدثه نفسه بالحرب، حين يرى القوة الراصدة له.
وبناء على ذلك فبعض جوانب الإرهاب بإثارة الفزع والرعب والخوف في الناس ممدوحة في القرآن الكريم، وذلك عندما يكون الإرهاب بعيداً عن الجـور والظلم والاعتداء، ويكون الهدف منه إرساء قواعد العدل والإنصاف.
ومدلول الإرهاب في السنة هو ذاته في القرآن [الخوف]، أي أن الإرهاب يولد الخوف، فقد أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتخضبوا بالسواد لإرهاب العدو، وهذا إرهاب مشروع. فقال عليه السلام <<عليكم بخضاب السواد، فإنه أرهـب لكم في صدور عدوكم >>([6]).
كما قال عليه الصلاة والسلام <<ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه، أو شهده فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم>>([7]).
وقوله صلى الله عليه وسلم <<هذا أوائل بن حجر جاءكم لم يجئكم رغبة ولا رهبة جاء حباً لله ورسوله>>([8])
- استعمالات مفهوم الإرهاب في الفقه السياسي الإسلامي
ينبغي التمييز بين المصطلحات في القانون الإسلامي([9]) كالجهاد والبغي والحرابة، والمصطلحات المماثلة في القانون الدولي كالإرهاب، لأن هذه المصطلحات من الممكن أن تتداخل في النظامين في الممارسة. واستناداً إلى مصادر القانون الإسلامي، فإن الجهاد يحكمه معياران، المعيار الأول: أنه مبدأ، والمعيار الثاني: أنه نظام من أنظمة الدولة الإسلامية، فالجهاد كمبدأ لا علاقة له بالنزاعات المسلحة، فهو من مبادئ القانون الإسلامي تطور في البداية عندما بدأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام سراً في مكة لثلاث سنوات، ثم أمره الله تعالى بالجهر في ذلك. بعد ذلك بدأ المسلمون يجاهدون بممارسة معتقداتهم علناً ضد التعذيب الجماعي والقهر الذي تمارسه قريش ضد كل من يعتنق الإسلام.
وتطبيقاً لذلك في الممارسات الأولى للدولة الإسلامية، فأن النبي صلى الله عليه وسلم، ]كرئيس لهذه الدولة[ قد أعلن الجهاد أو الحرب الدفاعية في أول معركة يخوضها مع أهل مكة وهي معركة بدر في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة، ذلك الجهاد المختص بإعلانه الخليفة أو الإمام أو الحكومة الإسلامية أو القائد، فهو الوحيد المختص بإعلان الجهاد وفقاً للشروط المشروعة لممارسة الحرب في القانون الإسلامي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني الإسلامي، ذلك الجهاد، الذي ينبغي أن يكون حرباً دفاعية أو حرباً وقائية، ولم يُستخدم الجهاد، في ممارسات الدولة الإسلامية ضد أي شعب من الشعوب غير المسلمة بسبب الفروق الدينية.
فالجهاد باستخدام القوة يشبه القتال من أجل الحرية في القانون الدولي، باستثناء أن الجهاد لا يمكن إعلانه إلا بواسطة الإمام، وبشكل صريح وفقاً لقواعد القانون الإسلامي ضد المقاتلين فقط لمنع العدوان الأجنبي أو لمنع قهر المسلمين. بينما الإرهاب في القانون الدولي يمارس سراً ضد المدنيين؛ لذلك فإن الإرهاب كما ورد في القانون الدولي لا مكان له في القانون الإسلامي، ولا يعترف القانون الإسلامي ولا يفوض أي شخص أو مجموعة من الأشخاص باستخدام العنف خارج نطاق الجهاد بمعناه المحدد، أو ضد إرادة الغالبية العظمى من المسلمين.
واستناداً إلى مصادر القانون الإسلامي وممارسات الدولة الإسلامية، فإن تطبيق مبادئ الجهاد الدفاعي على الجماعات الإسلامية التي تمارس العنف المسلح خارج نطاق الجهاد، يظهر لنا أن هذه الجماعات ليسوا جهاديين وأعمالهم ليست جهاداً، وإنما هذه الجماعات، قد تكون بغاة] ثوار[ أو محاربين ]قطاع طرق[،وأعمالهم حرابة ]قطع طرق[.
وقد اختلف فقهاء المسلمين حول علاقة الإرهاب في القانون الدولي بالحرابة في القانون الإسلامي، فعلى سبيل المثال: رفض بعض الفقهاء استخدام كلمة <<Terrorism>>كترجمة لاصطلاح [حرابة]، حيث يعتبر أن اصطلاح حرابة يطلق على عموم المجرمين الذين يقصدون من وراء ارتكاب الجرائم مصالح خاصة.
أما الإرهاب، فإنه يرى أنه وجد كنتيجة لظهور الجريمة السياسية والتحرر الوطني في العصر الحديث([10]). وعلى الرغم من ذلك، يمكننا القول إن الإرهاب في مفهومه القانوني يقترب من الحرابة في مفهومها الشرعي، وبينهما تتطابق في العديد من الأعمال التي تشكل إرهاباً في المفهوم القانوني([11]).
أما بالنسبة لعلاقة الإرهاب في مفهومه القانوني بالبغي في القانون الإسلامي، فنجد أن مفهوم البغي يختلف عن مفهوم الإرهاب في الممارسات الغربية الحديثة ، التي فيها تم ترجمة <<Terrorism>>إلى مصطلح <<الإرهاب>>، حيث أن أعمال الإرهاب هي أعمال عنف ارتُكبت من مجموعة ضد العامة لأسباب سياسية، ويُعتبر مرتكبيها إرهابيين، وبالمقارنة، فإن البغي له معنى خاص في القانون الإسلامي، وهو قيام مجموعة من الأشخاص بحمل السلاح أو الثورة ضد الحكومة الشرعية أو غير الشرعية لمحاولة تغييرها، لخطأ ارتكبته في حق الشعب أو على الأقل رفع بعض الظلم عن هذا الشعب دون انتهاك القانون الإسلامي، فإذا أصيب المدنيون خطأً، في هذه الأثناء، فإن المهاجم لا يُطلق عليه إرهابي وإنما باغي([12]).
- استعمالات مفهوم الإرهاب في الفقه الغربي
لا يوجد تعريف محدد للإرهاب، ولا زالت وجهات النظر تختلف في معالجتها لهذه الظاهرة، وقد كان لعدم الاتفاق على تعريف جامع لمفهوم الإرهاب أثر في تعقيد المحاولات الوطنية والدلالية الرامية إلى معالجة هذه الظاهرة، ويرجع السبب في ذلك إلى الإشكاليات المتعلقة بتطور ظاهرة الإرهاب ذاتها وتعقد أشكالها وتعدد أساليب ارتكابها وتداخلها مع غيرها من الظواهر الأخرى.
وظهر أول تعريف اصطلاحي للإرهاب في “اتفاقية منع الإرهاب” التي نظمتها عصبة الأمم المتحدة عام 1937إذ جرى تعريف الإرهاب بأنه: <<أفعال إجرامية موجهة ضد دولة من الدول، ويُقصد بها أو يراد منها خلق حالة من الرهبة في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص أو الجمهور العام>>([13]).
وعلى أي حال فإن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز النفاذ لعدم تصديقها إلا من دولة واحدة. وقد فتحت هذه الاتفاقية الباب أمام المجتمع الدولي لإبرام العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بتحديد أشكال الإرهاب على اختلافها، من ذلك اتفاقية طوكيو لعام 1963 بشأن الجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرة، واتفاقية لاهاي لعام 1970 بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، واتفاقية مونتريال لعام1971 الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة والموجهة ضد سلامة الطيران المدني، والبروتوكول الملحق بها لعام 1984، واتفاقية عام 1997 بشأن مكافحة العمليات الإرهابية التي تستخدم المتفجرات، حيث نصت في المادة الثانية على أنه: << يرتكب جريمة كل شخص يقوم عمداً وبصورة غير مشروعة على تسليم أو وضع أو تفجير قذيفة قاتلة في مكان عام أو في إدارة رسمية أو منشآت عامة أو في وسيلة نقل… بقصد التسبب بوفاة أشخاص أو بقصد إلحاق أضرار مادية بالغة الخطورة، لإيقاع التخريب وإلحاق خسائر اقتصادية جسيمة…>> كما جاء في اتفاقية منع تمويل الإرهاب لعام 1996، التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه: << يشكل جرماً قيام أي شخص بأية وسيلة وبصورة غير مشروعة… بجمع الأموال بهدف استعمالها مع العلم أنها سوف تستخدم في ارتكاب جرم من جرائم الإرهاب>>.
غير أنه وعلى الرغم من كثرة إبرام هذه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وغيرها الكثير بقيت مهمة وضع معايير لتحديد مفهوم الإرهاب وتطبيقه في القانون الدولي محل اختلاف بين رجال القانون والسياسة.
ولما كانت أغلب هجمات العنف، قد وقعت حديثاً إما من قبل جماعات عربية أو إسلامية وغيرها، فقد أخذت الدول العربية والإسلامية بالاتجاه الذي تبناه المجتمع الدولي بشأن محاولة وضع معايير قانونية لتمييز الإرهاب عن غيره، حيث دعت الدول العربية والإسلامية من خلال منظماتها الإقليمية إلى إبرام اتفاقيات لتحديد مفهوم الإرهاب متدرجة من حيث النطاق الشخصي والإقليمي، من ذلك عقد اتفاقية بين الدول الإسلامية في عام 1999 واتفاقية عربية عام 1998 .
وتبدو أهمية هذه الاتفاقيات في أنها وضعت بعض المعايير للتمييز بين الإرهاب والكفاح المسلح، وذلك بوضع تعريف لمصطلح الإرهاب بالإضافة إلى تمييز هذه الاتفاقيات المقصود بمصطلح الإرهاب و <<حق الشعوب في الكفاح>> ضد الاحتلال والعدوان بمختلف الوسائل، حيث عرفت الإرهاب بأنه: << كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر >>. وأن الجريمة الإرهابية هي : << أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية >>.كما نصت هذه الاتفاقيات على مشروعية الكفاح ضد الاحتلال([14]).
وتُعد التنظيمات الإرهابية في الفقه الغربي أحد أشكال الفاعلين العنيفين من غير الدول<< Violent non-state actors>> والتي أهمها:
1.أمراء الحروب: وهم قادة عسكريون أو على الأقل لديهم خبرة عسكرية، وذوي شخصية كاريزمية، ولديهم القدرة على السيطرة على بعض الأقاليم في الدولة من خلال استخدام القوة العسكرية، ويرتبط ظهورهم عادة بالمجتمعات العرقية، وفي بعض الأحيان يتعايشون مع الدولة، لكنهم في نفس الوقت يحرصون على ألا تصل سيطرة الدولة للأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، ويدخلون حروباً مع منافسيهم.
وبالنسبة لعلاقتهم بالدولة فهي علاقة برجماتية، فهم يرفضون سيطرة الدولة على الإقليم، ويعارضون أي مبادرات لتقليص دورهم، لكن ظاهرياً قد يعلنون التعاون مع الدولة في محاولة لتحديد مستقبل الإقليم وتطويق سلطة الدولة. فهم قد يتحدون أو يكملون وظائف الدولة، ويستغلون مواردها الموجودة في الإقليم المسيطر عليه ويعتبر أمراء الحرب كالمنتشرين في سيراليون، وكونغو الديمقراطية، وبورما، وأفغانستان، أمثلة عن أمراء الحروب([15]).
2.جماعات الجريمة المنظمة: تعرف الأمم المتحدة الجريمة المنظمة على أنها <<أنشطة مجموعة تضم شخصين أو أكثر، لها تسلسل هرمي، أو علاقات شخصية تسمح لزعمائها أن يجمعوا أرباح أو يسيطروا على أقاليم أو أسواق، داخلية أو أجنبية عن طريق العنف أو الترهيب أو الفساد، سواء للقيام بأنشطتهم الإجرامية أو لاختراق الاقتصاد المشروع>>.
وقد تكون جماعات محلية أو عبر وطنية حيث تختلف الثانية عن الأولى في: أنشطتها عبر الوطنية والروابط مع الجماعات المشابهة الأخرى، بالإضافة إلى ضخامة حجم المنظمة وضخامة نشاطها الإجرامي([16]).
3.شركات الأمن الخاصة: هي شركات تقدم خدمات أمنية كحراسة السفارات والدبلوماسيين، والاستخبارات والاستشارات التقنية، وفي بعض الأحوال المشاركة في القتال إلى جانب القوات المسلحة وذلك خلافاً لما تدعيه الدول المستخدمة لهذه الشركات من أن دورها لا يتضمن مهمات القوات المسلحة وعلاقة هذه الشركات بالدولة هي علاقة غير عدائية ونفعية، على عكس باقي أشكال الفاعلين العنيفين من غير الدول([17]).
وتختلف هذه الفواعل العنيفة من غير الدول عن التنظيمات الإرهابية في أن الأخيرة هي جماعات تسعى للتغير السياسي من خلال استخدام العنف ضد الدولة والمدنيين، وتسعى لإنشاء دولة خاصة بها تستطيع من خلالها تنفيذ أيديولوجيتها في الحكم، وأهمها في القرن الواحد والعشرين هي جماعات الإسلام السياسي المتشدد مثل تنظيم القاعدة.
- خاتمة
استناداً إلى ما سبق، يتضح لنا أن معنى مفهوم << Terrorism>> في الفقه الغربي وترجمته بمصطلح << إرهاب>> في اللغة العربية، لا يتطابقان تماماً في المعنى مع مثيلاتهما من المفاهيم الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فالمصطلح الملائم في اللغة العربية لمصطلح<< Terrorism>>، في شقه الداخلي غير الدولي، في القانون الدولي والمتفق مع الفقه السياسي الإسلامي، هو مصطلح << حرابة>> أو << إفساد>>، حيث إن كلاً من المصطلحين الأخيرين اقرب إلى الإرهاب الداخلي في القانون الدولي، خاصة أن جريمتي الحرابة والإفساد هما من الجرائم الخطيرة في نظر الفقه الإسلامي، كما هو الحال مع جريمة الإرهاب في الفقه الغربي.
كما أن الفقه الإسلامي له معاييره التي تحدد طبيعة أعمال العنف والمصطلحات التي تُطلق على مثل هذه الإعمال، حيث قد تتشابه أو تختلف في بعض الأحيان، عن مثيلاتها في الفقه الغربي. حيث أنه من الممكن أن يشبه الجهاد القتال من أجل الحرية في الفقه الغربي، والبغي من الممكن أن يشبه المظاهرات أو الثورة في القانون الدولي، والحرابة من الممكن أن تتماثل مع الإرهاب الداخلي في القانون الدولي.
6.استخلاصات عملية للاستفادة
تتمثل أهم النقاط التي يجب مراجعتها لتطوير هذا المفهوم فيما يلي:
- إنه عند دراسة أي مصطلح من المصطلحات يجب إرجاعه إلى أصل الثقافة التي نٌقل عنها هذا المصطلح لمعرفة الوسيلة التي نما بها، حتى نتمكن من التحقق من مدى تجانس المعنى مع اللفظ العربي الذي عٌرب به. فتاريخ الصراع بين العالم الإسلامي والغرب في العصر الحديث أوضح أن الغرب قدم عدة مصطلحات ولدت في بيئته وتقدم مفاهيم خاصة به لتسقط على المسلمين، لأغراض تحقق التغلب الحضاري.
- إن لفظ الجهاد أدخله الغربيون تحت << الإرهاب >> مما يوجب تحرير المراد وبيان عظمة مدلولات لفظة الجهاد في الشريعة الإسلامية. ففي ديننا غناء بالألفاظ الشرعية المحددة المنضبطة، من مثل ألفاظ: الجهاد، البغي، و الحرابة، وهي ألفاظ تضبط الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر.
- تأصيل معايير عملية ] الغاية و وسيلة العمل المُرتكب، والقصد منه، ومشروعية هذا العمل[ لتحديد طبيعة أي عمل من أعمال الجماعات المسلحة، حيث ينبغي أن تتخذ هذه المعايير كوسيلة للتمييز بين أعمال الإرهاب وأعمال القتال من أجل الحرية في الحالات الحاضرة والمستقبلة.
- إدماج بعض القواعد القانونية المٌلزمة في مبادئ مُستمدة من القانون الإسلامي لحل ما قد يثور من نزاع بين الدولة و الجماعات المسلحة، حيث إن هذه المعايير القانونية المُلزمة تحدد الوضع القانوني لأعمال هذه الجماعات وفقاً للقانون الإسلامي لتقرير، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ما إذا كانت أعمال جماعة معنية تمثل جهاداً] قتال من أجل الحرية [أو بغياً] ثورة[ أو حرابة ] إرهاب داخلي [ .
- أن كل من المفاهيم الثلاثة ] الجهاد، البغي، الحرابة [ وفقاً للفقه الإسلامي، هي مفاهيم ناضجة للبحث، ومن الممكن أن يكون أي منها موضوع لبحث مقارن بين الفقهين الإسلامي والغربي أكثر عمقاً، كدراسة الجهاد مقارناً مع القتال من أجل الحرية، أو مفهوم البغي مقارناً مع مفهوم الثورة، أو مفهوم الحرابة مقارناً مع مفهوم الإرهاب؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام الباحثين لتناول هذه الموضوعات في بحوث مقارنة، تملأ الفراغ القائم بين الفقه السياسي الإسلامي و الفقه السياسي الغربي.
1 -انظر الرازي, محمد بن أبي بكر الرازي (ت 660 هـ) – مختار الصحاح: 267, (تحقيق محمود خاطر, مكتبة لبنان, بيروت, طبعة جديدة, 1415 هـ/1995م).
2-انظر: ابن منظور, أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت711هـ)-لسان العرب: مادة: رهب/ 436, ط دار صادر, بيروت, ط/1.
3-انظر: مصطفى, إبراهيم وآخرون-المعجم الوسيط: مادة رهب/782, (ط دار عمران, القاهرة, ط/3, د.ت).
[4] Oxford Leaners Dictionary, Second ed, P1042.
*باحث وأكاديمي أردني/ جامعة الزرقاء/ الأردن.
1-انظر: بو عمامة, العربي- منصات التواصل الاجتماعي كميكانيزمات افتراضية لنشر خطاب الكراهية: 1508, في: دور الشريعة والقانون والإعلام في مكافحة الإرهاب (ط دار الوراق, عمّان, ط/1 ,2016م).
1- أخرجه البزاز, كتاب البحر الزخار المعروف بمسند البزاز: حديث رقم2007 , عن صهيب بن سنان رضي الله عنه.
2-أخرجه أحمد بن حنبل, كتاب المسند: حديث رقم 1492, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
3-أخرجه الطبراني, المعجم الكبير: باب الواو, عن وائل بن حجر رضي الله عنه.
1-القانون الإسلامي هو قانون فقهي, يتكون من القانون الداخلي و>>السير<< [القانون الدولي الإسلامي], حيث إن القانون الدولي الإسلامي يختلف تماماً عن القانون الدولي, إذ تطور القانون الإسلامي, كجزء من القانون الإسلامي [الشريعة الإسلامية] منذ قرون طويلة, انظر: الزحيلي, وهبة (ت,143هـ/2015م)- العلاقات الدولية الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث (ط دار الفكر, بيروت, ط/1,2001م).
1-انظر: الرشيدي, مدوس فلاح سعد-معايير تمييز الإرهاب عن حركات التحرر في القانون الدولي وعن الجهاد والبغي والحرابة في القانون الإسلامي: دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة: مجلة الحقوق, جامعة الكويت: 100, (مجلد 4, العدد2,2016م).
-2انظر: الطعيمات, هاني سلمان- مفهوم الإرهاب: دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون: مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون, الجامعة الأردنية:441, (المجلد30, العدد2,2003م).
3- الرشيدي, مدوس فلاح سعد- معايير تمييز الإرهاب عن حركات التحرر في القانون الدولي وعن الجهاد والبغي والحرابة في القانون الإسلامي: دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة:100.
– 1 الزيديين, نواف موسى –الإرهاب والمقاومة في ظل القانون الدولي العام: مجلة مؤتة للبحوث والدراسات, جامعة مؤتة, الأردن: 154, (المجلد 23, العدد5, 2008م).
1-الرشيدي, مدوس فلاح سعد- معايير تمييز الإرهاب عن حركات التحرر في القانون الدولي وعن الجهاد والبغي والحرابة في القانون الإسلامي: دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة: 76-74.
1-عبد الحي, صباح عبد الصبور –استخدام القوة الإلكترونية في التفاعلات الدولية: تنظيم القاعدة نموذجاً: 11, (المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية, القاهرة, 2016م).
2-أدمام, شهرزاد –مساعي إشراك الفواعل العنيفة من غير الدول في آليات حماية المدنيين في النزاعات المسلحة: مجلة الحكمة للدراسات الاجتماعية: 119, (العدد 9, 2017م).
3-عبد الحي, , صباح عبد الصبور –استخدام القوة الإلكترونية في التفاعلات الدولية: تنظيم القاعدة نموذجاً: 13.