أسباب تراجع أداء الإسلاميين في إدارة الحكم بالعالم الإسلامي
د. دحمان عبد الحق
الوحدة السياسية – مركز المجدد للبحوث والدراسات
مقــــدمة
بعد حدوث ما يسمى بالموجة الرابعة (Fourth Wave) للتحول الديمقراطي في عدة دول عربية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) شهدت هذه المنطقة صعوداً للتيارات الإسلامية خاصة في تونس ومصر والمغرب، وهو ما أثار في البداية مخاوف كبيرة لدى العلمانيين والقوى السياسية القومية ظناً منهم بأن هذه التيارات والأحزاب السياسية ستقوض الحريات الفردية، وتمس بحقوق الأقليات الدينية والإثنية، وتؤثر على العملية الديمقراطية والتعددية السياسية على عكس بعض التيارات الأخرى التي تعتقد بأن الإسلام السياسي بات “مهذباً سياسياً”، وقام بتقويم ذاته، وتصحيح الكثير من المعطيات والأخطاء، والتكيف مع التطورات والتحولات الحاصلة على أرض الواقع ، فلقد أصبحت تتحدث بلغة يفهمها الشارع، وتحظى بقبول شرائح اجتماعية كبيرة، وربما يعود ذلك إلى التأثر بسياسات ونهج حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي قدم نموذجاً ناجحاً فيما يخص التوافق بين الدين مع الديمقراطية، وتطوير مسارات التنمية، وهي نفس الرؤية التي تحدث عنها المفكر الأمريكي – من أصل إيراني- “آصف بيات” في وصفه للإسلام السياسي بأنه شهد تحولات في أفكاره ومقارباته وسياساته في الداخل والخارج ضارباً بذلك مثلاً على حزب العدالة والتنمية في تركيا، ثم أحزاب النهضة والعدالة والتنمية في تونس والمغرب، كونها اندمجت في النطاق الوطني والديمقراطي والسياسي، وتخلت عن الكثير من الشعارات والأفكار المرتبطة بالحركات الإسلامية كأسلمة المجتمع وتأسيس دولة الخلافة، وبذلك فهي أصبحت قريبة إلى الكيانات الديمقراطية الموجودة في المجتمعات الإسلامية [1].
ورغم نجاحات الإسلام السياسي في البداية في استقطاب الجماهير والشعوب من انتماءات مختلفة ومتعددة، غير أن الراصد للواقع جيداً سوف يلاحظ تراجع دور الإسلاميين في إدارة الحكم بالعالم الإسلامي والعربي خلال خمس السنوات الأخيرة نظراً لتغير المعادلة السياسية وتفاعل مجموعة من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى ذلك، فما هي أسباب تراجع الإسلاميين في إدارة الحكم – الثورة المضادة- بالعالم الإسلامي والعربي؟
ظلت مسألة انتقال حركات الإسلام السياسي من الحالة القاعدية أو المشاركتية إلى السلطة –الفوقية- مسألة تثير الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والأكاديمية خصوصاً في السنوات الأخيرة لتراجع أدائ حركات الإسلام السياسي في العالم العربي بعد منعطفات حادة وأسباب يمكن التفصيل فيها عل النحو الآتي:
- دور التيار الشكيكي: بالرغم من وجود الكثير من التطورات والتحولات التي مست منهجية وتفكير الإسلاميين حول إدارة الحكم ، إلا أن هناك عدة تيارات سياسية وباحثين علمانيين يشككون في هذا الأداء والخطاب الجديد لهم، ويرون بأن ما يحدث ما يزال لغاية الآن في طور “التكتيك” من أجل الوصول إلى السلطة، ويتفقون على أن الإسلاميين مهما اختلفوا في إيدلوجياهم وأفكارهم يحاولون الادعاء بأنهم يتقبلون الديمقراطية والتعددية والاختلاف، غير أنهم إلى غاية اليوم يفكرون في تحقيق أهدافهم الكبرى المتعلقة بإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، ولقد تعززت واقعية هذه الافتراضات بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر في تموز 2013، واعتبارها جماعة إرهابية في بعض الدول العربية كمصر والإمارات العربية المتحدة بعد التخوف من نهجها وتحركاتها وأفكارها [2].
- الضغط الخارجي: لا يتعلق الأمر بمقاربة التشكيك فقط التي أنتجتها العديد من الجهات، وإنما يتعدى ذلك إلى “حتمية إسقاط نماذج الانتقال الديمقراطي في العالم العربي”، لأن نجاحها بالنسبة للغرب يعني تحرير دول هذه المنطقة من الاستبداد، وإيداع نموذج حضاري جديد قد يواجه السياسات الإمبريالية الأمريكية، لذلك فإن القوى الكبرى – الولايات المتحدة والقوى الغربية- تتشاور فيما بينها حول كيفية ضمان السيطرة المستدامة وفق معادلة الهيمنة/النفوذ مما يضمن لها استمرار السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، ويحافظ على استمرار النخب الخادمة لها والمتربحة من هذه التدابير والملتزمة بها[3].
ويضاف إلى ذلك غلبة النظرة السلبية التي روجتها أمريكا على الحركات الإسلامية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، فلا يخفى أن الولايات المتحدة رفضت كل توجه إسلامي لا يتوافق مع سياساتها واستراتيجياتها، وشبهته إما بمتطرف أو متشدد أو يحتاج للإصلاح ليصبح معتدلاً [4] ، وتهديدها بوقف أي دعم للدول التي تتبناه –غير مرغوب به بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية- رغم أنها طرحت بعضها في فترة أوباما كبديل موضوعي للأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي.
- الصدمات المتتالية: وُضع الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة في إطار جد محرج وغير مألوف، بفضل ما يسميه بعض المفكرين بــــ: “الصدمتان التوأمان”، ويتعلق ذلك بالانقلاب العسكري في مصر سنة 2013، وتداعياته على العالم العربي والإسلامي، ثم ظهور داعش في عام 2014 وبعض الجماعات المتطرفة [5]، وهي أحداث كان لها تأثير على إدراك البعض، إذ يعتبرون أن الإسلام السياسي يسير بعض الظروف التي تساهم في إنتاج التطرف العنيف، وهذه حجة الهدف منها عدم تمكين الإسلام السياسي سياسياً واتهامه بالتطرف.
- معطيات متعلقة بالجانب الداخلي: وتتعلق بعدم قدرة الإسلام السياسي في الفصل بين الدعوي والسياسي، والتكيف بمرونة مع بعض المتطلبات التي قد تناقض بعض توجهاته، يضاف إلى ذلك ثقل تاركة الأنظمة التقليدية في الحكم من ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية معقدة وصعبة، وهي مشاكل يستحيل معالجتها في وقت جد وجيز أو قياسي، بل تحتاج إلى رؤى دقيقة واستراتيجيات تتراوح بين متوسطة إلى طويلة المدى، وبالتالي فإن خروج الإسلام السياسي إلى الواجهة كبديل مباشرة قد يعتبر خطأ بدل التشاركية في ذلك بين مختلف الأطراف والفئات مما جعله الأفق السياسي لمعالجة الكثير من القضايا والأزمات التي يستعصى حلها في وقت جد قياسي ووجيز، وهو ما أثر على أدائها وأدى إلى تراجع دعمها، لذلك فإن الحكم على الإسلاميين هنا بالفشل غير منطقي، لأنه لا يمكن الحكم عليهم إلا في مناخ سياسي سليم وحياة ديمقراطية جدية تتوفر على الحد الأدنى من الضمانات والمنافسة الجيدة والشفافية، أما في ظل سياسات التسييج والاستغلال والفوضى، فلا يمكن من خلالها إصدار حكم بالفشل.
إن تجربة الإسلام السياسي في الدول العربية بعد مضي أكثر من 11 سنة على الحراك العربي أثبتت أن معادلة الإسلاميين في إدارة الحكم معادلة جد مهمة لا يمكن استبعادها أو إنكارها، غير أن تفاعل مجموعة من الأسباب كالضغوطات الخارجية وتعطيل قدرة وحركة الأحزاب الإسلامية وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كلها عوامل جعلت الإسلام السياسي يعيش تجربة قاسية تجعله يعمل على إعادة النظر في العديد من الأطر الفكرية والأيدلوجية والسياسية بما يتماشى من التغيرات والتحولات الحاصلة على أرض الواقع.
وهذه العوامل بطبيعة الحال تعتبر من أسباب تراجع الأداء والخظاب الإسلامي في دول مثل مصر وتونس والمغرب، ويمكن أن نصطلح عليها ما سماه “صامويل هنغتنون” S.P. Huntington بالثورة المضادة (Counter- Revolution) التي قادتها أطراف تهدف إلى إعادة تمركز المشاريع الاستبداية إلى حد ما محاولة بذلك ترسيخ بأن أي تحول يقوده الإسلام السياسي يؤدي إلى اضظرابات وفوضى على غرار ما شهدته ليبيا وتونس واليمن وسوريا ومصر، وهي دول تصدرت فيها حركات الإسلام السياسي المشهد.
وربما التجربة الأخيرة التي حصلت في أفغاستان ولدت قناعات لدى الأطراف الدولية بضرورة التعامل بواقعية مع حركات الإسلام السياسي بوصفها قوى فاعلة في مجتمعاتها تعكس بيئتها وتركيبتها ومعطياتها الهوياتية والمجتمعية.
قائمة المراجع
[1] محمد أبو مازن، ما بعد الإسلام السياسي: مرحلة جديدة أم أوهام إيدلوجية، عمان: مؤسسة فريدريتش إبيرت، 2018، ص 12.
[2] محمد أبو مازن، مرجع سابق، ص 12-16.
[3] المرجع نفسه ، ص46.
[4] إبراهيم نجار وآخرون، دليل الحركات الإسلامية في العالم، العدد 1، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، 2010، ص 16.
[5]محمد أبو مازن، مرجع سابق، ص 48.