الاقتصاد السياسي لصناعة الكراهية: الاسلاموفوبيا في المجال العام الغربي
The Political Economy of the Hate Industry: Islamophobia in the Western Public Sphere
د. عبد الحق دحمان
الوحدة السياسية
مركز المجدد للبحوث والدراسات
الملخص:
تتعرض الأقليات بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم إلى تشويه سمعتها والتشهير بها مما يؤدي إلى تهميشهم واضطهادهم، مقرونة بأشكال أخرى من العنف الجسدي، النفسي، البنيوي والثقافي. قد تكون هذه بسبب عرقي، اثني، ديني أو حتى نتيجة للتوجه الجنسي أو الإعاقات أو غيرها من المؤشرات الديموغرافية – هذه الظاهرة أصبحت تُعرف اختصاراً باسم خطاب أو جرائم الكراهية. عندما يتم تضخيم هذا النوع من العنف إلى ما هو أبعد من المستوى الذي يمكن تحمله ضد المجتمع السود في الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يثير هذا هجومًا مضادًا تحت عنوان “الشيطان الأبيض”، مما يعطي رؤية ثاقبة حول “كيف يمكن للكراهية ان تولد كراهية اكثر”. في الآونة الأخيرة، أضحت مثل هذه النوع من الكراهية يتجلى بشكل أكثر وضوحاً تجاه الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب. حيث ترتب التأطير الناتج عن اعتبارهم تهديد أمني غير عقلاني وغير مندمج مع القيم الغربية إلى عدد من التشريعات/ والسياسات الصارمة المستهدفة لهم، مصحوباً بالعنف المنظم من قبل بعض الافراد والذي تستفيد من عملية صناعة الدعاية التي تتغذى على هذه السياسات. هذا الخوف من الاسلام كما ترى نتائج هذه الدراسة، هو نتيجة ثانوية للتجارب التاريخية، أضحت تستثمر في وقتنا الراهن من قبل المصالح الاقتصادية والسياسية للأفراد والمنظمات. وباستخدام التحليل المحتوى النوعي وكذا الاقتصاد السياسي كأطر نظرية ومنهجية في نفس الوقت، تحدد هذه الدراسة اللاعبين الأساسيين في تأجيج مشاعر المعادية للمسلمين في الغرب، بالإضافة إلى الدوافع والإستراتيجيات المستخدمة في تضليل الرأي العام. كما تستكشف أيضا المراحل وأسباب تزايد التوتر في العلاقات بين المسلمين والغرب، ودور الإعلام كسبب وكحل لهذا، بالإضافة الى أمور أخرى.
الكلمات المفتاحية: الاسلاموفوبيا، الاعلام، الاقتصاد السياسي، الغرب، المسلمين، حرية التعبير
مقدمة:
لم تنتهي حملة فرض النظام التي شنتها الأجهزة القمعية في ميانمار على مسلمي الروهينجيا والضجة الذي أثارتها في وسائل الإعلام العالمية والأمم المتحدة حتى تحول انتباه الرأي العام تجاه اضطهاد المماثل الذي تمارسه الصين تجاه مسلمي الايغور. حيث أفادت وكالات “أسوشييتد برس”، “بي بي سي”، “رويترز”، ” نيويورك تايمز”، “الإيكونوميست” وما إلى ذلك بشكل متسق وسلطت الضوء على القمع المستمر الذي تمارسه السلطات الصينية تجاه هذه الأقلية من حيث احتجازهم في معسكرات الاعتقال تحت ستار دمجهم ومحاربة التطرف. يطلق هذه المرافق بشكل أدبي مراكز إعادة التأهيل، حيث يتم تأهيل هؤلاء المسلمين من “الشبهات العقلية” التي تراها السلطات الصينية أنها مستمدة من الإسلام. تتضمن عملية التنقية انكار القوي لفعل “الشهادة “، وانكار الذات والدين، والحث على تناول لحم الخنزير، وشرب الخمور، وتلقين المتكرر لبيان الحزب الشيوعي. وفي خضم هذه العملية، يتم فصل أفراد الأسرة بما في ذلك الأطفال عن أمهاتهم. حيث يختفي الآباء بمجرد القاء القبض عليهم، ولن يتم العثور عليهم مرة أخرى.
يجادل تازمال (2019) Tazamal بأن الصين استفادت من تجربة الغربية فيما يتعلق بالسياسات والخطابات الأكاديمية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتي تستهدف بشكل كبير وعلى التوالي المجتمعات الإسلامية وتجرم رموز المعبرة عن الهوية الإسلامية كالحجاب واللحية. بل وصلت الى درجة وصف الإسلام بالمرض. وكل هذا تم استيراده من الغرب حسب تازمال، مستشهداً بأمثلة كثيرة حول تصنيف العديد من السياسيين الأمريكيين والأوروبيين للإسلام على هذا النحو. ومن بين هؤلاء مستشار الأمن القومي لدونالد لترامب الذي ساوى بين الإسلام وما وصفه بـ “السرطان الخبيث”. كذلك الاسترالية بولين هانسون Pauline Hanson المحسوبة على اليمين المتطرف، التي وصفت الإسلام بـ “المرض” الذي ينبغي ان نطعم أنفسنا ضده. من بين آخرين يوجد كارولين سانتوس Caroline Santos العضو في حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP) ، والتي وصفته أيضًا بـ “السرطان”. إلا أن ما يفتقده تازمال هو تضمين وجهات النظر هذه في وسائل الإعلام الغربية، حيث تظهر الصور المميزة للمسلمين على أنهم عرضة للعنف والتعصب. من ناحية أخرى، ووفقًا للنوويEl-Nawawi وباورزPowers (2008) يتأثر صانعو السياسات ووسائل الإعلام، بالمفهوم التبسيطي لصراع الحضارات بسبب جاذبيته الأخلاقية للمعارضة المزدوجة.
على الرغم من تزايد الترابط الناتج عن تطور أجهزة وبرامج التواصل التي انتجتها العولمة، والتي اختصرت أبعاد الزمان والمكان (سعيد، 1993 ؛ مزروعي ، بدون تاريخ)، إلا انه لم يستفيد المسلمون من بيئة الانفتاح والحرية الغربية بسبب تهميشهم المتزايد كمهاجرين إضافة الى عوامل اجتماعية واقتصادية أخرى (Dekker & van der Noll ، 2009)، حيث تذكرنا بـ سبيفاكSpivak من مجموعة دراسات مابعد الاستعمار – عن وجود نظرة للمسلمين كتهديد منتشر في وسائل الإعلام الغربية. هذه الصورة النمطية بدأت تتبلور منذ أواخر الستينات، عبر استخدام نقاشات من قبيل أن المسلمين غير عقلانيين ولهم قابلية للعنف على شاكلة الممارسات القروسطية، بالإضافة إلى انهم معادون لقيم الحداثة (شوارتز Schwartz2005، سعيد Said، 1993، 1980، 1981). ووفقا لـ كيمبرلي أ. باول K. A. Powell (2011 ، 2018) تزايد التطرف العدائي تجاه المسلمين في وسائل الاعلام الأمريكية بشكل خاص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أشارت في دراستها إلى انه منذ هذه الأحداث وتحديداً ما بين أكتوبر 2001 ويناير 2010، تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالي 11 هجوماً ارهابياً وتم القضاء عليه في مهده، إلا انها ترى أن تلك الهجومات التي ارتكبت من قبل أفراد / الجماعات عادة ما تكون مؤطرة كمؤامرة من قبل العرب والمسلمين والإسلام في حذ ذاته لتدمير الغرب ودحر تقدمه الحضاري بسبب عداء هؤلاء للنمط الحياة الغربي، لا سيما قيمة الحرية العزيزة “لدينا”. على عكس المتطرفين المسلمين، فإنه يتم تخفيف حدة التهديد المستقبلي في حالة تم تبينه من قبل من أفراد او جماعات غير مسلمة، والتي غالباً ما يتم تحديدها كحالات فردية ومنعزلة، كما يوصف أصحابها بالغير المستقرين عقلياً (كما هو الشأن بالنسبة للمفجر الانبوب السيد هيلدر الذي وُصف أنذاك بالمضطرب نفسياً أو المصاب بالفصام” حسب اقتباس نيويورك تايمز). وتخلص كيمبرلي باول إلى أن هذه الازدواجية في التوصيف هو نتيجة لضعف التعزيز التقارب بين بيئة السياسات ووسائل الإعلام. من ناحية أخرى، يلاحظ يانيقون Yenigun (2004) أن هناك انحرافاً لدى وسائل الإعلام الأمريكية السائدة في توصيفها للمسلمين عموما وللشرق الأوسط خاصة في كونهم كتلة متجانسة. بدلا من ذلك يقدم في دراسته حول ” احداث 11/09 وتغطية الحرب الأفغانية” استراتيجية للتمايز، قائمة على وضع خطوط كبيرة بين المسلمين المعتدلين (بوصفهم وطنيين ضحايا تعرضوا لهجومات من قبل مواطنيهم)، وبين المتطرفين، الراديكاليين، الأصوليين الذين تبنوا العنف من خلال التفجيرات الانتحارية وخطف الطائرات. يمكن اعتبار هذا الأخير كنتيجة للبيئة السياسية السائدة. ويمكن الإشارة الى هذا الى خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش آنذاك، عندما قال:
“الإرهابيون هم خونة لعقيدتهم، في الواقع، يحاولون إختطاف الإسلام ذاته. إن عدو أمريكا ليس من أصدقائنا المسلمين. ولا أصدقائنا العرب. عدونا شبكة متطرفة من الإرهابيين والتي تدعمهم بعض الحكومات “. (واشنطن بوست 20 سبتمبر 2001)” في كتابة الذي عنونه بـ ” المسلم الجيد، والمسلم السيئ: أمريكا، الحرب الباردة وجذور الإرهاب”، انتهج ممادني Mamdani (2004) نفس استراتيجية التمييز المفاهيمي والسياقي فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب،
نقلت مجلة Newsweek الصادرة في 2 فبراير 2019 عن بحث أجراها أكاديميون من جامعة ألاباما وجامعة ولاية جورجيا: مفادها أن ” نسبة الهجمات التي يقوم بها مسلمين تحصل على تغطية إعلامية أكثر 357٪ من تلك التي تقوم بها الجماعات أخرى”. لماذا هذا التركيز التواتر الانتقائي؟ قد يجادل فرانسيس فوكوياما (2002) في ذلك بأن الهجومات التي يقوم بها مسلمين لديها سمعة واسعة من حيث الانتظام والضرر العنيف الذي تسببه. بحيث ان المفجرين مولعون بتفجير أنفسهم وقتل الأبرياء ناهيك عن الممتلكات؟ فكيف يمكن تجاهل كل هذا؟ على العكس من ذلك يدفع بالمرء الى التعمق في فهم الدوافع والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بل والتاريخية أيضا؟ كما يترك ليغوص في محيط الخيال مالم يكن محظوظا بما فيه كفاية ليصادف عالم السياسة الهندي، اعجاز أحمد Aijaz Ahmed (2003)، او زميله الباكستاني Eqbal Ahmed (2001)، أو صديقهم الفلسطيني إدوارد سعيد Edward Said (2000، 2001)، او نظيرهم الافريقي علي مزروعيAli Mazui (بدون تاريخ).
كما لو كان ينفي فرضية اعتبار الإرهاب كسلوك يميز بالمسلمين، ركز جوزيف كونراد في روايته (العميل السري، 1905)، على دوافع الإرهاب الأيديولوجية، وعلى وجه التحديد ” محاولة تفجير مرصد غرينيتش في 15 فبراير 1894″، وهي المحاولة التي حولت مرتكب الجريمة – شخص وصفة فورد بأنه ” نصف أبله” وانتحرت اخته- الى أشلاء” (ص 05). هنا يستنتج المرء رؤية حول استراتيجيات ومخططي ومرتكبي التفجيرات (الانتحارية) والآثار الجسدية والنفسية المرتبة على ذلك، والتي تشبه إلى حد بعيد تلك شهدها العصر الحديث. في متاهة الأيديولوجيات والتآمر الدولي (اقرأ: قمع) لقوى التحرير في بعض البلدان ، لاحظ جورج أورويل George Orwell بشكل تنبؤي تمامًا عام 1938 (1970)، أن بذور الإرهاب زُرعت ولاح خطر انتشارها في الأفق، مما غفلت عنه بريطانيا كثيراً حتى اهتزت منه بفعل هدير القنابل” (1970، ص 221). لذلك فوفقاً لعبد الله (2005)؛ فقبل الحديث عن الزخم الذي تركته أفعال القاعدة وداعش وبوكو حرام ومن يدعمهم على وجه التحديد، فإن هناك فضائع مماثلة قامت بها منظمات دينية متطرفة أخرى كالهندوسية نمور التاميل، البوذي سنهال، الجيش الجمهوري الايرلندي الكاثوليكي، اتباع بروتستانت أولستر يونيون، براهمست شيف سنيا، حزب بهارتيا جاناتا وأعضاء رابطة الدفاع اليهودية. رغم ذلك نجد الاعلام الغربي العالمي يركز بوصلته على ” الإرهابي المسلم” في انه مؤهل ومُقوَّم مسبقًا بهويته الدينية.
على الرغم من أن Fox News و CNN يمكن أن تغمرهما صور انفجارات القنابل مع مشاعل اللهب والضباب الكثيف من الدخان المنتشر بين الأبرياء الذين يبكون أو يركضون بلا حول ولا قوة من أجل الحياة العزيزة ، فمن المحتمل أن يرى المرء في اليوم الموالي لذلك صفحات أغلفة الجرائد تتصدرها صور لمسلمون عرب ذوو المظهر الشرس (انظر غلاف مجلة نيوزويك في 28 سبتمبر 2001 الذي جاء بعنوان “لماذا يكرهوننا: جذور الغضب الإسلامي” كمثال). رغم ذلك، لا يمكن بكل إنصاف إلقاء اللوم على الإعلام الغربي بشكل شامل. على سبيل المثال؛ تختلف صحيفة الغارديان في المملكة المتحدة نوعا ما من حيث العمق والتعاطف مع مجتمع الأقليات المسلمة في أوربا مقارنة بالتلغراف على سبيل المثال (سعيد ، 2007). ففي حين أنه من المرجح أن يقرأ المرء عناوين من قبيل “الأبطال المسلمون المنسيون الذين قاتلوا سابقاً من أجل بريطانيا في الخنادق ” (12 نوفمبر 2017) ، لكن أيضا من المرجح أن يصادف أيضا “النسر” الذي اعتنق الإسلام وخطط لتفجير شارع أكسفورد ” (6 آذار / مارس 2019). نظراً نيوزويك في الولايات المتحدة معرضة باستمرار لإصدار “عصر الحرب الإسلامية” (فبراير 2002) ، فمن المرجح أن تتداخل مجلة تايم مع اصدار “قصص لنجاح المسلمين في أوروبا” (11 فبراير 2008). إلا انه بشكل عام، هناك تمثيل سلبي من حيث المحتوى والتكرار حتى وإن تساوت كل الأشياء، فإن وسائل الإعلام في الأخير هي مجرد حليف، يتحالف مع السياسيين وصانعي السياسات بل العلماء والكتاب مؤخراً، كشبكة من المنظمات غير الحكومية التي تتخذ من الاسلاموفوبيا كاداة للترويج.
تجدر الاشارة إلا ان الغرب ذاته ليس كيانًا موحداً )هيدجزHedges ، 2015)، وإنما يتشكل من خلال تأثيرات ثقافية وايديولوجية متنوعة ( هناك على نطاق واسع وعلى وجه التحديد الغرب الامبريالي والغرب المعادي للأمبريالية، وكلاهما يتنافسان داخليا)، والطريقة التي تؤكد بها هذه الأيديولوجيات في سعيها نحو القبول ضمن المجال العام تختلف من دولة غربية إلى أخرى (هابرماس Habermas، 2006). ومع ذلك، لا تزال الهيمنة لطبقة البيض والرأسمالية، تدعمها في ذلك قوة القانون والسياسة (بتلر Butler ، 2009 ؛ أسد Asad ، 2009) بالإضافة إلى وسائل الإعلام الرئيسية (سعيد Saeed ، 2007). لحسم هذه المفاهيم لطريقة سريعة ومتساوية، يعتمد تعريفنا في هذه الدراسة لمفهوم المجال العام بما تحدث عنه هابرماس (1991)، (للاطلاع اكثر حول الاختلافات بين العلماء والفلاسفة حول ما يعتبر ضمن المجال العام، انظر كبيروجي Kperoji 2011)؛ في كونه منبر استطرادي يتم فيه تشكيل الآراء وصياغتها؛ كما يندمج اللاعبون بحرية عبر تلاقح أفكارهم ومشاعرهم بشكل متساوي ومن دون أي خوف من الرقابة الذاتية أوالعامة. إن تجليات المجال العام موجودة بشكل اكثر في وسائل الإعلام الحالية (المطبوعة والإلكترونية والإنترنت) وتمتد إلى الأماكن العامة كقاعات المدينة، المسارح، الفنادق، المقاهي، الصالونات وما إلى ذلك ، كما تشمل أنشطة مثل استخدام اللافتات والنشرات أثناء الاحتجاجات، والكتابة على الجدران ونظام النقل العام، والنقوش التي ترسم على قمصان تي شيرت وما شابه. ومع ذلك، لا يمكن ضمان الوصول والاستخدام للفضاء العام بشكل متساو كما يأمل هابرماس، خاصة بالنسبة الى وسائل الإعلام، نظراً لأن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليس من النادر، هي متغيرات متداخلة تحدد من يُسمع له ومن يتم قمعه (ماكويل McQuail، 2010؛ بيمبر Pember وكالفرت Calvert، 2008). نتيجة ذلك يتشكل السياق الذي تترسخ فيه قيم الرأسمالية في مقابل ذلك يتم فيه قمع أصوات الأقليات.
علاوة على ذلك، تم إنفاق موارد فكرية كبير في دراسة الإسلاموفوبيا أو معاداة المسلمين في الغرب. إلا أن المنظور الاقتصاد السياسي للمسألة، في كونه صناعة مزدهرة، هو حسب تعبير البروفيسور عبد الله سميث Abdullahi Smit ، “موضوع قد تم اهماله”. لكن الأمر الأكثر إهمالًا هو تفكيك تسويغه الأيديولوجي – أي استخدام مبدأ حرية التعبير كستار، والذي يشكل جوهر هذا البحث. كما يركز بشكل كبير على وسائل الإعلام المطبوعة مع بعض إعطاء بعض الأمثلة عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الإسلاموفوبيا: مفهوم “العيوب” والآثار
كمفهوم جديد، ظهر مصطلح “إسلاموفوبيا” في سبعينيات القرن الماضي لوصف ظاهرة قائمة منذ زمن طويل عنوانها الكبير؛ الخوف والكراهية من الإسلام، والتي تترجم بشكل دائم إلى عنف وتحيزات وصور نمطية وتمييز ضد المسلمين. ومن ضمنها الاعتداء الجسدي والإهانة اللفظية والبصق على المسلمين (أو الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم كذلك) بناءً على مظاهر خارجية كالحجاب أو اللحية، ورمي وتدنيس أماكن العبادة بالبول والبراز ولحوم الخنازير، وكتابة كتابات مسيئة على الجدران وما إلى ذلك. من ناحية أخرى، يشمل التمييز أيضا عدم قبول في العمل في المؤسسات العامة والخاصة نتيجة ذلك، وكذا الإنهاء المفاجئ للوظائف، ورفض القبول في المدارس، والمراقبة غير العادية في الأماكن العامة كالبنوك والشوارع والمستشفيات بسبب معرفات إسلامية معروفة، والاستبعاد من الشؤون السياسية وسياسات الدولة التي تستهدف المسلمين (مثل حظر الذي قام به ترامب، وقانون المصافحة الدنماركي).
وقد تضافرت مجموعة من الأحداث منذ السبعينات وما تلاها لتعقيد المسألة وابرازها في المجال العام الغربي؛ من أبرز ذلك الثورة الإيرانية عام 1979، واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الامريكية عقب سقوط الشاه، بالإضافة الى الخلافات المتعلقة بنشر سلمان رشدي لكتابه ” آيات شيطانية”، وظهور أطروحة صراع الحضارات كبداية، حرب الخليج وتفجير مركز التجارة العالمي، وبلغت ذروتها مع هجومات 09/11، وما صاحبها من تفجيرات مترو انفاق لندن وتفجيرات الحافلات المعروفة باسم 7/7. كل هذه الاحداث تفاقمت بشكل حاد لتظهر المسلمين كأفراد غير عقلانيين، متطرفين وارهابيين، ولا يتوافقوا مع الروح الغربية، وبالتالي يشكلوا تهديداً لرفاهية الغرب ( بيروكو Perocco، 2018. الكسندر Alexander؛ 2017 . نازرو Nazroo و بيكاري Bécare، 2017. آلين Allen ، 2017. سروارSarwar و راج Raj، 2016. هامربكHammerbeck ، 2004. بازيان Bazian ، 2018. الشمري Alshammari، 2013. سعيد Saeed، 2007. مير Meer، مودود Modood ، 2009).
المفهوم الأكاديمي للمصطلح عادةً ما يزيل الشكوك من حيث أنه ” غير مؤسس” (The Runnymede Trust 1997(، و ” غير عقلاني” ( الشمري Alshammari، 2013)، ” غير مبرر ” و ” لا أساس له” )الأمم المتحدة، نقلا عن آلين Allen ، 2017، ص 06). ونتيجة تصاعد هذه الظاهرة في المملكة المتحدة فقد تم انشاء مركز Runnymede Trust نيابة عن لجنة المسلمين البريطانيين والاسلاموفوبيا، وقد أصدر تقريره التاريخي سنة 1997 حول هذه القضية، بعنوان ” الاسلاموفوبيا: تحدي لنا جميعاً”،
كما تم الاستشهاد بتعريفاته على نطاق واسع كونه يكرس السمات والأبعاد الشاملة لتحيز المصطلح، والمتمثل في:
1) اعتبار الإسلام على أنه كتلة متجانسة، ثابتة ولا يستجيب للتغيير.
2) اعتبار الإسلام على أنه منفصل عن “آخر”، ولا يمتلك قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، ولا يتأثر بهم ولا يؤثر عليهم.
3) اعتبار الإسلام على أنه أدنى مرتبة من الغرب. بربري وغير عقلاني، بدائي ومتحيز جنسيًا.
4) يُنظر إلى الإسلام على أنه عنيف وعدواني ويشكل تهديد وداعماُ للإرهاب، كما أنه منخرط في “صراع الحضارات”.
5) اعتبار إلى الإسلام على أنه أيديولوجية سياسية تستخدم لتحقيق مآرب سياسية وعسكرية.
6) الانتقادات التي وجهها الإسلام للغرب مرفوضة بشكل قاطع.
7) يتم استخدام العداء للإسلام لتبرير الممارسات التمييزية تجاه المسلمين وإقصاء المسلمين من التيار السائد للمجتمع.
8) ينظر إلى العداء ضد المسلمين على أنه أمر طبيعي أو عادي (ص 5).
ومع ذلك، فإن علماء مثل فريد هاليداي (1993) يعتبرون المفهوم معيبًا للغاية في تحديد الظاهرة محل الدراسة – بحجة أنه يقدم الإسلام ككتلة واحدة ومتجانسة، بالتالي يستبعد التفسيرات المتنوعة داخله (ربما يكون هذا النقد قد نشأ عن حجة سعيد بوجود لا شيء كإسلام واحد). ثانياً، الخوف والكراهية الموجهان ضد الإسلام نفسه وليس ضد المسلمين. بعبارة أخرى، فإن الدفع بالمفهوم هو الإيمان في حد ذاته وليس الأشخاص الذين يتعرضون للهجوم – نوع من حماية الإسلام من الهجوم ضمنيًا. أخيرًا، لا يعطي نظرة ثاقبة لطبيعة التحيز الموجه تجاه المسلمين. في مواجهة ذلك، قدم آلين Allen (2017) سبب غياب تفسير واحد لعلم الاجتماع الذي من شأنه وصف الظاهرة واتساع نطاقها الذي تهتم به. وهكذا فإن الإسلاموفوبيا هي مجرد توصيف لمفاهيم مماثلة مثل رهاب المثلية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية، وهذه الحجة تقلل بشكل خفي من وجود تأثيرات هذه الظاهرة في الواقع. من ناحية أخرى، لاحظ ميرMeer ومودود Modood (2009) أن مثل هذه الانتقادات تتوقف عن إبداء الإعجاب بالإسلام باعتباره كيانًا ثنائي التفرع عن المسلمين (الإسلام مقابل المسلمين)، رغم أن كلاهما لا ينفصلان عن بعضهما في الواقع؛ معللاً بذلك أن أولئك المسلمين الذين أبلغوا عن وجود هجمات أكدوا أنهم عانوا أيضاً وجود تمييز ضدهم- يرتدون الحجاب والعمامة واللحية واللباس مثل العرب وما الى ذلك. في هذا السياق يتساءل الكسندر Alexander (2017) كيف يكون الخوف من الإسلام من دون العودة فعلياً الى ممارسات المسلمين.
نقاش آخر حول اعتبار الإسلاموفوبيا كممارسة عنصرية كما هو الشأن بالنسبة الى معاداة السامية. إلا أن بعض الذين لديهم مصالح معينة ينتقدون هذا الطرح، بحيث يرون أن العنصرية تتعامل بشكل أساسي مع السمات الفطرية والثابتة كلون البشرة، في حين أن الدين يمكن أن يكون عرضة للتغيير؛ بحيث يمكن للمرء أن ينتقل من دين إلى آخر. إلا أن آخرون يعتبرون وجهة النظر هذه محدودة في نظرتها إلى العنصرية بسبب تعدد أوجهها وديناميتها. بعبارة أخرى، اعتبار المسألة بيولوجية مرتبطة بلون البشرة حصراً – فهناك عنصرية ثقافية أيضًا. بالتالي فالمحدد النهائي هنا هو الثقافة، والتي يندرج الدين كم ضمنها. بسبب الممارسات / الرموز الدينية الشائعة وكذا السمات الجسدية المماثلة أيضا، فغالبًا ما يُعتبر المسلمون وخاصة من باكستان وبنغلاديش والجزائر، ككيان عرقي في معظم البلدان الغربية. هذا هو السبب في أن كاميرات التجسس الخاصة بمكافحة الإرهاب ووكالات الاستخبارات تستهدف منازلهم أكثر؛ كما توقيفهم وتفتيشهم من قبل الشرطة في الشوارع؛ يتم التحقيق معهم في المطارات وغيرها (بازيانBazian ، 2018؛ نازرو Nazroo وبيكيرBécare ، 2017؛ سعيد Saeed، 2007 ؛ ساروار Sarwar وراج Raj 2016 ؛ ألكسندر Alexander، 2017). علاوة على ذلك، أشارمير Meer ومودود Modood )2009) إلى أن ما يفتقده منتقدي العنصرية البيولوجية هو حقيقة أن المرء ليس له خيار فيما يتعلق دينه الذي ينتمي اليه أو البلد الذي ولد فيه.
غالبًا ما يتم تتبني الجماعات اليمينية المتطرفة هذا النوع الجديد من العنصرية، عبر اختراق المجال العام تحت غطاء حماية الهوية الوطنية (اللغة الإنجليزية، العرق الأبيض، الديانة المسيحية) ومواجهة التأثيرات السلبية للثقافات الوافدة على ” الثقافة المتوفقة” – لذا فحوادث الجريمة عادة ما تختلط مع العرق ) بيروكو Perocco، 2018).
تشير الإحصائيات المتعلقة بالكراهية ضد المسلمين في كل من أوروبا وأمريكا إلى ارقام مذهلة ومخيفة في نفس الوقت؛ حيث أظهر استطلاع للرأي قام به مركز بيو للأبحاث عام 2008 أن كل واحدًا من أربعة بريطانيين تقريبًا لديه شعور سلبي تجاه الإسلام والمسلمين (انظر بيو Pew ، 2008). وجدت دراسة أخرى لنفس المركز سنة 2016 أن هذا الشعور منتشر في جميع أنحاء أوروبا – حيث كشف المستجيبين أن 72٪ من المجريين و 69٪ من الإيطاليين و 66٪ من البولنديين صوتوا لنفس الاتجاه (انظر بيو Pew ، 2016). وتبدو الصورة مماثلة بالنسبة للولايات المتحدة (انظر بيو Pew ، 2017). بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لاحظ مركز الرصد الأوربي للعنصرية ورهاب الأجانب ارتفاعًا في أعمال العنف والتمييز الموجهة ضد المسلمين (نلسون Nielson و آلين Allen، 2002). على وجه التحديد، يصف آلين (2001 ، 2004) وفي بلدان نموذجية كألمانيا وإيطاليا والدنمارك والمملكة المتحدة، كيف تم رمي النساء المسلمات من على متن حافلة متحركة أو منعهن من الصعود إلى الطائرة، والبصق على حجابهن وتمزيقه علنًا، أو تعرضهن للاعتداء اللفظي بسبب معتقداتهن. من ناحية أخرى، يناقش حسنHasan (2015) كيف حُرم الرجال المسلمون مرارًا وتكرارًا من فرص العمل والتعليم، لا سيما في ألمانيا وفرنسا، بينما يشرح باورPower (2008) محنتهم في أماكن العمل، في بلدان كفرنسا وإسبانيا.
بالمحصلة، أصبح المسلمون مرفوضين ومهمشين اجتماعياً. وبالتالي، فإن مشاركتهم ضمن الفضاء السياسي سيكون دون جدوى، إن لم يتم حضرهم بالكامل. على هذا الأساس، لاحظ فان دير نول Van der Noll و ديكير ) Dekker2009 (أن المسلمين يعانون من مستويات فقر مرتفعة، وتعليم أدنى من المتوسط، بالإضافة الى ذلك، يتركزون في الضواحي الأكثر فقراً، والوظائف ذات الدخل الأدنى كما لا يتلقون رعاية صحية وفق المعايير اللازمة. كل هذا ونجد المسلمين يتشاركون أشكال التمييز المذكورة مع أقليات أخرى كالسود الايرلنديين، الهندوس، البوير، اللاتنيين (فابريغات Fabregat وكبيروجي Kperoji ، 2018. هاليدايHalliday ، 1993). ومع ذلك، فوفقاً لـ بيروكو Perroco (2018)، فإن التمييز ضد المسلمين هو ” أعمق اشكال العنصرية وأكثرها حدة وانتشاراً على النطاق الواسع” (ص. 26)، وحسب تعبير نازروا Nazroo و بيكاري Bécare (2017، ص 31) فإنه ” يتم وصف المسلمين مراراً وتكراراً كمجموعات إجتماعية الأكثر عرضة للتمييز”. بالتالي فمثل هذه الممارسات التراكمية من شانها أن تؤثر على الصحة البدنية والعقلية حسب بيكاري Bécare و نازروا Nazroo (2017). توصلت الأبحاث المشتركة وابحاث النظراء إلى أن ” قلة النوم وتكلس الشريان التاجي وكذا الاستجابات الهرمونية المجهدة كأنماط الكورتيزول النهارية المتغيرة وانماط الكورتيزول المرتفعة، كلها نتيجة للتعرض للمواقف العنصرية المتكررة بشكل يومي ( نازروا Nazroo و بيكاري Bécare (2017، ص 32).
عندما يتم أخذ كل هذه النقاط في عين الاعتبار، بالإضافة إلى السياسات الصارمة المستهدفة للمجتمعات المسلمة، فإن احتمالية تعرض المسلمين إلى المزيد من التطرف تزداد إرتفاعاً (ديكير Dekker و فان دير نولVan der Noll، 2009). خلال برنامج لقناة البي. بي. سي (14 فبراير 2019) بعنوان ” سلمان رشدي جعل جيلي أكثر تطرفاً”؛ يذكر إلياس كرماني من بين آخرون، كيف أدى الرفض المجتمعي من قبل زملائه الليبراليين البيض بعد أن ابدى مواقف معارضة لفتوى رشدي، إلى الدفع به نحو تبني سياسات متطرفة قائمة على “الهوية الاسلامية”. بعبارة أخرى، هناك ارتباط عملي ونظري بين العدوان والإحباط وبين التفاعل الدوري لأشكال العنف المادية والبنيوية.
الاقتصاد السياسي
شكل الصعود السريع للجماعات اليمينية المتطرفة وغيرها من المنظمات الغربية التي تروج للكراهية، وخاصة في الولايات المتحدة، سببًا للقلق لدى مختلف أصحاب المصلحة، ولا سيما أولئك الذين يقعون في الطرف المتلقي لهذا الفعل. حيث تعطي المصادر انه ما يفوق 1000 منظمة من هذا القبيل متواجدة في الولايات المتحدة وحدها (نيويورك تايمز، 2019). كما انها ممولة ومترابطة بشكل كبير، إضافة الى انتشارها الواسع في شبكة الانترنيت ومؤثرة في وسائل الاعلام الرئيسية. من بين الافراد البارزين الذين روجوا للاسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الامريكية نجد دانيال بايبس Daniel pipes، روبرت سبنسر Robert Spencer، ستيفن ايمرسون Steven Emerson ، فرانك جافني Frank Gaffny ، باميلا جيلر Pamela Geller. أما بالنسبة للمنظمات فيوجد؛ جهاد ووتش، من أجل أمريكا، منتدى الشرق الأوسط، مبادرة الدفاع عن الحرية الأمريكية، مركز السياسة والأمن، مشروع كلاريون، مركز دراسات الإسلام السياسي ومركز ديفيد هورويتز للحرية (مركز كارتر، 2017 ؛ مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وجامعة كاليفورنيا ، 2016 ؛ مركز التقدم الأمريكي ، 2011). كما يمكن أن نجد في المملكة المتحدة، رابطة الدفاع الإنجليزية، بريطانيا أولا، العمل الوطني، لا شريعة هنا، بالإضافة الى جمعيات أخرى (بيروكوPerocco ، 2018. آلين Allen ، 2011، 2017)، والتي لا تشارك في التجمعات السياسية فقط، بل تنظم احتجاجات ضد عمليات بناء المساجد، واثارة المواطنين ضد ما يمكن افتراضه بزحف الشريعة والجهاد. لذا فإن استهداف المستمر للمجتمعات المهاجرة، وخاصة المسلمين منهم، وانتقاد سياسات الهجرة / تعدد الثقافات تحت ذريعة حماية هوية الأمن القومي… إلخ، قد يدفع الأشخاص الذين لديهم دوافع عنيفة لتبني سلوكيات وتصرفات بناء على هذا النحو (من بين الأمثلة، ذكر أندرس بريفيك Andres Breivik في كتابه المؤلف من 1500 صفحة، روبرت سبنسر وباميلا جيلر النرويجي العنصري الأبيض الذي قتل 77 شخصًا في يوليو 2011 ، اكثر من 170 مرة، كما وصفهم في مؤلفه بخبراء المهمات الإسلامية في الغرب [مركز التقدم الأمريكي ، 2011]، في حين أن المهاجم النيوزيلندي اليميني المتطرف في كرايستشيرش؛ برينتون تارانت، الذي قتل حوالي 50 مسلماً بينما كانوا يؤدون الصلاة في المساجد، قد أشاد بترامب باعتباره ” رمز من رموز العرق الأبيض والهدف المشترك” [الجزيرة 16 آذار / مارس 2019]. تنتشر مثل هذه المجموعات على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية نظراً للحماية والامتيازات الاستثنائية بموجب التعديل الأول. قام مؤخراً سيمون بوزمان Simon Bozman (2018) من وحدة الاستقصاء التابعة لشبكة الجزيرة بتتبع أصول تطور الأفراد المنظمات المعادية للاسلام، ووارتباطاتها الوظيفية بأعضاء في إدارة ترامب، وكذا استراتيجياتها المستخدمة في اختراق وسائل الاعلام ( والوسائط الاجتماعية) وبيئة السياسات ووكالات انفاذ القانون، والاهم من ذلك مصادر تمويلها. من هذه المنظمات؛ روبرت سبنسر Robert Spencer عن جهاد ووتش، وباميلا جيلرPamela Geller عن المبادرة الأمريكية للدفاع عن الحرية، وقانون بريجيت غابرييل Brigitte Gabriel عن منظمة من أجل أمريكا، مركز فرانك جيفني Frank Geffney، عن مركز السياسة والامن، دانييل بايبس Daniel Pipes .
تتلقى هذه المجموعات ملايين الدولارات سنويا كتبرعات من مؤسسات، من نبيها؛ مؤسسة ليند وهاري Lynde and Harry Foundation، واتحاد الجاليات اليهودية في سان فرانسيسكوJewish Community Federation of sans Francisco، مقاطعات شبه جزيرة مارين وسونوما لThe Peninsular Maring & Sonoma، الجالية اليهودية في لوس انجلوس Jewish Community of Los Angeles، الصندوق اليهودي الاتحادي لمدينة شيكاغو Jewish United Fund of Metropolitan Chicago . يقول بوزمان Bozman(2018)
، ” ما يقرب من 80% من هؤلاء المانحين قد دعموا مالياً او شفهياً القضايا التي تدخل في نطاق الترويج لدولة إسرائيل”. وفقًا لتقرير صادر سنة 2016 عن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وجامعة كاليفورنيا، جامعة بيركلي، مركز العرق والنوع، فقد تلقت 33 من هذه المنظمات ما لا يقل عن 205،838،077 دولارًا أمريكيًا بين سنة 2008 و2013. من ناحية أخرى، كشف مركز التقدم الأمريكي The Conter for American progress، أن سبع من هذه المؤسسات المانحة انفقت 42.6 مليون دولار بين سنتي 2001 و 2009 في نشر خطاب الاسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وحدها (Considine, 2017). وفقاً لسايلور Saylor (2014)، استفاد مركز ديفيد هورويتز للحريةDavid Horowitz Freedom Center وحده، مبلغ 488،953 دولارًا في عام 2011، بينما عرفت ” بريجيت غابرييل من أجل أمريكا ACT for America ارتفاعاً في حجم التبرعات من 87،300 دولار في عام 2010 إلى 156،473 دولارًا في عام 2011.على سبيل المثال لا الحصر، كشف بوزمان Bozman في فيلمه الوثائقي عن وثيقة طلب فيها دانيال بايبس Daniel Pipes 120 ألف دولار من اجل مشروعه Campus watch الهادف لمواجهة جمعية الطلاب المسلمين وانشطتها، كما أشار تحقيق قامت سايلور Saylor (2014) أن نفقات منتدى الشرق الأوسط Middle East Forum (MEF)بقيمة 1،242،000 دولار أمريكي لمشروع ستيف إيمرسونSteve Emerson الاستقصائي حول الإرهاب بين سنتي 2009 و 2010، في حين أن نفقات معهد بحوث الاعلام للشرق الأوسط التابع لـ Yagal Carmon لنفس السنة وصلت 450،000 دولار أمريكي. عموماً، أشار تحقيق لمجلس العلاقات الامريكية الإسلامية وجامعة كاليفورنيا (2016) عن وجود 33 جمعية تتحصل على تمويلات سخية لاجل نشر الكراهية والتحيز ضد المسلمين، و 41 مؤسسة تقوم بتحويل الأموال لنفس القضية. ووفقا لمركز التقدم الأمريكي (2011)، فمن بين المجموعات المانحة السبع الأولى، لايزال: 1) صندوق المانحين لرأس المالDonors Capital Fund ، 2) مؤسسة ريتشارد ميلون سكيف Richard Mellon Scaife foundations، 3) مؤسسة ليندي وهاري برادلي Lynde and Harry Bradley Foundation، 4) مؤسسات نيوتن د. وروشيل ف. بيكر والائتمان الخيرية Newton D. & Rochelle F. Becker foundations and Charitable trust، 5) مؤسسة راسل بيري Russell Berrie، 6) صندوق انكوراج الخيري و صندوق وعائلة ويليام روسنوالد َAnchorage Charitable Fund and William Rossenwald Family، 7) مؤسسة فيربروك Fairbrook Foundation . والهدف الأساسي من هذه الصناديق والمؤسسات هو الدفع نحو اثارة المشاعر العامة ضد المسلمين حتى يصبحوا محل رفض في المجال العام الأمريكي. وفي نهاية المطاف، فإن انتشار مشاعر الخوف والكراهية تجاههم ستؤدي الى التخلص من/ أو قمع الأصوات الامريكية، او حتى المسلمين في الغرب، من حشد الاصوات لأجل الحقوق الفلسطينية (مركز كارتر Carter Center، 2017).
في حديثه لـ شاثام هاوس Chatham House عام 2007، أشار البروفيسور مزروعي Mazrui إلى أنه من بين جميع الأقليات المتواجدة في الولايات المتحدة الامريكية، فإن اليهود يعتبرون الأكثر نجاحاً في اختراق المجال الثقافي، السياسي والاقتصادي الأمريكي بالإضافة الى الاعلام، حيث قال:
اليوم، على الرغم من أن 2 % فقط من سكان البلاد هم من اليهود، فإن ما يقرب من نصف المليارديرات هم من اليهود. المسؤولون التنفيذيون لثلاث لشبكات تلفزيونية رئيسية وأكبر أربع استوديوهات سينمائية تعود ملكيتها إلى اليهود، وينطبق الأمر بالنسبة لمالكي أكبر سلسلة صحف والجرائد الأكثر نفوذاً في البلاد، The New York Times … تأثير دور اليهود في السياسة الأمريكية ملحوظ بشكل متساو… اذ يشكل اليهود ما بين اثنين وثلاثة بالمئة من سكان أمريكا في حين يشكلون 11% مما تحدده هذه الدراسة كنخبة الأمة، مع ذلك يشكل اليهود اكثر من %25 من مجموع الصحفيين والناشرين، و أكثر من %17 من أرباب المنظمات التطوعية ومنظمات ذات النفع العام، وأكثر من 15 % من كبار موظفي الخدمة المدنية.
أشار سيمور ليبسيتSeymour Lipset وإيرل راب Earl Raab، وهما كاتبان يهوديان بارزين، في كتابهما ((1995، اليهود والمشهد الأمريكي الجديد jews and new american Scene… ” خلال العقود الثلاثة الماضية، شكل اليهود (في الولايات المتحدة الامريكية) %50 من بين افضل مئة مثقف…، %20 من الأساتذة الجامعات المرموقة…، %40 من الشركاء في مكاتب المحاماة الرائدة في نيويورك وواشنطن…، % 59 من المخرجون، الكتاب، والمنتجون لخمسين فيلماً الأكثر ربحاً ما بين سنة 1965 و 1982، 58 بالمائة من المخرجين والكتاب والمنتجين في مسلسلين تلفزيونيين الأكثر متابعة”. تشير اليومية الإسرائيلية Jerusalem Post إلى أن تأثير اليهود الأمريكيين في واشنطن ” لا يتناسب مع حجم الجالية اليهودية، كما يعترف القادة اليهود والمسؤولون الامريكيون. على عكس الأموال المقدرة التي يساهمون بها في الحملات مختلف (الانتخابية)”. حيث قدر أحد أعضاء المؤتمر المؤثر لرؤساء المنظمات اليهودية الامريكية الكبرى ” أن اليهود وحدهم ساهموا بـ %50 من أموال الحملة الموجهة لإعادة انتخاب بيل كلينتون عام 1996″. (ص 9-10)
مما سبق، يمكن تقدير النجاحات التي يمكن من خلالها الربط بين صناعة الإسلاموفوبيا والإعلام، دوراً بروز سياسيين أمثال دونالد ترامب، الذين بالرغم من عدم وجود دعم مالي لهم، فإنه بإمكانهم الاستفادة من زخم هذا الشعور في الحملات الانتخابية. (على سبيل المثال، وفقًا لإعجاز أحمدAijaz Ahmed [2003] ، ارتفعت شعبية الرئيس الأمريكي بوش الابن فجأة من مستوياتها المتدنية بين سكان بعد أن أعلن عن “حرب صليبية” أعقاب احداث 11 من سبتمبر). مع ذلك، لا يعني هذا أن كل اليهود (الغربيين) يدعمون أنشطة صناعة الكراهية أو مرتبطون بوحشية إسرائيل ضد الفلسطينيين. على العكس من ذلك، وكأي شخص آخر، هناك يهود ذوي نوايا حسنة (الغالبية العظمى على الأرجح) كآفي شلايمAvi Shlaim ، الأستاذ في جامعة أكسفورد، والمؤرخ بجامعة إكستر إيلان بابي Ilan Pappe الذين انتقدوا بشدة سياسات إسرائيل تجاه فلسطين والفلسطينيين. وينطبق نفس الشئ بالنسبة للتبرعات، حيث أن هناك من لا يدرك تمامًا أن هناك تبرعات يتم توجيهها في مثل هذه القضية، كما وجد التحقيق الأخير (عليAli ، 2017).
علاوة على ذلك ، فإن هذه التنظيمات مترابطة دوليًا، إلى درجة أنه بإمكانها تبادل الموظفين والخبرات فيما بينها، وفقًا لما ذكره بيروكوPerocco 2018)). كما يمكن أن يلاحظ المرء حجم الترابط حتى في التسميات (على سبيل المثال، أوقفوا أسلمة أمريكاStop the Islamization of america ، وأوقفوا أسلمة بريطانيا Stop the Islamization of Britain وأوقفوا أسلمة أسترالياStop the Islamization of Australia )، وكذا الموضوعات التي تتمحور حولها بشكل أساسي كالشريعة والجهاد. إضافة إلى ذلك ، كشف بيتر هيرفيكpeter Hervik (2008) بشكل متزامن عن العلاقات بين فليمينغ روز Flemming Rose ( محرر فنون Jyllands Posten الذي بدأ جدل به حول الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية سنة 2006) و دانيال بايبس Daniel Pipes ، وكيف استفاد كلاهما من جوائز التي قدمتها جمعية حرية التعبير الداعمة لحرية الصحافة والتعبير- وهي نفس الجائزة التي أعطيت أيضاً إلى كورت ويسترجارد Kurt westergaard عام 2008 نظراً للظروف المحيطة بتصوير النبي محمد (ص) ومن ورائه المسلمين على أساس أنهم إرهابيين. وفي دراسة أخرى أكد بوي Boe وهيرفيك Hervik (2008) أن:
مثل فليمينغ روز Flemming Rose ، تعتبر أيان هيرسي علي Ali Ayaan Hirsi أحد الجهات الفاعلة عبر الوطنية الذين تبنت خطابات تتضمن تعميمات متحيزة ضد الإسلام والمسلمين، حيث تشارك بشكل نشط في نشر القصص المنزوعة عن سياقاتها، مؤكدة ان الرسوم الكرتونية لا تعدوا كونها مسألة رقابة ذاتية وحرية للتعبير في نفس الوقت … ومن المثير للاهتمام، أن مؤسسة Jyllands Posten قامت بتمويل ترجمة اعمالها وخاصة كتابها ” أنا اتهم I Accuse” (2005) الى اللغة الدنماركية في نوفمبر 2005. كما تربطها علاقات مع رئيس الوزراء الدنماركي Andres Fogh Rasmuseen، والذي جمعها لقاء في نفس الشهر الذي منحت فيه وسام الحرية الذي قدمه الحزب الليبيرالي (فينستر . (Venstre (ص. 219).
تمثل الاسلاموفوبيا مشروع دموي ليس فقط لمثل هذه المجموعات، ولكن أيضا للشبكات الإعلامية التي تركز في خطها الإعلامي على تشويه سمعة المسلمين والشيطنة عليهم بشكل مماثل لأجل صناعة محتوى اعلامي مربح ( أنظر؛ موردوك Murdock و جولدنج Golding ، 2016. واسكو Wasko ، 2014. موسكو Mosco،2008. فنتون Fenton، 2007). في هذا الصدد، لاحظ تشارلي ابدو Charlie Hebdo، و بوي Boe وهيرفيك Hervik (2008)، أن كتب التي تتطرق لهذه المواضيع عادة ما تنشر 140000 نسخة، إلا أن نسخته الخاصة التي استخفت بالنبي محمد (ص) أصبحت أكثر الكتب مبيعاً على الاطلاق، حيث بيعت منها أكثر من 400000 نسخة. وقد يتذكر المرء بنفس القدر، الجدل الذي أثاره سلمان رشدي في كتابه ” آيات شيطانية” التي أدت إلى زيادة الطلب على مثل هذه الكتب كنتيجة لذلك (بايبس Pipes، 1989). وفي الحقيقة، هناك اتجاه صاعد في الكتابات الأدبية في كل انحاء أوربا، التي أصبحت تتناول مثل هكذا مواضيع، والتي ركز عليها فابيو بيروكو Fabio Perocco (2018) في دراسته حول المكاسب المالية من وراء الروايات والكتب التي تصور الإسلام والمسلمين في شكل كاريكاتوري نمطي ومتحيز. من بين هذه الروايات نجد: كتاب (عوروبا Eurabia 2005( للكاتبة بات يور Bat Ye’or، وكتاب ” نحو الخلافة العالمية: كيف أصبحت أوروبا شريكا في التوسع الإسلامي Towards the Universal Chaliphate : How Europe Became an Accomplice of muslim Expansionism ” (2009). كتاب ” الغضب والكبرياء La Rabbia el’orgoglio (2001)، وكتاب ” قوة العقل La forza della ragione” ( 2004) لأوريانا فالاتشي Oriana Fallaci. وكتاب “الاستسلام: استرضاء الإسلام، والتضحية بالحرية Surrender : Appeasing Islam, Sacrificing Freedom (2009) لـ بروس باور Bruce Bawer، وأيضا كتابه؛ “حينما تنام أوربا: كيف يدمر الإسلام الراديكالي اوربا من الداخل While Europe Slept : How Radical Islam is Destroying the west from Within (2006) . كتاب ” تأملات الثورة في أوربا: الهجرة، الإسلام والغرب Reflections on the Revolution in europe : Immigration, Islam and the west” (2009( لـ كريستوفر كالدويل Christpher Caldwell . كتاب ” المهاجرون Les Immigres” لآلان غريوتراي Alain Griotteray (1984). كتاب ” ألمانيا تلغي نفسها Germany Abolishes itself” لثيلو سارازين Thilo Sarrazi (2010). كتاب ” الخطر في أوربا Menace in Europe” لكلير بيرلينسكي Claire Berlinski (2006). كتاب” فرصة الأخيرة للغرب The West Last Chance ” اتوني بلانكلي Tony Blankley (2006). كتاب ” السقوط والانهيار: انتحار الحركة البطيئة في أوربا Decline and Fall : Europe Slow Motion Suicide” لبروس س. ثورنتونBruce S. Thornton (2007). كل هذه الاصدارات سجلت مبيعات مرتفعة جدا، إضافة الى ذلك تشكل الافلام كفئة أخرى تناولت نفس الظاهرة، من قبيل فيلم ” الطاعة Submission ” و ” الفتنة Fitna”.
تجدر الاشارة، انه عقب احداث 11 سبتمبر ارتفعت بشكل ملحوظ الكتابات التي تناولت مثل هذه الموضوعات. نتيجة ذلك شكل العقد الذي تلى هذه الاحداث نقطة تحول في بروز زخم الحركات المناهضة للمسلمين ضمن المجال العام. بالنسبة للولايات المتحدة على سبيل المثال، شكلت الاحتجاجات التي نضمها جيلر Geller عام 2009 ، ” تحت شعار “أوقفوا أسلمة أمريكا” ضد مسجد جراوند زيروGround Zero، اول من جلب هذه الحركات الى الأضواء العامة. كما استخدم ايضاً للتهرب السياسي من قبل المسلمين الذين يتوقع أن يكون ناجحاً بسبب انتخاب الرئيس الأمريكي أوباما، الذي طالما تم وصفه من قبل الجمهوريين بأنه متراخي مع الإرهابيين، كما له ارتباطات بتنظيم الاخوان المسلمين. وكثيراً ما يتعرض اسمه الى التلاعب اللفظي بسبب تواتره مع أسامة لادن العقل المدبر لتنظيم القاعدة. حتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك في ادعاءاته بأن أوباما يتستر على إسلامه، مستشهدين بخطاباته في القاهرة وكذا سيرته الذاتية (حلم من والدي)، التي تحدث فيها على مساهمة المسلمين في عظمة الولايات المتحدة وإسلام جده لجهة أبيه بالإضافة إلى زوج والدته الاندونيسي وبعض اقاربه. رغم ذلك لم يلمح في كلتنا الروايتين أنه مخلص للدين. أما فيما يتعلق بسياسات الهوية، فقد أكد أكثر وبشكل انتقائي على النزعة الافرو-أمريكية. ان تماشي هذه الجوانب من حياته مع ما عرفته الولايات المتحدة الامريكية من هجمات إرهابية خلال الفترة التي سبقت انتخابه كان له التأثير التدريجي والفعال في اثارة الخوف من الإسلام. لذا أصبحت هذه الفترة الزمنية نقطة تحول في صعود خطاب الاسلاموفوبيا (مجلس العلاقات الامريكية الإسلامية وجامعة كاليفورنيا، 2010).
تعزيز أجندة هذه الشبكة يتوقف الى حد كبير على الجهات المانحة والمجموعات السياسية الموالية لإسرائيل وتحديداً المجموعات اليمينية والدعاة المسيحون اليمينيون وبعض الأنظمة الاستبدادية العربية التي تستمد شرعيتها في الحكم عبر استخدام ” التدخل العسكري الغربي ” و ” الحرب على الإرهاب ” كأداة لإسكات المعارضة “(مركز كارتر، 2017 ، ص 4). بالنسبة للنقطة الأخيرة؛ يمكن للمرء الإشارة إلى طريقة اغتيال المملكة العربية السعودية للصحفي البارز جمال خاشقجي، والذي ضاعف من حجم الانتقادات الموجهة اليها. وكذا تأييد الصين لـ ” إعادة توجيه” مسلمي الايغور في معسكرات الاعتقال تحت ستار ” الحرب على الإرهاب”. اما بالنسبة لدعاة المسيحيين اليمينيين المتطرفين، فيمكن للمرء ان يتذكر القس تيري جونز Terry Jones المشهور بحرقه للقرآن، وآخرين مثل روبن إسرائيل Ruben Israel. عموما، نقلت جريدة نيويورك تايمز في 20 فيفري 2019 عن مركز قانون الفقر الجنوبي قوله، ” “أكثر من 1000 مجموعة كراهية تنشط الآن في الولايات المتحدة”. والذي كان السبب في تضاعف عمليات القتل على أيدي مجموعات العنصريين البيض في عام 2018 مقارنة بسنة 2017. وفقًا لصحيفة إندبندنت (20 فبراير 2019)، ونقلاً عن نفس التقرير، ألقى باللوم في ذلك على الأسلوب الشديد لدونالد ترامب وفوكس نيوز ضد المسلمين والمهاجرين ككل.
نظرًا لتزايد شعبية الخطابات المعادية للإسلام، فقد كثف السياسيون في كل من أوروبا وأمريكا من استخدامها وذلك لتركيز الضوء على المعارضة في ضوء سلبي (مثل اتهام التعاطف مع الإرهاب، والتراخي في السياسات الأمنية، وما إلى ذلك) وجذب مشاعر الجماهير من أجل الإقبال الجماهيري. من الأصوات التي من شأنها أن تتحدى “تراخي” الوضع الراهن بشأن الأمن والهجرة. يبدو أن هذا كان فعالًا في صنع القرار من قبل الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. عندما أصبح المرشح الجمهوري، دونالد ترامب سيئ السمعة بإعلانه المشاعر المعادية للمسلمين والمناهضة للمهاجرين والتي من شأنها أن تشكل جوهر سياساته في وقت لاحق. ومن بين تصريحاته المثيرة للجدل بشكل خاص دعوته إلى “الإغلاق التام والكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة” (Vox ، 5 كانون الأول (ديسمبر) 2015). كما قال: “أعتقد أن الإسلام يكرهنا” (CNN ، 9 آذار / مارس 2016). بعد فترة وجيزة من انتخابه كرئيس، فرض حظرًا على الهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة – إيران وليبيا والصومال وسوريا واليمن – والتي اعتبرها كثيرون بمثابة وفاءً لوعوده الانتخابية (بي بي سي ، حزيران / يونيو 2018).
رداً على التفجير الانتحاري الذي استهدف بروكسل ، صرح لـ Fox Business (مقتبس في واشنطن بوست ، 20 أيار / مايو 2017):
لدينا مشاكل مع المسلمين، كما لدينا ايضا في قدوم المسلمين إلى البلاد … عليك أن تتعامل مع المساجد، سواء اردنا ذلك أم لا، ما اعنيه، كما تعلم أن هذه الهجمات لا تأتي من – لم يقم بها الشعب السويدي. وقبل ذلك وتحديدا في 6 ديسمبر 2015، صرح لشبكة سي بي سي نيوز CBS News ، “إذا كان هناك أشخاص يرتادوا من المساجد وهم محملين بالكراهية ولديهم استعداد ذهني للموت، فسيتعين علينا القيام بشيء ما”. وفي خطابه الذي ألقاه في نيو هامبشاير (13 يونيو 2016)، ضد منافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون، وعقب الهجوم التي حدث في ملهى المثليين في مدينة أولاندوا، انتقد ترامب ” خطة الهجرة التي تبنتها هيلاري كلينتون بأنها ستجلب هجرات إسلامية أكثر راديكالية الى أمريكا، التي من شأنها أن تهدد مجتمعنا ونمط حياتنا بالكامل”. وفي حديثه لشبكة إن بي سي نيوز، تعليقاً على هجوم بروكسل، ” انه حدث لأنه بصراحة، لا يوجد استيعاب للمسألة… يريدون اخضاعنا لأحكام وقوانين الشريعة بدلا من التي عندنا”. وقد نقل عنه في مواضع مختلفة استدلاله بإحصاءات كاذبة وتزييفه لقصص كتلك التي تدور حول رجال يقلدون العرب ويحتفلون في نيوجرسي عندما انهار برجي التجارة العالية في هجمات 11 سبتمبر، وكذا حديثه المتكرر حول شهادة ميلاد الرئيس أوربا وسجله الديني. في سياق آخر، استدلاله بتغريدات لمصادر يمينية متطرفة مناهضة للمسلمين في المملكة المتحدة، رغم تشكيك هذه الأخيرة في مصداقيتها ونأت بنفسها عنها.
لم يوظف الرئيس ترامب خطاب الكراهية كسلاح فحسب، بل وظف شخصيات بارزة ضمن فريق حملته الانتخابية، والذين تبوءو مناصب حساسة في ادارته لاحقاً. ومن ضمن هؤلاء مستشار الأمن القومي، مايكل فلينMichael Flynn ، الذي قال خلال كلمة القاها في مؤتمر من أجل أمريكا: ” الإسلام كأيديولوجية سياسية… بالتأكيد يخفي فكرة فكرنه ديناً فقط… انه مثل السرطان” ( كوارترQUARTZ ، 18 نوفمبر 2016). كما اكد أيضا أن ” الخوف من المسلمين أمر منطقي في هذه الحالة” (تازمالTazamal ، 21 جانفي 2019). تبنى آخرون نفس وجهة النظر مثل هم ك. تي ماكفارلاند K. T. Mcfarland (نائب مستشار الامن القومي)، و بن كارسون Ben Carson (وزير الإسكان والتنمية الحضرية)- وكلاهما يعتقدان صراحة أن المسلمين يخططون لغزو الولايات المتحدة الأمريكية. ولاحقا، جاءت شخصيات مثل مايك بومبيو Mike Pompeo (رئيس وكالة المخابرات المركزية) وستيفن بانون Stephen Bannon (كبير مستشاري الرئيس ترامب)، الذين قارنا الشريعة الإسلامية بما سمي بـ” النازية والعنصرية والشيوعية” (ريفسزRevesz، 09 ديسمبر 2016). ومع تعيين جون بولتون Jhon Bolton في وكالة الأمن القومي وبومبيو في وكالة المخابرات المركزية، رأى بعض المراقبين ، يعتقد بعض المراقبين أن ترامب كان يعمل على تشكيل “حكومة حرب ستضرب غريزته الأكثر تقلباً وتشدداً” (واشنطن بوست ، 12 نيسان / أبريل 2018).