معالم التجديد في خطاب الشيخ أحمد القطان رحمه الله
د. فائز شبيل
الوحدة الشرعية
مركز المجدد للبحوث والدراسات
ملخص البحث
جاء هذا البحث والذي هو بعنوان: “معالم التجديد في خطاب الشيخ أحمد القطان” ليتناول قضية هامة في حياة الشيخ الداعية أحمد القطان رحمه الله، لما له من تأثير كبير في أوساط البلدان الإسلامية جمعاء، فهي شخصية جديرة بالدراسة من هذا الجانب، حيث يتوصل في نهاية البحث إلى معرفة المعالم التي كان ينتهجها الشيخ في خطاباته ودعوته، سواء كان ذلك من خلال ثباته على المبادئ من بداية عمله في الدعوة إلى أن لقي الله سبحانه، أو من جانب تمسكه بالمفاهيم الصحيحة ونبذه للمفاهيم المنحرفة والمغلوطة، أو من جانب شموليته في دعوته وعدم الانزواء في دائرة القومية العربية أو الوطنية الحدودية، مع اهتمامه بقضايا أهله وعشيرته وبلاده في قضاياه المصيرية الكبرى، كذلك دراسة معالم تأثيره الخطابية كأسلوبه أو قوة عباراته وحسن أدائه، وكذا الاستفادة من الوسائل الحديثة والاندماج والدخول في المجتمعات والشباب، وأيضاً معالم التيسير والرحمة والرأفة في خطابه الدعوي المميز.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ففي هذا البحث تنقيب عن معالم التجديد في الخطاب الدعوي للشيخ القطان، فهو بحق مثال يحتذى به في باب الدعوة والصبر عليها والاتزان والتيسير والرحمة، والقوة في قول الحق، والحكمة والموعظة الحسنة، وتوافر صفات الداعية صاحب الهيبة والوقار والتأثير والبلاغة والفصاحة والشمولية والعالمية والوطنية والاندماج والتفاعل والمشاركة. فكان من المهم أن تُدرس هذه الشخصية؛ لما لها من أثر كبير على أفراد المجتمع الإسلامي، خاصة أفراد الصحوة المباركة الأولى، ولما يمكن أن يستفيد الدعاة من صفاته وأعماله ومناقبه، ومعامله التجديدية في زمن قل فيه المؤثرون وعز فيه الدعاة العالمون.
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث للوصول إلى غايات وهي:
- التعريف بشخصية الشيخ القطان.
- إبراز المعالم التجديدية في خطابات الشيخ أحمد القطان.
أولاً: التعريف بالشيخ أحمد القطان
في هذه الفقرة نبذة مختصرة عن الشيخ القطان وهي عبارة عن تفريغ محتوى مقطع فديو للشيخ نفسه متوفرة على اليوتيوب([1]):
السيرة الذاتية:
- هو أحمد بن عبد العزيز القطان.
- الاصل من حوطة بني تميم.
- ولد في الكويت في منطقة المرقاب. في 1946.
- عمل في وزارة التربية إلى 96.
- اهتم بالدعوة من عام 1970 إلى اليوم، متفرغ متطوع.
- وتبنى منبر الدفاع عن الأقصى 1980م.
- تزوج أحمد القطان مرتين، ولديه من الأبناء أربعة، وهم عبد الله وإبراهيم وعبد الرحمن ومحمد، ومن البنات عشر، وهن جنان وحنان وعروب وبنان وإيمان ونور وموضي وحصة ومريم وديمة.
- تلقى تعليمه الأول في الكتاتيب على يد الملا مرشد ثم ملا فهد، ثم تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة قتيبة ثم التعليم المتوسط من مدرسة الشامية ثم مدرسة الخليل بن أحمد.
- حصل على دبلوم المعلمين من معهد المعلمين فحصل على دبلوم المعلمين عام 1969.
- وسبب تأثره والتزامه وتوبته وخروجه من الحزب الشيوعي بعد أن استقطبوه عبر الاهتمام بديوانه وكتبه في الأدب والشعر، هو أن رئيس الحزب الشيوعي عند سماعه أذان المغرب قام بالاستهزاء به، وهو ما ولد ردة فعل في نفس الشيخ القطان.
وهذا ما جعل الشيخ يقول يستهزأ بالله ورسول الله وأنا أسمع فذهب واستمع لمحاضرة الشيخ محمد أيوب رحمه الله وتأثر به تأثراً كبيراَ، واشترى كل أشرطة الشيخ أيوب وحفظها وانطلق مبلغاً وداعياً لله.
بعض الأعمال الدعوية المسجلة([2]):
- رسالة إلى محبي الأغاني
- المحجبات المتبرجات
- عذاب القبر
- الحياء
- غض البصر وطهارة القلب
- حوريات الجنة
- الحقوق الزوجية
- مفاسد الرشوة
- الصحبة الصالحة
- أثر الذنوب والمعاصي
- علامات الساعة الكبرى والصغرى
- رمضان شهر الطاعة
- رحلة إلى الدار الآخرة
- الجنة والنار
- الناس يوم الحساب
- العين الخاشعة
- أثر الجانب الروحي في علاج الانحراف
- سهام إبليس
- الاختلاط
أهم كتبه الدعوية:
- الداعية الناجحة.
- سرى وللنساء فقط.
- التذكرة للدعاة.
- للعبرة والتاريخ “مقالات دينية واجتماعية وسياسية”.
- ذاتية المؤمن .. طريق النماء.
- شيخ الإسلام .. أحمد تقي الدين ابن تيمية([3]).
ثانياً: معالم التجديد في خطاب الشيخ أحمد القطان
من خلال الاستماع الطويل للشيخ رحمه الله ومن خلال استشارة المحبين له توصلت إلى عدد كبير من المعالم التجديدية عند الشيخ القطان، ولكن سأقتصر على أهمها، ويمكن لمن يستمع له سواء في مجالات الدعوة أو المقابلات التلفزيونية أن يجد معالم أخرى وكثيرة. وقد اقتصرت على عدد من المعالم وهي:
- تصفية المفاهيم الصحيحة وتنقيتها.
- الواقعية في الخطاب.
- أممية الدعوة.
- قوة الكلمة وحسن الأداء.
- الاستفادة من الوسائل الحديثة والمحافل والأنشطة.
- التيسير والرحمة في الخطاب.
وهناك معالم أخرى كالاتزان والوسطية والاعتدال والشدة على أهل الباطل وغيرها.
المعلم التجديدي الأول عند القطان: تصفية المفاهيم الصحيحة وتنقيتها:
أهمية المعلم وعلاقة الشيخ القطان به:
تميز خطاب الشيخ أحمد القطان رحمه الله بأنه يجلي المفاهيم الصحيحة، ويعري المفاهيم الفاسدة والمنحرفة، خاصة المفاهيم المتفق عليه، والمفاهيم التي لا يختلف عليها اثنان، ملتزماً في ذلك على الكتاب والسنة، وما جاء عن السلف رحمهم الله تعالى، ولا يعتمد في ذلك على الآراء الفردية والاجتهادات المجردة عن الدليل، وذلك لأن التجديد الحقيقي في تصفية المفاهيم يجب أن يكون مبنياً على الدليل الصحيح، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “إن المصالح التي تقوم بها أحوال العبد لا يعرفها حقَّ معرفتها إلا خالِقُها وواضعها، وليس للعبد به علم إلا من بعض الوجوه، والذي يخفى عليه أكثر من الذي يبدو له، وكم مِنْ مدبِّرٍ أمرًا لا يتم له على كماله أصلاً، ولا يجني منه ثمرة أصلا، فإذا كان كذلك فالرجوع إلى الوجه الذي وضعه الشارعُ رجوعٌ إلى وجه حصول المصلحة”([4]). ومن ذلك حديثه رحمه الله عن الأمطار ونزولها، وحكم الله وتقديره في ذلك، ومنافع الله في الأمطار، وسبب البلاء وأحكامه وغير ذلك([5]).
مجالات تصحيح المفاهيم:
وهكذا ينبغي على الداعية أن يصحح المفاهيم، وينقيها من الشوائب بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا ييأس، ويعتمد في ذلك على الكتاب والسنة وأقوال أئمة الهدى ، ومجالات تصحيح المفاهيم كثيرة وهي:
- تصحيح المفاهيم الإيمانية:
بحيث يبين لهم كل ما جاء في الكتاب والسنة، وأن الله سبحانه هو الخالق والرازق والمميت والمحيي والأول الآخر والوكيل، وأن الجنة حق والنار حق واليوم الآخر لا محالة آت.
- تصحيح المفاهيم التربوية:
كأن يبين لهم أهمية الرعاية بالأبناء رعاية إسلامية، والحرص عليهم من المفاهيم الفاسدة المنتشرة في زمننا، ومتابعتهم وفتح باب السؤال والمناقشة معهم، وغير ذلك مما يجعل الداعية قدوة لهم، وهذا ما كان يتميز به الشيخ رحمه الله.
- تصحيح المفاهيم التشريعية:
فقد يظهر من المسلمين من ينكر بعض الأحكام أو يستغربها، أو أنه يفهمها على غير ظاهرها، فيأتي هنا الداعية ليصحح المفاهيم الخاطئة ويبين مراد الله وحكمته وتشريعاته على أكمل وجه، وهذا الأمر يستلزم على الداعية أن يتعلم قواعد الشريعة العامة، وفهم المقاصد الكلية، واستيعاب حكم التشريع عموما وخصوصاً، وهذا ما تراه في كثير من الأحكام الشريعة فقد ينص الله سبحانه على الحكم ثم يُتبعه السبب والحكمة منه، من ذلك قوله تعالى: ]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[([6])، فالحكم من الله أن من قتل يُقتل، والحكمة من ذلك حصول الاستقرار والحياة وخمد نار الفتنة والثأر والاعتداء، فمن لديه مفاهيم خاطئة في حكم القتل والإعدام يشرح له مقاصد الشرع وحكمه وقواعده.
- تصحيح المفاهيم الكبرى المتعلقة بالأمة الإسلامية:
قد يظهر من المسلمين حتى ممن يدعون العلم والتخصص في التشريع الإسلامي من ينادون بأفكار منحرفة وعقائد مخالفة لما عليه الأمة من لدن الزمن النبوي إلى يومنا هذا، فقد تجد من ينادي بوحدة الأديان وأن كل الأديان صحيحة، وتجد من ينادي بالصلح مع اليهود لأن لهم حقاً في أرض فلسطين، وتجد من ينادي بترك تدريس المناهج الدينية في المدارس، ويطعن في كثير من المسائل المتعلقة بالمرأة وغير ذلك، فكان لازماً على الداعية والعالم المسلم أن يقف وقفة لله يصحح فيها تلك الانحرافات ويدحض تلك التحريفات، ويرد هذه الأباطيل، وقد اشتهر الشيخ القطان رحمه الله بهذا الجانب من دون منازع، فلا يفتر ولا يمل من طرق هذه المواضيع ومعالجتها وتصحيحها على ما يوافق الكتاب والسنة([7]).
تصحيح المفاهيم في جانب رد البدع والخرافات:
قال صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد“([8])، وقد كان الشيخ القطان من أكثر العلماء رداً للبدع ومجلياً مخالفتها للشرع، وكثير التركيز على كل ما يخالف السنة النبوية([9])، وهذا واجب الداعية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين»([10]). وهكذا يجب على الداعية أن يبين للناس خطر الإحداث والابتداع في دين الله، وأن الخير في اتباع المنهج النبوي والسلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، قال صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة»، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»([11]).
المعلم التجديدي الثاني عند القطان: الواقعية في الخطاب:
لم يكن الشيخ أحمد القطان منفصلا عن واقعه كحال كثير من الخطباء والدعاة، فقد تمر الأمة بأزمات عظام، وبعض الدعاة يهتمون بسفاسف الأمور ويشغلون الناس بما لا طائل من الخوض فيه، وبعضهم قد يتعمد ذلك، ومن فضل الله على الشيخ القطان أن جعله حريصاً على تلك القضايا المعاصرة والواقعية فهو بالفعل رجل متصل بواقع الأمة مسايرا ومواكباً لكل الأحداث المهمة والأزمات المدلهمة على مستوى الساعة، ويمكنك أن تقرأ عناوين الخطب التي كان يلقيها في وقتها، كالأفغان وحماة وفلسطين وغيرها، ومن أجل ذلك سمي الشيخ القطان رحمه الله بخطيب منبر الدفاع عن المسجد الأقصى، وما ذلك إلا أنه جعل القضية الفلسطينية همه ومحور أحاديثه وخطبه، حتى وهو في مرضه وآخر حياته يثبت أهل القدس والأقصى المرابطين في القدس ومنطقة باب العامود وحي الشيخ جراح وفي كل أرجاء فلسطين برسالة شهيرة قائلًا: “اثبتوا ثبتكم الله ولا تلتفتوا إلى الـمُطبعين، وإلى صواريخ القسام اقصفوا الصهاينة ولا تبالون، ارمِ من غزة، فالموت والحياة بيد الله”([12]). وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفك عن واقع أمته، فقد كان له السبق صلى الله عليه وسلم في كل قضاياها، ولا يسوف ولا يغض الطرف عن أحداثها، فكلما ادلهمت مدلهمة قام النبي صلى الله عليه وسلم ونادى حي على الصلاة أو الصلاة جامعة يريد أن يجمع الناس حتى يحدثهم عن الأمر، وكلما حصل خطأ أو تقصير أو تجاوز أو ظلم قام صلى الله عليه وسلم موجها وناصحاً ومحذرا ومنذراً([13])، والشيخ القطان بهذا يقتفي منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الداعية أن يتابع واقع أمته.
المعلم التجديدي الثالث عند الشيخ القطان: أممية الدعوة:
استطاع الشيخ أحمد القطان رحمه الله تجاوز الحدود الوطنية والقومية العربية، والوصول إلى كل الشرائح الإسلامية، جاعلاً خطابه موجهاً لجميع المسلمين فسلط الاهتمام بقضايا العالم، ووسع أفق الدعوة حتى وصل إلى قضاياها وأفراحها وأحزانها، ومن أبرزها قضية القدس وفلسطين؛ فقد جعلها قضية مركزية كبرى، حتى يصعب انفكاك اسمه عن الأقصى والقدس؛ فقد حمل هذه القضية بحرارة البذل والعمل والحث على الجهاد، تاركاً الجمود الواقعي الذي تعيشه الأمة، ولا يفوتنا ذكر قصائده وهتافاته ومنها: “لا مؤتمر لا مؤتمر.. أنا لا أريد سوى عمر”. ومن القضايا الهامة الأممية في المجتمع مواجهته للفن الهابط المنحرف بكل أنواعه، فله سلسلته الشهيرة “العفن الفني”([14]) حتى مراحل متأخرة عندما تحدث عما يسمى “ستار أكاديمي”([15])، وغير ذلك من المواجهات مع هذه الحالة.
ومن القضايا الكلية الأممية حثه على الصدقات والبذل لكل البلدان الإسلامية التي تحتاج لذلك، ولا يتردد بالذهاب للتجار الوجهاء وطلب التبرعات منهم للخير، وكان لا يفرق بين جهة وجهة ولا جمعية وجمعية فالكل يعمل من أجل الخير وللخير، فهو داعية خرج من مظلة الحزبية والمناطقة والقومية والحدودية، إلى مظلة الإسلام والأمة، بل كان من أعماله أنه يحاول الجمع بين الناس على الخير، وبالذات التيارات الإسلامية جميعاً، وأذكر هذا الأمر عندما صرح به في لقاء قديم له مع مجلة “السمو” الكويتية، ونلاحظ هذا الأمر بعد وفاته بتنوع الناس التي حزنت عليه وذكرت مآثره([16]). ومن ذلك مناصحته للطغيان السياسي في العالم الإسلامي، والتعريض ببعض الحكومات التي تحارب الدين وتقمع الشعوب، وقد تطورت نتيجة هذا الأمر إلى محاولة اغتياله بالمسجد أثناء الخطبة، وأكثر من تعرض لهم هم الذين شاركوا بالتطبيع مع الصهاينة، وحاربوا مظاهر الدين([17]). ولا يعني هذا أن ينفك الداعية عن مجتمعه ويهتم بقضايا الأمة فقط، فأولى الناس بالاهتمام دعوة وخيرا وتضحية هم الأقربون من أهله ومجتمعك وناسك وعشيرتك وأهل بلدك، ولذا كان للشيخ القطان حضورا كبيرا في قضايا الكويت المصيرية، وكانت له وقفته الكبيرة ضد صدام وظلمه للبلاد، ولذا يقال تعالى: ]وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤[ [الشعراء: 214].
المعلم التجديدي الرابع عند الشيخ القطان: قوة الكلمة وحسن الأداء:
تميز الشيخ القطان في تجديده لأداء الخطابة، والعودة إلى الزمن الأول، وهو الاهتمام بالبلاغة والشعر والأدب والمعلقات وتقوية اللسان، بالاهتمام بالتركيب النحوي وتجنب الخطأ اللغوي([18])، مع مراعاته في كثير من خطاباته لمن يحضرون أمامه فقد يتكلم بالعامية مراعاة لذلك، وهذا ليس نقصاً بل هو من البلاغة والفصاحة، وأيضا فقد اشتهر بقصيدته التي كتبها في فترة دراسته في معهد المعلمين حين اشتهرت رقصة وموضة الخنافس، وسماها شعر الخنافس([19]). وأسلوب الشيخ القطان في حديثه وتأثيره مميز وقوي، ومن سمعه لا يمل من كلامه، والذي أميل إليه في سبب تأثيره مع ما أعطاه الله من حسن أداء وقوة كلمة هو إخلاصه في العمل الدعوي وعدم قبوله المال مقابل ذلك([20])، فقد صرح في لقاء تلفزيوني بأنه لا يقبل المال لأجل الدعوة والخطابة والوعظ والتدريس، فقد قدم الشيخ القطان الدروس والمحاضرات التطوعية والثابتة في مدارس الكويت الهادفة لإعداد الجيل والنشء المسلم، وذلك منذ تقاعده عن العمل عام 1996، كما قدم العديد من الدروس الثابتة والسلاسل الكاملة في إذاعة القرآن الكريم مثل برنامج مسيرة الخير وسلسلة الفاروق بعد الصديق، وسلسلة ذي النورين والسبطين، وكذلك سلسلته السمعية الرائعة (رياض الصالحين)، كما كانت له دروس في لجان العمل الاجتماعي والفضائيات والمؤتمرات ولجان العمل النسائي ومراكز القرآن، وكل ذلك كان تطوعاً لله([21]). فقد جمع بين حسن الأداء وقوة الكلمة وفصاحة اللغة مع استخدام الوسائل وحسن النية رحمه الله.
المعلم التجديدي الخامس عند الشيخ القطان: الاستفادة من الوسائل الحديثة والمحافل والأنشطة:
التجديد في الوسائل والأساليب له مردود طيب على نفس الداعية والمدعو على حد سواء: فالداعية الذي يجمد على طريقة واحدة في الدعوة، قد يصيبه الملل ومن ثم الفتور، أما التجديد والتنويع في الوسائل فإنه يبعث فيه روح النشاط، ويرفع من همته، خاصة إذا لاحظ الأثر الحاصل من جراء ذلك على المدعوين، والذي غالبا ما يزيد الناس قبولا وتفاعلًا، فالتكرار والرتابة يصيب المدعوين بالملل، في حين أن التجديد في عرض الدعوة، يبعث في النفوس الترقب والحماس والإثارة وحسن الصورة والتصوير وصفاء الصوت وغيرها([22]). وقد استفاد الشيخ القطان رحمه الله من كل الوسائل المتاحة بين يديه، فمن ذلك أنه استفاد من الأشرطة في القرن الماضي والذي قبله، وانتشرت تسجيلاته في كل البلدان الإسلامية، وهي وسيلة من الوسائل المتاحة في ذلك الزمن، وكان يشارك في المؤتمرات والندوات والمعسكرات الطلابية والمحافل الشبابية والرحلات([23]).
ثم لما فتحت القنوات وانتشر التلفاز كان له الحظ الأوفر في ذلك، فلا يُدعى إلى برنامج تلفزيوني أو مقابلة إلا حضرها ويؤكد هذا الاطلاع على سلاسله الدعوية ودروسه المنتشرة في كل مواقع التواصل الاجتماعي. وهو كذلك كان حريصاً على ذلك حتى تصل كلمته لكل الشعوب الإسلامية. فنتعلم من ذلك أهمية الوسائل، وأن من التجديد في الدعوة الاستفادة من تلك الوسائل، والداعي إلى الله تعالى لا ينبغي أن ينفصل عن هذا التقدم الحادث في وسائل التكنلوجيا والتقنية، فعليه أن يستفيد من هذه التقنيات والصفحات والمواقع ويتعلم كيفية الاستفادة منه إلى أعلى مستوى؛ لأن التقوقع والانزواء داخل مسجد أو نادٍ أو مركز شباب أو مركز بحثي أو تدريسي لمجموعة محدودة من الناس فحسب دون الاستفادة من الوسائل الأخرى ينفق كثيرًا من الوقت والجهد الذي يمكن توفيره، مع محدودية الاستفادة. ولأن المنكر اليوم منتشر في تلك الوسائل، فوجب على الأمة أن تدخل وتنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولذا قرر العلماء قاعدة وهي: ما لا يتم منع الحرام به واجب([24]).
وقال سيدي عمر بن الخطاب t: «في حجة حجها فرأى من الناس منكرا فقرأ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم بقوله: ]كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[»([25])، يريد أن الشرط ليكون المرء من خير هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المعلم التجديدي السادس عند الشيخ القطان: التيسير والرحمة في الخطاب:
كانت السمة الواضحة في خطابات الشيخ القطان رحمه الله التيسير والتخفيف واللين والرحمة بالناس، وهذه الروح التي اكتسبها الشيخ القطان لها أسباب:
تأثر الشيخ القطان بالدليل الشرعي من الكتاب العزيز:
فالذي يتأمل الكتاب العزيز يجد فيه الحث المستمر والكثير على التيسير والتخفيف، قال تعالى: ]يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ[ [البقرة: 185]، وقال سبحانه: ]لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا[ [الطلاق: 7]
وتأثر الشيخ كذلك بالنصوص النبوية قال صلى الله عليه وسلم:
فقد «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»([26]). قال رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد اللَّه – عز وجل – بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق»([27]). في هذه الأحاديث الأمر بالتيسير والنهي عن التنفير، وقد جمع النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأن الإنسان قد يفعل التيسير في وقتٍ والتعسير في وقت، ويبشر في وقت وينفر في وقت آخر، فلو اقتصر على يسّروا لصدق ذلك على من يسِّر مرّة أو مرّات، وعسّر في معظم الحالات، فإذا قال: ولا تعسِّرُوا انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في يسّرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا؛ لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد حثّ في هذه الأحاديث وفي غيرها على التبشير بفضل اللَّه وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، ونهى عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وهذا فيه تأليف لمن قرب إسلامه وترك التشديد عليه، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي كلهم ينبغي أن يتدرج معهم ويُتلطّف بهم في أنواع الطاعات قليلاً قليلاً، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج فمتى يُسِّرَ على الداخل في الطاعة، أو المريد للدخول فيها سهلت عليه وكانت عاقبته غالباً الازدياد منها، ومتى عُسِّرت عليه أوْشَكَ أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم ولا يستحليها([28])، وهكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتخوّل أصحابه بالموعظة في الأيام كراهة السَّآمة عليهم([29]).
وتأثر الشيخ بواقعه وبيئته:
تتميز البيئة الكويتية بتربية عالية وحس إنساني كبير، ومن يلاحظ الشعب الكويتي يلمس ذلك الإحسان والرحمة والألفة والإعانة لإخوانهم من كل البلدان، فقد ساهموا في إعانة كل البلدان الإسلامية سواء الإفريقية أو العربية أو الشرقية والغربية، ونجحوا في تأسيس المدارس والمشاريع المستدامة وبناء الآبار ودور الأيتام والجمعيات الخيرية الرائدة ودور العبادة من مساجد ومراكز تعليمية وقرآنية. وهذه البيئة حَرية بالدراسة دارسة اجتماعية ثم نقلها لغيرها من المجتمعات، لتكون مثالا يحتذى به، وأيضاً لزيادة تنميتها في قلوب الكويتيين، ومن يلاحظ علاقة الشيخ القطان بأبنائه يجد هذا الشيء أيضاً، فقد غرس في قلوبهم المحبة والألفة والرحمة ويمكن من خلال مشاهدة مداخلة الدكتورة حنان على اليوتيوب تتجلى هذه الصفات([30]).
الخاتمة
وفي الختام ونهاية لهذا البحث فنوصي الدعاة والعلماء والمصلحين بالتجديد في خطابهم واقتفاء أثر المجددين كالشيخ القطان رحمه الله، وقد كان ينصح دائماً بالمثابرة والدخول في المجتمع ونصح القريب والبعيد، والالتزام بالرحمة والتيسير والابتسامة، والتحلي بالحكمة، والدعوة بالموعظة الحسنة، والتطوع في الخير وخاصة الدعوة في سبيل الله، ففيها البركة والعافية والقبول وصلاح الحال في النفس في المال والأهل والوقت والعافية.
وقد توصل البحث في نهايتها لأهم النتائج وهي:
- ظهور معالم تجديدية في شخصية الشيخ أحمد القطان.
- أهم معلم من معالم التجديد عند الشيخ همه العام لجميع المسلمين وخاصة قضية فلسطين.
- من المعالم التي تحلى بها الشيخ وهي ظاهرة في كلامه وحديثه ولقاءته السماحة والرحمة والابتسامة والمحبة.
- تميز الشيخ مع سماحته ورأفته بالشدة على أهل الباطل، وخاصة ممن يدعون للتطبيع مع العدو الصهيوني.
([1]) تمت تسجيلها في قناة المجد بعنوان عائلة واحدة على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=Bh8P0oz7vUw
([2]) صفحة الشيخ رحمه الله على موقع إسلام ويب على الرابط:
https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=lecview&sid=76
([3]) نقلا عن موقع مداد: https://cutt.us/8s0pZ
([4]) الشاطبي: الموافقات (1/ 537).
([5]) https://twitter.com/shaikh_alqattan/status/1063398792408547329
([7]) كلمة للشيخ حسن الحسيني على اليوتيوب:
([8]) صحيح البخاري (3/ 184 ط السلطانية)، برقم: «2697»
([9])ttps://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=5546
([10]) السنن الكبرى – البيهقي (10/ 353 ط العلمية)، برقم: (20911).
([11]) سنن الترمذي (5/ 26 ت شاكر)، برقم: (2641).
([12]) https://www.youtube.com/watch?v=ttSmSCoSZtQ
([13]) صحيح البخاري (2/ 40 ط السلطانية)، برقم: «1066».
([14]) سلسلته على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=zNLKh6RIYRg
([17]) روايته رحمه الله لمحاولة الاغتيال: https://cutt.us/2iRUX
([18]) صرحت ابنته حنان بذلك في لقاء تلفزيوني، وأخبرت عن حب أبيها للغة العربية وكتابته للشعر وحفظه للمعلقات وغيرها من الجوانب اللغوية: https://www.youtube.com/watch?v=G-oFlwn544U
([19]) https://www.swalif.com/forum/printthread.php?t=68002
([20]) https://www.youtube.com/watch?v=bMUWX49Hx7s
([22]) ينظر: المعرفة في منهج القرآن الكريم (دراسة في الدعوة والدعاة) : د. صابر طعيمة ص 75، دار الجيل، بيروت، ط:بدون، ت: بدون.
([24]) المستصفى للغزالي (ص56).
([25]) الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (11/ 5578).
([26]) صحيح مسلم (5/ 141 ط التركية)، برقم: (1732).
([27]) أخرجه أحمد في المسند، 6/ 71، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 219، برقم 1219: “حديث صحيح من رواية عائشة رضي الله عنها”.
([28]) شرح النووي على مسلم، 12/ 41.