د. دحمان عبد الحق
الوحدة السياسية – مركز المجدد للبحوث للدراسات
يختزل الكثير من الغربيين الإسلام في صورة ضيقة وسلبية على أساس أن هذا الأخير يمثل مصدر تهديد، وهي رؤية ليست بالجديدة، وإنما تعود إلى عدة قرون لدواعي دينية وتاريخية وسياسية، ولقد أسهم الإعلام الغربي وبعض مراكز الفكر كمؤسسة “راند” RAND، وصناع القرار خلال العقود الأخيرة في ترويج وتعميم أفكار سيئة عن الإسلام من خلال ما قدموه من مصطلحات ومفاهيم، مثل: الصدام بين الحضارات، التطرف، الإرهاب، الإسلاموفوبيا، وكلها صور سلبية ونمطية* تم ربطها بالإسلام، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ويتحجج الغرب بعدة براهين واهية وغير مقنعة، وهو ما أشار إليه إدوارد سعيد في حديثه حول الترابط والتطابق في وجهات النظر بين الباحثين والخبراء في الدراسات الشرقية والإسلامية الذين يتم الاستعانة بهم في الدوائر السياسية في العالم الغربي، وبين الطريقة التي يروج بها صناع القرار والإعلام الغربي، ولقد أبرز هذا الترابط بين مثلث – المفكرين، صناع القرار، وسائل الإعلام- بأن الإسلام يمثل تهديداً للغرب([1]). لكن يبقى السؤال المطروح هنا هو: لماذا هذا التصور السيء حول الإسلام لدى الغرب؟ وما هي أبرز أسبابه؟
في القديم وإلى غاية الآن تميزت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بالتعقيد، حيث سادت الألفة والتضامن، وكذلك الحروب والصراعات في أحيان أخرى – علاقة سلم وحرب، فلقد كان المسيحيون أول من حمى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش بعد نصرة النجاشي لهم، غير أنه مع اتساع وانتشار الإسلام اشتغل المسيحيون بالإسلام، وأصبحوا ينظرون له كعدو خارجي للعقيدة والديانة المسيحية، وتمت شيطنته وإضفاء الكثير من الصفات السيئة له خاصة مع الانتصارات التي أنجزها المسلمون ضد الروم والبزنطيين، ومنذ ذلك الوقت تم فهم الإسلام من خلال أوصاف الدمار والخراب والشر دون فهم مضامين الإسلام الحقيقي، لذلك فإنه عند استقراء التاريخ جيداً نخلص بأن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لم تكن علاقة مبنية على التعايش والتسامح فقط، بل كانت تبنى في الكثير من الأحيان على نطاق مغاير، مما جعل المسيحيين يدركون جيداً بأنه لا بد من تحصين دينهم برفض الآخر – المسلم- أو تنصيره، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام محمد الغزالي في قوله: “إن المسلمين يقبلون بوجود أديان أخرى، ويرفضون إكراه شخص على ترك ملته، ولا يرفضون أن يتألف المجتمع من مسلمين وغير المسلمين، ويشرعون نظماً عادلةً لتُطبق عليهم وعلى من في ذمتهم من مسيحيين أو يهود، بينما المسيحية تفرض نفسها، وترسم سياساتها الظاهرة والباطنة لإبادة خصومها أو تحقيرهم وحرمانهم حتى ترغمهم على ترك دينهم وتجرهم إلى النصرانية جراً”([2]).
وربما الكتاب الأبرز الذي لقى رواجاً كبيراً في الأوساط الأكاديمية هو كتاب “صامويل هنغتنون” لصدام الحضارات الذي يشير فيه بأن هناك نراع تاريخي ومستقبلي بين الشرق الذي يمثله الإسلام والغرب خاصة في خطوط الصدع، أو ما يسمى بخطوط التقاء الحضارات المختلفة، وهو تصور صراعي بحت يقوم على أن الدين عامل مؤجج للصراعات بين الإسلام والغرب على عكس أطروحة الحوار بين الحضارات، ويرجع ذلك للعداء التاريخي والحروب بينهما وتفاعل العديدة من العوامل الأخرى.
وهذه الفكرة لا تختلف كثيراً عن العديد من النظريات الحداثية من حيث التصور العام للدين الإسلامي كمهدد، إذ أنها تحاول الإلقاء بالدين الإسلامي، والأفكار الدينية في دائرة اللامهم، وتتبنى الفكر البعيد عن الخصوصيات التي ترسم الفرد المسلم باسم الحداثة.
إن التصور الغربي للإسلام يُقيده غالباً التفكير الصراعي؛ بمعنى: “أن كل ما هو إسلامي يجب إعادة النظر فيه، فقد يحمل أي تهديد لنا”، وهو ميل واضح للفكر الذاتي المؤدلج الذي يرفض الآخر ليس فقط في السياق الفكري، بل يتعلق الأمر بالتصرفات والسياقات الأخرى الجغرافية، ويرجع كذلك إلى الوضع الدفاعي للمسلمين، لأنه يفترض أن تقوم العديد من المؤسسات العلمية والعلماء والباحثين بالرد على الشبهات والإساءات الغربية المتكررة ضد الإسلام في الإعلام والخطابات السياسية والدراسات، وكذلك محاولة تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي غزت بصورها المختلفة عقول الشعوب الغربية نتيجة للتراكمات المتعاقبة التي تلقتها من مصادر مؤدلجة.
وعلى عكس هذا التصور فإن هناك أطروحات موضوعية عديدة تؤكد على أنه لا بد من النظر في محتوى التصورات المؤدلجة حول الإسلام في الأوساط الغربية، وأن هناك قواسم مشتركة تعزز التضامن والتعايش بين الغرب والإسلام، فعلى سبيل المثال هناك من يدعو إلى المثاقفة وتقبل الإسلام في إطار التعددية واحترام ثقافة ودين الآخر، ولقد عزز ذلك مفكرون غربيون كبار عكس التيار المضاد للإسلام (المقاربة الصراعية)، حيث دعوا إلى إعادة قراءة المضامين الحقيقية للرسالة المحمدية بموضوعية والتأمل فيها جيداً كالمستشرق البريطاني “ويليام مونتغمري وات” W.Montgomery Watt، وأيضاً الفيلسوف الفرنس الشهير “روجيه غارودي” Roger Garaudy صاحب كتاب “الإسلام وأزمة الغرب”، وهو دليل واضح على أن هؤلاء يُقرون من خلال ألسنتهم وكتبهم وقراءتهم بعدما درسوا الإسلام جيداً على حقيقة بأنه يحتوي على رسالة جد سامية غير مؤذية، وإنما يدعون إلى الخير والعدالة والتسامح والتعايش وعدم إيذاء الآخر بدون حق ونصرة المظلوم، وينبغي للغرب أن يستفيدوا من هذه الديانة أيضاً لما تتضمنه من عبر، وأن يتثاقفوا مع الأقليات المسلمة في بلدانهم دون نشر صورة وأفكار سيئة عنهم، أو التمييز بينهم وبين الشعوب الأخرى في الحالات الطارئة – الحرب والأزمات الاقصادية-، فليس من المنطقي مثلاً أن يدعوا الغرب إلى الحرية والديمقراطية ونشر التعايش والتسامح والقيم الإنسانية في العالم، لكنه في الوقت ذاته يتبنى سياسة دينية عنصرية، فلقد أسقطت الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا الكثير من الأوراق التي كان يدعو إليها الغرب، إذ كشف التعاطي الغربي مع القضية الأوكرانية سياسة الكيل بمكيالين مقارنة بالتعاطي مع قضايا العالم الإسلامي المسبب لأزماته، وأثبت أن لديه مرجعية أخلاقية مشوهة حيال اللاجئين* السوريين واليمنيين والعراقيين مقابل الأوكرانيين الذين فتحت لهم الأبواب، وتمت معاملتهم بكرامة وبكل إنسانية، ومنحهم تسهيلات وامتيازات عديدة مقارنة بالمسلمين، وينطبق هذا التوصيف أيضاً على الأوروبيين البوسنيين المسلمين فيما سبق الذين سُلطت عليهم أبشع جرائم الحرب والقتل في التسعينيات، وذلك بفسح المجال للكروات وحلفائهم الصرب لقتلهم وارتكاب مجازر في حقهم.
وفي الأخير نخلص بأن التصور بأن التصور الغربي للإسلام مقيد بشكل كبير في أطر صراعية تعكس أبعاد تاريخية ودينية وإيدلوجيات متحيزة يتم تنميطها غالباً بشكل عمدي ومُسيس؛ لفرض أفكار الرُّهاب من الإسلام – الإسلاموفوبيا-، ورغم ذلك فإن هناك محاولات محتشمة في الأوساط الغربية ترى عكس ذلك، وتنظر للإسلام بنظرة عظمة وموضوعية، وعلينا نحن كمجتمع مسلم أن نعي ذلك، ونحاول تصحيح هذه الصورة الخاطئة التي تم ترويجها عن الإسلام بنفس الوسائل التي استخدمها الغرب – الأوساط الأكاديمية، الإعلام، السياسيون وصناع القرار-، ثم يجب أن نتثاقف مع الحفاظ على خصوصياتنا حتى تفهم المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى أن الإسلام دين تعايش يسمح بتثاقف وتعايش الأديان.
قائمة المراجع :
عبد القادر طاش، صورة الإسلام في الإعلام الغربي، القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1993، ص ص 60-62.
المبروك الشيبلي المنصوري، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2004، ص 2010-2011.
المفوض السامي غراندي يشيد بترحيب أوروبا باللاجئين الفارين من أوكرانيا، انظر الرابط الآتي:
https://www.unhcr.org/ar/news/press/2022/3/622895574.html.
*التنميط أو الصورة التنمطية ما هي إلا مجرد تعميمات مؤسسة على الشائعات والآراء التي لا تستند على براهين علمية تجريبية ومعلومات دقيقة.
([1]) عبد القادر طاش، صورة الإسلام في الإعلام الغربي، القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1993، ص ص 60-62.
([2]) المبروك الشيبلي المنصوري، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2004، ص 2010-2011.
*حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) فر أكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا في غضون 12 يوماً فقط إلى خمس بلدان مجاورة، إذ استقبلت بولندا لوحدها أكثر من النصف، وهو رقم يتزايد بسرعة نظراً لحركية الحرب وخطورتها، وكذلك للاستجابة المرنة من الدول المستقبلة، لكن الوجه الآخر لهذه الدول المستقبلة هو أنها كانت أكثر معارضة لدخول المسلمين الفارين من الحرب والقصف الغربي إلى دول الاتحاد الأوروبي أو إليها، ولا يتعلق الأمر بالاستجابة فقط بل بالقيود، والدعم والتصورات الخاطئة التي تنتجها عنهم في مختلف الخطابات والاجتماعات بأنهم يمثلون تهديداً مباشر لهويتهم وأمنهم. للمزيد انظر: المفوض السامي غراندي يشيد بترحيب أوروبا باللاجئين الفارين من أوكرانيا، انظر الرابط الآتي:
https://www.unhcr.org/ar/news/press/2022/3/622895574.html.