إشكاليات ترسيم الإسلاموفوبيا في الفكر والواقع السياسي المعاصر
د. دحمان عبد الحق
الوحدة السياسية
مركز المجدد للبحوث والدراسات
عند طرح مصطلح الإسلاموفوبيا فإن الملاحظة الأولى التي تخطر في عقل الباحث والقارئ عموما هو أن هذه الكلمة مكونة من مفردتين؛ وهما الإسلام، وفوبيا (Phobia)، إذ أن الثانية كلمة لاتينية تعني الخوف والفزع والرهاب الذي يعاني منه الفرد نتيجة لأسباب مكتسبة أو مفاجئة (مواقف، أشخاص، نشاط) مما يُحدث اضطراب وظيفي المنشأ لديه، وعند إلصاق هذه المفردة بالإسلام فإنها تعني بالمختصر المفيد الخوف المرضي أو الرهاب من الإسلام، ويعتبر هذا المصطلح حديث نسبياً تم استخدامه على نطاق واسع منذ نهاية التسعينيات .
ولقد تم التوافق على استخدام هذا المصطلح في الخطاب الرسمي والأكاديمي من طرف الكثير من مراكز الفكر المؤدلجة والباحثين بغرض تثبيت أفكار مغلوطة في العالم الغربي للإشارة بأن الإسلام هو سبب الممارسة العدوانية التي تحدث من تفجيرات ومآسي لهم، لذلك فلقد خلق ذلك كراهية ضد الإسلام، وتم توصيفه بمواصفات غير منصفة، وفي الحقيقة فإن هذا المصطلح ليس بالجديد، بل ظهر منذ زمن بعيد*، وتم استخدامه بشكل كبير تزامناً مع زيادة الأنشطة الإرهابية في العالم الغربي، غير أن هذا المصطلح تعرض لعدة انتقادات كونه مصطلح عنصري وتمييزي هدفه رسم قوالب نمطية مضرة بصورة المسلمين والإسلام في مختلف أرجاء العالم.
ويبقى السؤال المطروح هنا هو: لماذا يتم إلصاق هذا المصطلح بالإسلام، وكيف تم نشر مضامينه بهذه السرعة في الواقع الدولي؟
مع تصاعد مشاكل الهوية، ونمو الإسلام، وقيام الثورة الإيرانية، وانتهاء الحرب الباردة شغلت أطروحة “العدو الإسلامي” الفراغ بعد اختفاء العدو الشيوعي في الخطاب الإعلامي والسياسي الأمريكي والأوروبي، لأن الغرب يحتاج من أجل بقائه وجود عدو سياسي واستراتيجي حقيقي او متخيل، لذلك فلقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة حلفائها بخلق عدو وهمي سمته بالعدو الأخضر، وتقصد به الإسلام، وبذلك تبرير وتنفيذ مختلف سياساتها واستراتيجياتها في العالم، لذلك فلقد روجت عبر ترسانتها الإعلامية الضخمة بشكل ممنهج ومكثف للرأي العام المحلي والعالمي بأن الإسلام هو العدو ومصدر كل النشاطات الإرهابية، وبالتالي فلقد أسست منذ سنوات نمط وصورة فكرية سيئة لدى الشعوب بأن الإسلام دين يجب أن نخافه ونهابه، فهو لا يقبل الآخر ويهدد وجوده، ومن هنا فلقد تم الترويج للإسلاموفوبيا، حيث يشير العديد من الباحثين بأن هذا المصطلح ظهر سنة 1997 في تقرير المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا والمعنون بــ: “الإسلام فوبيا يتحدانا جميعاً” Islamphobia: A Challenge For All AS 1997، بحيث وضع التقرير عدة مواصفات لهذا المصطلح، من حيث اعتبار الإسلام عقيدة صماء وجافة غير قادرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة، وأن هذا الدين منغلق على نفسه، ولا يحتوي على قيم يتشاركها مع الثقافات والأديان الأخرى، ويحط من منزلة الغرب والشعوب غير المسلمة، إضافة إلى أنه دين عنيف وعدواني، وبهذا فإن هذا الدين سيكون حاضن للممارسات العدائية ضد الغرب بما فيها الإرهاب.
ومع مرور الوقت أصبح هذا المفهوم متداول بكثرة في وسائل الإعلام والخطابات الرسمية والموتمرات الدولية كمؤتمر “تحدي الإسلام فوبيا” الذي أشرفت عليه هيئة الأمم المتحدة سنة 2004، إذ تم فيه التفصيل في الأسباب العميقة التي ولدت مشاعر الخوف من الإسلام والمسلمين في العالم الغربي([1]). والراصد أيضاً لتطور وظهور هذه الفكرة سيرى بأن النظرة لم تكن موضوعية بل أسسها منظرين غربيين متشددين لثقافتهم وهويتهم الأوروبية يرون بأن الإسلام يمثل خطرا عليهم وعلى مجتمعاتهم، لذلك فلقد خلقوا هذا المصطلح لزرع أحكام مسبقة والاصطفاف لدى مجتمعاتهم الغربية ضد أي شيء متعلق بالإسلام أو الصحوة الإسلامية، لذلك يجب التنويه بأنه لا يمكن النظر إلى هذا المفهوم على أساس أنه بريء ومحايد أو تم صناعته بشكل عشوائي، بل هو إلى حد كبير صناعة وظيفية المقصود منها معاداة المسلمين يقودها أفراد وشبكات ذات تمويل سخي ومعارف نافذة مع قادة وصناع قرار كبار.
وعلى المستوى الواقعي فإن الترويج لهذا المصطلح في المجتمعات غير المسلمة أدى إلى جرائم كراهية ضد المسلمين والجاليات المسلمة الموجودة في العالم العربي، فلقد تعرضوا لممارسات تميزية غير مبررة تتراوح بين تشديد الرقابة عليهم وسجنهم والتضييق عليهم وتهميشهم وعزلهم والاعتداء عليهم، وهو ما يتنافى مع ما يناديه العالم الغربي باسم حقوق الإنسان، فهذه الممارسات العنصرية والتميزية على أساس ديني هوياتي لا مبرر لها، خاصة وأن وصفهم للدين الإسلامي بالعنيف والإرهاب، هو تشويه لصورة الإسلام، فأعمال العنف والإرهاب لا تتعلق بالدين بل يتم قراءتها وفقاً لتفاعل مجموعة من الأسباب، فكثيراً ما تحدث جرائم واعتداءات وعمليات إرهابية في العالم الغربي ينفذها أشخاص لا ينتمون للدين الإسلامي، ويتم وصفهم بأنهم مرضى نفسانيين، ومثال ذلك هو حدوث عمليات إطلاق نار ودهس متكررة في الولايات المتحدة وبريطانيا من أشخاص غير مسلمين يتم وصفهم غالباً بأنهم مرضى نفسانيين يحتاجون إلى رعاية نفسية دائمة.
وحسب المركز القانوني للقضاء على الفقر في جنوب الولايات المتحدة ارتفع عدد مجموعات الكراهية ضد للمسلمين في البلاد بين 2015- 2016 بنسبة 197 بالمئة، فيما شهدت جرائم الكراهية تطوراً ملحوظاً ضدهم بنسبة 67 بالمئة، وفضلاً على ذلك، فلقد سُجل بين جانفي وجويلية 2017 حوالي 36 هجوماً ضد مساجد ودور العبادة الخاصة بالمسلمين([2]).
ولقد اشتدت هذه العداوة في السنوات الأخيرة ضد المسلمين، واستثمرت الصحف ووسائل الإعلام ومراكز الفكر والسياسيون من منشوراتهم وخطاباتهم وآرائهم المعادية للإسلام، وتحولت إلى حال لسان الموقف الغربي في الكثير من الوقائع، لا سيما إذا تحدثنا عن حركات وأحزاب اليمين المتطرف في اليونان وفرنسا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا، وغيرها، وفي ضوء هذه العوامل نشأ شعور عنصري ضد المسلمين أذكاه الجهل الموجود لدى بعض الفئات المسلمة.
وكنتيجة لأمننة الاسلاموفوبيا وربطها بظواهر أخرى، فقد أعطي الضوء الأخضر للأحزاب اليمينية المتطرفة لاستثمار ذلك في المناخ والأوقات المناسبة لبث كراهيتها ضد المسلمين خاصة عند طرح مسألة المهاجرين، وفي أوقات الأزمات الاقتصادية واقتراب فترات الانتخابات، فعلى سبيل المثال كثيراً ما يُوظف اليمين المتطرف في فرنسا مسائل تتعلق بالمسلمين كالحجاب* والمساجد، ويتحدوثون عن أسلمة فرنسا لترويجها في برامهجهم الانتخابية عوضاً عن طرح بدائل اقتصادية واجتماعية حقيقية تساهم في تطوير المجتمع.
وفي الأخير نستطيع القول بأن الغرب لا يزال إلى غاية اليوم يروج لمصطلح الإسلاموفوبيا، ورغم أن هناك بعض الفئات السياسية والأكاديمية حاولت تصحيح الأمر وتصويبه؛ لأن العنف كثيراً ما يرتبط بمجموعة من الأفراد وسلوكاتهم، ولا يتعلق بالدين، كما أن هؤلاء القلة لا يمثلون الجماعة الشاملة التي تمثل الإسلام، ورغم ذلك فيجب على العالم الإسلامي أن يحاول مواجهة تصاعد الإسلاموفوبيا من خلال التضامن والعمل بشكل جماعي في كسر حلقة الكراهية والتطرف ضده، غير أن هناك حرباً ثقافية وفكرية تُقاد منذ سنوات في دول عديدة ضد الإسلام، والتي تعمل على تقويض حريات المسلمين وممارسة حياتهم العادية، كما يجب على الغرب أن يدرك أنه في زمن الثقافات والهوايات المتنوعة، وأن إقصاء المسلمين بسبب الإسلام وعزلهم قد يؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى زعزعة استقرارهاّ، ولا سيما وأن السياسات الحالية المعادية للإسلام منطقياً ستؤدي إلى نتائج عكسية –رد فعل-، فربما قد يفيد شعار الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام شخصية في كسب التأييد الشعبي أو الفوز في الانتخابات، لكنه لا يفيد مستقبل البلاد بشكل عام.
كما أنه من الضروري صياغة وكتابة مقالات ودراسات، وإقامة مؤتمرات بشكل دوري للرد على ما يروجه الغرب ضد الإسلام، وإنشاء مراكز لدراسة الإسلام في المجتمعات الغربية تكون مهمتها إيصال الإسلام الصحيح إلى عقول وقلوب مواطني الدول الغربية غير الملمين بحقيقة الدين الإسلامية ومعانيه الدنيوية والروحية، وبأنه لا يمثل تهديداً لقيمهم ومبادئهم، وأن ما يروج له الإعلام عن جماعات متطرفة ومتشددة هم قلة لا يعكسون صورة الإسلام الحقيقي، وكذلك ينبغي على المجتمعات والدول الإسلامية معالجة القضايا والمسائل الداخلية التي تساهم في تكريس الصور السلبية للإسلام.
قائمة المراجع:
- مصطفى بن تمسك، الإسلاموفوبيا: مقاربة جيوسياسية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017.
- هدى العبادي، مكافحة صناعة رهاب الإسلام نحو استراتيجية أكثر فعالية، ماي 2018.
* يجب التأكيد هنا بأن الإسلاموفوبيا كواقع لم يظهر في التسعينيات أو بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بل هي قديمة قدم الصراع المتأصل بين أتباع الديانات الأخرى ضد الرسالة المحمدية منذ قرون، ولقد تم الاستدلال به كمصطلح في الثلاثين السنة الأخيرة قصد توظيفه ضد المسلمين لعزلهم حضارياً وتحقيق غايات استراتيجية ومنفعية عديدة.
([1])مصطفى بن تمسك، الإسلاموفوبيا: مقاربة جيوسياسية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017، ص 5.
([2]) هدى العبادي، مكافحة صناعة رهاب الإسلام نحو استراتيجية أكثر فعالية، ماي 2018، ص 5.
*تعتبر المرأة المسلمة حسب الصورة التي يروجها اليمين المتطرف وأنصار الإسلاموفبيا على أنها امرأة ضحية بحاجة إلى من ينقذها من ديانة بدائية، وإرهابية خطيرة طالما أنها تختفي خلف حجابها، وهي بذلك تمثل عضو مساهم في تعطيل الحياة التقدمية والغربية، في حين يتم تصنيف الرجال غالياً في الخانة الأكثر خطورةً دائمة مقارنة بالأشحاص الآخرين الذين ينتمون إلى ديانات أخرى.