أبشري أمة الإسلام!
بقلم عبد الرحمن الجميعان
بسم الله والحمد لله
والصلاة والسلام على نبيه وعبده وآله وأصحابه
مقدمة:
من رحم المأساة يولد الفرج! ومن أحلك الظلامات يأتي النور، فالفجر يبدد ظلمات الليل البهيم! ونعلم ونرى أن الأمة تمر بمنعطف خطير جدا، لم تسبق إليه، ولم تعهده، بل لم تتوقعه، بله أن تتصوره! ولكنها سنة الله في هذه الأمة، أن تنتعش بعد أزمة، وتفيق بعد مصيبة، وتحيا بعد أن قال الناس: ماتت! ولنا في تاريخنا صور وعبرن، تنبئ عن حياة بعد موت، وانبثاق بعد خمول، وتحرك بعد سكون.
فها هو الصديق تصفه السيدة أم المؤمنين رضي الله عنها تصف أباها-وحيدا-، فتقول: “لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً، وَاشْرَأَبَّ النِّفَاقُ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِأَبِي مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَهَاضَهَا (أي انكسرت وتحطمت)([1])، وَصَارَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُمْ مِعْزًى مَطِيرَةٌ فِي حِفْشٍ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ بِأَرْضٍ مُسْبِعَةٍ، فَوَاللَّهِ مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بِحَظِّهَا وَعَنَائِهَا وَفَضْلِهَا”([2]).
أمة جديدة تتكون، وهي قليلة جدا بالنسبة للعالم برمته، يرتد العرب إلا الطائف ومكة والمدينة، والنفاق اشرأب عنقه، وانتفش الباطل وغنى إبليس وأصحابه، وتراقص الكفار طربا بما حدث، ثم ماذا؟ تغير الحال، وانقلب الهم إلى فرح عارم، وانطلقت سيوف المسلمين تهتك أستار ظلام الكفر والنفاق، وتأكد الناس أنها أمة لن تموت، وأن الله ادخرها لأمر عظيم!
وهنا أيضا مثال آخر ففي محنة القرآن زمن أحمد بن حنبل([3])، يُحبس وحيدا، ويلتف أهل البدع والسلطان ضده، ويتخلى الأحباب والأصحاب، وهو وحيد يتلقى سياط السلطان، ويرى الهزائم النفسية عن الكثيرين، ويرى تراجعهم، ويعلم سطوة أهل البدع والضلال، ويعلم أنه وحيد، والأمة تنظر إليه، فهو الثغر الحصين الباقي، لم يقل: أستسلم كما استسلم الرفاق والإخوان، بل قال: لا ينقص الدين وأنا حي! ثم ماذا؟ إنه الانفراج والتبديل والتمكين!
وإن لم تعلم فاعلم أن النصارى قد سلبوا المسجد الأقصى وظل في أيديهم سنوات من الزمن، ولكن الله تعالى يخرج الله الفارس الشجاع البطل صلاح الدين، فيحطم بسيفه كل أسطورة الكفر والنفاق، ويضرب النصارى في رؤوسهم، ويتحرر المسجد، وتتحرر الأمة([4])!
وإن شئت فقلِّبْ التاريخ وصفحاته، وارجع للعام 658ه كي تنظر إلى معركة عين جالوت([5])، وكيف الله نجى الأمة من براثن التتار بسيف الشهيد قطز عليه رحمة الله، فهل تظن أنها أمة تموت؟ أم تظن أنها ستنتهي! دعك ممن أصيبوا بالهزائم النفسية أمام العدو الغربي والشرقي، وقلب صفحات النص المعصوم، كي تعطيك دفعات الوثوق بهذا الدين، وبهذه الأمة التي ستكون لها وظائف مستقبلا، وستحيا وتحيي العالم معها!
لنبدأ أولا بالأقرب فالأقرب إلينا، وأعني المرحلة التاريخية، كما تبدو لنا، ما من شك أننا نعيش في عصر الظلمات، وإن كان العهد عهد تكنلوجيا وصناعات وانترنت وغير ذلك من وسائل المعرفة والحياة، ولكنها بالنسبة لنا نحن المسلمين، فيها من النكد والشقاء ما الله به عليم، ذلك أن هذه التكنلوجيا وغيرها تنحو نحو المشرب المادي البحت، مما يؤثر على عقائدنا وديننا، مع ذلك ومع هذا النكد والحياة المظلمة، من يتفحص نصوص الوحي المعصوم، سيجد منارات تؤدي به إلى الفرج بعد الشدة، وإلى النهوض بعد الكبوات، وإلى النهضة بعد الارتكاس في حمأة المادة ووحل الطغيان!
تأمل معي هذه النصوص الحديثية الصحيحة التي نطق بها المعصوم عليه الصلاة والسلام، وعش معها في نشوة وفرح، وترقب لانتصار دون تخدير للعواطف أو دغدغتها، بل هي حقائق مطلقة!
1-عودة الخلافة بعد الحكم الجبري:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ “، ثُمَّ سَكَتَ)([6]).
يوضح الحديث بيان مراحل مهمة ستمر بها الأمة الإسلامية ضرورة، وهو قدر كوني محتوم، قد كتبه الله على الخلق، ومنهم هذه الأمة، ولكنها أمة لا تموت، بل تمرض فتبان فيها أعراض المرض، فيطمع فيها الأعداء ويتكالبون عليها، ولكن سرعان ما تتعافى وتعود إلى سابق عهدها، هذه المراحل هي:
1-مرحلة النبوة، وهي المرحلة المباركة العظيمة، ومكوث النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، يعلمهم ويربيهم وينشؤهم على تحمل الدعوة وألوائها والدفاع عنها.
2-بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي دور حملة النهج النبوي، وتطبيق ما تعلموه، فكانت مرحلة الصحابة الكرام، وهي مرحلة الخلافة التي لا تبعد كثيرا في النهج والعمل عن مرحلة النبوة، فكلها هدي ورحمة وعمل متواصل على نهج النبوة.
3-ثم بعد نهاية هذه المرحلة تأتي مرحلة الملك العاض، الذي فيه بعض الظلم والجور، وفيه الانحراف عن منهج النبوة والخلافة، ولكنه ملك إسلامي، بدأ من معاوية رضي الله عنه، واستمر قرونا، ثم سقط هذا الملك والحكم بسقوط العثمانيين في براثن الغرب، وتمزقت الأمة، فدخلنا في:
3-مرحلة الجبر، و”الجبر”، لفظة عجيبة، فهي تشمل الأمة وما حواها، ومن حواها!. بمعنى أنها تجبر على الفعل، فمنذ العاض، بدأت جحافل الغرب تجبر الأمة وترغمها على:
- التقسيم والتفكك
- استبدال الدستور (الوضعي) بالشرع
- نشر الثقافة الغربية في كل وسائل الإعلام
- محاربة الجهاد والحركات الإسلامية
- استهداف القيم والأصول الإسلامية
- ذوبان الهوية، واستعلاء التافهين والرويبضات
ولكن هذا لن يستمر، بل قدر الله تعالى له أمد محدود، ثم ستنتهي هذه الفترة، فتخلفها الفترة الرابعة المتمثلة ب:
4-الخلافة على منهاج النبوة! وأرى أننا قريبون جدا من هذه الفترة، لما في هذه المرحلة-الجبر- من علامات النهاية-والله أعلم، مثل التمايز بين الصفوف، وغير ذلك، والعجيب أنه في بقية الحديث ذكر لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، حيث قال الراوي: “فَقَدِمَ عُمَرُ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ فِي صَحَابَتِهِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ الْحَدِيثَ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ : إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ، قَالَ : فَأَخَذَ يَزِيدُ الْكِتَابَ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُمَرَ، فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ”، مما يعني أنهم يرون التغيير ويفسرونه، بتشابه أو تساوي العاض والجبرية، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فقد استمر حكم الأمويين، وازدادت سطوته وبعض فتراته ظلما، على ما فيه من خير كثير، من الفتوحات وانتشار العلم، فمن هنا نقول إنها فترات مختلفة، وستأتي فترة تمحو كل ذلك بعد هذا كله-والله أعلم.
2- منع العراق ومصر والشام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ”، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُه ([7]).
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ. ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا. قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ، وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا”([8]).
وكأنه وصف لما يحدث من بعض أحداث في مرحلة الحكم الجبري، والله أعلم، ولربما هذا ما نشاهده اليوم، ولكن المهم جدا في هذا الحديث، سكوت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهة، برهة صغيرة من الزمن، كأنه يشير إلى قلة زمن الفترة، بين ما يحصل من هذه الأحداث، ومن خروج خليفة يحثو المال حثوا، والمال كناية والله أعلم، عن الزكوات، أو الصدقات الكثيرة من المسلمين، أو مما يجبى من الجزية! والمهم هو قصر الزمن بين الأحداث وبين خروج هذا الخليفة، والخليفة لفظ شرعي يطبق الشرع، وينهج منهاج النبوة، وقد يكون فيه قصور، ولكن السمة الغالبة هي العدل والشريعة([9])، والله أعلم.
3- خلفاء ثلاثة قبل المهدي:
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ. ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ، فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ…!([10]).
في هذا الحديث أمور مهمة جدا:
1- المقتتلون عند الكنز كلهم أبناء خليفة، وهم ثلاثة، مما يدل على أن هناك خلافة قائمة، وهؤلاء منهم.
2- أن هؤلاء ليس منهم المهدي.
3- أن التغيير في الأمة يأتي قبل المهدي، وقبل عيسى عليه السَّلام .
4- الخلافة المنقوصة موجودة قبل ظهور المهدي، لأن الخليفة لفظ شرعي، ولا يطلق على أي حاكم، بل هنا تحديد الاسم بالخليفة والله أعلم.
5- هناك مقتلة تكون ضد المسلمين.
6- على إثرها يخرج المهدي المصلح.
4-كثرة المال وعودة جزيرة العرب مروجا وأنهارا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ، وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا”([11]). في هذا الحديث ما يلي:
1-كثرة المال ووفرته عند المسلمين، وعدم وجود فقراء أو محتاجين!!
2-عودة أرض العرب-الجزيرة العربية-خيرا وبركة ومروجا وأنهارا، وكأن الاثنين مرتبطان ببعضهما، فالبركة تنبت الخير العميم، والله أعلم.
هذه بعض المبشرات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وما من شك أنها مبشرات عظيمة تصنع الأمل في الدعاة، وفي كل من يدفع نحو رفعة الإسلام، ويجاهد بقلمه وماله ونفسه، لنصر الدين، ونسأل الله أن نكون منهم!
([1]) «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (3/ 1113).
([2]) «فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» (1/ 98).
([3]) «الطبقات الكبرى ط دار صادر» (1/ 4).
([4]) «الكامل في التاريخ» (10/ 39).
([5]) «الوفيات والأحداث» (ص146).
([6]) والحديث رواه الإمام أحمد والطيالسي والطبراني وغيرهم، وهو حديث حسن كما قال محقق مسند الطيالسي.
([8]) «صحيح مسلم» (8/ 185 ط التركية).
([9]) وقد وردت بعض الآثار فيها بعض الكلام على السند، ولكن قد يستأنس بها هنا، وتدل كلها على ما ذكرناه من التفريق الذي محله العدل والحكم بالشرع الصحيح-انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ت علي محمد عمر- الخانجي-3/285.
([10]) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الحاكم في “مستدركه” (4 / 463) برقم: (8526)، (4 / 502) برقم: (8626) وابن ماجه في “سننه” (5 / 211) برقم: (4084) وأحمد في “مسنده” (10 / 5267) برقم: (22822) والبزار في “مسنده” (10 / 99) برقم: (4163) (انظر جامع خادم الحرمين الشريفين)
([11]) رواه مسلم 157-عبد الباقي-مسند أحمد 9395-باسناد صحيح (ش).