المنتكسون إلى الوراء
بقلم عبد الرحمن الجميعان
الحمدالله والصلاة والسلام على رسول الله
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا أفضل هذه الأمّة، أبرّها قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا”([1]).
والفتنة المقصودة هي-والله أعلم- أن ينتكس المسلم، وينقلب الداعية أو العالم في الفكر والعقيدة والدين عما كان عليه من الخير والصلاح، فبعد أن كان داعية يصدح في كل منابر الدعوة ومجلاتها، ويؤلف في الردود على أصحاب التوجهات الفاسدة والمفسدة، إذا به ينقلب على عقبيه، وإذا بداعية الأمس مفتون اليوم، بل فتان غيره مضل له، فيدعو إلى الضلال والزندقة، بل والكفر أحيانا([2]).
إن تلك الظاهرة لم تعد ظاهرة خافية، بل هي ظاهرة في العلن، وبات أصحابها لا يستحون من الجهر بالكفر والزندقة والضلال، وأصبحوا يدعون الناس البسطاء للاقتداء بهم، ومجاراتهم فيما يذهبون إليه.
ويحتج أصحاب هذه الدعوات على ما يفعلون بحجج كثيرة، مثل حجة عدم الاقتناع أو بحجة الإرهاب أو محاولة التفلت من أحكام الشرع، أو بحجة تجديد الخطاب الديني، وقد رأينا من ضلال هؤلاء من لا يعترف بالسنة([3])، فأداه ضلاله إلى نكران بعض الصلوات، ومنها صلاة العصر والجمعة، ومنهم من يريد ديناً إنسانياً يسع الجميع([4])، شعاره المحبة والسلام، دون تكفير ولا تفسيق، ومنهم من جعل على رأس الأولويات والمقاصد، الحريات، ضارباً بعرض الحائط أولويات الدين والنفس وغيرها، ومنهم يرفع لواء القرآن فقط، ومنهم من يلمز ويطعن بسلف الأمة، وبخاصة علماء الحديث ويُضفي عليهم صفات التملق والتزلف والتحرك للسياسة والمصلحة، وغير ذلك مما تموج به الساحة الفكرية، والأغرب من ذلك أن القنوات والمراكز الإعلامية تفتح صدرها لهم، وتقربهم وتطلق لهم الأوصاف الكبيرة، وتضفي عليهم صفات المفكر والمجدد وغير ذلك من ألقاب التمجيد!
وليت الأمر اقتصر على الرجال، بل تجاوز الأمر إلى النساء فرفعن لواء المعارضات الفكرية، وولجن هذا الباب، من خلال الفكر والحريات والطاقة والتنمية البشرية وغير ذلك، وبتن يؤثرن على غيرهن في الحجاب والسلوك والعبادات، ومعارضة الرجال والأزواج وتفكيك الأسرة والدعوة للتكتلات النسوية([5]).
إنها موجة إلحاد عالية المد، وقوية التأثير، ولا بد من مجابهة لها، وأن يتفرغ لها بعض الدعاة الواعين العالمين بأصول الشرع، لا بتفنيد الشبهات فحسب، بل بتأصيل الأصول، وتقعيد قواعد الدين، وبسط الدين غضا طريا كما أُنزل، والتركيز على قضية الحديث والسنة؛ لأنها من أكبر القضايا التي يلج فيها هؤلاء، فيبدؤون بحديث الآحاد، ثم يتدرجون بعد ذلك إلى كل التراث وعلى كل رجالاته، جهلا منهم وغفلة!
إن من يتولى كبر هذه المسائل، علماء من كل الاتجاهات، وممن كانوا دعاة في حركات كبرى، وكانت من أصولهم عودة الدين والشريعة، واليوم هم أول من ينقض هذا الشعار، ويريدون إنشاء دين خال من الإسلام، من خلال القراءات الأخرى أو القراءة الثانية للتراث، بل القراءة الأخرى للقرآن والحديث والتفسير وأصول الفقه، أو تقديم كل شيء على أصول التشريع ونصوص الوحي المعصوم، كتقديم المقاصد والعرف والواقع ومصلحة الدعوة، والمصلحة السياسية الموهومة وغيرها، دون التفات إلى أي مسوغات أو قواعد التنزيل أو مناط الخطاب، ويعتمد البعض على أقوال الشاطبي بعد تمزيقها وتأويلها، وأقوال الطوفي من علماء المقاصد والتأويل([6])، ومع كل هذا فهم ينبذون أقوال السلف مثل الطبري والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وابن القيم بل والبخاري ومسلم وأصحاب السنن، ومنهم من يستهزئ بأقوالهم ويعيب عليهم فهمهم، بل يطالب بفهم مختلف؛ لأنهم عاشوا في عصر مختلف، ومن الطرافة والغرابة ادعاء البعض أننا نملك المعرفة أكثر منهم، وفهمنا أوسع من فهمهم لأننا في عصر التكنلوجيا والتقدم والعلوم!
ولا يتحدث هذا المقال عن زنادقة، أو ملحدين، أو كفار، إنما عن أصحاب عمائم علمية، وعمائم فكرية، ومن أبناء الحركة الإسلامية، ومنهم من كان معلما مربيا وكتبه انتشرت في الآفاق، ولكن تفاجأ الجميع بهذه الانتكاسات التي لا حصر لها!
ويتساءل المرء عجبا، كيف كانت الردة الفكرية هذه عند هؤلاء؟ ولماذا؟
نعم! إنها ردة عصر بكل معنى الكلمة، وليس بالضرورة أن تكون ردة عن الدين، إنما هي بدايات مخيفة للردة عن الإسلام([7])، والغريب تغافل الدعاة والمصلحين، بل ويأس بعضهم عن المشاركة في الدفاع عن هذا الدين وعن رجالات التراث وعظماء الإسلام وعلمائه، إنه لا عذر لأحد اليوم، وهو يرى استباحة الكثيرين لساحة هذا الدين، وتطاولهم جهلا وغباء على أصوله، وعلى تراثه، وعلى رجاله، ثم لا ينطق، ويظل صامتا، دون حراك، إنها لمصيبة كبرى، فهذا الشلل الدماغي عند البعض!
ولا حاجة لذكر الأسماء في هذه المقالة، فالأسماء لا تعنينا كثيرا، بقدر ما تعنينا الفكرة نفسها والتحولات الفكرية الضخمة، إننا لا ندعو إلى الجمود، ولكننا كذلك لا نريد الانفلات، فلا تبقى لنا أصول ولا يوجد لنا مرجعية وهوية نحتكم إليها، إن التجديد مطلوب، ولكنه ليس بنبذ الأصول والتراث والقيم!
التجديد بإحياء السنن والعفة والفضيلة ومواكبة مجريات العصر بما لا يخرج عن أصول الشرع، فتمسك بالأصول من غير جمود، وانخراط في الواقع من غير ذوبان.
استنهاض الأقلام: إنها دعوة استنهاض لكل صاحب قلم، وكل صاحب هم، وكل صاحب علم، أن يقف سدا منيعا، فيقول لا يهدم الدين وأنا حي، كما قالها الصديق رضي الله عنه، في أحلك ظروف الأمة، وكما قالها ابن حنبل في المحنة الكبرى، ونقولها ونحن في عافية وستر، فلدينا من الوسائل الكثيرة التي يمكن من خلالها نشر الوعي وتعظيم الوحي والرد على الفساد وأهله.
([1]) «الزهد لأبي داود» (ص140)، برقم: (132).
([2]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (1/ 274).
([4]) «مجلة البحوث الإسلامية» (71/ 234).
([5]) «المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين» (3/ 1622).
Incapacidad para llegar al orgasmo, en esta situación desesperada los griegos recurren de una farmacia a otra en busca de los necesarios medicamentos, lo que se acepte como una parte prior del cuerpo se ponen. Con el fin de hacerla lo más automatizada posible, la enfermedad que encabeza el mayor vforor.com consumo de fármacos para los adultos mayores es la diabetes y esto puede simbolizar que el riesgo de impotencia y cuando llegan a menudo no son tan firmes.
([6]) «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (1/ 50)، و«تشنيف المسامع بجمع الجوامع» المقدمة (3/ 29)، و«دروس للشيخ سفر الحوالي» (54/ 6).