دور أجهزة مراقبة وتنظيم الانتخابات في تكريس الحوكمة: السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أنموذجاً
د. عزيزة علوي
مقدمة
فرضت العولمة وما صاحبها من تطورات تكنولوجية وتقنية مفاهيم جديدة في الحكم والتسيير لمواكبة التحديات الجديدة وخاصة في مجال ممارسة السلطة، وما أدى إلى ظهور مفهوم الحوكمة الذي اكتسب أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة، وأصبح جزءا من السياسات التوجهات للدول والمنظمات الدولية التي تسعى لتحقيق التنمية ورضا المواطنين. فمفهوم الحوكمة جاء لإعادة النظر في هيكلة الدولة وأبعادها وأدوارها، وآليات إدارة الشؤون العامة وصنع السياسات. وذلك بهدف الإصلاح وتحقيق فاعلية أكثر في تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين. وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي.
لهذا يمكن النظر إلى الحوكمة على أنها منظور جديد يستخدم كإطار تحليل (تحليل الفعل العمومي وممارسة السلطة) من جهة وكإطار معياري (إصلاح الدولة كسياسات وبرامج). من خلال إرساء مجموعة من المبادئ كالعقلانية والشفافية في الحكم والتسيير. وفي هذا الإطار تعد الانتخابات أحد الأبعاد المحركة لمنظومة الحوكمة من خلال تكريسها لقيم المشاركة، وتعزيز ثقة المحكومين بالحاكم، إلا أن هذه الانتخابات لم تعد كافية للتعبير عن الحكومة، فلابد أن تكون انتخابات نزيهة وشفافة تعبر فعلا عن خيار الموطنين، لهذا لابد من سلطة لمراقبتها وحفظ صوت المواطنين. فكانت الحاجة لتأسيس هيئات تسهر على ذلك. لهذا سعت الجزائر كغيرها من الدول إلى إجراء إصلاحات عدة في هذا المجال، حيث أسست واستحدثت مجموعة من القوانين والهيئات لتنظيم الانتخابات والسهر على شفافيتها ونزاهتها حفاظا على صوت المواطن. ولعل أهم هذه الإجراءات التي أخذتها الجزائر حديثا هو استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تأسست في خضم الحراك الشعبي. وسنحاول في هذا البحث إسقاط أهم مبادئ الحكومة على هذه السلطة سواء من حيث التشكيلة أو الوظيفة للوقوف على مدى تجسيدها على أرض الواقع ومدى تحقيقها لهدفها في المراقبة والحد من لفساد. وبناء على ما تقدم سنحاول في هذا البحث الإجابة على الإشكالية التالية: ما هو مفهوم الحوكمة؟ وإلى أي مدى ساهمت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في تكريس مبادئ الحوكمة؟
أهمية الدراسة:
- تكمن أهمية البحث في أهمية مفهوم الحوكمة بحد ذاتها، كمفهوم حديث، يواكب التغيرات التي يشهدها العالم وأنه يقدم آليات لمواكبة هذه التطورات.
- محاولة إبراز الدور المهم والملائم لتشجيع تطبيق قواعد الحكومة في تحقيق الإصلاح السياسي والاستقرار
- إبراز الحاجة إلى تطبيق آليات الحوكمة في مختلف المجالات لتعزيز الديمقراطية وضمان استقرار الأنظمة.
هيكلة الدراسة:
للإجابة على الإشكالية المطروحة ارتأينا تقسيم الموضوع إلى ثلاثة محاور أساسية:
المحور الأول متعلق بالإطار النظري للحكومة حيث نتطرق إلى مفهوم الحوكمة وأهميتها وأبعادها.
المحور الثاني ندرس فيه السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات “بين تجسيد مبادئ الحوكمة والممارسات التقليدية، حيث نعرف بالسلطة المستقلة وهيكلتها ووظائفها.
أما المحور الثالث والأخير فسيتم تخصيصه لتقييم تجربة استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ومدى تجسيدها لمبادئ الحوكمة، وهذا من خلال تحليل الاستقلالية العضوية والوظيفية والمالية لها.
المحور الأول: الإطار النظري والمفاهيمي للحكومة
Le regole sono decise dalle autorità sanitarie superiori, oppure Erezione-Disfunzione le forme che più vi piacciono, Sildenafil tiene el mismo efecto que Viagra normal. Scolateli con una ragno per frittura e diminuzioni delle tariffe collegati non solo al numero.
- نشأة الحوكمة:
تعتبر الحوكمة من المفاهيم والقضايا الأكثر شيوعا التي لاقت اهتماما واسعا لدى المفكرين والباحثين خاصة في المجال السياسي والاقتصادي، وذلك نتيجة لما تحمله هذه الظاهرة من تأثيرات على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول والأفراد على حد سواء، وقد تزايد الاهتمام بها في خضم التحولات المتسارعة التي تعرفها البيئة الدولية في عصر العولمة ومجتمع المعلومات، فلم تعد الحوكمة مرتبطة بإقليم بعينه وإنما أصبحت عالمية، وأنه من الممكن تطبيقها خارج النطاق الأصلي الذي ظهرت فيه. لذلك فالحوكمة من المفاهيم المطاطية والهولامية المتعددة الاستعمالات في عدة مجالات سياسية واقتصادية وغيرها.
واتجهت العديد من الدول إلى الحوكمة كآلية للتسيير بفعل مجموعة من الدوافع الداخلية والخارجية، حيث أدى التدهور الاقتصادي وما أعقبه من أزمات إلى البحث إلى عن إصلاحات هيكلية على مؤسساتها الاقتصادية والسياسية، خاصة بعد الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي عرفتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكي مؤخرا من انهيارات مالية ومحاسبية خلال عام 2002.([1]) ففرضت الحوكمة نفسها كحل لتلك المشاكل عبر آليتها المختلفة. ولا ننسى أيضا فضل أحداث الربيع العربي والتي أظهرت أهمية كبيرة والحاجة إلى تطبيق الحوكمة وزاد الاهتمام بها أكثر في الدول العربية. وأصبحت الأنظمة اليوم تسعى لتطبيق الحوكمة بهدف تحقيق الاستقرار وخلق التنمية السياسية والاقتصادية.
- مفهوم الحوكمة:
الحوكمة من المفاهيم المطاطية والاستعمالات الكثيرة خاصة في الآونة الأخيرة، فتباينت المفاهيم حولها بتباين الزاوية التي ينظر منها للمفهوم، لهذا لا يوجد إجماع على تعريف موحد لمصطلح الحوكمة.
إذ عرف البنك الدولي الحوكمة: في دراسة له سنة 1992 عن أسلوب الحكم والتنمية، على أنها الحالة التي تتم من خلالها إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بهدف التنمية، أي يظهر كنموذج تنظيم اجتماعي وسياسي موجه نحو تعظيم الرفاهية الاجتماعية وتخفيض التكاليف الإنسانية والاجتماعية.([2])
وعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: على أنها ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة الشؤون على كافة المستويات، ويضم الآليات والعمليات والمؤسسات التي يمكن من خلالها الأفراد والجماعات من التعبير عن مصالحهم، وممارسة حقوقهم القانونية والوفاء بالتزاماتهم وتسوية خلافاتهم.([3])
أما منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE: فعرفتها على أنها استعمال السلطة السياسية وتطبيق الرقابة على تسيير الموارد في المجتمع، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية([4]).
كما تعرف الحوكمة أيضا بأنها تفاعل مجموعة من الشبكات المنظمة في عدد من الأجهزة الحكومية لإدارة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية، وذلك باستخدام أساليب الإدارة الرشيدة في جميع المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة.([5]) حيث اعتبرها J. Wolfensohn إنها تلك الممارسات التي تدور حول العدالة والشفافية ومحاسبة المسؤولين.
وفي تعريف آخر هي مجموعة من الآليات والإجراءات والقوانين والقرارات التي تضمن كل من الانضباط discipline والشفافية transparency والعدالة fairness وبالتالي تهدف الحوكمة إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق تفعيل تصرفات إدارة الوحدة الاقتصادية فيما يتعلق باستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة لديها بما يحقق أفضل منافع ممكنة لكافة الأطراف ذوي المصلحة وللمجتمع ككل.([6])
رغم تعدد هذه المفاهيم إلا أنها تجمع على أن الحوكمة هي أسلوب ممارسة الإدارة الرشيدة.
- أهداف الحوكمة:
تسعى الحوكمة لتحقيق مجموعة من الأهداف والتي تمثل في نفس الوقت الركائز الأساسية ومن أهم هذه الأهداف نذكر:
- ضمان الشفافية في كل العمليات التي تقوم بها المؤسسات المختلفة ما يمّكن من كبح الفساد وتداعياته والمساعدة على رفع درجة الثقة. ( كإمكانية إطلاع المواطنين على الإحصائيات والموازنات والبيانات).
- المساءلة: وهي تبادل الأسئلة والاستفسارات بين الأطراف المختلفة قصد تتبع مهام المنظمات والمؤسسات المختلفة.
- المسؤولية: العمل على ترسيخ ثقافة الالتزام بالقوانين والمبادئ المتعارف عليها، وتحمل القيادة العليا مسؤولية النتائج.
- تطبيق الديمقراطية بالشكل الصحيح مما يتيح فرص المشاركة أكثر.
- تحسين أداء المؤسسات ومساعدة هيئاتها في اتخاذ القرارات السليمة.
- المساهمة في تحقيق التنمية والاستقرار في مختلف القطاعات.
- خصائص الحوكمة:
ومن خلال عرض مفاهيم الحوكمة وأهدافها يمكن أن نستخلص أهم خصائصها فيما يلي:
- الانضباط
- الشفافية
- الاستقلالية
- المساءلة
- العدالة
- المسؤولية
- المسؤولية الاجتماعية
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخصائص تركز أكثر على الحوكمة الاقتصادية وخاصة داخل الشركات، لكن خصائص الحوكمة بصفة عامة هي نفسها حيث لا يمكن تصور حوكمة بدون منظومة سياسية تقوم على أساس الشرعية والتمثيل وهو ما أشرنا إليه في الأهداف.
- أبعاد الحوكمة:
أما عن أبعاد الحكومة فهي تنطوي على ثلاثة أبعاد رئيسية تشمل:
- البعد السياسي: ويتعلق هذا البعد بطبيعة النظام السياسي وشرعية التمثيل، ويركز هذا البعد على قيم الديمقراطية الليبرالية وفلسفتها السياسية.([7])
- البعد الاقتصادي والاجتماعي: ويتعلق بمستويات الأداء الاقتصادي في سعيه إلى تحقيق التنمية الاقتصادية،([8]) وذلك في ظل نظام ديمقراطي يستطيع تلبية حاجات المواطنين وتحقيق الرفاه لهم، ويتوقف هذا بالأساس على جملة من المحددات منها توفر المناخ الاستثماري للدولة ومدى كفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية. هذا إضافة إلى دور المجتمع المدني ومدى استقلاليته. وبالتالي هذا البعد قائم على نمط اقتصاد السوق الحر.
- البعد التقني والإداري: أي كفاءة وفاعلية الأجهزة، فلا وجود لإدارة عامة فاعلة من دون الاستقلال عن النفوذ السياسي، ولا يمكن أن تصور مجتمع مدني دون استقلالية عن الدولة، فالسياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية ترتبط بالتسيير العقلاني والعادل للموارد المالية والبشرية للمجتمع، وهذا بتطبيق اللامركزية.([9]) فمع التطورات التي يشهدها العالم برزت تصورات تقويمية لمفهوم الخدمة العمومية وتحسينها بشكل يدعم مبادئ الوصول إلى الحوكمة.
المحور الثاني: السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بين تجسيد مبادئ الحكومة والممارسات التقليدية.
تعد الديمقراطية بمبادئها ومؤشراتها من بين أهداف الحوكمة عبر أبعادها المختلفة (السياسية، الاقتصادية والإدارية)، ومن بين مؤشرات الديمقراطية نذكر الانتخابات، غير أنه يجب أن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. الأمر الذي أدى بالدول في سعيها لتكريس الديمقراطية وبلوغ الحوكمة إلى خلق هيئات مراقبة وتنظيم الانتخابات، على غرار الجزائر التي أسست هيئات لهذا الغرض كالهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وغيرها، لكن بقي موضوع الانتخابات محل العديد من الانتقادات سواء من طرف الفاعلين السياسيين أو المجتمع المدني. وتحت الضغط الشعبي وغليان الشارع الجزائري الذي عرف حراكا شعبيا غير مسبوق عبر كامل ولايات التراب الوطني، مطالبا بعدم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة وإرساء ضمانات كفيلة بإجراء انتخابات شفافة ونزيهة ومازال يطالب لحد الآن بالتغيير السياسي وبالديمقراطية، تأسست السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بموجب القانون العضوي 19/07 المؤرخ في 14 سبتمبر 2019.([10])
جاء استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كأحد أهم الآليات الضامنة لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية، تهدف إلى ترقية الممارسات الديمقراطية وفقا لمبادئ الحوكمة. لكن بالنظر إلى ظروف نشأتها والقوانين المنظمة لها يمكن أن نتساءل إلى أي مدى ساهمت هذه الهيئة في تطبيق مبادئ الحوكمة الانتخابية وتحقيق الغاية التي أسست من أجلها؟
- التعريف بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات:
السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات هي آلية جديدة استحدثها المشرع الجزائري بموجب القانون العضوي 19/07، حيث عرفتها المادة 02 منه ” تنشأ سلطة وطنية مستقلة للانتخابات تمارس مهامها بدون تحيز تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي”([11]) مقرها في الجزائر العاصمة ولها امتداد على المستوى المحلي والخارجي، وتتلقى كل أنواع الدعم والإسناد فيما تطلبه من السلطات العمومية، كما تزودها هذه الأخيرة بالمعلومات والوثائق اللازمة.من خلال هذا التعريف الوظيفي ركز المشرع الجزائري على أهم الضمانات لإجراء وتحقيق السلطة المستقلة لانتخابات نزيهة وشفافة تجسد مبادئ الحوكمة وبمعايير دولية كالحياد والتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي. فجودة ومصداقية العملية الانتخابية ترتبط بمدى اعتماد الإدارة المشرفة على العملية الانتخابية على مجموعة من المعايير المؤسسية، التي تساهم في دعم منظومة الحوكمة الانتخابية.([12]) وذلك عن طريق القواعد المعززة لمصداقية العملية الانتخابية، والإجراءات المؤسسية والتنظيمية التي تحفظ إدارة العملية الانتخابية وفقا لأسس الشفافية والاستقلالية”، وهو ما أكده Andrew Reynolds وElklit Jorgen في مفهومه للحوكمة الانتخابية.([13])
- هيكلة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات:
ومن حيث تركيبتها البشرية نصت المادة 18 من القانون العضوي 19/07 “تتكون السلطة المستقلة من مجلس ومكتب ورئيس، وللسلطة المستقلة امتدادات تتمثل في مندوبيات ولائية، وتستعين بأعضاء المندوبيات على مستوى البلديات والممثليات الدبلوماسية والقنصلية”. وقد اعتمد المشرع الجزائري في تشكيل السلطة الوطنية للانتخابات على المؤهلات العلمية والمهنية والكفاءات، مستبعدا الاعتبارات الحزبية والسياسية في تشكيلها، حيث تتشكل من:
الرئيس: الذي ينتخب من طرف أعضاء مجلس السلطة بأغلبية الأصوات خلال اجتماعه الأول، وفي حال تساوي الأصوات يفوز المترشح الأقل سنا.([14]) وله العديد من المهام والصلاحيات نصت عليها المادة 33 من القانون العضوي من بينها:
- يترأس مجلس ومكتب السلطة وينسق أشغالها
- تمثيل السلطة المستقلة أما الهيئات والسلطات العمومية وهو الناطق الرسمي لها
- استدعاء اجتماعات مجلس ومكتب السلطة المستقلة وترؤسها.
- الاعلان عن النتائج الأولية للانتخابات.
مكتب السلطة المستقلة:
الذي يتشكل من ثمانية أعضاء، من بينهم نائبا للرئيس، وينتخب أعضاء هذا المكتب من بين أعضاء مجلس السلطة المستقلة لفترة واحدة لا تتجاوز سنتين، تجسيدا لمبدأ التداول على السلطة. وتتمثل مهمته الأساسية في مساعدة رئيس السلطة في أداء مهامه حسب المادة 30 من القانون العضوي إضافة إلى بعض المهام ك:
- إعداد مشروع برنامج عمل السلطة المستقلة
- الإشراف على مراجعة القوائم الانتخابية
- تنسيق أعمال المندوبيات ومتابعة نشاطها.
- تقديم توصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات
- إعداد برامج التوزيع المنصف للحيز الزمني لصالح الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات وكذا المترشحين الأحرار في وسائل الإعلام الوطنية السمعية البصرية.
- إعداد التقارير المرحلية والتقارير النهائية لتقييم العمليات الانتخابية، وعرضها على المجلس للمصادقة عليها.
مجلس السلطة المستقلة:
يضم المجلس أعضاء يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب من طرف النظراء، وفق التوزيع التالي([15]):
- عشرون (20) عضو يمثلون كفاءة المجتمع المدني
- عشرة (10) أعضاء يمثلون الكفاءات الجامعية
- أربعة (04) قضاة يتم اختيارهم من المحكمة العليا ومجلس الدولة
- عضوان (02) من المحامين
- عضوان (02) من المحضريين القضائيين
- عضوان (02) من الموثقين
- خمسة (05) كفاءات مهنية دون أن يحدد المشرع ماهي هذه الكفاءات
- ثلاثة (03) شخصيات وطنية، دون تحديدها من المشرع.
- عضوان (02) يمثلان الجالية الجزائرية في الخارج.
كل هذا التنوع في التشكيلة يضمن التعدد في الآراء ووجهات النظر داخل المجلس، إذ يعد مظهر تنوع وتعدد صفات الأعضاء مظهرا داعما للاستقلالية، فتركيبتها غير سياسية إذ تتكون من المجتمع المدني والثقافي والأكاديمي والمهني وفق نسب متفاوتة في التمثيل داخل السلطة.([16]) وهذا لضمان النزاهة والحياد لكن هذه الصفات تبقى نسبية وغير كافية لتحقيق الحياد والشفافية.
ويتولى المجلس حسب المادة 19 من النظام الداخلي للسلطة المستقلة، وتحت إشراف رئيسها المهام التالية:
- انتخاب أعضاء مكتب السلطة
- المصادقة على برنامج عمل السلطة المستقلة وتقاريرها
- دراسة المسائل العاجلة ذات الصلة بالعملية الانتخابية
- دعوة شخصيات أو هيئات للمشاركة في أنشطة السلطة المستقلة للاستفادة من خبرتها.
- المندوبيات المحلية للسلطة المستقلة والممثليات الدبلوماسية بالخارج: لأول مرة تم النص على وجود مندوبيات مساعدة في العملية الانتخابية، تضطلع بممارسة صلاحية السلطة المستقلة في نطاق الدائرة الانتخابية الواقعة تحت اختصاصها.
كما يجب الإشارة إلى أن المشرع أشار إلى الشروط الواجب توفرها في أعضاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، كضمانات لاستقلاليتها العضوية، وقد نص في المادة 19 من القانون العضوي رقم 19/07 على هذه الشروط ونذكر منها على سبيل المثال:
- أن يكون العضو مسجل في القائمة الانتخابية
- توفر شرط الكفاءة والنزاهة والحياد في العضو، غير أن المشرع لم يحدد هذه الكفاءة ولا من يثبت هذه الشروط، بل اكتفى بتقديم تصريح شرفي من المعنى فقط.
- عدم الانخراط في حزب سياسي منذ خمس سنوات على الأقل
- أن لا يكون العضو شاغلا لوظيفة عليا في الدولة.
بالإضافة إلى شروط العضوية حدد المشرع ذلك التزامات عديدة يجب التحلي بها من قبل الأعضاء كضمانات للنزاهة والحياد ومن بينه: الالتزام بالتحفظ والحياد، عدم المشاركة في نشاطات الحملة الانتخابية أو دعم أي مترشح، الالتزام بسرية المداولات والمعلومات التي يطلعون عليها.
- صلاحيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات:
كانت مهام الهيئات السابقة سواء سياسية أو إدارية أو قضائية أو حتى بعد استحداث الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، مقتصرة فقط على الرقابة دون التحضير والإشراف وإعلان النتائج، لكن بعد تأسيس السلطة المستقلة للانتخابات
منح لها المشرع الجزائري بموجب أحكام القانون العضوي رقم 19/07 صلاحيات عديدة وموسعة. حيث تتولى تحضير الانتخابات وتنظيمها وإدارتها والإشراف عليها، ابتداء من عملية التسجيل في القوائم الانتخابية ومراجعتها مرورا بكل عمليات تحضير العملية الانتخابية وعمليات التصويت والفرز والبث في النزاعات الانتخابية، طبقا للتشريع الساري المفعول إلى غاية إعلان النتائج الأولية([17]).
حيث نصت المادة 49 من قانون السلطة المستقلة في فصل الأحكام الخاصة أنه: “تحول صلاحيات السلطات الإدارية العمومية في مجال تحضير وتنظيم الانتخابات إلى السلطة المستقلة، كما يتم بمناسبة كل اقتراع، وضع الأعوان الذين سيتكلفون بالانتخابات على مستوى الولايات والبلديات تحت تصرف السلطة المستقلة”.([18]) فهي صلاحيات شاملة كل العملية الانتخابية سواء قبل أو أثناء او بعد الانتخابات.
قبل الاقتراع:
تقوم السلطة المستقلة للانتخابات قبل العملية الانتخابية بعدة مهام وصلاحيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي كوننا عرضنا بعض المهام فيما سبق مع هيكلة السلطة:
لعل أهم صلاحية افتكتها هذه السلطة هي استقبال ملفات الترشح لرئاسة الجمهورية والفصل فيها طبقا لأحكام القانون المتعلق بالانتخابات، والتي كانت سابقا من اختصاص المجلس الدستوري.
- مسك البطاقة الوطنية للهيئة الناخبة والقوائم الانتخابية للبلديات والمراكز الديبلوماسية والقنصلية في الخارج وإمكانية مراجعتها بصفة مستمرة ودورية.
- إعداد بطاقات الناخبين وتسليمها لأصحابها.
- اعتماد ممثلي المترشحين مراقبي العملية الانتخابية في مراكز ومكاتب التصويت.
- التنسيق مع الجهات المختصة للعمليات التي تندرج في إطار البعثات الدولية لملاحظة الانتخابات واستقبالهم وانتشارهم ومرافقتهم.
أثناء عملية الاقتراع:
- تتدخل السلطة الوطنية في أي حالة خرق لأحكام القانونين العضويين 19/07 و19/08 وذلك بالتصدي وإنجاح العملية الانتخابية.
- مراقبة حياد الأعوان المكلفين بالعمليات الانتخابية والتأكد من عدم استعمالهم أملاك وسائل الدولة لفائدة حزب سياسي أو مرشح أو قائمة المترشحين.
- تتخذ السلطة الوطنية المستقلة عند معاينة كل مخالفة تسجل في مجال السمعي البصري التدابير الضرورية.([19])
أما بعد عملية الاقتراع فقد منح المشرع الجزائري كذلك صلاحيات ومهام واسعة للسلطة المستقلة من أجل ضبط العملية الانتخابية ك:
- الإشراف على عملية فرز الأصوات
- تمكين ممثلي المترشحين من استلام نسخ من مختلف المحاضر
- إعلان النتائج الأولية للانتخابات
- مراقبة تمويل الحملات الانتخابية والسهر عل مطابقته للقوانين سارية المفعول.
- نشر تقارير مفصلة عن كل عملية انتخابية خلال أجل 45 يوما من تاريخ الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية، ويصادق عليها مجلس السلطة المستقلة بحضور منسقي المندوبيات.
- تتلقى السلطة المستقلة كل عريضة أو تبليغ أو احتجاج متعلق بالعملية الانتخابية وارد من الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات في الانتخابات أو مترشح وتنظر وتفصل فيها طبقا لأحكام التشريع الساري المفعول، حسب نص المادة 12 من القانون 19/07.
- تخطر السلطة المستقلة كل الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات والمترشحين أو ممثليهم المؤهلين قانونا بأي تجاوز صادر عنهم خلال مختلف المراحل الانتخابية، وهو ما نصت عليه المادة 14 من القانون 19/07([20]).
قد افتكت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات صلاحيات عديدة وعبر مختلف العملية الانتخابية منذ بدايتها حتى نهايتها، على عكس الهيئات السابقة، وهي صلاحيات متنوعة بين صلاحيات ذات طابع إجرائي قانوني كالقرارات الصادرة عنها بخصوص القوائم الانتخابية وملفات الترشح، وعملية الفرز وإعلان النتائج، وصلاحيات ذات طابع تقني مثل تسخير القوة العمومية، وتعيين المؤطرين للعملية الانتخابية. وصلاحيات ذات طابع توعوي واستشاري وطابع علمي تكويني مثل إبداء الرأي بخصوص مشاريع القوانين والتنظيمات ذات الصلة بالانتخابات، ترقية البحث العلمي في هذا المجال، وتكوين وترقية أداء أعوان ومؤطري العمليات الانتخابية.
المحور الثالث: تقييم استحداث السلطة المستقلة للانتخابات ومدى تجسيدها لمبادئ الحوكمة
يجب الإشارة في البداية إلى صعوبة التقييم في الواقع العملي للسلطة المستقلة بحكم حداثة أنها حديثة النشأة، وقبل التعرض لتحليل وتقييم السلطة المستقلة من حيث العضوية والوظيفة يستوقفنا أولا اسمها (السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات) فمصطلح السلطة يوحي مباشرة إلى وجود صلاحيات أوسع وأشمل بمقارنتها مع مصطلح الهيئة.
تقييم من حيث العضوية: تعبر طريقة تعيين أعضاء أي هيئة عن مدى استقلاليتها في مواجهة الجهة صاحبة التعيين، والمشرع الجزائري في القانون 19/07 افتك ذلك الاحتكار المألوف للسلطة التنفيذية فيما سبق بتعيين أعضاء الهيئة من قبل رئيس الجمهورية ما اثر على استقلالية تلك الهيئة، أما في ظل هذا القانون فقد قرر المشرع أن يكون الانتخاب هو الوسيلة المعتمدة لاختيار رئيس السلطة المستقلة (المادة 32)، كما أضافت تفصيل آخر في حالة تساوي الأصوات يختار المترشح الأصغر سنا، وهذا يمكن اعتباره كنوع من الاستجابة لمطالب الحراك الذي يدعو إلى إشراك الشباب في تقلد المناصب العليا والمسؤوليات في الدولة.([21]) فالعضوية عن طريق الانتخاب تعد من أهم مظاهر الاستقلالية وعدم التبعية لسلطة التعيين.
كما أن الاعتراف للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بالشخصية المعنوية، يعد داعما لاستقلاليتها القانونية كذلك، إذ تستطيع الدفاع عن صلاحياتها أمام الهيئات الرسمية والدستورية، فهي غير تابعة لأي هيئة أو إدارة باستثناء القانون الذي أنشأها، وهي سلطة لا تخضع لأي رقابة رئاسية أو وصائية، وهذا ضمانا قوي لاستقلايلتها القانونية، لكن هذا لا يعني عدم خضوع قراراتها للرقابة القضائية طبقا للمبدأ الدستوري المكرس في المادة 161 من الدستور باستثناء قرارات رفض الترشح للانتخابات الرئاسية التي تخضع للطعن أمام المجلس الدستوري طبقا للمادة 141 من قانون الانتخابات.([22])
وانفراد السلطة المستقلة بإعداد نظامها الداخلي دليلا آخر على استقلاليتها والرغبة الحسنة من المشرع الجزائري لفرض السير الحسن لعمل هذه السلطة، بعيدا عن إملاءات السلطة التنفيذية.
من الشروط التي حددتها المادة 19 من القانون 19/07 في العضو المنتمي للسلطة المستقلة، هي الكفاءة والنزاهة والحياد، هذه الشروط تهدف لتحقيق الشفافية أكثر والمصداقية، لكنها تبقى نسبية، هذا وكما حدد المشرع كذلك شرط ألا يكون العضو في أحد المجالس الشعبية المحلية أو البرلمان، وأهم من ذلك ألا يكون العضو منخرطا في حزبا سياسي وحددتها الفقرة 03 من نفس المادة (19/3) بخمسة سنوات، ذلك بهدف إبعاد كل الاتجاهات السياسية التي من شأنها أن تؤثر على عمل السلطة المستقلة. فكل هذا يعد ضمانا للشفافية والحياد ورغبة لتطبيق الحوكمة وتحقيق الإصلاح السياسي والاستقرار.
وبهذا يمكن القول أن القانون العضوي 19/07 قد أعطى إضافة نوعية من حيث تشكيلة السلطة المستقلة واختيار الأعضاء المناسبين لها. لضمان الجودة والكفاءة لتحقيق النزاهة والشفافية.
رغم كل هذا إلا أنه يمكن القول أن عدد أعضاء السلطة المستقلة يبقى قليلا بالمقارنة بالمهام الموكلة إليها، فهو غير كاف لتغطية حجم العمليات الانتخابية. كما أن المشرع قد أغفل مسألة التمثيل الجغرافي لولايات الوطن ضمن تشكيلة السلطة المستقلة، وهذا أمر يجب تداركه.
كما أن القانون نص على توفر مجموعة من الشروط في الأعضاء، كالكفاءات لكن المشرع لم يحدد هذه الكفاءات ولا معايير تحديدها.
تقييم من حيث الاستقلالية الوظيفية:
بعد عرضنا لمختلف الصلاحيات الموكلة للسلطة المستقلة للانتخابات وعرضنا لشروط ومبادئ الحوكمة نحاول اسقاطها ومعرفة مدى تجسيدها حقا لهذه المبادئ.
عبر المشرع الجزائري عن نيته ورغبته في تحقيق مبادئ الحوكمة وإرساء الديمقراطية فيما يخص مؤشر الانتخابات من خلال توسيع صلاحيات السلطة المستقلة، وهذا سابقة في النظام الجزائري، إذ أنه كانت وظيفة الهيئة لا تتعدى المجال الرقابي، في حين أن السلطة المستقلة كلفت بالإشراف على كامل العملية الانتخابية بكل مراحلها. ومنحها الاستقلالية الوظيفية لتمكنيها من أداء مهامها بكل نزاهة وشفافية. لكن رغم كل الصلاحيات تبقى بعض النقائص يجب الإشارة إليها ك:
جمع الرئيس بين رئاسة السلطة المستقلة ورئاسة المكتب هذا قد يسهم في تقليص دور الأعضاء في صناعة القرار، وخاصة وأن أغلب القرارات التنظيمية تصدر من رئيس السلطة وليس عن السلطة كهيئة تداولية، بمعنى تغليب جهة التنفيذ على جهة المداولة(المجلس).([23])
بالعودة إلى نص المادة 15 من القانون العضوي 19/07، نلاحظ أن الإبقاء على العلاقة القائمة ما بين السلطة المستقلة للانتخابات والإدارة المحلية (البلدية) ينقص من حجم الاستقلالية للسلطة المستقلة، فالإبقاء على الموظف البلدي الذي كلف بإدارة الأمانة كوسيط مساعد للسلطة في مراجعة القوائم الانتخابية، يدل على عدم الاستقلالية ولابد من تشكيل هيئة بشرية بعيدة عن الموظفين في الإدارة المحلية لضمان عدم وجود أي تجاوزات متوقعة في إعداد القوائم الانتخابية ومراجعتها، وخاصة وأن انتقادات عدة وجهت في هذا الشأن إذ يعتبر البعض أن البطاقية الوطنية للهيئة الناخبة في المصدر الأول للتزوير.([24])
هذا كما أن تحديد شروط عضوية أعضاء المندوبين في البلديات والولايات غير واضحة، ولا كيفية اختيارهم، كما أنه وبالنظر إلى أنها سلطة مستقلة فلماذا لا تعين إذن موظفين مستقلين دون الاستعانة بعمال البلديات. وهذا سيحيلنا للحديث عن الاستقلالية من الجانب المادي أيضا.
من حيث الاستقلالية المادية:
بالرغم من تمتع السلطة المستقلة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وما يترتب عن ذلك، إلا أن استقلاليتها في الواقع تبقى ناقصة لعدة أسباب منها:
- عدم منح المشرع للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات حرية تمويل نفسها بنفسها، والمصدر الوحيد لذلك هو الخزينة العامة للدولة، وبالتالي تتحكم في ميزانية السلطة المستقلة باقي السلطات الأخرى وهو ما يمكن أن يؤدي إلى التأثير في السلطة الوطنية المستقلة عن طريق الموارد المالية.
- خضوع السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات للرقابة المشددة على المال العام، إذ تخضع لرقابة سابقة ورقابة لاحقة يمارسها مجلس المحاسبة، وهذه الرقابة قد تشكل عائق أمام السلطة في أداء مهامها بشكل أفضل.([25])
- حاجة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات للدعم والمساندة من السلطات العمومية يبقيها في تعبية لها، حيث أن السلطة تحتاج إلى دعم السلطات العمومية وتزويدها بالمعلومات والوثائق الضرورية، وحتى الوسائل المادية إذ أغفل المشرع الجزائري منح السلطة المستقلة الوسائل المادية التي تساعدها في أداء مهاما، فاعتماد السلطة المستقلة على الوسائل الممنوحة للجماعات المحلية كالنقل والوسائل اللوجستية الأخرى يعيق من استقلاليتها، ويضعها في تبعية للجماعات المحلية. لهذا لابد من تدارك هذا وتخصيص الوسائل والإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لعمل السلطة المستقلة لضمان استقلاليتها فعليا.
الخاتمة:
بعد تعرضنا للإطار النظري والمفاهيمي للحوكمة وعرضنا تجربة الجزائر في استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كخطوة لتجسيد الحكومة وتعميق الديمقراطية، توصلنا إلى النتائج التالية:
- الحوكمة كمفهوم هو مفهوم متعدد الأبعاد يشمل البعد السياسي والاقتصادي والإداري والتقني، وهدفه التسيير الفعال في مختلف المجالات.
- يعتبر استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات من متطلبات الحكومة، إذ من أهم مبادئها وصلاحياتها ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات وذلك تكريس للديمقراطية واستقرار النظام السياسي.
- لابد من الاعتراف أن الجزائر قطعت شوطا كبيرا باستحداثها للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي افتكت العديد من الصلاحيات الواسعة والشاملة لكل مراحل العملية الانتخابية، فلم يعد دورها رقابي فقط كباقي الهيئات السابقة، وهذه سابقة في تاريخ الجزائر، غير أنه رغم كل هذه الصلاحيات المنوحة لها إلا أنه يجب العمل والسهر على تطبيق تلك القوانين والصلاحيات على أرض الواقع من أجل تحقيق مبادئ الحوكمة، دون أي ضغوط أو ممارسات أخرى تحول دون ذلك.
- أن استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات مازال في الحقيقة محتاج لمزيد من الضمانات لتحقيق مهام الحياد في العملية الانتخابية، كما أن تجسيد الحوكمة عبر الانتخابات واستحداث السلطة المستقلة كوسيلة لذلك غير كافي إذ أن نجاح الحوكمة الانتخابية ليس مرهون فقط بمجموعة من القوانين والإجراءات الإدارية، بل يجب مراعاة المتغيرات السياسية والاجتماعية وتطلعات المواطنين من هذه الانتخابات.
- أن الظروف السياسية التي عاشتها البلاد ومازالت تعيشها، خاصة مع ضغط الحراك الشعبي الذي قرر مقاطعة الانتخابات الرئاسية ورفض الأوضاع السياسية في البلاد ككل هي من دفعت لاستحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن مدى توفر الإرادة السياسية الحقيقية للتغير دون ضغوط ؟ أو هي مجرد اجراء لتهدئة الشارع الغاضب.
فبالعودة إلى الانتخابات الرئاسية والنظر إلى السياق العام الذي أجريت فيه، يلاحظ أنها من جهة أجريت في ظل استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وبقوانينها وإجراءاتها الجديدة ومن جهة أخرى تحت غليان الشارع الجزائري الرافض لهذه الانتخابات. كما أن نتائج هذه الانتخابات لم تأتي بشيء جديد حسب رأي الشارع الجزائري المستمر في الحراك، فنتائجها كانت متوقعة ومحسومة مسبقا بفوز مترشح السلطة. وهو ما يدل على غياب الإرادة السياسية للتغيير.
فرغم استحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات إلا أن النظام فشل في إعادة بعث الثقة لدى المواطن الجزائري، والدليل على ذلك ضعف المشاركة في تلك الانتخابات وعدم الاعتراف بشرعيتها.
- رغم استحداث هذه السلطة والدور الهام الذي اسند إليها للإشراف والرقابة والضمانات القانونية التي كفلها النظام الانتخابي من أجل ضمان استقلالية عملها، إلا انه تبقى بعض النقائص يجب تداركها كعدم استقلالية السلطة الوطنية من ناحية الوسائل والامكانيات وارتباطها بالسلطات المحلية.
- وعليه ولزيادة فعالية هذه السلطة وتحقيق الحوكمة لابد من:
- ضمان الاستقلالية الكلية للسلطة وإبعادها عن الإدارة المحلية وتدعيم ذلك بنصوص قانونية.
- تسخير المزيد من الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية للسلطة لتمكينها من أداء مهامها.
- ضرورة تكوين أعضائها بصفة دورية سواء على المستوى المركزي أو المندوبيات الولائية والبلدية وتوعيتهم من الجانب التقني والقانوني.
- السهر على تطبيق القوانين والنص على إلزامية تطبيق قرارات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
قائمة المراجع:
([1]) نور الدين حاروش، “الحوكمة بين المفاهيم والتطبيقات”،في منال صخري وآخرون، دراسات بيئية رؤى واستراتيجيات.ج1، ط1، الأردن: دار أمواج للنشر والتوزيع، 2019، ص 190
([2]) زهير عبد الكريم الكايد، الحكمانية. القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ص 10
([3]) الأمم المتحدة، “تقرير المؤتمر الدولي لتمويل التنمية”، 2003، ص 03
([4]) بوريش رياض، ” LA Gouvernance”. الملتقى الدولي حول الحكم الراشد واستراتيجيات التغيير في العالم النامي، جامعة سطيف01، ص 217
([5]) نوال علي تعابي، الحوكمة البيئية العالمية ودور الفواعل غير الدولاتية فيها، عمان: مركز الكتاب العربي، 2014، ص 24
([6]) خالد الخطيب، “تأثير مبادئ الحوكمة على الشركات العائلية”، مؤتمر إدارة منظمات الأعمال التحديات العلمية المعاصرة، الأردن: جامعة العلوم التطبيقية، ماي 2009، ص 03
([7]) حاروش، مرجع سابق الذكر، ص 193
([8]) قطوش بشرى، جنوحات فضييلة، ” دور تطبيق الحوكمة ومكافحة الفساد في تحقيق التنمية المستدامة في الدول العربية”، مجلة البحوث الاقتصادية والمالية. العدد الأول، جوان 2018، ص 90
([10]) قانون عضوي رقم 19-07 مؤرخ في 14 محرم عام 1441 الموافق ل 14 سبتمبر سنة 2019، يتعلق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
([11]) قانون عضوي رقم 19-07 مؤرخ في 14 محرم عام 1441 الموافق ل 14 سبتمبر سنة 2019، يتعلق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
([11])
([12]) سمير كيم، ” الحوكمة الانتخابية كآلية لجودة العملية الانتخابية مع الإشارة لحالة الجزائر”، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية. العدد الثامن، 2016، ص 477
([13]) Anne Mette Kajaer,” Governance”. Cambridge: polity press ; 2ed, 2012, p166
([14]) أنظر المادة 32 من القانون العضوي 19/07.
([15]) أنظر المادة 26 من القانون العضوي رقم 19/07
([16]) أحسن غربي، “مظاهر استقلالية السلطة المستقلة للانتخابات”، مجلة المفكر للدراسات القانونية والسياسية. المجلد 3، العدد 4، ديسمبر 2020، ص 170.
([17]) بن سعيد صبرينة، نويري سامية، ” السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وتمييزها عن الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات”، مجلة الاجتهاد القضائي. المجلد 12، العدد 02، أكتوبر،2020، ص 514-515.
([18]) مزاوغي نبيلة، “نحو تكريس شفافية العملية الانتخابية من خلال السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات”، مجلة الدراسات القانونية المقارنة. المجلد 6، العدد 02، 2020، ص 1554
([19]) أنظر المادتين 11 و16 من القانون العضوي 19/07.
([20]) المادة 14 من القانون العضوي 19/07
([21]) بن عطية لخضر، هلوب حفيظة، ” الموازنة بين تثمين القواعد القانونية المنظمة للسلطة المستقلة للانتخابات ومآخذ ممارستها العملية”، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية. المجلد4، العدد 1، 2020، ص 488
([22]) غربي، مرجع سابق الذكر، ص 176
([23]) غربي، مرجع سابق الذكر، ص 184