أهمية مراكز الفكر في صنع السياسات الخارجية للدول
د. عبد الحق دحمان
الوحدة السياسية
مركز المجدد للبحوث والدراسات
مقدمة
لطالما كانت القوة والأفكار وجهين لعملة واحدة. حيث استدل جوزيف ناي بهذا المبدأ عندما أشار إلى أن جميع الامبراطوريات العظيمة في التاريخ تميزت بوجود عاملين مشتركين على الأقل: قوتها المادية وقوة جاذبيتها الحضارية. والحالة النموذجية في هذا الصدد هي الامبراطورية الرومانية. فوفقاً لجوزيف ناي، لم يكن من الممكن أن تستمر قروناً عديدة، إذا لم تتمتع، بالإضافة إلى السيطرة على أراضيها عسكرياً، بقدرة على الجذب الثقافي الذي سمح لها بتعزيز شرعية سلطتها. وبالتالي فإن المعادلة واضحة: الأفكار تخلق السلطة وتضفي الشرعية عليها.
في جوهر هذه العلاقة التكاملية يوجد مدخل لما نفهمه في وقتنا الراهن كمركز فكري أو ” مختبر للأفكار”، عبر تتبع الأدبيات الاستراتيجية في مجال الحروب العسكرية والتي لا تزال تقدم مؤشراً جيداً على الترابط بين القوة والأفكار؛ فلطالما كانت الهيمنة العسكرية والفكرية هي نتاج للمراكز الفكرية لصنع السياسات. وفي الواقع، بدأت المراكز الفكرية الحديثة الأولى في العمل في الولايات المتحدة الأمريكية كمخابر للمشاركة في التخطيط ووضع الاستراتيجيات ذات العلاقة بقضايا الحرب والسلام. حيث تطلبت أي أزمة استراتيجيات للانخراط العسكري ولكن أيضاً للإقناع ثقافياً وسياسياً. وعلى سبيل المثال برزت مؤسسة راند من خلال ارتباطاتها القوية مع الجيش، بحيث أصبحت مختبرات حقيقية في عملية صنع القرار الاستراتيجي للحكومات أثناء وبعد الحرب. من هنا تسعى هذه الدراسة إلى تناول أثر مراكز الفكر في صنع السياسات الخارجية للدول كمؤشر عن قوة الدول، مع التركيز بشكل أساسي على الولايات المتحدة الأمريكية التي برزت فيها مراكز الفكر بشكل لافت لناحية دورها في صنع القرار الخارجي للدول.
أولاً: الجغرافيا السياسية للأفكار
هناك خاصية لمراكز الفكر في أنها تنتج معرفة قابلة للبيع والمساومة، ولكن غرضها أيضاً هو التأثير على صياغة السياسات العامة، لا سيما في مسائل السياسة الخارجية. لذا فالطبيعة التخصصية لمراكز الفكر تجعلها مرجعاً للحكومة ولعامة الجمهور على السواء؛ حيث يقدم الباحثون من هذه المراكز مؤتمرات وندوات، ودورات تدريبية، بالإضافة إلى نشر الكتب ومقالات الرأي في الصحف والمجلات، وإجراء المقابلات. بالتالي فالباحثون المنتمون لهذه المراكز يضعون أنفسهم علناً لممارسة أدوارهم، ضغوطاتهم وذلك بالدفع نحو تبني قضايا معينة وطرحها على جدول أعمال الحكومة. والسعي في هذا الاتجاه يجعل قرب مراكز الفكر من دوائر السلطة وخطها الأيديولوجي أمراً حاسماً لزيادة نفوذهم. مما أدى بالبعض إلى وصف هذه المراكز بأنها تشكل ” ظل السلطة”.
وفقا لبول ديكسون، فإن الخاصية المميزة لدوائر التفكير ليس الانتماء (أكاديمياً، مؤسسياً، سياسياً) وحده، ولكن في الدور الذي تلعبه كجسر بين المعرفة والقوة، أي بين مراكز الفكر والسلطات التنفيذية والتشريعية[1]. لهذا السبب فإن المراكز الفكرية تستقطب موظفين متخصصين للغاية في حقول معرفية متنوعة، ولكن لديهم علاقات قوية في مجالات اهتمامهم: الحكومة، والتجارة، والإعلام، وما إلى ذلك.
بالنسبة إلى ديان ستون، فإن السمة الرئيسية للمراكز البحثية هي استقلاليتها فيما يتعلق بجدول أعمالها والمواضيع التي تهمها وطبيعة عملها[2]. يصنف كينت ويفر، الأستاذ بجامعة جورجتاون وزميل في معهد بروكينغز للأبحاث، هذه المراكز إلى ثلاثة أنواع: جامعات بدون طلاب، باحثون متعاقدون، وجماعات مناصرة[3]. بالنسبة للأولى ليس هدفها المساهمة في مجالات تخصصها فقط، ولكن تحليل أو تبرير سياسات الحكومة عبر الحفاظ على اتصالات قوية مع المسؤولين الحكوميين. في حين يعد الباحثون المتعاقدون تقارير لوكالات حكومية محددة. أما الثالث فيقوم بنوع من التسويق لمنتجه مشحوناً بموقف أيديولوجي قوي.
يعتبر التمويل أحد الهواجس بالنسبة لمراكز الفكر، لذا فالحصول على ممولين هو مهمة استراتيجية. في هذا الصدد هناك أربعة طرق للوصول الى التمويل اللازم: من خلال عقود حكومية، من خلال مانحين أفراد، من خلال شركات، وأخيراً من خلال مؤسسات. فالأول هو الذي يعطي النسبة الأكبر من الاستقرار لميزانية المراكز الفكرية. أما بالنسبة للمانحين الأفراد، فيظهرون اهتماماُ بالتمويل لأسباب مختلفة: قد تكون أيديولوجية أو القرب وتبني قضية معينة. أو للتواصل مع الشخصيات الحكومية التي تشارك في مراكز الفكر ليبرزوا كممولين جيدين للأعمال المراكز. بالنسبة للشركات يمكن لها أن تقدم تمويلاً لخصم الضرائب أو للترويج لموضوع بحثي يخدم مصالحها والتواصل مع الموظفين السياسيين المشاركين في صنع القرار.
تشكل السياسة الخارجية مجموعة الأفكار التي يتم حولها تعبئة مجموعة الموارد المادية. إلا أن تتبع “الجغرافيا السياسية للأفكار”، كانت دائما تشكل عنصراً ثانوياً في تحليل القدرات العسكرية أو الاقتصادية للدول في نظرتها للعالم الخارجي[4]. في المجال العسكري، يمكننا قياس قوة الدول على أساس عدد الطائرات المقاتلة التي تمتلكها أو حيازتها أو عدم امتلاكها لأسلحة نووية أو عدد حاملات الطائرات. أما في المجال الاقتصادي، يمكننا استخدام الحسابات الكمية كالناتج المحلي الإجمالي أو التنافسية الاقتصادية أو درجة الانفتاح التجاري. في حين أن مجال الأفكار، يكون قياس تأثير الدولة في بناء تصوراتها للمجتمع الدولي أكثر تعقيداً.
على الرغم من ذلك، فلا أحد يشك في أن الأفكار والمذاهب والسرديات المتعلقة بالسياسة الخارجية تؤثر بقوة على النظام الدولي. والدليل على ذلك هو أن سقوط جدار برلين لم يكن انتصاراً عسكرياً بقدر ما كان انتصاراً أيديولوجياً في الأساس[5]. فقد هزمت الشيوعية، وليس القوات العسكرية لموسكو وحلفائها. نتيجة ذلك تحدث فرانسيس فوكوياما عن ” نهاية التاريخ”. وأطلق جوزيف ناي مفهومه عن ” القوة الناعمة” مشيراً الى وجه التحديد الى أهمية توليد الأفكار كأداة لإبراز القوة. بالتالي إذا كانت القوة في الأساس هي فعل مادي، فإن ضرورة إنتاج الأفكار بمثابة رصيد استراتيجي لتعزيز المكانة الدولية للدول .
عند التفكير في كيفية التطرق إلى السياسة الدولية وبنائها تقليديًا في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، فمن السهل أن نرى أن العالم الغربي قد هيمن على مجال صناعة الأفكار. فلطالما كانت هيمنة مراكز الأبحاث الأمريكية والبريطانية عاملاً مهماً في تأسيس قيم وأفكار النظام الليبرالي الدولي المعاصر. كما لم تتوقف مؤسسات التفكير عن كونها نوعاً من السفارات الفكرية للدول. وعلى الرغم من التغييرات في توزيع القوة الدولية التي نشهدها مع صعود القوى الآسيوية. فإن هيمنة الإنتاج الفكري الغربي في مسائل العلاقات الدولية لا يزال سارياً. حيث يوجد ما يقرب %51 من مراكز الأبحاث في العالم في الولايات المتحدة وأوربا[6]. في العاصمة واشنطن(408) وولاية ماساشوست(176) عدد مؤسسات الفكر أكثر مما هو موجود في الهند- الدولة الثانية في العالم من حيث عدد مؤسسات التفكير(509) [7]. بالإضافة الى ذلك تتفوق ولاية كالفورنيا (127) في عدد مراكز الأبحاث الموجودة في أسبانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة مجتمعتين(81)[8]. ربما يكون من غير المفاجئ أن تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى في إجمالي عدد مؤسسات التفكير. كما أن الدولة التي تتمتع بأكبر تأثير دولي في إنتاج التحليلات في جميع مجالات السياسة العامة. رغم أن القوى الأوربية كفرنسا أو ألمانيا تتمتع أيضاً بمكانة قوية تجعلها من بين العشرة الأوائل في العالم. كما أن هناك دول أيضا كإسبانيا، النمسا، سويسرا أو السويد من بين العشرين الأوائل، إلا أن هيمنة الأمريكية لا يزال مهم للغاية على الصعيدين الدولي والغربي على حد سواء.
البلدان التي تملك أكبر عدد من مراكز الفكر(2019)
في نفس السياق يعتبر إنتاج الأفكار والتحليلات عاملاً متزايد الأهمية للقوى الناشئة في آسيا. يمكن ترجمة ذلك بسهولة في ضوء الاهتمام المتزايد في المنطقة بإعادة تكييف المفاهيم الغربية لترجمتها الى نسختها الآسيوية أو بشكل مباشر لإضفاء الروح الآسيوية عليها. حيث أصبحت تنتشر أفكار تعبر عن النمط الآسيوي أو اقتصاد السوق بخصائص صينية، بالإضافة إلى ظهور مشاريع كطريق الحرير. فلقد أظهرت النماذج الآسيوية كيف يتم تطوير نماذج فريدة من حيث وجود إمكانيات كبيرة لإعادة تعريف هيكل النظام الدولي. واحتمالية أن ترسخ تعددية الأقطاب في العلاقات الدولية بعيداً عن الهيمنة المعيارية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً.
وبهذا المعنى، فإن القارة الآسيوية تعتبر واحدة من أكثر نقاط الاهتمام من وجهة نظر صناعة الأفكار. حيث أن %22من مؤسسات الفكر في العالم يقع مقرها في دول آسيوية. لكن عند الحديث عن التأثير فلا تزال الفجوة بين الدولة الآسيوية والدول الغربية كبيرة. ففي الوقت الذي تمتلك الولايات المتحدة وحدها 1871 مركزاً فكرياً، فإن الصين تمتلك 507 مركزاً فكرياً، ودولة مثل اليابان بالكاد تصل 128.
توزيع مراكز الفكر عبر المناطق الجغرافية (2019)
في بلدان العالم الجنوبي كأمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء طالما تم استبعادهما من الدوائر الدولية فيما يتعلق بصناعة وإنتاج الأفكار. ففي أمريكا اللاتينية تشكل ما يقرب نسبته من %12 من مراكز الفكر في العالم، وفي أفريقيا جنوب الصحراء يتناقص الرقم إلى %7,4. في حين أنه في الآونة الأخيرة أظهرت بوادر تغيير لناحية السعي لاستعادة وزنها النسبي في هذا الشأن. ومن المثير للانتباه أن دولة الأرجنتين التي تمكنت من وضع نفسها في المرتبة الخامسة في العالم من حيث عدد المؤسسات الفكرية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى زيادة مراكز الفكر في دول البريكس كالبرازيل وجنوب أفريقيا، التي تحتل بالفعل المرتبة 11 و 13 على التوالي. ومع ذلك، لا يزال جزء كبير من بلدان العالم الثالث تظهر جوانب قصور كبيرة من حيث إنتاجها للسياسات أو الأفكار أو توليد نظريات بديلة على المستوى الدولي. بل عادة ما يقتصر مستوى تأثير هذه المؤسسات بشكل كبير في المجال الجامعي لذلك تميل آثارها إلى أن تكون لها بعد أكاديمي بحت بدلاً من كونها صانعة للسياسات.
تجري مراكز الفكر الدبلوماسي أبحاث حول الشؤون الدولية، والقضايا الاقليمية الساخنة، والسياسة الخارجية للدول وغيرها من المجالات. كما توفر مراجع سياسية لمؤسسات صنع القرار، والتي لها تأثير مهم على عملية صنع السياسة الخارجية. من حيث بناء أجندة للسياسة لناحية تشكيلها، تنفيذها، ثم تقييمها. لذا تعتبر مراكز الفكر المتعلقة بالسياسة الخارجية عوامل ذات ارتباط مهم فيما يتعلق بإنتاج الأفكار، حيث أن وظائفها ليست مجرد نظرية بحتة بل إن هدفها يتمثل في احداث تأثيرات ملموسة أو تكوين رأي او اقتراح سياسات عامة. بالتالي فهي مزيج بين الدوائر الأكاديمية ودوائر صنع السياسات، بحيث تحاول الجمع بين النظرية والممارسة وذلك لدفع بالقرارات والمساهمة في تشكيل نقاش عام بشأنها. لذا ليست من المستغرب أن المعلومات هي الذهب الأسود للقرن الحادي والعشرين[9]. حيث أضحت الاقتراحات ومختلف السرديات الخاصة بالسياسة الخارجية تعمل في ظل نظام المنافسة في سوق الأفكار؛ فالتنافس في استقطاب أو إنشاء أطر معرفية وظيفية لتلبية أهداف السياسة الخارجية هو بعد ارتبط الى حد ما بقضايا العلاقات الدولية. فدبلوماسية الأفكار صارت أمر حتمي في مجتمعات المعرفة[10]. وكل من يبني سردية معينة أو يؤثر في تكوين مفاهيمها لديه ميزة تنافسية مقاربة بالبقية، فمن يضع المعايير والقواعد ليس نفسه من يتبعها. ومن هنا جاءت المنافسة المعيارية والفكرية بين الدول.
أثبتت مؤسسات التفكير والرأي في الكثير من الأحيان قدرتها على صناعة القرار والتأثير في السياسة الخارجية، وخاصة في حالة الولايات المتحدة الأمريكية. فبيل كلينتون، على سبيل أدعى أن سياسته تجاه البلقان في التسعينات تأثرت بشكل كبير بكتاب روبرت كابلان ” اشباح البلقان”[11]. بينما خليفته، جورج دبليو بوش، اختار غزو العراق عام 2003 في سياق حملات الضغط التي نفذتها مراكز الفكر مثل مشروع القرن الأمريكي الجديد المرتبطة بالمؤسسات الفكرية التابعة للمحافظين الجدد[12]. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف أن مراكز الفكر التابعة لليمين المحافظ مثل مؤسسة “هيريتيج فاونديشن ” كانت بمثابة أدوات أيديولوجية مهمة في التعبير عن السياسة الخارجية للرئيس ترامب[13] كما سيأتي الحديث عليها لاحقاً.
ثانيا: تفسير آلية تأثير مراكز الفكر في صنع القرار الأمريكي في السياسة الخارجية
من الظواهر السياسية المعروفة في الولايات المتحدة أن تشارك مراكز الفكر بفاعلية في عملية صنع السياسة الخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر. وتأتي مكانتها بعد السلطة التنفيذية، التشريعية والقضائية، حيث أصطلح عليها البعض ” بالقوة الرابعة” كونها تلعب دوراً في صياغة السياسات العامة. حيث يمكن العثور على العديد السياسات المحددة والاستراتيجيات الخارجية للولايات المتحدة التي بررت لسياسة إدارة ترامب، في المقابل نجد مراكز الفكر الليبرالية قد شككت وانتقدت السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية في عهده، وأخذت على عاتقها مسؤولية إعادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو مسار أكثر انضباطاً وعقلانية. لذا فالفرضية الأساسية في هذا السياق هي أن مراكز الفكر تتكون من عدد كبير من التكوينات غير المتجانسة وذات التأثير المحتمل.
أقامت مراكز الفكر جسراً بين المعرفة والقوة، مما وفر الحافز والدعم المهني لصياغة السياسات وتنفيذها، فيما يتعلق بتفسير آلية تأثير مؤسسات الفكر في صنع القرار الحكومي، هناك ثلاثة نماذج نظرية رئيسية في الأوساط الأكاديمية[14].
الأولى: نظرية التعددية: وفقاً لهذه النظرية، تعد مؤسسات الفكر واحدة من الجهات الفاعلة المتعددة التي تؤثر على آلية صنع القرار، ولا تختلف كثيراً عن مجموعات المصالح الأخرى. يعتقد أنصار التعددية أن خبراء السياسة في مؤسسات الفكر تابعون لمختلف السلطات سواء التشريعية التنفيذية …، وفي الغالب يمكنهم فقط جمع المعلومات وتحليلها، أما فيما يتعلق بإمكانية تبني توصيات السياسة التي قدموها، فإن ذلك يعتمد على صانعي القرار أنفسهم. كما ترى النظرية أيضاً أن مؤسسات الفكر تتنافس مع بعضها البعض للتأثير على السياسات في بيئة سياسية شديدة التنافس.
ثانيا: النظرية النخبوية: ترى أن مراكز الفكر تزود النخب السياسية وصناع القرار بإطار معرفي محترف، والذي يمكن أن يعزز بشكل فعال شرعية وعقلانية صنع القرار، كما قد يقيد أو يشكل تفضيلات لسياسة النخبة في صنع القرار. يعتقد بعض النخبة أن القوة الدافعة الرئيسية وراء العملية السياسية هي خبراء السياسة في مراكز الفكر.
ثالثا: النظرية التعاونية: التي تؤكد على البيئة الهيكلية التي توجد فيها مراكز الأبحاث، وكذا القواعد والمعايير التي تشكل سلوك مراكز الأبحاث، ومختلف الترتيبات التي يجب أن تستجيب لها مؤسسات الفكر. لذا يعتقد هذا النموذج أن الهيكل البيئي والوظائف المؤسسية تقيد الجهات الفاعلة بما في ذلك مراكز الفكر، ولكن في نفس الوقت تدرك أن مراكز الفكر تلعب دوراً مهما في عملية صنع القرار.
ثالثا: مراكز الفكرية كظلال للسلطة
تعتبر مراكز الفكر جسر بين المعرفة والسياسة، حيث تعوض أوجه القصور في البحث الأكاديمي من حيث دمج النظرية مع الممارسة، كما تعوض أوجه القصور صانعي السياسات في بناء المفاهيم وابتكار السياسات في مختلف القضايا ذات العلاقة. عبر إيجاد منصة لمناقشة القضايا الدولية مع صانعي القرار الحكوميين، وذلك لإيجاد خيارات متنوعة في السياسة الخارجية، ومنه إبلاغ صانعي السياسات بالنتائج المحتملة.
مع بداية الحرب الباردة وتزايد الاستقطاب الثنائي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، أدركت معظم مراكز التفكير أهمية جذب انتباه صانعي القرار وذلك في إطار خدمة المساعي في صياغة سياسة أمن قومي متماسكة وسليمة. ومن منظور كمي، فوفقاً لتقرير Global Think Index الصادر عن جامعة بنسلفانيا، في عام 2019، تمتلك الولايات المتحدة 1871 مؤسسة فكرية، وهو ما يمثل %22 من إجمالي مراكز الفكر في العالم[15]. ويركز جزء منها على العلاقات الدولية والأمن الدولي وأبحاث السياسة الخارجية، مما يساعد حكومة الولايات المتحدة على فهم قضايا السياسة الخارجية بشكل أفضل لناحية توفير خيارات السياسة.
وهناك ثلاثة عوامل رئيسية تجعل من مراكز الفكر تؤثر بشكل فعال في عملية صياغة السياسة الخارجية الأمريكية:
أولاً: نتيجة الاهتمام طويل المدى ومتابعة القضايا البحثية من قبل مراكز الفكر، يمكن لهذه الأخيرة أن تنتج أفكاراً أصيلة واستراتيجيات للعمل وفقاً للمصالح القومية العليا للولايات المتحدة الأمريكية في مجال السياسة الخارجية.
ثانيا: تتوافق الأفكار الأصلية واستراتيجيات العمل لمراكز الفكر مع الجناح الحاكم في السلطة، الذي يسعى لحل مشاكل السياسة الخارجية للحكومة الحالية، مما يحقق فوائد سياسية قد تساعد في ترك إرث يحسب له في مجال السياسة الخارجية، بالتالي فهو عامل مؤثر لمراكز الفكر لجذب انتباه صناع القرار.
ثالثا: قيام مراكز الفكر بنشر التقارير والمقالات البحثية والقيام بمقابلات تلفزيونية، بالإضافة إلى بناء محتوى ثري وإنتاج ملخصات للمشكلات سهلة التناول لدى العامة.
إضافة الى هذه العوامل آنفة الذكر فإن الدور المهم الآخر الذي تخدمه مراكز التفكير في الدبلوماسية الأمريكية هو العمل كمستودع للمواهب، عبر استقطاب عدد كبيرمن المسؤولين الحكوميين الذي لديهم خبرة عملية في صياغة السياسة الخارجية للقدوم الى العمل بعد استقالتهم، وهذا التقليد كانت له انعكاسات في ثلاثة جوانب:
1.يعزز ملائمة العمل البحثي لمراكز التفكير مع احتياجات الحكومات، حيث يتمتع المسؤولون الحكوميون السابقون في مختلف الإدارات الأمريكية بالخبرة العملية اللازمة، وبالتالي تحويلهم من مسؤولين الى باحثين قد يجلب أهمية وفعالية واضحة.
2. توفير منصة انتقالية للمسؤولين الحكوميين السابقين وتعزيز صلتهم بكبار المسؤولين في الحكومة الحالية، بحيث أن أي تغيير في الحكومة سواء كان بشكل كلي أو جزئي قد يؤدي إلى تقاعد بعض المسؤولين الحكوميين من مناصبهم، لكن جزء منهم سيعود إلى الحكومة أو الكونغرس عندما يحين الوقت. وهو ما يصطلح عليه بـ ” باب الدوار” .
3. تشكل مراكز الفكر لدى الشباب الصاعد منصة للتجنيد السياسي، فبعد تراكم الخبرات والقدرات قد يساعدهم على الانخراط في العمل المتعلق بصياغة السياسة الخارجية.
رابعاً: حالات نموذجية لتطوير أفضل مراكز الأبحاث الأمريكية:
فيما يلي بعض مراكز الفكر الأمريكية معروفة كأمثلة لتحليل كيفية تأثير مؤسسات الفكر على صياغة وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية، وكذا توجيه السياسات العامة والرأي العام، والتأثير على الشؤون العامة الدولية ، وحتى الاتجاهات الأيديولوجية.
- مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي CARNEGIE ENDOWMENT FOR INTERNATIONAL PEACE[16]
تأسس مركز كارنيغي للسلام الدولي ، وهو مركز الأبحاث الأول في العالم ، في عام 1910. وقد بدأ بتبرع قدره 10 ملايين دولار أمريكي من شركة الصلب الأمريكية العملاقة أندرو كارنيجي. وللمؤسسة كارنيجي خمسة فروع؛ هي واشنطن، وسكو، بيكين، بيروت، بروكسيل. كما يضم أيضاً باحثين من أكثر من 20 دولة ليشكل بذلك شبكة معلومات عالمية كاملة . يهدف مركز كارنيجي إلى توفير حلول شاملة وفعالة لصناع القرار لتخفيف النزاعات العالمية وتعزيز السلام الإقليمي؛ والعمل مع الحكومات والمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم وذلك لتعزيز الحوكمة والمشاركة في الشؤون الدولية، وكذا توفير رواد الأعمال لهم القابلية للتغيير المستمر على المستوى الدولي المحلي. ولدى مركز كارنيجي العديد من البرامج منها برنامج الديمقراطية وسيادة القانون الذي يركز على فكرة الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط ، وكذا إعادة بناء مؤسسات الدولة المعاصرة بالإضافة الى تطور الأحزاب السياسية. ولدى مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أيضًا مشروع “الاستثمار في الجيل القادم” ، والذي يتضمن برنامجًا للمنح الدراسية الخاصة باسم المانحين ، وبرنامج تدريب على قيادة السفراء المستقبليين وبرنامج مساعد أبحاث الشباب، والبرنامج النووي برنامج البحث المتعلق بالسلامة.
- مؤسسة راند RAND Corporation[17]
بصفتها مؤسسة فكرية عالمية مخضرمة، تم تصنيف شركة Rand في المرتبة 12 في “تقرير مؤسسة الفكر العالمي لعام 2019” الصادر عن جامعة بنسلفانيا. تأسست مؤسسة RAND في عام 1948، ويعمل بها أكثر من 1950 موظفًا في أكثر من 50 دولة ، وأكثر من 54٪ من الموظفين حاصلون على درجة الدكتوراه. بصفتها مؤسسة بحثية، تلتزم مؤسسة راند بتقديم حلول لقضايا السياسة العامة والعسكرية لجعل المجتمع الدولي أكثر أمانًا واستقرارًا وصحة وازدهارًا. كما تحظى منشوراتها أو قواعد بياناتها الموضوعية عالية الجودة باعتراف دولي.
لدى مؤسسة راند ثلاثة أقسام بحثية مسؤولة عن قضايا السياسة الاجتماعية والاقتصادية ، وأربعة مراكز بحث وتطوير ممولة بشكل كبير من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية للبحث في الأمن القومي للولايات المتحدة.
- معهد بروكيغنز Brookings[18]
تأسس معهد بروكيغنز ، الحائز على جائزة التميز 2016-2018 في “Global Think Tank Report 2019” لجامعة بنسلفانيا ، في عام 1916 (لن تشارك مؤسسات الفكر والرأي التي فازت بجائزة التميز لعام 2019 في المستقبل. اختيار الترتيب). بصفتها منظمة غير ربحية للسياسة العامة ، فإن معهد بروكينغز ملتزم بتقديم حلول جديدة للمشاكل التي تواجهها المجتمعات المحلية والوطنية والعالمية من خلال البحث المتعمق. جمعت مؤسسة بروكينغز أكثر من 300 من كبار الخبراء الحكوميين والأكاديميين من جميع أنحاء العالم، ويلتزم هؤلاء الخبراء بإجراء أبحاث متخصصة عالية الجودة ، وتقديم المشورة بشأن السياسات ، وقضايا السياسة العامة الأخرى في جميع المجالات ، بما في ذلك الدبلوماسية ، والاقتصاد ، والتنمية ، و الحكومة والسياسة الحضرية. الأهداف الخمسة لتطوير معهد بروكينغز هي: تحسين الحوكمة ، وتوسيع النفوذ ، وتعزيز التعاون ، والدعوة إلى التعددية والتنوع ، والالتزام بالاستقلالية والتنمية المستدامة.
ينشر معهد بروكينغز تقريرًا سنويًا كل عام، ومحتوياته عبارة عن نتائج أبحاثه السنوية. وفي الوقت نفسه ، أنشأ أيضًا برنامج ديفيد إم روبنشتاين للمنح الدراسية ، والذي يهدف إلى إيجاد جيل من المبدعين لخبراء معهد بروكينغز، مما يساعد في تحسين قدرات الحوكمة في الولايات المتحدة والدول الأخرى حول العالم.
خامساً: نماذج لدور مراكز الفكر في صنع السياسة الخارجية الأمريكية
بعد التدخل الأمريكي في العراق سنة 2003، رأى الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام والجمهور أن الحرب كانت بمثابة خطأ استراتيجي. كونها أدت إلى خسارة العراق والخليج كما خلقت سياقاً غير مواتي لإدارة بوش[19]، فلا يزال هذا الأخير ينفذ خطة زيادة القوات الامريكية، بسبب فريدريك دبليو كاجان المحسوب على المركز الفكري المحافظ ” American Enterprise Institute “[20]. وبعد ثلاث سنوات من حرب العراق أنشأ الكونغرس الأمريكي ” مجموعة أبحاث العراق” وذلك لتقييم الوضع في العراق. وقد شارك فيه العديد من السياسيين المعروفين والعديد من الباحثين في مراكز الفكر، أصدرت المجموعة تقريرها في 2006 والتي اعطت توصيات سياسية بشأن الحد من القوات القتالية الامريكية[21]. في مقابل ذلك أنشأ فريدريك كاغان وجاك كين من معهد American Enterprise Insitute مجموعة ” دراسات العراق الحقيقيReal Iraq “Study Group ليشككان في تقرير مجموعة أبحاث العراق. وبدلاً من ذلك رأوا أنه فقط من خلال الاستمرار في زيادة القوات الأمريكية في العراق من شأنه أن يحقق أمن واستقرار العراق[22]. في جانفي 2007 أعلنت إدارة بوش الابن خطة البيت الأبيض الجديدة للعراق، والتي أكدت حرفياً تقرير مجموعة أبحاث العراق. لكن المفارقة أن بوش أخذ بنصيحة كاجان وكين وأرسل عدداً كبيراً من القوات المقاتلة في العراق. هذا التصرف في الاتجاه المعاكس للكونغرس وللتيار السائد في الداخل الأمريكي كان بسبب استخدام بوش للمقترحات السياسية التي قدمها مركز الأبحاث المحافظ American Enterprise Research institute. ليأتي لاحقاً في عهد أوباما الذي سحب قواته من العراق والذي كان بفضل التوصيات التي قدمها مركز التقدم الأمريكي Center for American Progress الذي لعب دوراً بالغ الأهمية في هذا السياق[23].
نتيجة زيادة مستويات عدم رضا الرأي العام الأمريكي من العمليات العسكرية الأمريكية في الخارج. بدأت مراكز الفكر المهتمة بالشؤون العسكرية والسياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية تسير في هذا الاتجاه. ففي عام 2019 استثمر كل من أباطرة الأعمال الليبراليين الأمريكيين جورج سورس ومؤسسة تشارلز كوخ في إنشاء “معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول The Quincy Institute for Responsible Statcraft” الهادف لتقييد العمليات العسكرية الامريكية في الخارج[24]. وفي عام 2020، تبرع كوخ بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي لأربعة مراكز فكرية من أجل تعزيز دور مراكز الفكر للدفع بالسياسة الخارجية الامريكية للعودة إلى العقلانية وضبط النفس. وهذه المراكز هي؛ المجلس الأطلسي، ومركز المصلحة الوطنية، وجمعية شيكاغو للشؤون العالمية ومؤسسة RAND[25] نتيجة ذلك أسس المجلس الأطلسي مشروع ” خطة المشاركة الامريكية الجديدة” لإجراء بحث حول كيفية تحقيق التوازن في استخدام القوة الدبلوماسية وقوة التحالف وكذا القوة العسكرية. وأسس مركز المصلحة الوطنية نافذة جديدة تركز الشؤون الآسيوية. أما جمعية شيكاغو للشؤون العالمية فقد عقدت سلسلة من الندوات لمناقشة دور الولايات المتحدة في المجتمع الدولي وكيفية تعزيز الدبلوماسية المقيدة. أما بالنسبة لمؤسسة RAND فتبنت رؤية جديدة تركز على مفهوم مناقشة تأثير التحول التكنولوجي وكذا الاتجاهات العالمية الأخرى وأثرها على الاستراتيجية الأمريكية الكبرى. و بالمحصلة ركزت مراكز الآنفة الذكر على كيفية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقوة العسكرية في الخارج.
زاد تأثير مراكز الفكر المحافظة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية مع مجيء فريق دونالد ترامب الى الحكم، بالتالي تأثرت السياسة الخارجية لإدارة ترامب الى حد كبير بهذا الاتجاه. وفيما يتعلق بدور مراكز الفكر فإن مراكز الفكر المحافظة مثل Heritage Foundation ,Hudson Institute ، و Atlantic Council تماشت بشكل كبير من احتياجات السياسة الخارجية لادارة ترامب، على سبيل المثال، لعبت مؤسسة Heritage Foundation دوراً في انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ[26]. في مقابل ذلك انتقدت مراكز الفكر الليبرالية السياسة الخارجية لإدارة ترامب، على سبيل المثال، فيما يتعلق بقضية الهجرة غير الشرعية وسياسات ترامب في الشرق الأوسط، أشار مركز التقدم الأمريكي Center for Ameriacain Progress إلى نقاط القصور في إدارة ترامب فيما يخص قضية الهجرة الغير الشرعية، وكذا تحيز ترامب وتمييز موقفه تجاه الأمريكيين من أصول مكسيكية والذي من شأنه أن يضر بالعلاقات الأمريكية المكسيكية. ومن أجل الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات الثنائية، يقترح مركز التقدم الأمريكي على إدارة ترامب باتخاذ فعالة بما في ذلك الأمن والهجرة وتجارة المخدرات بدلاً من السعي لبناء الجدار العازل[27].
توفر الثقافة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية بيئة مؤسسية جيدة لمؤسسات الفكر للمشاركة في عملية صنع القرار الدبلوماسي، ففي أي قضية من قضايا السياسة الخارجية تقريباً، يشارك عدد متنوع من مؤسسات الفكر باقتراح بدائل لسياسات معينة، بالتالي فإن اتخاذ القرار في السياسة الخارجية لا يعتمد على شخصية الرئيس بقدر ما هو مرتبط بالبيئة التي تشكلها مراكز الفكر. يمكن للنظرية التعددية، النخبوية، النموذج المؤسسي، أن تفسر جميعها دور وتأثير المؤسسات الفكرية في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية الى حد ما.
خاتمة
من بين العوامل العديدة التي تؤثر على صياغة السياسة الخارجية للدول، غالباً ما يتم التغاضي عن دور مؤسسات الفكر؛ فلطالما كانت مسألة تأثير المؤسسات الفكرية على قرارات السياسة الخارجية للدول موضوعاً مثيرا للجدل. ويعود السبب إلى حد كبير إلى أن عملية صنع القرار الدبلوماسي في مختلف البلدان التي هي في الأساس عملية تندرج ضمن ” الصندوق الأسود”، بالتالي من الصعب على العالم الخارجي أن يرى الحقيقة. إلا أن هذا ربما ينطبق على دول العالم الثالث، في حين دول كالولايات المتحدة الامريكية توفر الثقافة السياسية فيها بيئة جيدة لمؤسسات الفكر للمشاركة في عملية صنع القرار الدبلوماسي، ففي أي قضية من قضايا السياسة الخارجية تقريباً، يشارك عدد متنوع من مؤسسات الفكر باقتراح بدائل لسياسات معينة، بالتالي فإن اتخاذ القرار في السياسة الخارجية لا يعتمد على شخصية الرئيس وحده بقدر ما هو مرتبط بالبيئة التي تشكلها مراكز الفكر المحيطة به. في هذا الصدد قد تتمتع بعض مراكز الفكر بتأييد حزبي قوي، أو في شكل منظمات غير حزبية، والبعض الآخر عبارة عن مؤسسات فكرية قائمة على أساس مجموعات مصالح خاصة. كما تتمتع بعض المؤسسات الفكرية بعلاقة وثيقة مع الحكومة، وبعضها لها علاقة وثيقة مع وسائل الإعلام. والمشترك بين كل هاته المراكز هو السعي لتقديم بدائل محتملة لصناعة السياسات حسب وجهة نظر كل واحدة.
قائمة المراجع:
[1] . « Think Tank and Governance in the United States »chapter one, available from; https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/chapter-one_-the-fifth-estate.pdf
[2] ,Diane stone, “Introduction to the symposium ; The changing think tank landscape”, university of Warwick, April 2000, available from; https://www.researchgate.net/publication/248978413_Introduction_to_the_Symposium_The_Changing_Think_Tank_Landscape
[3] . Aziz Aydin, “The genesis of think tank culture in turkey past, present and future », Middle east technical university, September 2006.
[4] . Donald E. Abelsonn, Stephen Brooks, Xin Hua, “Think tank, Foeign policy and geo politics”, August1’, 2018, Routledge, available form, https://www.taylorfrancis.com/books/edit/10.4324/9781315551111/think-tanks-foreign-policy-geo-politics-donald-abelson-stephen-brooks-xin-hua
[5] . Erin Blakemore, « Why the berlin Wall rose- and how it fell “, National Geography, 13 nov 2019, available from, https://www.nationalgeographic.co.uk/history-and-civilisation/2019/11/why-berlin-wall-rose-and-how-it-fell
[6] . James G. McGann, “2019 Global Go To Think Tank Index Report” university of Pennsylvania, 18, 06, 2020, avialble from, https://repository.upenn.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1018&context=think_tanks , P 41.
[7] . PP 42, 46
[8] . pP 42. 45
[9] . Adeola Adesina, “Date id The New oil”, Nov, 13, 2018, available from; https://medium.com/@adeolaadesina/data-is-the-new-oil-2947ed8804f6
[10] . Volker Stanzel, “ New Realities in foreign Affaires: Diplomacy in the 2&st Century”, German Institut for International and security affaires, 11, Nov 2018, available from; https://www.swp-berlin.org/en/publication/new-realities-in-foreign-affairs-diplomacy-in-the-21st-century/
[11] . Shadi Hamid, « The End of Pluralism », The Atlantic, July2 », 2014, available from ; https://www.theatlantic.com/international/archive/2014/07/the-end-of-pluralism/374875/
[12]. David L. Altheide& Jennifer N. Grimes, “ War Programming; The Propaganda Project and the Iraq War”, JStor, Vol. 46, No 4, Autumn, 2005), PP. 617-643, availble from; https://www.jstor.org/stable/4121509?seq=1
[13]. Alex Shephard, « The D.C Think tank Behind Donald Trump », The new Republic, February 22, 2017, availble from; https://newrepublic.com/article/140271/dc-think-tank-behind-donald-trump
[14]. Anna Reich, « Think tank in the policy process, the case of hungary », Central European University, 2009, P 03.
[15] . 2019 Global Go To Think Tank Index Report” , Op cit,
[16] https://carnegieendowment.org/publications/the-day-after?gclid=Cj0KCQjw9YWDBhDyARIsADt6sGYucTgwLOhzVsAmR2z4KRTpS-TlUl3hvzFb4TUKDPDkGEfn1snHlB0aAtjSEALw_wcB
[18] . https://www.brookings.edu/
[19] . Anthony H. Gordesman, “ America’s Failed Strategy in the Middle East: losing Iraq and the Gulf”, Center for Strategic& international Studies, january2, 2020, availble from, https://www.csis.org/analysis/americas-failed-strategy-middle-east-losing-iraq-and-gulf
[20] . « The War in Iraq », CARNEGIE ENDOWMENT FOR INTERNATIONAL PEACE, SEP19, 2007, available from; https://carnegieendowment.org/2007/09/19/war-in-iraq-pub-19159
[21] . Iraq Study Group Report : Executive Summary », December6, 2006, available from; https://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=6586565
[22] . Mathew T. Buchanan, « A New Forward or the old way back ? Counterinsurgency in the Iraq surge”, April, 2018, P. 34, available from, https://libres.uncg.edu/ir/wcu/f/Buchanan2018.pdf
[23] . Lawrence j. Korb, « The promised Withdrawl From Iraq », Center fro american Progress, February 27, 2009, availble from ; https://www.americanprogress.org/issues/security/news/2009/02/27/5520/the-promised-withdrawal-from-iraq/
[24] . Daniel Bessener & Stephen Wertheim, “ Can we Democratize Foreign Policy?” Quincy Institute for Responsible Statcraft, December 11, 2019, availble from, https://quincyinst.org/2019/12/11/can-we-democratize-foreign-policy/
[25] . Nahal Toosi, « Koch Showers millions on think tanks to push a restricted foreign policy”, Politico, Feb,202,2020, availble from https://www.politico.com/news/2020/02/13/charles-koch-grants-foreign-policy-think-tanks-114898
[26] . YU Hongyuan, “ The U.S Withdrawal From the Paris Agreement: Challenger and Opportunities for china”, Shanghai istituts for international studies, Vol. ‘, No. 2, P 288, availble from, https://www.worldscientific.com/doi/pdf/10.1142/S2377740018500100
[27] . Grace Hulseman, « Trump’s Border Wall is an Expensive ineffective Application of Eminent Domain”, Center for American Progress, April 25, 2019,https://www.americanprogress.org/issues/immigration/news/2019/04/25/469026/trumps-border-wall-expensive-ineffective-application-eminent-domain/