تقرير ورشة: ” استراتيجية مكافحة الإرهاب “
إعداد: د. عبدالحق دحمان
الوحدة السياسية– مركز المجدد للبحوث والدراسات
أضحت الظاهرة الإرهابية أحد أهم التهديدات الأمنية التي شكلت تحدياً لأمن الدول والأفراد، سيما بعد اتساع رقعتها واستخدامها لمستويات من العنف المسلح بما يضاهي ما تتوافر عليه العديد من الجيوش النظامية. وإذا كان ثمة شبه إجماع على أن أهم أسباب تفشي الظاهرة الإرهابية يعود الى عوامل بنيوية، فإن الجدل لازال قائماً بسبب اختلاف وجهات النظر حول استراتيجية مكافحة الإرهاب نظراً لاختلاف ماهية هذه الظاهرة ودلالاتها المعرفية والواقعية. نتيجة غياب الوضوح تجاه الظاهرة، أضحت الكثير من الدول تستخدم البلاغة اللفظية للمفهوم لتحقيق غايات بما يتلاءم وتفسيراتها الأحادية، وتحت شعار “مكافحة الإرهاب” أصبحت تتدخل في شؤون دول وأنظمة ووفق مقاربات انتقائية وغير محايدة.
من هنا جاءت فكرة الورشة التي نظمها مركز المجدد للبحوث والدراسات، ضمن وحدته السياسية، بتاريخ 01 أكتوبر 2021 والتي تمحورت حول ” استراتيجية مكافحة الإرهاب”، وتأتي هذه الورشة في سياق زمني ميزه مرور عقدين على هجمات 11 سبتمبر التي جرّت الشرق الأوسط والعالم الإسلامي إلى صراعات مذهبية وحالات مزمنة من عدم الاستقرار. في مقابل ذلك، دفعت هذه الهجمات بالدول لأن تستثمر أموالاً طائلة لحماية أمنها القومي من مختلف التهديدات الإرهابية، عبر بناء استراتيجيات جديدة لمكافحة هذه الظاهرة.
امتدت فعاليات الورشة على مدار ساعتين (عبر منصة Zoom)، استضافت من خلالها أربعة من الأكاديميين المهتمين بدراسة الظاهرة وتجلياتها في السياقات المختلفة، حيث كانت نقطة الانطلاقة للورشة عبر كلمة ترحيبية لمسؤول الوحدة السياسية لمركز المجدد للبحوث والدراسات؛ الدكتور عبد الحق دحمان والذي رحب بالمتحدثين والمتابعين، كما أعطى مدخلاً عاماً، وكذا المحاور الرئيسية للورشة وإشكالياتها.
استهلت الورشة بمداخلة الدكتور لطفي دهينة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة 3. تمحورت مداخلته حول دور” العمل التطوعي في مواجهة التطرف: آليات العمل والتحديات ” ، حيث يرى أن التطرف يعد من بين أهم العوامل التي تساهم في انتشار الإرهاب بما يؤدي إلى تفكك المجتمعات وتدميرها، من خلال اتجاه الأفراد إلى اعتناق أفكاره والقيام بسلوكيات عنيفة من شأنها أن تلحق الضرر بالآخرين، وبالتوازي مع الدول والحكومات في التصدي لظاهرة التطرف العنيف، يرى الدكتور لطفي أن دعم مختلف الفواعل المجتمعية التي تتقاسم نفس الهدف بإمكانها المساهمة أيضاً في علاج الظاهرة، وهنا يظهر العمل التطوعي كأسلوب فعال لدعم الجهود الحكومية، من خلال العمل على ثلاثة محاور أساسية ألا وهي ” مواجهة الفكر المتطرف”، و” مواجهة العنف وآثاره”، ثم ” تنمية المواطنة والقيم المختلفة” على اعتبار أنها السبيل الى تنشئة مواطن صالح يعمل على خدمة وطنه ومجتمعه، عبر انتشال الأفراد من حالات الفراغ والاغتراب التي قد تجعلهم فريسة سهلة للأفكار المتطرفة، من خلال أسلوب الإقناع والتواصل الفعال معهم من جهة، ومن خلال تسهيل القيام بمشاريع خاصة بهم تخرجهم من حالة الفقر والحاجة التي تقود إلى الانحراف من جهة أخرى.
في الأخير نوه الدكتور لطفي، إلى التحديات التي تواجه العمل التطوعي، والتي يصعب عليه تحقيق أهدافه المنشودة بالكفاءة المطلوبة، وهو ما بات يحتم على الدول إعادة النظر في دعم التطوع الذي صار سمة بارزة من سمات المجتمعات المتطورة، بل صار شريكاً أساسياً في عملية صناعة القرار.
والحديث عن هذه الصعوبات والتحديات التي يمكن أن تقف حجرة عثرة أمام نشاط العمل التطوعي في بعض الدول التي تعرف هشاشة في أداء وظائفها الحيوية، قد يدفع إلى معرفة الأسباب الهيكلية لنشوء الظاهرة الإرهابية. من هنا جاءت مداخلة الدكتور مصطفى زهران، الباحث بجامعة قناة السويس ومؤلف كتاب “إفريقيا… الصعود الجهادي ” في مداخلة بعنوان ” كيف تسقط المدن في أيدي الجماعات الجهادية”، عبر التسلل من خلال الشروخات المجتمعية والمسببات السياسية لها، كما تعبُر من خلال استخدام آليات التمييز العنصري في التعامل والتعاطي مع المجتمع المسلم “السني” في مختلف الجغرافيات التي تستهدفها، إذ تسهم هذه العوامل في تكريس المظلومية التي تسعى هذه التنظيمات إلى توظيفها بحيث تطرح في مواجهة ذلك بدائلها الأيديولوجية، وما يعطي لها مزيداً من البريق الذي يجذب كثيراً من هؤلاء المهمشين والمنبوذين جراء التمييز الديني والعنصري. ما يعني أن هؤلاء الساخطين والناقمين وأصحاب المظلوميات يشكلون مع الوقت بيئة حاضنة تمثل داعماً رئيساً في نجاح التنظيمات الجهادية والمتشددة في بسط سيطرتها على الأرض، وأن الرؤى الأيديولوجية التي تطرحها ومن ثم ممارستها لها القائمة على توفير الأمن والمال وفرص العمل وإعطاء الفرص كاملة لأصحابها كما هو الحال في مناطق التعدين –الذهب وغيرها- الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، على سبيل المثال لا الحصر_ في عدد من جغرافيات إفريقية أخرى تسهم في خلق بيئة جغرافية مهيأة للنفوذ الداعشي، فيتم تفضيل هذا الوجود وسلطته من قبل البعض ليحل بديلاً لسلطة لا تراعي هذه الأمور ولا تحقق له ما يسهم في ارتفاع مستوى معيشتهم على كل الأصعدة، فضلاً عن تذمره من ممارسات الوجود الغربي وهيمنته على مقدرات البلاد، ما يجعله يذهب طواعية إلى من يقف معارضاً لكل هذا ويخلق واقعاً مغايراً، حينها فقط يمكن لـهذه التنظيمات والجماعات أن تسقط المدن وتستولي على الأرض.
في سياق مغاير، جاءت المداخلة الثالثة للدكتور أسامة سليخ؛ الأستاذ بالمدرسة العليا للعلوم السياسية بالجزائر، بعنوان ” الأساليب العسكرية لمواجهة الإرهاب الجديد”، حيث يرى أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أثارت مخاوف الاستراتيجيين خاصة وأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية مبنية على أسس المواجهة التقليدية بين الجيوش النظامية، فلقد أحدث التطور المتزايد في المجالين التكنولوجي والعسكري من خلال الأسلحة والصناعات الحربية من جهة، وتنامي الفواعل غير الدولتية التي أضحت تضفي الطابع اللاتماثلي على جل التهديدات الأمنية الجديدة. بالتالي أصبح من الضروري إعادة النظر في هيكلة الجيوش النظامية تماشياً وشكل التهديدات الإرهابية الجديدة ومختلف الأعمال الإجرامية، هذا على غرار فعالية الشراكات والتحالفات العسكرية ودورها في المواجهات اللاتماثلية.
في حين يرى الدكتور عادل جارش؛ الباحث بجامعة مرمرة باسطنبول، والمؤلف لكتاب ” الاستراتيجية الأمريكية في ظل المستجدات الدولية “، في مداخلته التي جاءت بعنوان ” إشكالية النهج الأمريكي لمواجهة الإرهاب”؛ أنه على الرغم من استخدام الولايات المتحدة الامريكية في حربها على الإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لترسانة من الأساليب العسكرية المتطورة لمحاربة الظاهرة خاصة فيما يتعلق بالضربات الجوية، إلا أنها لاقت الكثير من الانتقادات من طرف الخبراء والباحثين؛ أولاً لناحية التكلفة المالية التي تجاوزت 175 مليار دولار سنوياً، هذا بدون فتح ناقش جريء حول النجاح أو الفشل في مواجهة الظاهرة. أما فيما يتعلق بالنظرة الأمريكية للإرهاب، وتعريفها المطاطي والغامض للمفهوم، أثير إشكال آخر فيما يخص ازدواجية المعايير بشأن التغيرات على المعنى الدقيق لكل ما هو ” إرهابي “. هذه الانتقائية في التعامل مع المفهوم أضرت صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الرأي العام العالمي وخاصة الإسلامية، مما أدى الى تزايد العداء ضدها.
عرفت الورشة تعقيبات ونقاشات بين المتدخلين من جهة وبين المتابعين من جهة أخرى حول مستقبل استراتيجية مكافحة الإرهاب، خاصة مع إعلان الولايات المتحدة الامريكية انسحابها من أفغانستان وإعطاء الأولوية بدلاً من ذلك للمنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا وكذا مواجهة التهديدات الإقليمية لإيران وكوريا الشمالية. بالإضافة الى قضايا أخرى مثل جائحة كورونا، وقضايا المناخ وغيرها…، والتي تطلبت من الولايات المتحدة إيلاء الاهتمام لها وتحمل مسؤوليتها.
هذا وقد اختتمت الجلسة بالتأكيد على أنه لا يجدر وضع جهود مكافحة الإرهاب ضمن ثنائية “الانتصار” او “الهزيمة”، فالتأكيد على الفشل الكامل أو الانتصار الكامل على الإرهاب ليس ممكناً ولا ضرورياً، وبدلاً من ذلك فضروري اعتبار مكافحة الظاهرة على أساس أنها جهد مستمر ومرن كما تتطور أساليبه حسب تطور التهديد.