مكانة الحج في سياق السلام العالمي والعلاقات الدولية
إبراهيم كرثيو
مركز المجدد للبحوث والدراسات
على الرغم من أن العلاقات الدولية كممارسة وتفاعلات قد وجدت منذ القدم وتحديداً منذ بداية انتظام التجمعات البشرية في شكل دول-إلا أن العلاقة الدولية كحقل معرفي ظهر مع بداية العصر الحديث، حيث بدأ يأخذ حيزاً منذ بداية القرن 19، وقد تأكدت أهميته كعلم قبيل وأعقاب الحرب العالمية الأولى. وهو علم يؤكد على فصل المجال الديني عن المجال السياسي. الإسلام دين له طابع سياسي ودولي بطبيعته وجوهره، وتشير أحكامه إلى الجهد المبذول لتحقيق نظام دولي شامل وعادل. كما أن أحكام الدين الإسلامي احتفظت بطابعها السياسي والدولي في أبعادها التعبدية المطلقة على ما يبدو، والتي يمكن رؤيتها في صلاة الجمعة ومناسك الحج. يعتبر إجراء الحج كل عام بمثابة مؤتمر عالمي يجسد الوحدة بين المسلمين من مختلف دول ومناطق العالم، والذي يمكن أن يكون له وظائف مهمة وفعالة في العلاقات الدولية. وتشمل هذه الوظائف توفير مجالات وفرص للتعاون والتواصل الثقافي بين مختلف الدول والتفاعل في حل المشاكل الإقليمية والعالمية وبالتالي توطيد السلام في العالم. في الواقع، إن أحد أهم الرموز التي تظهر الطبيعة السلمية والعادلة المؤثرة للإسلام في مجال العلاقات الدولية هو حشد مختلف الشعوب والثقافات في مناسبة الحج. على عكس الرأي القائل بأن إمكانية معالجة النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية مستحيلة، إيمانًا بالتناقض بين الدين والعلم، فمن الممكن تقديم نظرية في العلاقات الدولية تستند إلى التعاليم الإسلامية. وعليه، يجب تأسيس النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية على أساس التعاليم الإسلامية سواء في إطار جمعي أو في إطار تعددي.
إن النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية هي “مجموعة من الافتراضات المنطقية المستمدة من المصادر والتعاليم الإسلامية، التي توفر رؤية منهجية للعلاقات الدولية”. من ناحية أخرى، ينبغي القول ان النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية لها طبيعة تفسيرية وتكوينية ومعيارية ونقدية في نفس الوقت . لذلك تنتمي النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية إلى فئة نظريات حل المشكلات، وبدلاً من التأكيد على سلوك الوحدات وتفاعلها وتأثير النظام الدولي عليها، فإنها تقدم مفهومًا لنظام دولي عادل. تؤكد النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية على التفاعل بين الوكيل والبنية القائمة. بناءً على هذا، فإن كل من الفرد والمجتمع يشكلان وحدة للتحليل لذا تفاعلاتهم قائمة على منطق عقلاني. من ناحية أخرى، في إطار المقاربة الأنطولوجية للإسلام القائمة على التوحيد، والتي يكون فيها الإنسان حقيقة غير قابلة للتجزئة، لا تقوم العقلانية على تحليل تكلفة المنفعة المادية، بل تقوم على القرارات التي تتخذ بناءً على تفاعل العقل النظري والعملي والأخلاقي والخطابي. بمعنى آخر، وفقًا للمناقشات الثنائية للنظرية الإسلامية للعلاقات الدولية، فإن البشر لديهم اختلافات حقيقية تميزهم عن بعضهم البعض، هذا بالإضافة إلى الهوية الفردية والهوية الجماعية المحددة والمنظمة والتي يتمتعون بها في شكل فئات اجتماعية مختلفة كالعرق والقبيلة والملة والأمة، فإن القرآن الكريم يؤكد صراحة على هذا التنوع والتعدد.
في فهم النظام الدولي الحالي تواجهنا مصطلحات عامة مثل “دار الإسلام” و”دار الحرب”، والتي تقابلها هويتين متضادتين وهما المؤمن والكافر، وبناءً على ما تم ذكره أعلاه، يمكننا القول انه في النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية ووفقًا لعقيدة التوحيد، يميل الجنس البشري إلى الوحدة والالتقاء. كما ان هذه الاخيرة – اي النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية -قائمة على أسس نظرية، وعوضاً عن الفواعل الوطنية والحكومات المركزية، فإن الهوية الاجتماعية للأمة هي الفاعل الرئيسي. في العصر الحالي، وعلى الرغم من الاختلافات الوطنية بين الدول، فإن الحج وطريقة إقامة شعائره وطقوسه لها طابع سياسي ودولي.
أخيرًا، يمكن رؤية بعض الأمثلة عن الأبعاد السياسية للحج في دار الإسلام ودار الحرب على شكل المشاركة في الطواف كتعبير لسلطة مجتمع التوحيد، وكتعبير أيضاً على القوة والتلاحم. كما يستخدم الحج كتعبير لمعارضة الوضع القائم، أي الصحوة الإسلامية. كذلك من الأبعاد السياسية للحج أنه يخلق مفهوم قانوني للمواطن المسلم وطبقة اجتماعية جديدة تسمى الحجاج وذلك من خلال التفاعلات القنصلية بين دول العالم الإسلامية مع التركيز على موسم الحج والاقتصاد السياسي للحج وأثر تحديد الهوية المشتركة في حل مشاكل الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، الأمر الذي يؤدي إلى نوع من الوحدة الإسلامية. ساعدتنا المؤشرات المذكورة أعلاه على أن نكون قادرين على تقييم الأبعاد السياسية للحج داخل المجتمع الإسلامي (دار الإسلام) في مواجهة النظام الدولي والدول الأخرى (دار الحرب).
إن الهدف الرئيسي للحج هو خلق نوع من التفاعل الإقليمي وعبر الإقليمي من خلال خلق أرضية للتعاون بين الدول الإسلامية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من السلام والتعاون في العلاقات بين الدول المختلفة. بما أن كل عمل سياسي ودولي هو حتماً جزء من تفاعلات القوة، يمكن بالتالي اعتبار الحج كأحد مكونات القوة للمجتمع الإسلامي، ومن الضروري الآن النظر في كيفية تأثير ذلك على تفاعلات القوة. ومن أفضل الطرق لقياس تأثير تصرفات وردود أفعال الفاعلين الدوليين هو فحص مدى تأثيرها على الأهداف القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى. وبناءً على ذلك يمكن القول إن الأبعاد السياسية للحج لها تأثيرات مختلفة على العلاقات الدولية من حيث الأهداف القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى. بناءً على ذلك، يمكن تقسيم تأثير الحج على العلاقات الدولية القائمة إلى أهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. حيث يمكن أن يؤثر الحج على أداء السلطة كهدف قصير المدى للدول الإسلامية. بعبارة أخرى، يمكن للحج -باعتباره أحد أهم مظاهر السلام الإسلامي في العلاقات الدولية -أن يشير إلى أن العلاقات الدولية الإسلامية لديها القدرة للحفاظ على السلام والعلاقات السلمية. من ناحية أخرى، نظرًا لوجود حدود جغرافية وسياسية، يمكن أن يكون للحج دور فعال في العلاقات الدبلوماسية والقنصلية كهدف قصير المدى وهدف متوسط المدى للأمة الإسلامية. يمكن للحج أيضًا أن يكون حجر الأساس وحافزًا لترابط الدول الإسلامية وتقاربها كهدف متوسط المدى لهذا المجتمع. وبالتالي فإن الهدف طويل المدى للنظرية الإسلامية للعلاقات الدولية هو مراجعة وتحويل نظام العلاقات الحالي إلى نظام دولي. لذلك، يمكن للأمة الإسلامية استخدام الحج كتعبير عن معارضة النظام القائم. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي طبيعة الحج وكيفية أداء شعائره ومناسكه إلى قبول القراءة العالمية للإسلام ورفض القراءة السائدة للعولمة.
وفقًا لقواعد الشريعة الإسلامية في كيفية أداء المناسك والشعائر، يمكن للحج أن يتحدى النظام الرأسمالي الحاكم وهيكلة السلطة الحالية. من ناحية أخرى، يمكن للحج أن يمهد الطريق للتغيير في صنع القرارات وأداء السياسة الخارجية لحكومات الدول الإسلامية من خلال الاعتماد على تعاليمها وقدراتها في تبني نوع جديد من السياسة الخارجية على أساس نموذج السياسة الخارجية النشط. يمكن أن تؤدي شعائر ومناسك الحج القائمة على التعاليم الإسلامية أيضًا إلى خلق خطاب موجه نحو العدالة في العلاقات الدولية. في نهاية هذا المقال يمكننا القول إن النموذج المهم الذي تأثر بالأبعاد السياسية للحج في العلاقات الدولية هو السلام والعلاقات السلمية القائمة على العدل والمساواة. حيث أنه يمكن للقواسم المشتركة بين الدول الإسلامية المختلفة أن تجبرهم على العمل بشكل موحد في العلاقات بين دار الإسلام ودار الحرب تحت عنوان الأمة الإسلامية. في الواقع، يمكننا القول إن الحج يؤثر على العلاقات الدولية بطريقتين:
-
- في البعد الأول وبناء على الأهداف قصيرة المدى ومتوسطة المدى للدول الإسلامية / دار الإسلام إن الحج يهيئ بيئة للتعاون ويخلق نوعًا من التفاعل الإسلامي الإقليمي وفوق الإقليمي بين الدول الإسلامية، وبهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من السلام والتعاون في العلاقات بين مختلف الدول والأمم. هذه النتيجة تعني أن الفرضية الرئيسية لهذا المقال قد تم تأكيدها.
- في البعد الثاني، لا يقتصر تأثير الحج في العلاقات الدولية من حيث آثاره على الأهداف المذكورة أعلاه، بل في الأهداف التغييرية طويلة المدى للأمة الإسلامية. بطبيعة الحال، فإن هذا البحث عن التغيير لا يعني إعلاناً للحرب، بل يعني أن تعاليم الحج المتساوية والعادلة، إلى جانب الطبيعة السلمية لمناسكه والطبيعة السلمية للعلاقات الدولية الإسلامية، يمكن أن تخلق خطابًا جديدًا في العلاقات الدولية.
المراجع:
- Niu, Song, and Gamil Metwally. “Hajj and its impact on international relations.” Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia) 10.4 (2016): 39-65.
- Song, N. I. U. “China’s Hajj Affairs under the Perspective of National Security.” İstanbul Gelişim Üniversitesi Sosyal Bilimler Dergisi 5.1 (2018): 101-113.
- Clingingsmith, David, Asim Ijaz Khwaja, and Michael Kremer. “Estimating the impact of the Hajj: religion and tolerance in Islam’s global gathering.” The Quarterly Journal of Economics 124.3 (2009): 1133-1170.
- Amiri, Reza Ekhtiari, Ku Hasnita Binti Ku Samsu, and Hassan Gholipour Fereidouni. “The Hajj and Iran’s foreign policy towards Saudi Arabia.” Journal of Asian and African Studies 46.6 (2011): 678-690.
This article opened my eyes, I can feel your mood, your thoughts, it seems very wonderful. I hope to see more articles like this. thanks for sharing.