نظرية الحكم في الخطاب الإسلامي المغربي
Islamic Governance Theory in Moroccan Islamist
Discourse
خوان أ. ماسياس أموريتي Juan A. Macias-Amoretti
ترجمة: وسام قدور
مركز المجدد للبحوث والدراسات
الخلفية الأيديولوجية والسياسية للإسلاموية في المغرب
الإسلام السياسي هو مفهوم أيديولوجي واسع للغاية يشمل حركات واتجاهات سياسية متنوعة (خان، 2014). والعنصر المشترك بينهم جميعًا هو استخدام المرجعية الإسلامية كأساس لـممارستهم السياسية. وإقامة “الدولة الإسلامية” (تطبيق الدولة الإسلامية) هو الهدف الأساسي من أهدافهم السياسية، وهذا المفهوم بالذات يضع العمل السياسي الإسلامي في إطار الحداثة السياسية. بينما تحاول الحركات الإسلامية أن تتبع شرعيتها السياسية العمل “النبوي”، يتعين عليها مواجهة العديد من التحديات الأيديولوجية لتكييف المفاهيم والنظريات الإسلامية من الفقه “الكلاسيكي” إلى المنافسة السياسية الحديثة. هذا هو حال الإسلام السياسي المغربي، بما في ذلك الجهات الفاعلة الرئيسية مثل حزب العدالة والتنمية(PJD) ، وجماعة العدل والإحسان (CJS)، كلاهما طور نظرية إسلامية عن الحكم في محاولة لتكييف المفاهيم الكلاسيكية كإمامة أو خلافة مع مفهومهم الأيديولوجي للسلطة ووضعهم الخاص في المنافسة السياسية.
بادئ ذي بدء، هناك العديد من الجوانب التي تتناول الإسلام السياسي كمحور سياسي في المغرب. تشترك معظم المنظمات التي تنتمي إلى ما يسمى بالحركة الإسلامية في المغرب في الخلفية التاريخية، وذلك منذ ظهورها الأول في أوائل السبعينيات عندما ظهرت التنظيمات السياسية الإسلامية الأولى كرد فعل أيديولوجي على تراجع المعارضة العلمانية اليسارية للنظام الملكي العلوي. وهم يحملون مزيجاً معرفياً من الإخوان – متأثرون بالعمل السياسي للإخوان المسلمين – ومن الدعويين –متأثرون بعناصر الجمعيات الخيرية الدينية. إن أكثر تنظيمين من بين هذه المنظمات تأثيراً في الإسلام السياسي المغربي، من حيث الكم والنوع، جماعة العدل والإحسان[CJS]، وحركة التوحيد والإصلاح [ [MURالمرتبطة سياسياً بحزب العدالة والتنمية [PJD] من التسعينيات الأخيرة.
جماعة العدل والإحسان[CJS]: هي حركة معارضة، لكنها ليست سرية، تقع خارج حدود النظام من حيث المقاومة السياسية السلمية، في حين أن حزب العدالة والتنمية (PJD) هو فاعل سياسي مؤسسي رئيسي في المعارضة البرلمانية حتى 2011. وقتئذ وصل الحكومة في ائتلاف مع الأحزاب السياسية الأخرى. ومن هنا فإن الإسلام السياسي اليوم هو تعبير عن بديل أيديولوجي وسياسي في المغرب ، وهذا يؤكد بأن الأخلاق الإسلامية هي عنصر أساسي.
يدعي المنظرون الإسلاميون مثل عبد الإله بن كيران (مواليد 1954)، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء المغربي من 2011، أو عبد السلام ياسين (1928-2012)، المؤسس الكاريزمي وزعيم جماعة العدل والإحسان CJS، أن مصدر عملهم السياسي الإسلامي من المرجع الأخلاقي الإسلامي. ومع ذلك، فقد اختاروا طرقًا معاكسة تقريبًا للتعامل مع السلطة السياسية في البلاد. بهذا المعنى فإن العنصر الأخلاقي في خطابهم السياسي يمثل محاولة لرسم “سرد إسلامي” معاصر جديد تمامًا (لأن الإسلام السياسي ليس حركة “تقليدية”). وبالتالي، حتى يقدموا الديناميكية التاريخية للإسلام السياسي بشكل أساسي كحركة أخلاقية و “نبوية”، حيث يتوقع نوعًا معينًا من المدينة الفاضلة الإسلامية، وترجمته في الخطاب من حيث الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية. هذه الشرعية الدينية (الأخلاقية) المزعومة هي مرجع مركزي في استخدام الأيديولوجيا (Macias-Amoretti ، 2014) كمورد حصري تقريبًا في التنافس على السلطة مع النخب الأولية والثانوية (Izquierdo Brichs ، 2012). وهكذا، فإن البديل الإسلامي في المغرب يقوم على أيديولوجية سياسية واجتماعية تقوم على خطاب ديني للتغيير السياسي (الديمقراطية) والإصلاح الاجتماعي (العدالة)، مليء بمفاهيم مستمدة من التراث الفقهي الإسلامي، لكنها مسيّسة في أصلها (في إنتاج مدخلات الخطاب) ومعاد تسييسها في الخطاب (إعادة إنتاج مخرجات الخطاب)، وقائمة بشكل عملي على ظروف التنافس على السلطة في المغرب وموقف كل من الفاعلين الإسلاميين في هذا السياق. يرتبط العامل الرئيسي المحدد هنا بخصوصية السياق الديني والسياسي للمغرب المعاصر. وبهذا الاتجاه يجب ذكر الدور الذي لا يستهان به للنظام الملكي العلوي في البلاد. في الواقع، يمتلك حكامها رأس مال رمزي يضفي شرعية لا يمكن دحضها على موقعهم كقادة سياسيين ودينيين، ويضع علاقات القوة بشكل حاسم داخل إطار الدولة نفسها. وفقاً للدستور المغربي الحالي (المعدل في 2011) ملك المغرب محمد السادس من 1999 – يحمل لقب أمير المؤمنين. هذا شيء ليس مجرد رمز. بل يدل على الشرعية الدينية لسلطته “كإمارة” ، وهي من أهم الألقاب تاريخياً من قبل الخلفاء السُنّة ، في إشارة أصلاً إلى أعلى سلطاتهم العسكرية (بلال ، 2012). إن ملك المغرب ليس مجرد قائد الدولة المغربية، وهي دولة مسلمة حديثة وعلمانية، ولكنه أيضًا أعلى سلطة دينية ويجسد قيادة المجتمع الإسلامي في داخل البلاد وخارجها، حيث أن “إمارة المؤمنين” المغربية معترف بها من قبل السلطات الإسلامية الأخرى في غرب إفريقيا وبين المغاربة في الشتات. من الناحية السياسية، لا يمكن رفض السلطة القانونية للملكية العلوية من وجهة نظر “إسلامية”، لأن قوتهم السياسية لا تنفصل عن شرعيتهم الدينية (داريف، 2010). هذا الوضع يجعل العمل السياسي الإسلامي للإسلام السياسي في المغرب أكثر أيديولوجية بكثير مما هو عليه الحال في السياقات الإسلامية الأخرى. إن استخدام المفاهيم الإسلامية الفقهية والسياسية كـ “الإمامة” و “الخلافة” من قبل الفاعلين الإسلاميين المغاربة الرئيسيين حزب العدالة والتنمية PJD وجماعة العدل والإحسان CJS في خطابهم مرتبط بشكل مباشر بـ “إمارة المؤمنين” من حيث قبول الإصلاح أو رفض المقاومة. وبهذا المعنى، فهو مرتبط بالتالي بنموذج ملموس لـ “الحكومة الإسلامية” من الناحية الأيديولوجية.
“الإمامة” والقيادة السياسية والسلطة في خطاب حزب العدالة والتنمية:
ترتبط طبيعة الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية بنهجه التشاركي (Wegner، 2011). منذ نقاشاته الأولى أيد حزب العدالة والتنمية الشرعية الدينية والسياسية لإمارة المؤمنين، ومن هذا الموقف الواضح للغاية حاول تقديم نموذجه السياسي للحكم. ترتكز الأسس الأيديولوجية لهذا النموذج على التوافق الكامل والملاءمة بين المبادئ الأخلاقية والقانونية للشريعة – التي تضمنت ” إمارة المؤمنون “- مع المبادئ الديمقراطية والدور السياسي للتوافق في إصلاح النظام السياسي من الداخل. وبهذه الطريقة، فإن هدف حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح MUR هو إقامة دولة إسلامية من الناحية الأخلاقية والقانونية، من خلال تطبيق الأساليب الديمقراطية، أي انتخابات المنافسة الحرة. في خطاب حركة التوحيد والإصلاح، تكمن الدعوة والتبشير بالقيم الإسلامية، في قلب النظرية الديمقراطية التي تُفهم على أنها مجموعة من الأساليب السياسية. المبادئ الديمقراطية التي يؤمن بها خطاب الحزب هي: السيادة للشعب، وتقسيم السلطات (فصل السلطات الثلاثة)، وضمان الحقوق والحريات. ومع ذلك، فإن تطورها النظري يظهر بعض الخصائص التي تربط هذه المبادئ الديمقراطية بمبادئ النظرية الإسلامية في الحكم على أساس “الإمامة”، حيث السيادة الحقيقية الوحيدة والسلطة التشريعية العليا ملك لله وحده. ومع ذلك، فإن هذا الخطاب الديمقراطي المنظم يتم وضعه ضمن صراع السلطة لنخبة ثانوية تطمح لأن تصبح نخبًا أساسيًا. وهكذا يحاول الحزب تكييف خطابه الأيديولوجي مع توقعات المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى، للتفوق على موارد النخب المتنافسة بمحاولة تحويل نفسه إلى فاعل سياسي يميزه خطابه وممارساته الإسلامية من الناحية الأخلاقية. لذلك، يتكيف خطاب حزب العدالة والتنمية مع ظروف المنافسة السياسية، لذا فهو أحيانًا شعبوي، لكنه يعترف دائمًا بالشرعية الإسلامية للنظام الملكي في القمة. يستخدم حزب العدالة والتنمية مفهوم “الإمامة” كمرادف لـ “الحكم الراشد”. بهذا فهي قطعاً ليست مؤسسة فردية كما كان يُفهم في الفكر الإسلامي السني التقليدي – أنها مرتبطة بالصفات الروحية و “القيادة العليا” للخليفة الذي جاء خلفاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بدلاً من ذلك، يجب أن يُفهم على أنه إطار عام للحكم الصالح، نوع من التوجيه الأخلاقي النبوي (العثماني ، 2010). وبحسب المرجع المفاهيمي للحزب، فإن العمل السياسي في المغرب في القرن الحادي والعشرين هو بخصوص موضوع “الإمامة”، كشأن ديني ويجب تنفيذه باسم الإسلام. ينص حزب العدالة والتنمية على أن الحكم السياسي الإسلامي يجب أن يكون مفيدًا للمجتمع المسلم وأن تدعمه دائمًا المبادئ الإسلامية. ينص حزب العدالة والتنمية على أن الحكم السياسي الإسلامي يجب أن يكون مفيدًا للمجتمع المسلم وأن يرتكز دائمًا على المبادئ الإسلامية. يمكن تكييف العمل السياسي الأساسي مع الظروف المتغيرة متخذاً أشكالاً مختلفة كحركة، أو حزب سياسي، أو تصرف قانوني منفذ من الحكومة، مع الأخذ في الاعتبار أن “الإمامة” في حالة حزب العدالة والتنمية، تُفهم على أنها ” التوجيه الروحي وتنظيم “الدولة المدنية”. هذه الدولة – التي هي بالفعل دولة إسلامية – تكمل تماماً “إمارة المؤمنين” من الناحية السياسية والدينية، فكلاهما جزء من القيادة الإسلامية التي تضمن تنفيذ الإسلام وقيمه الأخلاقية وقواعده الفقهية في المجتمع المغربي. وكما جاء في الخطاب الرسمي لحزب العدالة والتنمية، فإن الإصلاح والتجديد عنصران أساسيان في الأيديولوجية السياسية وخطاب الحزب. هذا الخطاب دائمًا ما يتخذ الإسلام مرجعًا رئيسيًا له، وأي عمل سياسي تؤيده سلطة الإسلام (المرجعية الإسلامية). هذه السلطة تعلن بشكل قاطع أن المغرب في الأساس بلد مسلم. كما تقترح أيضًا محاربة “الانحرافات” سياسياً، والتي هي بشكل أساسي ضعف في الأخلاق والعادات والتأثير السلبي للحداثة الغربية سيئة التركيز (PJD، 2002). وعليه، فإن خطاب الحزب يرى في الأخلاق نقطة انطلاق ضرورية للعمل السياسي لإنهاء الفساد في الإدارة العامة. وبالتالي، فإن خطابهم عملي ويحاول خلق أيديولوجية تعبئة تضمن دعم قطاعات متنوعة للغاية من الشعب المغربي، وخاصة حول فكرة مكافحة الفساد.
من الناحية العملية، من الواضح أن حزب العدالة والتنمية قد بذل جهودًا في هذا المجال أكثر من الجهات الفاعلة المؤسسية الأخرى، وقد عزز هذا دعم المجتمع له، وباختصار مهد الطريق للحزب إلى السلطة في عام 2011. وبشكل عام، يعتبر الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية براغماتيًا للغاية، حيث تأسس على مفهوم الدين كعنصر أساسي في أيديولوجيته التي تتضمن الممارسة السياسية بغرض تحسين مستويات معيشة المؤمنين؛ أو بالأحرى يعتبر النشاط السياسي على أنه عمل صالح مفيد. من خلال التطوير الخطابي لهذه المبادئ، يعتبر حزب العدالة والتنمية أنه لا يوجد تعارض بين الإسلام والديمقراطية، وهي وجهة نظر تحاول بشكل أساسي تبرير مشاركة الحزب في النظام السياسي المغربي كنخبة منافسة، بالتالي اعتباره فاعلًا أساسيًا وجزءاً جوهرياً من النظام القائم (من الداخل)، وفي نفس الوقت، إضفاء الشرعية على صلاحية النظام من وجهة نظر إسلامية. في هذا السياق، كان حزب العدالة والتنمية بارزًا بشكل إيجابي لتشجيعه مستويات عالية من الديمقراطية الداخلية في مؤتمراته الوطنية. وبالمثل، يعترف الحزب بالتعددية الدينية في المغرب، معتبراً اليهود المغاربة مواطنين يتمتعون بكامل الحقوق، على الرغم من أن الإسلام يعتبر المعيار دين الأمة وهويتها وثقافتها. وفي مجال العلاقات الخارجية، يشدد خطاب حزب العدالة والتنمية على ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع بقية العالم العربي والإسلامي ضمن أولوياته. عملياً، عزز الحزب علاقاته مع القوى العالمية الرئيسية، وضمن الاستقرار والتعاون في الحفاظ على اقتصاد السوق وتطبيق الصيغ الليبرالية الجديدة.
“الخلافة” الروحية والحكومة السياسية في خطاب جماعة العدل والإحسان CJS:
صُممت النظرية السياسية لجماعة العدل والإحسان لتأطير التقدم التاريخي والمنهجي للانتقال النهائي من “الحكومة الاستبدادية القمعية ” (الحكم الجبري) – أو بالأحرى النظام المغربي الذي يرمز إليه الملوك العلويون – إلى الخلافة الإسلامية التي تتكون من الاتحاد التقدمي لمختلف الدول الإسلامية الوطنية (الإمارات) برئاسة أمرائها.
إن المطالبة بـ “الخلافة” طُرحت مباشرة ضد السلطات المؤقتة للملك المغربي باسم “أمير المؤمنين”، وتسعى إلى شرعية أخلاقية أعلى تحمل معنى روحيًا وحتى صوفيًا. أشار عبد السلام ياسين في كتابه الشهير ” المنهاج النبوي ” إلى أن غالبية المؤمنين المسلمين، بغض النظر عن جنسيتهم، يجب أن يدعموا النظام الإسلامي (ياسين، 2001). ودافع عن إعادة توحيد العالم الإسلامي كله في هيكل سياسي واحد يضمن “حكومة الإسلام” التي تقودها المبادئ الواردة في القرآن والسنة. وفقًا لياسين، يمكن تكييف هذه المبادئ مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتغيرة في ذلك الوقت من خلال تنفيذ “إصلاح” عميق و “تجديد” من الناحية الأخلاقية، مع إبقاء الإيمان والروحانية في المقدمة. يرتكز الهيكل السياسي المذكور أعلاه على “حكم الشريعة”. من الناحية العملية سيكون وجود شخصية “الأمير” في الأعلى نوعًا من الهيكل والتسلسل الهرمي بدرجة كبيرة، حيث يجب أن يكون مسؤولاً عن أي قرار وإجراء تتخذه الدولة في أي مجال محتمل. من ناحية أخرى، يجب على الأمير أن يقبل النقد الداخلي وأن يتوصل إلى توافق في الآراء باتباع الوصية القرآنية بـ “الشورى”، لذلك يجب أن يدعمه وينصحه “مجلس الشورى”. ومع ذلك، فإن «الأمير» شخصية سياسية له صلاحياته، ويجب إضفاء الشرعية عليه من خلال البيعة له كزعيم ديني، حيث يعتبر رمزياً خليفة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بالنسبة لياسين، فإن اللجوء إلى البيعة يضمن أيضًا الانتخاب الحر للقائد، ويرفض ضمنيًا النموذج الوراثي الذي يمثله النظام الملكي المغربي والخلافة التاريخية من أوائل العصر الأموي (أواخر القرن السابع الميلادي).
إن “الأمير” من الناحية الروحية هو “خليفة” باعتباره خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا المنظور الروحي تفهم جماعة العدل والإحسان هذا الشكل بعيدًا عن مبررات الاستعادة التاريخية والسياسية للحركات الإسلامية الأخرى. وفقًا لخطاب جماعة العدل والإحسان، من منظور إقليمي، فإنه من خلال العمل الأيديولوجي والتعليم ستتحول الهياكل السياسية لكل بلد مسلم بشكل سلمي إلى دول إسلامية إقليمية يرأسها أمراؤها. بعد ذلك سيتم توحيد تلك الدول في هيكل خلافة واحدة ذات سمات أخلاقية وروحية، ويتوجب على المؤمنين في أي حال دعم التقدم التدريجي لهذه الإمارات وهياكل الخلافة، ولكن يُنظر إلى المنظمات الإسلامية مثل جماعة العدل والإحسان على أنها في طليعة الحركة من خلال عملها التربوي النشط ووعيها الأيديولوجي، وهكذا تبدو أنها في هيكل نسبي للسلطة. هذه الحركة التقدمية للتحرير والتوحيد ستنفذ دائمًا بالوسائل السلمية في مراحل مختلفة، أولها وأهمها استبدال ” الحكم المستبد ” بـ “حكم الشريعة”. ويتبع هذه المرحلة الدعوة العامة للمعاني الأخلاقية والروحية للرسالة الإسلامية “الحقيقية”، وتطبيق التربية الإسلامية، وأخيراً “التحرير” الاقتصادي والسياسي للأمة الإسلامية. مع الأخذ في الاعتبار المعيار الأخلاقي، ترتبط “الخلافة” بتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين من خلال تحريرهم من تبعية الموارد المالية الخارجية والفساد الداخلي، وبالتالي تنفيذ “اقتصاد إسلامي حقيقي” وإعادة الموارد الاقتصادية الوطنية إلى أيدي المسلمين. وفقاً لجماعة العدل والإحسان، عندما يتم تكييف الاقتصاد مع المبادئ الأخلاقية الواردة في القرآن والسنة، خاصةً مع قيم “العدل” و “التضامن مع الأشخاص المهملين” (الإنصاف)، عندئذ فهذه حكومة إسلامية حقيقية ممكنة. هذه هي بالتالي الأسس الأخلاقية للخلافة الإسلامية التي تدافع عنها الجماعة. هذا الخطاب الإسلامي موجه مباشرة باسم الإسلام إلى النظام الملكي المغربي، الذي تم نزع شرعية ملوكه على أنهم “أمراء” وإنما يمثلون لـجماعة العدل والإحسان القيم السلبية لـ “الآخر” من (الاستبداد، والطغيان، والنفاق).
في خطاب جماعة العدل والإحسان، تتم مقارنة المعايير الديمقراطية كمجموعة من القيم الأخلاقية السلبية مع المثل الأعلى الإيجابي لـ “الشريعة” الإسلامية. ترتبط الديمقراطية بالعلمانية، وبالتالي يُنظر إليها على أنها نتاج ثقافي “غربي” أدنى أخلاقيًا و غير مقتبس من التقاليد الإسلامية السياسية والثقافية.
إن بديل الديمقراطية هو الشورى، والشريعة هي أساسها القانوني. ومن الواضح أن بنية هذا النظام السياسي والاجتماعي، والطريقة التي سيتم تقديمها بها لم يتم تطويرها بشكل كافٍ في خطاب جماعة العدل والإحسان، حيث يمثل نموذجًا لتعبئة الناس، ولكن بدون أي تفاصيل معينة. وعلى الرغم من هذا الخطاب حول الشورى، فقد تم تنظيم هيكل جماعة العدل والإحسان في نظام سلطة هرمي فردي، حيث يمارس الأمين العام بلا منازع القيادة السياسية المطلقة جنبًا إلى جنب مع الأوساط السياسية، وتم إضفاء الشرعية عليها من خلال ارتباط روحي لا يتزعزع مع المرشد العام. العلاقة بين جماعة العدل والإحسان وما يسمى بـ “الإسلام الرسمي” هي علاقة سلبية، فلا تعترف جماعة العدل والإحسان بمؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها حقًا منسوبًا للملكية العلوية، بل تعتقد أن إسناد سلطات الخلافة هذا غير قانوني. وهذا الموقف، كخطابات الحركة بشكل عام، يتم وضعه ضمن صراع على السلطة يلعب فيه مورد الأيديولوجيا – القائم على شرعية تفسير محدد للإسلام بالمعنى السياسي – دورًا مركزيًا. وهكذا فإن جماعة العدل والإحسان يؤكد مرة أخرى على العنصر الأخلاقي الإسلامي كمصدر قوة.
الاستنتاجات
يتجلى التنوع الكبير في الخيارات الأيديولوجية في الإسلام السياسي المغربي في خطاب إسلامي واسع يشترك في سلسلة من العناصر الأساسية التي تربط مفهومي الإمام والخلافة، من وجهة النظر الأخلاقية والقانونية للإصلاح الإسلامي، لمنظور إمارة المؤمنين من حيث القبول والصلاحية أو الرفض والمقاومة. ومع ذلك يختلف خطاب الأحزاب والحركات الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية أو جماعة العدل والإحسان من حيث العناصر الأكثر براغماتية أو الاستراتيجية التي يستخدمونها، حيث يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن العنصر الأيديولوجي هو مصدر القوة الأساسي لهم، وباستخدام هذا المورد يحاول كل منهم تحويل نفسه إلى فاعل سياسي رئيسي ونقطة مرجعية أخلاقية في إطار التنافس السياسي على السلطة في المغرب. إن الدافع الرئيسي لخطابهم والأيديولوجية التي تدعمه (وتؤطر بشكل أساسي للممارسة السياسية الإسلامية) هو استخدام المراجع الأخلاقية الإسلامية التي تربط دور الحكم الإسلامي بالمحكومين، ودور “الدولة الإسلامية” بالمواطنين المؤمنين، في طليعتها سواء المقاومة أو المعارضة أو الإصلاحية يدعي كل من الفاعلين في الإسلام السياسي المغربي أنه موجود.
المراجع
:Reference
Belal, Y. Le cheikh et le caliphe. Sociologie religieuse de l’islam politique au Maroc. Casablanca: Tarik éditions. (2012).
Darif, M. Monarchie marocaine et acteurs religieux. Casablanca: Afrique orient. (2010).
el-Outhmani, S.E. Al-Dîn wa-l-siyâsâ. Tamayyîz lâ fasl. Casablanca/Beirut: al-Markaz al-Thaqâfî l-‘Arabî. (2009).
Izquierdo Brichs, F. (ed.) Political Regimes in the Arab World: Society and the Exercise of Power. London: Routledge. (2012).
Khan, M. ‘What is political Islam?’ E-International Relations. (2014).
Macías-Amoretti, J.A. ‘Political Islam: discourse, ideology and power’. E-International PJD. Farîq al-‘Adâlawa-l-Tanmiyyabi Majlis al-Nuwâb: hasîlat al-sanawât al-khamsiltizāmwa ‘atâ’, 1997-2002. Rabat: PJD. (2002).
Wegner, E. Islamist Opposition in Authoritarian Regimes. The Party of Justice and Development in Morocco. Syracuse: Syracuse University Press. (2011).
Yassine, A. Al-Minhâj al-nabawî: tarbiyyawa-tanzîmwa-zahf, 4th ed., Casablanca, Dâr al-Afâq. (2001).
Further Reading on E-International Relations
Opinion – US Recognition of Moroccan Sovereignty in Western Sahara
Comparing Goals and Aspirations of National vs Transnational Islamist Movements
EU-Morocco Negotiations on Migrations and the Decentring Agenda in EU Studies
Legal Pluralism and Sharia: Implementing Islamic Law in States and Societies
Islamic State, the Arab Spring, and the Disenchantment with Political Islam
ISIL, Ideology, and Islamic Militancy – Where is the Centre of Gravity? Relations. (2014).