هل يعاني الإسلاميون من عجز فكري؟
? Do islamists have intellectual deficit
المؤلف: Ovamir Anjum
ترجمة: كرم الحفيان
الوحدة الثقافية- مركز المجدد للبحوث والدراسات
تأتي هذه المقالة ضمن مشروع استكتاب أطلقته مؤسسة بروكينجز البحثية الشهيرة (لمجموعة مختارة من العلماء المختصين) لموضوع “إعادة التفكير في الإسلام السياسي” Rethinking political Islam. وتناقش هذه المقالة البحثية القصيرة المركَّزة موضوعاً هاماً وحساساً جداً في ساحة العمل الإسلامي، وهو: هل يعاني الإسلاميون من عجزٍ فكري؟ والإسلاميون المقصودون هنا هم “الإسلاميون الإصلاحيون المعتدلون” العاملون ضمن أطر الدولة الوطنية القومية الحديثة.
الكاتب هو عويمر أنجوم أستاذ كرسي الإمام خطاب للدراسات الإسلامية في جامعة توليدو الأمريكية. يقول الكاتب إنه عند لقاءه بقادة “الثورة المصرية” صيف 2011م في ميدان التحرير بالقاهرة، ساورته شكوك ثم تطورت شكوكه (وإن لم تصل بعد لمرحلة الأطروحة المتماسكة) حول غياب رؤية راسخة للسياسة الإسلامية عندهم؛ رؤية مدعومة بتقاليد خطابية مكثفة. وقد ضرب عدة أمثلة للتقاليد المكثفة، فالماركسية تقليد حداثي مكثف، وعلوم الكلام والفقه تقاليد ما قبل حداثية مكثفة، تقاليد منتشرة عبر قرون وقارات، أما “الإسلام الإصلاحي” فليس كذلك إلى الآن. وببساطة، ما يميز التقاليد الخطابية عن غيرها هو أنها مبنية على مجموعة من الأفكار تم بحثها بشكل واسع وعميق، وتم اكتشاف الالتزامات والآثار المفتاحية بين مكوناتها.
وبغض النظر عن الجدل الدائر حول مدى اعتماد الحركات الاجتماعية في نجاحها على وجود أيديولوجيا متماسكة أو ما يسميه الكاتب التقاليد الخطابية، في مقابل السبب الآخر وهو التأطير الفعال (وهو خارج موضوع المقال)، إلا أن الكاتب يلفت نظرنا أنه في سياق المنافسة الشرسة بين “الإسلاميين المعتدلين” والجماعات الإسلامية الأخرى (المسلحة، التقليدية)، تُحَجِّم مسألة الضعف الفكري (عند الإسلاميين) قدرتهم على تقديم ما يعدون به وعلى تجنب “التطرف”.
وقبل أن يستطرد الكاتب في الإجابة عن سؤال المقال، يسجل إعجابه الشديد بالأوراق والمقالات المكتوبة من مؤلفين آخرين ضمن مبادرة ومشروع “إعادة التفكير في الإسلام السياسي” ويشير إلى أهميتها في تسليط الضوء بشكل غير مسبوق على مآزق الإسلاميين وتحولاتهم وإستراتيجياتهم للبقاء وآفاقهم المستقبلية.
من ناحيته، أشار أنجوم إلى أن تعليقاته ستتوجه لسؤال التأطير، والأيديولوجيا (كما أسماها منظرو الحركات الاجتماعية) أو ما يشير إليها الكاتب بمصطلح التقاليد الخطابية Discursive Tradition.
التمييز بين المفهومين تمت الاشارة إليه في عدة دراسات. التأطير هو امتدادات أو مضادات للأيديولوجيات القائمة، أما الأيديولوجيا فهي مجموعة من المعتقدات والقيم (واسعة إلى حدٍ ما ومتماسكة ودائمة نسبياً)، بالاضافة إلى أنها واسعة الانتشار ومتكاملة، ولا تتعلق فقط بالسياسة بل بالحياة بشكلٍ عام.
وبما أن الإسلاموية تطرح نفسها كمعارض للأيديولوجيا في المقام الأول، فهذا التقسيم لا يبدو مبرراً. إنما، قد يكون الشكل المعدل لهذا التقسيم مفيداً، وذلك لأن تأطير النشطاء الإسلاميين للخطابات المصممة للساحة الاجتماعية السياسية قد تختلف عن (رغم اعتمادهم عليها) إسهامات منظريهم وعلمائهم في الإسلام كتقاليد خطابية. ما يحاول الكاتب أن يستكشفه هنا بالضبط هو مفهوم النجاح الخطابي عند الإسلاميين من حيث الكثافة والتماسك، وما مدى ارتباط “نجاح” الإسلاميين بنجاح خطابهم.
ويرى الكاتب أن الإصلاحيين يعانون عجزاً فكرياً على مستوىي: تأطير الحركة، والخطاب الإصلاحي.
وهذا العجز يظهر من خلال التحديات التي يواجهها الإصلاحيون، كالتوتر أو التمزق الجيلي؛ فالشباب أصبح لديهم تصور أن قادتهم بلا مبادئ وأنهم مستعدون للتنازل بلا حدود، إضافة إلى الانشقاقات إلى جماعات أكثر راديكالية أو تشدد، والإحباط المتنامي من التجربة الديمقراطية. جميع ما سبق يؤيد الفرضية القائلة أن الإسلاميين يعانون عجزاً فكرياً وأنهم لم ينتجوا بعد دفاعاً أفضل وأكثر تماسكاً عن سياساتهم.
وهنا يدعونا الكاتب لعقد مقارنة بين إعلام داعش الذي نجح في تأطير خطاب جذاب للشباب المتغرِّب البارع في التكنولوجيا، وحتى بين ما يقدمه مشايخ الصحوة في السعودية والخليج من مصادر علمية مثيرة للإعجاب، وبين المواقع الإلكترونية للإخوان ولجماعات جنوب آسيا. ومع ذلك، فوفقاً للكاتب، فقد نجح الخطاب الإصلاحي في بعض النواحي (رغم كل المستجدات الحالية)، كحفاظه على مسافة أيديولوجية وخطابية من الجماعات التكفيرية، ومن فكرة العنف كآلية أساسية للتغيير.
في هذا الصدد، وغيره، دور الأفكار يبدو هاماً ولكن ليس حاسماً. ومع ذلك، بشكل عام، إذا كانت الأفكار الكامنة في تقاليد خطابية ديناميكية تشكل عاملاً هاماً في نجاح الحركات، فإن الضعف النسبي في هذا الخطاب كان أحد نقاط ضعف الإسلاميين في العقود السابقة.
ثم، في سياق الدفاع عن حجته في دور الأفكار الهام، يقترح أنجوم طريقتين خاصتين لتأهيل بعض الاتجاهات العلمية الاجتماعية الهامة التي تعاني من فوبيا الأيديولوجيا؛ بمعني إنكار أي دور مستقل للأفكار.
فالتفسيرات المادية تنزع إلى رفض أي دور (مزعوم) مستقل للأفكار مهما كان صغيراً أو متغيراً، وهذا بطريقتين: الأولى، حتى عندما تبدو الأفكار مهمة، فإن تفعيلها وتفسيرها يتحددان بشكل حاسم من خلال السياق المادي. والثانية: أن الأديولوجيات ليست إلا تعبيرات مجمدة عن الالتزامات والمصالح التي فقدت سياقاتها المادية أمامنا. الإدعاء الثاني غير قابل للفحص وهو بذاته أيديولوجي. أما الأول فمن وجهة نظر أنجوم: زعمٌ مبالغٌ فيه، إذ أن التركيبات العقلية وأنظمة الأفكار الموجودة داخلها لا يتم تحديدها بالسياق المادي بأي معنى بسيط.
هذه المنظومات الفكرية لا تأثر فحسب في وزن الخيارات الأخلاقية أو تفعيل تفسيرات النصوص، إنما، الأهم من ذلك، أنها تشكل البناء العقلي للسياق المادي. وبرغم أهمية السياق فإن إدراك السياق وتحليله وتفسيره يعتمد على الأفكار والأطر الموجودة مسبقاً. وهكذا يمكن قلب الإدعاء المادي رأساً على عقب؛ لا توجد مؤسسات وعوامل مادية إلا كبنيات عقلية، تحت رحمة التقاليد الخطابية التي يكون الموضوع جزءاً منها.
هنا يستدرك أنجوم فيقول أن كلاً من المثاليين والماديين تعلموا كيف يكبحون مزاعمهم، ويثني على صياغةStacey Philbrick Yadav التي أكد فيها على” العلاقة التكرارية بين الخطاب والمؤسسات”. وعليه، فبقدر أهمية الخطاب (ليس فقط التأطير ولكن أيضاً ما أطلق عليه أيديولوجيا) فإن الخطاب الإصلاحي الإسلامي يستحق اهتمام علماء الاجتماع.
في السنوات الأولى للحركات، عادةً ما تكون الفجوة ضئيلة بين المفكرين والقادة التنظيميين كما في حياة حسن البنا وأبي الأعلي المودودي، ومؤخراً مع حركة العدل والإحسان المغربية بقيادة القائد الكاريزمي والعالم المفكر عبد السلام ياسين. وأثناء عقد أنجوم لمقارنة سريعة بين حركة العدل والإحسان المغربية ونظيرها حزب العدالة والتنمية المغربي. أشار أنجوم للقدر الكبير من نجاحها دون مشاركة انتخابية. والسبب هو اعتماد أعضائها على الكتابات العميقة والواثقة لزعيمهم الراحل ياسين. على سبيل المثال، إصرار ياسين على أن الديمقراطية ليست هي الشورى الإسلامية بعينها وتفنيده لارتباطات ونتائج كليهما، مع رفضه للخنوع للحكام وانتقاده العلني للملك. ما سبق يتناغم مع الرغبة لوجود إسلامي أصيل في العصر الحديث، كما يذكر بالتوجيهات النبوية في نقد الحكام في التصور الإسلامي التقليدي.
في المقابل، فإن اعتناق الإصلاحيين (المتمركزين في مصر) للديمقراطية يثير انتقادات شبه عالمية بعدم الأصالة، وعند أنجوم هناك مقاييس للنجاح أوسع من مجرد المكاسب الانتخابية، كالعمق الخطابي والتحول الشخصي والسياسي للفاعلين.
في هذا الصدد، ضرب أنجوم عدة أمثلة. بدايةً، لفت الأنظار لنجاح السلفيين في مصر عام 2012م، وكيف أن أثرهم الديني تحول لمكاسب انتخابية بسهولة نسبية. مثال آخر ذكره من باكستان إذ صاغت كتابات المودودي القوية الخطاب الوطني دون تحقيق مكاسب انتخابية لجماعته: الجماعة الإسلامية بباكستان. وفي المقابل، عندما يكون الأثر الاجتماعي- الديني محدود على مستوى القاعدة وعند غياب التأسيس الحركي القوي فإن الوصول السياسي يكون محدود الفائدة حيث ينحصر دور القادة في عقد صفقات مع جهات أخرى كحالة الإسلاميين في اليمن.
على النقيض من ذلك، يقرر أنجوم أن الاتجاهات الإسلامية الأخرى أفضل (إلى حد ما) فيما أسماه الكثافة الخطابية، كالتقليديون السنّة المصرون على الالتزام بتقاليد المذاهب الفقهية والكلامية والتصوف المعتدل. والسلفيون المعتمدون على التقاليد القديمة لأهل الحديث والحنبلية وتفسيرات متأخري العصور الوسطى للشريعة كابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم. وفي بعض النواحي، في مكان وسط بين الصنفين السابقين، يبرز تقليديو جنوب آسيا بزعامة شاه ولي الله الدهلوي الذي أعاد تنشيط التقاليد الواسعة للمدرسة الحنفية الماتريدية. وكذلك الشيعة الإثنا عشرية مع ما يحملونه من تقاليد فقهية وثيو-صوفية ممتدة دون انقطاع منذ العهد الصفوي في القرن السادس عشر.
أما الإسلاميون من مدرسة “الإخوان المسلمون”، فإن انفتاحهم وتعاملهم الانتقائي مع غالب التقاليد الإسلامية المذكورة، وتركيزهم على جوانب العدالة الاجتماعية والسياسية بالتحديد نظراً لتقبلهم الحداثة، يكشف علاقتهم المتناقضة مع التقاليد الإسلامية التاريخية. فهم يرجعون لها لإصلاحها وتغييرها بدلاً من التغير العميق بها. وبالرغم من حداثتهم إلا أن علاقتهم بالحداثة ما تزال هشة ومشكوك فيها إلى حدٍ ما. نتيجة ما سبق )على المستوى الفكري( هو الانحسار في خيارين: إهمال البحث في كلى التقليدين (الإسلامي والحداثي) أو تولد اهتمام استثنائي للبحث فيهما معاً. ونظراً لغياب الظروف المؤسساتية للخيار الثاني (في المنطقة) فإن الخيار الأول هو المطبق غالباً.
بالنسبة لمعظم النشطاء الإسلاميين فإن الرؤية والأسلوب الأصلي لحسن البنا بقي النموذج السائد: قائد كاريزمي وبيده سلطة التوليف والتسوية. أما المودودي فعقلية أكثر نظرية ومنهجية وجدلية، ويمكن أن ينسب الفضل له كونه أول من قدم للإسلاميين نموذجاً للتاريخ والمجتمع والدولة الإسلامية. في مصر، ظهر قطب الشخصية الأكثر تأثيراً بعد البنا، وإن كان على هامش التنظيم. امتلك قطب القوة الأدبية والعاطفة الفكرية والكاريزما لإيجاد رؤية واثقة من نفسها، وإن كان أنجوم يراها انحرفت عن مسارها لعدم اعتدالها (وربما كانت جذابة لذات السبب وفقاً له). فيما عدا هؤلاء، فقادة الإخوان المسلمين إما تكنوقراطيين أو بيروقراطيين وليسوا مفكرين ملهمين أو أصحاب رؤى. ربما الوحيد صاحب الرؤية القوية في التيار الإسلامي منذ قطب هو المغربي عبد السلام ياسين، الذي خفت بريقه ربما لهامشية المغرب في السياق الأوسع.
وعلى الرغم من الأثر الهام لمن ذكرناهم، فإن نموذج البنا في التنظيم الأم في مصر (وبدرجات متفاوتة في المناطق الأخرى) بقى سائداً. هذا النموذج سماته: البرغماتية، والتسوية، ومعيار مناهضة الفكر.
إذن، فاستنزاف الموارد الفكرية قد يكون أحد أسباب العزلة التنظيمية. وفي ظل الظروف القمعية المحاربة للفكر، فإن الوصول لقيادة التنظيم لا تكون إلا لأسباب الولاء والأقدمية مما يديم تمسك القدامى بالسلطة. والنتيجة: ليس هناك حسن بنَّا جديد ولا مودودي جديد ولا قطب جديد، فقط شخصيات كبيرة في السن غير ملهمة. هكذا يبدو الحال مع الحركتين المألوفتين لأنجوم: الاخوان المسلمين في مصر والجماعة الإسلامية في باكستان.
بيد أن أطروحة أنجوم للعجز الفكري عند الإسلاميين يمكن تحديها بثلاث مساهمات إصلاحية (على الأقل) في التقليد الخطابي الإسلامي، كما يقول أنجوم نفسه. أولاً: في الثمانينات أو حتى قبلها، وضع “الإسلاميون الجدد” كما أسماهمRaymond Baker إطاراً اكثر تسامحاً للرؤية الاجتماعية السياسية للإسلام (التي قد يكون لها علاقة بلبرلة مصر في عهد السادات) وإن لم تكن بالضرورة أكثر تماسكاً أو إقناعاً. والإسلاميون الجدد هم جيل من العلماء الأزهريين الإصلاحيين كالغزالي والقرضاوي، ومن المثقفين كمحمد سليم العوا وفهمي هويدي ومحمد عمارة وآخرين. ثانياً: ظهور اتجاه قوي لاقتصاديات الإسلاموية الذي أخذ يكبر منذ السبعينيات. فمع تحول التركيز الدولي من روح التنمية التي شجعت الفكر الإسلامي في اتجاه الأيديولوجيات والإستراتيجيات المتمحورة حول الدولة، إلى الليبرالية الجديدة وتدفق دولارات النفط، تحول التركيز الإصلاحي جزئياً من الاستيلاء على الدول إلى إنشاء الإقتصاد والمصارف “الإسلامية”. هذا الاتجاه الأخير لم ينتج فقط قطاعاً جديداً من الاقتصاد العالمي إنما أيضاً أدبيات متزايدة حول هذا الموضوع. ثالثاً: ركز الإصلاحيون على فقه “الأقليات” مع تزايد: الأقليات المسلمة في الغرب، وعولمة المجتمعات الإصلاحية. جميع المساهمات الثلاثة السابقة جارية في عدد قليل من المؤسسات الإصلاحية في قطر وباكستان وماليزيا والغرب، وهي معنية بتكييف الإسلام مع الحداثة.
وإذا كان بعض الإسلاميين والإصلاحيين ينتجون دراسات سياسية واقتصادية واجتماعية استجابة للتحديات الحديثة، ففي أي جوانب يكمن عجزهم الفكري؟
ومع أن الجدل بخصوص هذا الموضوع ما زال معلقاً، بيد أن الكثير من الدراسات الحديثة سواءً من الأكاديميين الغربيين أو من التقليديين الإسلاميين بمختلف أنواعهم (المذهبية والسلفية)، قد شككت في قوة حجة هذه الخطابات الإصلاحية. فالإسلاميون يسعون إلى تبرير قيام دولة إسلامية دون استكشاف الآثار الكاملة للدولة القومية الحديثة ودون السؤال عما إذا كانت الدولة الإسلامية مرغوبة أم ممكنة؛ إنهم يدعون للعدالة الاجتماعية ولكن يتجاهلون الجوانب المدمرة للحداثة تجاه الأسرة والمجتمع والبيئة، الأمور التي تقلق التقليديين الإسلاميين بل والكثير من الحداثيين كذلك، إنهم يدعون لاقتصاد إسلامي حديث دون تفكير كاف في كيفية تحقيق “الحداثة” بدون الدوافع المادية الخاصة التي توفرها الرأسمالية والعلمانية، إنهم يقدمون فقه أقليات مع غياب الفهم الجيد للمجتمعات المضيفة.
بالإضافة إلى ذلك، فهم متهمون بنفاد الصبر أمام المنهج الدراسي والثقافي الدقيق للتقاليد الإسلامية في العصور الوسطى، واللجوء لأدوات عامة في الفقه الإسلامي كالمصلحة العامة والمقاصد، هذه الأدوات المتاحة بالمثل لإساءة الاستخدام من قبل نظرائهم المتشددين (المركزين على النتائج) أيضاً.
لم يفشل الإسلاميون الإصلاحيون (على طريقة الإخوان المسلمين) في نشر رسالتهم، بل على العكس (وبخلاف الجناح المتشدد) انتشر أثرهم بين المسلمين المتعلمين المتدينين في كل مكان تقريباً. ولهذا السبب تحديداً، يقع عليهم جزءٌ من المسؤولية (على الأقل) في الضيق الفكري المنتشر في العالم الإسلامي. وهذا لتسترهم على الخلافات الجادة بين: التقاليد الإسلامية والالتزامات العلمانية والليبرالية للديمقراطية الحديثة، وفشلهم في إيجاد طرقٍ لمواجهة الأخطار التي تشكلها الحداثة كعدم المساواة الاقتصادية وتحديات البيئة، تاركين قطاعات كبيرة من المسلمين (في نطاق نفوذهم) غير مستعدين للتحرك العملي الجاد.
وفي الجانب الحركي، يبدو أن الولاء للتنظيم هو المبدأ الأول للعمل الإسلامي الإصلاحي، ويبدو أن الفجوة بين المفكرين الإصلاحين المبدعين وقادة التنظيمات (المختارين على أساس الأقدمية والولاء) لا يمكن سدها. والسؤال المشروع هنا: هل أثر هذا العجز الفكري على أداء الإسلاميين في أحداث الانتفاضات العربية؟ خاصة فيما اعتبره الكثير من العلماء أداءً باهتاً لإخوان مصر في الفترة القصيرة التي منحت لهم.
العديد من التفسيرات قد تعطى لهذا العجز الفكري غير عدم الكفاءة المجردة أو الفشل. قد يجادل أحدهم بأن الهيكل الناشط للغاية لحركات اجتماعية كالاخوان المسلمين هي من تمنع العمق الفكري. ربما كان مجرد عبء البقاء على قيد الحياة تحت القمع الوحشي لأجيال هو الذي دفع إلى المحافظة وولد الخوف من الدراسات النقدية التي تثير التساؤل عن المبادئ الأساسية للجماعة. في حالات أخرى، كما في باكستان، ربما تكون المشاركة في فوضى السياسة الانتخابية هي التي تخفف من الدافع للبحث وطرح الأسئلة الصعبة، بدلاً من ذلك، ربما يكون الأمر أن جميع الأديان في عصر العولمة مقدر لها أن تعيش في عالم من “الجهل المقدس” كما جادل بشدة الباحث أوليفر روي. قد تكون جميع هذه الحجج صحيحة. على أي حال، فإنها تقدم مجموعة من التساؤلات الجذابة لعلماء الإسلام السياسي.