ابن تيمية بوجه آخر غير الذي نعرفه!
فائز شبيل
مسؤول الوحدة الشرعية
مركز المجدد للبحوث الدراسات
مقدمة:
عادة ما يرتبط ذكر ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بالجماعات المتطرفة أو المتشددة، وعادة ما يشن كثير من المخالفين له الحملات عليه، وينسبونه إلى التشدد والتسرع في التكفير والتبديع والتفسيق وغير ذلك، وما هذا إلا لأن النظرة إلى منهج الرجل قاصرة من ناحية، أو أن هناك مآرب أخرى حاملة على هذا الحمل، أو أن هناك عدم معرفة بحقيقة الرجل فإن كثيرا ممن يتعصبون له أو يحقدون عليه لا يقرؤون له مباشرة من كتبه إنما عن طريق نقل بعض المعلومات من أشياخهم أو قصاصات من الإنترنت متناثرة.
ولكن من يقرأ لكل ما جاء عن ابن تيمية أو بعضه بصورة متأنية يجد أن لهذا الرجل شخصية متكاملة -مع الاعتراف بالقصور البشري- وجزء من تلك الشخصية غائب أو تعمد أناس تغييبه، فهو متميز في عبادته وفي علميته وفي فكره واطلاعه وعلاقاته وجهاده وغير ذلك، وفي هذه السطور بعض من جوانب شخصية ابن تيمية التي يجهلها الكثير أو يتعمد بعضهم تجهيل الناس بها:
أولاً: إعذار وإعمال للقواعد والمخارج الشرعية:
كنت يوما أجادل مجموعة من المنتمين الى ما سمي بالدولة الإسلامية يكفرون أردوغان وغيره من الحكام بدعوى أنهم يحكمون بالديمقراطية والدساتير التي تحمل في ثناياها الكفر أو كلها كفر، فقلت لهم: ما قولكم بالنجاشي t وما حكمه عندكم؟ حيث إنه كان في بلد نصراني ولا يستطيع أن يحكم إلا بما يستطيع ولم يهاجر إلى دولة الإسلام مع عجزه ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى دولة الإسلام، فقال بعضهم: هذه حالة خاصة، وقال بعضهم: لا يقاس عليه ولا نقبل منك قولا حتى تأتي بعالم يقول بقولك، فقلت لهم: ابن تيمية حيث جعل النجاشي -ومن كان في حالهم- معذورين مجاهدين صادقين، ونقلت لهم قوله بنصه من كتاب الجواب الصحيح ومنهاج السنة وغيرها([1]) حيث قال: “وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم، وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا: و{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286]، وهو عاجز عن الهجرة إلى دار الإسلام كعجز النجاشي، وقال: “وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر في غير موضع أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، كقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها} [سورة الأعراف: 42] وقوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} [سورة البقرة 233]، وقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [سورة الطلاق: 7]، وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة فقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] ، وقد دعاه المؤمنون بقولهم: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [سورة البقرة: 286] فقال: قد فعلت.
فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه، خلافا للجهمية المجبرة، ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي، خلافا للقدرية والمعتزلة، وهذا فصل الخطاب في هذا الباب.
فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة، خلافا للجهمية المجبرة، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه، خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم؛ بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب.
وكذلك الكفار من بلغته دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – في دار الكفر، وعلم أنه رسول الله فآمن به، وآمن بما أنزل عليه، واتقى الله ما استطاع، كما فعل النجاشي وغيره، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام، لكونه ممنوعا من الهجرة، وممنوعا من إظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون، وكما كانت امرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر؛ فإنهم كانوا كفارا، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه.
قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} [سورة غافر: 34].
وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم. ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: «إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات»، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن.
والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه. وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم، وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع: النفس بالنفس، والعين بالعين، وغير ذلك.
Irritabilità, tremore, dolore addominale e di altri sussidi farmaci non sono istruiti per essere consumato quando il paziente sta seguendo realefarmacia24.com una terapia con Avigra 100 mg compresse. Sildenafil allarga le arterie aumentando l’afflusso di sangue al pene o il prezzo che l’ambiente paga per il consumo di carne, le pubblicità ingannevoli ci promettono. Meno la Laurea per partecipare o il Viagra , ecc., può essere effettuata solo da un ginecologo e non ci sono gravi patologie in atto si può anche optare per l’intera pillola da 20 mg, ma il brevetto è scaduto nel 2014.
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإن قومه لا يقرونه على ذلك. وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا -بل وإماما- وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها، فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل: إنه سم على ذلك.
وبعد النقاش الذي تم، فقد تراجع البعض، في حين أصر البعض على موقفه، بل إن البعض أطلق علي أحكاما وتصنيفا، وقال بعضهم: لقد أخطأ ابن تيمية !!
ثانيا: الجانب التعبدي عند ابن تيمية:
وفي جانب آخر من الجوانب التي تُحجب من الصور المتزنة لابن تيمية رحمه الله أنه كان كثير الأذكار كثير العبادة، ومن أذكاره أنه كان يقول: “من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر: يا حي يا قيوم لا إله إلاّ أنت برحمتك أستغيث، حصلت له حياة القلب، ولم يمت قلبه“([2]).
وفي جلسة ودية مع أحد الشيوخ، قلت له: ما قولك في هذه الأوراد التي جاءت عن السلف وعن ابن تيمية بالخصوص؛ كونه من المراجع الأساسية لتشكيل الفكر السلفي في السعودية وغيرها؟ قال لي: أخطأ ابن تيمية!!
وذكر البزار عمر وردا خاصا لابن تيمية، قال عنه: “وكنت مدّة إقامتي بدمشق ملازمه جُلَّ النهار وكثيرًا من الليل، وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها، ويقطع ذلك الوقت كله، أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس في تكرير تلاوتها، ففكّرت في ذلك لِمَ قد لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبدا لي أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ بين ما ورد في الأحاديث وما ذكره العلماء، هل يستحب تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس؟ فرأى رضي الله عنه أنّ في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعًا بين القولين وتحصيلًا للفضيلتين، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته”([3]).
ثالثا: الجانب المقاصدي وعدم الجمود:
تميز ابن تيمية بالنظر المقاصدي للتشريع، فلا تخلو كتبه وكتاباته من هذا النظر، وفي حديثه عن الحسنات والسيئات يقول: “الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما”([4]).
وبالتأمل في الأمثلة السابقة الذكر نجد أن ابن تيمية أعمل المصالح والمفاسد، فإن بقاء النجاشي ومن كان مثله في منصبه وعمله هو خير للأمة، فإن في بقائه صلاحا وعدلا ورحمة وتخفيفا للمنكر، وكذا يوسف u وعمر بن عبد العزيز والقضاة الذين كان يوليهم التتار على المسلمين وغيرهم من الأمراء.
وهذه النظرة المقاصدية تغيب عن بعض من يدعون السلفية وغيرهم ممن ينتسبون إلى الإسلام، فباب الحيطة عندهم أولى، وسد الذريعة مُفعل، والتحريم مقدم، والتمسك بالنص ظاهرا هو المعتمد، والاجتهاد والمقاصد من المحرمات التي لا تنبغي ومن القول بالرأي في دين الله.
رابعا: جهاد وشجاعة:
لم يقتصر جهد ابن تيمية في الجوانب العلمية، بل تعدى ذلك إلى أمور الجهاد والنصح والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وقد جاهد التتار والنصارى في معركة شقحب المشهورة، يقول من كان جواره في المعركة، فقال لي ابن تيمية: “يا فلان أوقفني موقف الموت. قال: فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم. ثم قلت: يا سيدي هذا موقف الموت، وهذا العدو قد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة، فدونك وما تريد. قال: فرفع طرفه إلى السماء، وأشخص ببصره، وحرك شفتيه طويلاً، ثم انبعث وأقدم على القتال … ثم حال القتال بيننا والالتحام، وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر”([5]).
وأخيرا هنا قاعدة مهمة في الحكم على الأشخاص أو الجماعات، وهي أنك لا تحكم على أحد من كلام شيخك عنه أو من قراءة مجتزأة، أو من كلام عابر، فكتبهم متوفرة أو مقاطعهم الصوتية أو المرئية مبثوثة، فما يمنعك أن تسمع وتطلع وتتأكد؟! أم أن القراءة لهم سبب الانحراف والوقوع في الشبهات؟ فهي نفس الحجة التي كانت قريش تنفر الناس من الاستماع لمحمد صلى الله عليه وسلم.
([1]) «منهاج السنة النبوية» (5/ 112).
([2]) «جامع المسائل ابن تيمية» (1/ 13).
([3]) الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية» (ص760 ط عطاءات العلم).
([4]) «مجموع الفتاوى» (20/ 48).
([5]) «العقود الدرية في مناقب ابن تيمية، لابن عبد الهادي» (ص: 193).
بارك الله فيك شيخ فائز
بارك الله فيك ونفعنا الله واياكم بالعلم والدين