الاستيطان في ظل جائحة كورونا.
د: إلهام جبر شمالي .
باحثة في مركز التخطيط – فلسطين
استغلت الحكومة الإسرائيلية تركيز المجتمع الدولي على مواجهة خطر انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) لتسريع وتيرة المشاريع الاستيطانية، في مدينة القدس، والخليل، وبيت لحم، وقدم فيروس كورونا ملف الاستيطان وضم أراضي الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، على كافة الملفات التي تواجه الحكومة الاسرائيلية سواء على المستويين الصحي، الاقتصادي، الناتج عن جائحة كورونا .
فخلال هذه الجائحة طرحت الحكومة الإسرائيلية مخططها الاستيطاني الجديد لبناء 1739 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، إلى جانب انشاء طريق للفصل العنصري بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم؛ مما يعني الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية ، الأمر الذي يشكل خطر على التواصل الجغرافي بين القرى الفلسطينية كعناتا والزعيم.
أما أخطر المشاريع الاستيطانية التي أعلن عنها في هذه الأزمة، فكان الموافقة على مشروع مد خط سكة حديد للقطار الخفيف لمستوطنة ” أرمون هنتسيف”، المقامة على جبل المكبر شرقي مدنية القدس؛ الهادف لتكثيف الاستيطاني الديني والسياحي، وزيادة بناء الوحدات الاستيطانية في قلب مدينة القدس، وجلب المزيد من المستوطنين إليها ، الخطورة في السكة الحديدية، تتمثل في أنها عامل جديد لربط التجمعات اليهودية القريبة من المسجد الاقصى، فهناك خطين للسكة الأول تحت الأرض، يصل الجزء الغربي من مدينة القدس المحتل، ومنطقة باب المغاربة، ومنها إلى المسجد الأقصى، أما الخط الثاني فيقع فوق الأرض ويخترق الأحياء المقدسية كحي سلوان، فالمشروع يتضمن أيضاً بناء 410 وحدة استيطانية على أراضي جبل المكبر، وفندق بمائة غرفة ، إلى جانب المرافق العامة حتى عام 2024م .
ولم يكن إعلان دولة الاحتلال عن شرقي القدس مناطق موبوءة، واغلاقها تماماً، عبر استغلال اصابة عدد من الفلسطينيين بفيروس كورونا، هكذا جازفه، وإنما في إطار مخطط التهجير وممارستها للتطهير العرقي والحرب الديمغرافية التي تمارس ضد المقدسيين بشكل يومي؛ إذ تركزت الاجراءات الاسرائيلية على أحياء سلوان والبلدة القديمة والطور؛ بهدف افراغها من سكانها بأي شكل كان، وفي مدينة الخليل صادق نفتالي بينيت على مشروع استيطاني، يمهد للاستيلاء على مساحات جديدة من أراضي المدينة؛ لإقامة طريق يمكن المستوطنين من اقتحام الحرم الابراهيمي ، واقامة مصعد لهم ، بل وسمح لمجلس التخطيط الأعلى الإسرائيلي بممارسة سلطاته لاستكمال جميع اجراءات المشروع والتخطيط؛ وبالتالي إلغاء دور بلدية الخليل، وسلب كافة حقوقها السيادية بموجبه اتفاق أوسلو عام 1993م، عبر السيطرة على مساحات واسعة مجاورة للحرم الابراهيمي، وذلك الطريق يمهد للمستوطنين الوصول لمغارة المكفيلا، وهي الأرض التي اشتراها سيدنا إبراهيم ليدفن بها زوجته سارة، ثم دفن بها هو أيضا، وضمت قبر ابنه اسحاق وزوجته؛ ويعد ذلك مقدمة لتغيير واقع مدينة الخليل المحتلة، وما تتمتع به من موروث حضاري مسجل على قائمة اليونسكو ضمن التراث الحضاري الفلسطيني، ليس ذلك فحسب بل تمهيد لسلب المزيد من الأراضي في محيط الحرم الإبراهيمي، وتسريع لفرض السيادة الإٍسرائيلية على مستوطنة كريات أربع.
وأقيمت أربع بؤر استيطانية جديدة في بيت لحم، والاغوار، واثنتان قرب بلدة المغير شرقي رام الله، وكذلك توسيع حدود مستوطنة أفرات بنحو 1100 دونم، بهدف فصل بيت لحم عن القرى الفلسطينية المحيطة، في الوقت الذي سارعت الحكومة الإسرائيلية من عمليات هدم المنازل، وتوزيع اخطارات بدعوى البناء دون ترخيص خاصة في مدينة القدس.
واليوم وبعد موافقة 72 عضو كنسيت على السماح لنتنياهو برئاسة الحكومة، نحن أمام حكومة يمينية جديدة في اسرائيل تحمل في مكوناتها جميع أطياف العنصرية المتطرفة تحت مسمى حكومة طوارئ برئاسة بنيامين نتنياهو، أهمها برامجها القضاء على ما تبقى من حل الدولتين، عبر فرض السيادة الاسرائيلية والشروع بضم المستوطنات الاسرائيلية بالضفة الغربية، وتقطيع مدن، وقرى الضفة الغربية، ووضعها في كانتونات معزولة أشبه بالسجون المغلقة ذات البوابة الواحدة، وضم الأغوار وشمال البحر الميت في يوليو المقبل؛ هدفه القضاء على أي كيان فلسطيني بينه تواصل مع المملكة الأردنية الهاشمية، وفرض السيادة الامنية الاسرائيلية بين الأردن والضفة الغربية، التي تبدأ بفضل شمال الضفة الغربية عن جنوبها عبر ضم كتلة معاليه أدوميم وغوش عتصيون وعتليت، يتبعها ضم شمال البحر الميت والأغوار.
الخلاصة:
إن ما تقوم به دولة الاحتلال في القدس والضفة الغربية من خلق واقع جيوسياسي هدفه تكريس برنامج اليمين الاسرائيلي يستند على عمليات الطرد التطهير العرقي؛ لذلك إن لم يكن هناك تحركات فلسطينية على المستوى المحلي والعربي والدولي؛ فإننا سنجد أنفسنا أمام نكبة فلسطينية جديدة، وعليه علينا تبني خطة عمل مشتركة تجمع الكل الفلسطيني لوقف المخطط الاسرائيلي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية ومحورها الأرض؛ ولذلك لا بد من تثبت الحقوق الفلسطينية والتجذر بالأرض والتصدي لعملية الضم، لأن أساس معركتنا مع الاحتلال هي معركة الأرض؛ فالأرض هي الوجود واحتلال الأرض يعني أن التهجير والتشريد لازال يلاحق الفلسطيني