كورونا: البؤس الوبائي والوعد المؤجل بمناعة القطيع!
ترجمة دكتور: صلاح عثمان.
أستاذ المنطق وفلسفة العلم، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة المنوفية- مصر.
salah.mohamed@art.menofia.edu.eg
«من المُرجح أن يستمر فيروس كورونا في الانتشار لمدة تتراوح بين ثمانية عشر شهرًا وعامين، حتى يُصاب به ما بين 60% إلى 70% من سُكان المعمورة»! هذا ما انتهى إليه تقريرٌ خطير أعده فريق من خبراء الأوبئة، ونُشر منذ أيام (الثلاثين من أبريل 2020)، ونشرت السي إن إن CNN مقتطفات منه اليوم السبت 2 مايو 2020.
أعد التقرير البروفيسور «مايك أوسترهولم» Mike Osterholm (مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية Center for Infectious Disease Research and Policy (CIDRAP) بجامعة مينيسوتا الأمريكية)، بمشاركة البروفيسور «مارك ليبشيتش» Marc Lipsitch (أستاذ علم الأوبئة بكلية هارفارد للصحة العامة Harvard School of Public Health )، والدكتورة «كريستين مور» Kristine Moore، الأخصائية بمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention، والمديرة الطبية لمركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية CIDRAP بجامعة مينيسوتا، والمؤرخ «جون باري» John Barry، مؤلف كتاب «الانفلونزا الكبرى» The Great Influenza (2004) عن جائحة الأنفلونزا سنة 1918.
بعبارة أخرى، يتسم فيروس كورونا بالجدة، وبالقدرة على التحور الدائم واللحظي، ووفقًا للبيانات التاريخية عن الأوبئة السابقة، والتقارير الطبية المنشورة عن الوباء منذ ظهوره، والنماذج التي قدمتها مجموعات مثل معهد القياسات الصحية والتقييم Institute for Health Metrics and Evaluation (IHME) في جامعة واشنطن أو النماذج التي قدَّمتها كلية لندن الإمبراطورية، فمن المُرجح أن يستمر تفشي الوباء لما يقرب من عامين، حيث يمكن أن تتطور مناعة القطيع تدريجيًا بين البشر!
تأكيدات ورؤية التقرير لكورنا |
يؤكد التقرير أن الفكرة التي يُروج لها آخرون بأن السيطرة على المرض باتت قريبة هي فكرة تتسم باللاواقعية، وتتحدى علم الأحياء المجهري Microbiology؛ فسوف يستمر الفيروس في حصد أرواح الناس حتى في أشد الحالات تفاؤلاً، ولا نملك سوى انتظار مناعة القطيع Herd Immunity! |
يدعم الفريق وجهة نظره بحقيقة أن فهم كيفية انتشار الأمراض المُعدية يجب أن يعتمد على الاستقراء الدقيق لكلٍ من التاريخ والنماذج؛ فالعدوى الوبائية – تاريخيًا ورياضيًا – لا تميل إلى التلاشي في الصيف كالأنفلونزا الموسمية، وقد ثبت أن فيروس كورونا أقرب إلى السلالة الوبائية منه إلى الأنفلونزا، نظرًا لطول فترة حضانته، وقوة انتشاره دون أعراض، وارتفاع قيمة رقم التكاثر الأساسي Basic reproduction number (R0) (عدد الحالات التي تُنتجها حالة واحدة مُصابة خلال فترة العدوى بين مجموعة غير مُصابة)، ما يعني أن مزيدًا من الناس سوف يحتاجون للعدوى ويصبحوا محصنين قبل أن ينتهي هذا الوباء!
هذه المعطيات – وفقًا للفريق – تُلزم المسؤولين الحكوميين بالتوقف فورًا عن إخبار الناس بأن الوباء قد ينتهي قريبًا، وأن يُعدوا رعاياهم بدلاً من ذلك لفترة أطول للجائحة التي قد تخضع لثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول: بعد الموجة الأولى لـ «كوفيد-19» Covid-19 في ربيع 2020، تحدث سلسلة من الموجات الأصغر خلال فصل الصيف وتتكرر في فترة تتراوح من سنة إلى سنتين، ثم تتناقص تدريجيًا في وقتٍ ما من سنة 2021.
السيناريو الثاني: بعد الموجة الأولى للفيروس تحدث موجة أكبر في الخريف أو الشتاء، ثم موجات أصغر فأصغر خلال سنة 2021. وهذا السيناريو يتطلب إعادة اتخاذ تدابير العزل في الخريف على أمل خفض انتشار العدوى ومنع انهيار أنظمة الرعاية الصحية، وهو مماثل لما حدث مع جائحة الأنفلونزا الإسبانية خلال عامي 1918 – 1919.
السيناريو الثالث: تلاشي بطيء لانتشار العدوي؛ وقد لا يستلزم هذا السيناريو تدابير للعزل، وإن كانت حالات الإصابة والوفاة ستستمر.
الخلاصة من التقرير:
ويوصي الفريق في نهاية تقريره الدول والحكومات بأخذ السيناريو الثاني على محمل الجد لأنه الأرجح، والبدء في وضع خطط ملموسة للتعامل مع ذروة انتشار المرض وقت حدوثها، بدلاً من القرارات المناقضة للتوقعات العلمية، والتي بدأت بعض الدول باتخاذها لرفع القيود التي تهدف إلى السيطرة على انتشار المرض. إن بعض الدول قد تختار رفع القيود عندما تكون لديها إصابات أكثر مما كانت عليه حين فرضت تلك القيود، لكن الأساس المنطقي للقرار يعصب فهمه، حتى مع الوعد المُتكرر بإتاحة لقاح؛ فمسار الوباء يمكن يتأثر أيضًا بأي لقاح، وما من وعدٍ وفقًا للمعطيات الحالية يمكن أن يصدق قبل سنة 2021، ولا نعلم ما هي أنواع التحديات التي يمكن أن نواجهها أثناء تطوير اللقاح!
التقرير يؤكد مرة أخرى أن ثمة حواجز صلبة بين العلم والسياسة، وأن إنقاذ الاقتصاد – استجابة للخُطط التي قد لا تخلو من مؤامرةٍ كونية خفية، أو للتغطية على فشل الخُطط الحكومية المستقبلية على مدار عقودٍ خلت – قد يكون مُقدمًا على إنقاذ آلاف الأرواح التي تُمثل عبئًا على السياسات الرأسمالية العابرة للقارات!
رابط التقرير:
مركز المجدد للبحوث والدراسات.