سلسلة خواطر رمضانية “الرضا والرضوان كيف ترضى عن الله، ويرضى عنك؟”
خاطرة رمضان(6): “لا ترض الناس بسخط الله”
منتصر عفيفي – كاتب وباحث لغوي
من يحرص على إرضاء الناس، فكأنما يحرث في الماء، ويعرض نفسه لصراع نفسي وحيرة دائمة، إذ إن رضا الناس غاية لا تدرك، فأمزجتهم متنوعة ومتقلبة، ورغباتهم متعددة، وقد وطَّنوا أنفسهم على ألا يجيدوا إلا فن النقد واللوم.
ومَن في الناس يُرضي كل نفس وبين هوى النفوس مدى بعيد؟
قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه) ليونس بن عبد الأعلى الصدفي: “يا أبا موسى، رضا الناس غاية لا تدرك، ما أقوله لك إلا نصحًا، ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه، ودع الناس وما هم فيه”.
ويحكى أنه كان هناك رجل وابنه معهما حمار، وكان الرجل وابنه يمشيان على أقدامهما فمرَّا بقرية، وسمعا بعض الرجال يتكلمون عنهما، ويقولون: الحمار خلقه الله للركوب، وهذا الرجل وابنه يمشيان على أقدامهما في هذا الجو الحار.
فأكملا مسيرهما، وقبل وصولهما إلى القرية الثانية ركبا الحمار، فسمعا رجال القرية يتكلمون ويقولون: إن هذا الرجل ليس في قلبه رحمة، فكيف يركب هو وابنه هذا الحمار؟
فأكملا مسيرهما وقبل وصولهما إلى القرية الثالثة، نزل الولد وترك والده على الحمار، فسمعا رجال القرية يتكلمون ويقولون: إن هذا الرجل ليس في قلبه رحمة، فكيف يترك ابنه الصغير يمشي في هذه الرمضاء، وهو راكب الحمار، وهو الرجل الكبير، ويستطيع التحمُّل.
فأكملا مسيرهما وقبل وصولهما إلى القرية الرابعة، ركب الولد الحمار، ومشى والده على قدميه، فسمعا رجال القرية يقولون: هذا جيل غريب، فكيف يسمح هذا الولد النشيط لنفسه بركوب الحمار، ويترك والده الكبير في السن يمشي على قدميه.
فقال الرجل لولده: “إرضاء الناس غاية لا تدرك“.
ولذلك احذر أن تلتمس رضا الناس بسخط الله، فيتخلّى عنك الله، ويتركك تعاني ما تلاقيه من طباع الناس، فتخسر كل شيء، وتعيش في حزن وهمٍّ وضيق.
قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.
كتب معاوية (رضي الله عنه) إلى عائشة (رضي الله عنها) أن اكتبي لي كتابًا توصيني فيه، ولا تكثري عليَّ، فكتبت عائشة (رضي الله عنها) إلى معاوية: (سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس“، والسلام عليك).
فلا تهلك نفسك بالحرص على إرضاء الناس، ولكن احرص على رضا الله يحبك الله، ويرض الناس عنك، وتسعد برعاية الله وتوفيقه، ويدفع عنك شرور الناس وعداواتهم، ويقذف في قلوبهم حبك، فتنعم بالعيش الهادئ والحياة السعيدة.
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: “إذا أحب الله العبد؛ نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض“. قال النووي: “يوضع له القبول في الأرض” أي: الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب وترضى عنه.
وحتى يحبك الله تقرب منه، وكن وليًا من أوليائه، ففي الحديث القدسي عند البخاري أن الله تعالى قال: “من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه“.
وتلك جوائز لا تُنال إلا بالحرص على رضا الله (سبحانه وتعالى)، ولذلك لما سئل أحد الصالحين عن أمنيته في هذه الحياة الدنيا؟ قال: أملي أن يرضى الله عني.
مركز المجدد للبحوث والدراسات