المحروم من حرم رجال عصره
المحروم من حرم رجال عصره.
د. نعمان بن ثابت آل الشيخ حسون
قال- جلَّ شأنه -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20] هذه هي حقيقة الدنيا التي نتكالب عليها ونتقاتل، فأغلب الناس وللأسف أصبحوا يفهمون الدنيا ويتعاملون مع بعضهم البعض بقدر ما يملك المقابل من المال والجاه والمنصب، ونسوا أو تناسوا بأن أعظم وأكرم منصب هو منصب الإنسان الطائع لله الملتزم بشرعه، السائر على كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا الإنسان هو الفائز بالدنيا والآخرة، وفي حقيقته هو صاحب الجاه والسلطة في الدنيا، وصاحب المكانة المرموقة في الآخرة، لذلك وبسبب انتشار مرض المفاهيم الخاطئة وضعنا أهم مصدر من مصادر قوة ديننا، ألا وهو صحبة العلماء الربانيين رضوان الله عليهم الذين هم عرائس الرحمن في الارض، وهم أولياءه وأحباءه، فحاجب حب الدنيا وملذاتها منع عنا أن نكون من أحبابهم وجلسائهم، فكما قال العلماء رضوان الله عليهم (المحروم ليس من حرم الدرهم والدينار بل المحروم من حرم رجال عصره) فتبصَّر أخي القارئ في المكانة الخاصة التي نالها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي يقول عنه بَكرُ بن عبدالله المزني رحمه الله: (ما سبقهم أبو بكر بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في قلبه).
فانظروا أيها الأحبة كيف هو الفهم العالي لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، المتيقن بأن أعظم شيء في عصره هو أن يكون برفقة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذل الغالي والنفيس من أجل هذه الرفقة، فلا شيء أكرم ولا أعظم من أن تكون بمعية العلماء الربانيين في هذا الزمان، لما لها من فوائد عديدة لا يسعني المقام لذكرها، ولكن قد يسأل سائل ويقول: أين هم العلماء الربانيين فإننا لا نراهم في هذه الفترة الزمنية التي كثر فيها الهرج والمرج وكثرت الفتن؟ أقول جوابًا على ذلك بأن العلماء الربانيين عرائس الرحمن، والعروس لا يراها إلّا خاصة أهلها ،لذلك حُرمنا من رؤيتهم بسبب قسوة قلوبنا وضعف عقائدنا وتكالبنا على الشهوات والملذات، فأصبحت نفوسنا الأمّارة بالسوء وأمراضها هي الحاجب من رؤية الصالحين وصحبتهم ومجالستهم، فلا تقول أين هم، بل قل يا نفسي توبي وعودي لربك، وليتخذ كل منا عهدًا على تهذيب وتأديب نفسه والتخلص من شوائبها بأراده وهمة الرجال الحقيقيين الذين وصفهم الله بكتابه العزيز {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)}.
مركز المجدد للبحوث والدراسات