لطائف قرآنية (1): “يُخْرِجُ الحيَّ.. ومُخْرِجُ الميِّتِ؟”
“يُخْرِجُ الحيَّ.. ومُخْرِجُ الميِّتِ؟”
محمد أحمد البكري– محاضر وباحث في اللغة العربية.
لطيفة لغوية في قول الله ﷻ: {إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} [الأنعام: 95]
– لماذا جاء التعبير عن إخراج الحيّ من الميّت بصيغة الفعل المضارع (يُخْرِجُ)، وعن إخراج الميِّت من الحيّ بصيغة اسم الفاعل (مُخْرِجُ)؟
قال الرازي رحمه الله: “قولُه ﴿ومُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ﴾ معطوفٌ على قوله ﴿فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾، وقولُه ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ﴾ كالبيان والتفسير لقوله ﴿فالِقُ الحَبِّ والنَّوى﴾؛ لأنَّ فَلْقَ الحَبِّ والنوى بالنبات والشجر النامي من جنس إخراج الحيِّ من الميِّت؛ لأنَّ النامي في حكم الحيوان، ألا ترى إلى قوله ﴿ويُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ [الروم: 19].
وفيه وجهٌ آخر، وهو أنَّ لفظ الفعل يدلُّ على أنَّ ذلك الفاعل يعتني بذلك الفعل في كل حين وأوان. وأمَّا لفظُ الاسم؛ فإنَّه لا يفيد التجدُّد والاعتناء به ساعةً فساعة.
وضرب الشيخ عبد القاهر الجرجاني لهذا مثلًا في كتاب ”دلائل الإعجاز“ فقال: قولُه {هَلْ مِن خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ} [فاطر: 3] إنَّما ذكره بلفظ الفعل وهو قوله (يَرْزُقُكُمْ) لأنَّ صيغة الفعل تفيد أنَّه تعالى يرزقهم حالًا فحالًا وساعةً فساعة. وأمَّا الاسمُ؛ فمثاله قوله تعالى {وكَلْبُهم باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالوَصِيدِ}[الكهف: 18]، فقولُه ﴿باسِطٌ﴾ يفيد البقاء على تلك الحالة الواحدة.
إذا ثبت هذا، فنقول: الحيُّ أشرفُ من الميِّت، فوجب أن يكون الاعتناءُ بإخراج الحيِّ من الميِّت أكثرَ من الاعتناء بإخراج الميِّت من الحيِّ؛ فلهذا المعنى وقع التعبير عن القسم الأول بصيغة الفعل، وعن الثاني بصيغة الاسم؛ تنبيهًا على أنَّ الاعتناء بإيجاد الحيِّ من الميِّت أكثرُ وأكملُ من الاعتناء بإيجاد الميِّت من الحيِّ. والله أعلم بمراده”.
مصادر معتمدة:
-
الرازي، فخر الدين (ت 606هـ). مفاتيح الغيب=التفسير الكبير (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1420هـ): 13/ 74.
مركز المجدد للبحوث والدراسات
Thank you very much for sharing, I learned a lot from your article. Very cool. Thanks. nimabi