لماذا لا تتغير مجتمعاتنا؟!
طارق القزق
باحث في مجتمعات وثقافات البحر المتوسط، علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية.
مبدأ التغيير.
أهم مبدأ في الحياة البشرية هو التغيير فلا يوجد شيء ثابت ولذلك عبر عنه هراقليطيس بقوله “لا يستحم المرء في النهر مرتين”، والتغير هو حتمية طبيعية وتاريخية للعالم والمجتمعات نامية او متقدمة، ولكن مشكلتنا الحقيقية هي في موقعنا الزمني في هذا التغيير الطبيعي؟! في اي حقبة زمنية نحن؟! هل في مرحلة سكون المجتمع أو في مرحلة نموه؟! او مرحلة ضعفه او في قوته وحضارته! تحديد الزمن يضع لنا حلًا للمشكلة وهي لماذا لا نتغير؟!
ولكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن ندرك اننا امام خيارين! الأول هو اما نؤمن بالحتمية الطبيعية بعد تحديد موقعنا الزمني وأننا في مرحلة الانهيار والضعف! وفي هذه الحالة سنجد في شخصيتنا تبريرا على هذه المشكلة اننا امه جاهله لا تستخدم عقلها او ربما سنبرر بشكل عقائدي انهزامي وهو انه (قدر الله)، والخيار الثاني وهو بعد أن نحدد موقعنا الزمني نبدأ نفكر عمليا في حل المشكلة! والتغيير عندما يكون على مستوى المجتمع فلابد من وجود قوى وجماعات واعية بمشكلات المجتمع تريد حلها وليس شرطا تاريخيا ان يكون الوعي في بقية أعضاء المجتمع لان ما يقوم التغيير هم القادة او طبقة المثقفة وهم من ينشرون الوعي بين بقية أعضاء المجتمع للوعي بمشكلتها الحقيقية، وقد يكون التغيير نابعا من الجماهير فعليا دون أن يأتي من قوى المعارضة وهذا يعني أن هناك طبقة جديدة معارضه تشكلت بعيدا عن القوة المعارضة التقليدية من أحزاب ونقابات.
المعارضة الجديدة وإمكانيات التغيير.
وقبل الحديث عن الطبقة المعارضة الجديدة، يجب أن نتحدث عن المعارضة التقليدية، أين هو دورها في التغيير المجتمعات الان؟
هذه القوة التقليدية لا تعمل على تغيير المجتمع، بل تعمل على الاستقرار الاجتماعي، وتحولت إلى طبقات لها مصالح اقتصادية أو سياسية تتعاون مع الصفوة الحاكمة، بمعنى أن هذه القوى التقليدية هي التي أصبحت أيديولوجيا وليست طوباوية تعمل على تغيير المجتمعات! وتخلت هذه القوى المعارضة التقليدية عن أفكارها واندمجت مع الأوضاع الحالية، ويذكر “روبرت ميتشيل” صاحب نظرية القانون الحديدي الاوليجارشي بأن الطبقات السياسية المسيطرة تستخدم التنظيم البيروقراطي المعقد للحفاظ على ذاتها وعلى مصالحها، وذلك من خلال جيش من المدافعين على مصالحها عن طريق تكوين جماعات الموظفين العاملين المعتمدين عليها بشكل مباشر، فتفتح المجال أمام تعيينات العمال ليحصلوا على الامتيازات الحكومية، لتستفيد من المعاش الحكومي والحفاظ على التنظيم البيروقراطي مما يخفف من حدة الاصوات المعارضة وبما فيها التنظيمات السياسية الاحزاب والنقابات” (١) وهذه الأحزاب والحركات تهدف إلى إما الوصول إلى المنصب السياسي دون أن يكون لها برامج سياسية واضحة وليس لها نموذج بديل للنظام الحالي.
ومع تعقد التنظيم البيروقراطي وضعفه وعدم قدرته على استيعاب الكم الهائل من السكان والقوى المعارضة التقليدية بسبب زيادة حجم المجتمعات وظهور عصر العولمة وما أحدثه من تغييرات في تركيبة الشخصية، فأصبحت أكثر وعيًا وتطلعا في تحديد موقعها الزمني بالمجتمعات الأخرى المتقدمة مما أدى إلى تفكك اجتماعي بين القيم التقليدية والقيم الحديثة، القيم التقليدية وهي الطاعة والعادات واستقرار المجتمع وإعادة إنتاج شكل الأسرة المتوارث والذي كان المسؤول عنه الفن السينمائي التقليدي المتمثل في الموظف والعامل المجتهد والمكافح والذي يعترف بأمر الواقع ويحافظ عليه، ومع زيادة حركة التعليم خارج الأوطان أدى الى تشكيل طبقة جديدة و متغربة في نظر البعض، وهي طبقة واعيه جديدة تحاول التغيير و تطبيق ما تعلمته في الخارج في أوطانها، وهي تعتبر وسيطا ثقافيا يعمل على الانتشار الثقافي في مجتمعاتها التقليدية.
فاعتمدت الطبقة السياسية والصفوة على تطوير استراتيجيتها، لتشمل كل النظم الاجتماعية، للحفاظ على مصالحها بعد أن كانت مجرد صراع بين طبقات كادحة وطبقات برجوازية أو طبقة تريد بعض من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فتحالفت مع غيرها من الطبقات الاجتماعية وهي طبقة رؤوس الأموال وأصحاب الشركات ليكونوا جزءًا لاستمرار الصفوة الحاكمة، هذا ما يطلق عليه رأيت ما يلز (بالقانون الصفوة) صفوة تجمع بين الصفوة السياسية الحاكمة ورأس المال، تنشأ بينهما مصالح متبادلة تعمل على الحفاظ على استمرار الصفوة وحكمها! (٢).
فالنظام الثقافي المتمثل في التعليم والأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والثقافية بعمل على زرع الاستقرار والخوف من التغيير في نفوس أعضاء المجتمع، ويبحث عن الأدلة الدينية لمنع التغيير، وكذلك الفنية باعتبارنا نعيش في عالم انهار فيه الانسان نتيجة عدم حفاظنا عن الوضع القائم، ولذلك تدمرت فيه الأسرة والأخلاق! وأصبحت الاحزاب السياسية تعيش في عصر المؤامرة الكونية! وكان نسق الإعلام السياسي المعارض هو عامل التنفيس للشعوب! فأصبح من عاداتها الثقافية هو مشاهدة المنافسات والصراعات السياسية على شاشات التلفزيون! بعد العودة من العمل في يوم شاق وصعب، فمثل ما يحتاج العامل الغربي للكحول للانعتاق من وضعه الاجتماعي، فأصبحت الشعوب العربية تحتاج لمشاهدة برامج التوق الشُّو للهروب من المشكلات.
وتعمل هذه القنوات على مخاطبة عقل المشاهد للتعبير عنه! وبث الرعب فيه وتفريق المجتمعات! إلى طوائف وأحزاب فكلما تفتت المجتمع كلما أصبح من الصعب توحيده! وهذا يعني زيادة المصالح والبحث على المصالح الفردية وليس الاجتماعية! وتبرير استخدام العنف ضد كل خصم معارض بهدف إعادة التوازن!، وتتحول الشخصية إلى تبرير الوضع القائم أو المطالبة بعودة النظام التقليدي السابق بكافة أشكاله العنيفة
الخلاصة والرؤية لبناء الوعي الاجتماعي.
ولكن كيف ينشأ الوعي الاجتماعي؟!
١_بكثرة الطبقات المهمشة والمستبعدة من الامتيازات الحكومية بكافة أشكالها الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الطبقة عانت ودفعت ثمن الحرب الطائفية والاستقطاب السياسي والفكري.
٢_ بوجود طبقة المنفكين اجتماعيا وهي حديثة نسبيا، وهي الطبقة التي أدركت أنها واقعه تحت قوى اجتماعية ضاغطة على حريتها وتفكيرها ووعيها، والمتمثلة في النظم الاجتماعية والسياسية الثقافية والدينية، وذهبت بنفسها إلى عالم آخر وهو عالم تستطيع أن تعبر به عن نفسها من خلال الإنترنت الإعلام الاليكتروني وتستطيع من خلاله أن تفرق بين الأدلجة الدينية والثقافية وبين الدين الحقيقي وبين الثقافة الأصلية.
٣_ التحرر المالي وهذا عندما يتحول الشخص من الاعتماد على أموال الحكومات وكذلك البحث عن أصحاب رؤوس الأموال، وهذا يمكن أن نرى ملامحه في الصدمة العمالية التي عايشتها المجتمعات في هذه الآونة الأخيرة لأنها اكتشفت انها فعليا تحت رحمة رجال الأعمال وأخذ كثير من الشباب البحث عن العمل الاليكتروني لينفكوا من النظام الرأسمالي.
4– التمسك بالمنهج الإسلامي وتراثه وتفسيره لوقعنا برؤية عصرية.
إضاءة ورؤية:
الإعلام والمجتمع |
تعمل العديد من القنوات الإعلامية على مخاطبة عقل المشاهد للتعبير عنه! وبث الرعب فيه وتفريق المجتمعات إلى طوائف وأحزاب، فكلما تفتت المجتمع كلما أصبح من الصعب توحيده! وهذا يعني زيادة المصالح والبحث عن المصالح الفردية وليس الاجتماعية! وتبرير استخدام العنف ضد كل خصم معارض بهدف إعادة التوازن!، وتتحول الشخصية إلى تبرير الوضع القائم أو المطالبة بعودة النظام التقليدي السابق بكافة أشكاله العنيفة. |
المراجع:
- سيد عبد المعطي، المجتمع الثقافة والشخصية، لمعرفة الجامعية، ص٢٨٠.
- وتومر، الصفوة المجتمع دراسة في علم الاجتماع السياسي، ترجمه محمد الجوهري مجموعه المترجمين، دار المعرفة الجامعية، ص٥٢.
مركز المجدد للبحوث والدراسات.