أخلاقيات كورونا.
دكتور صلاح عثمان.
أستاذ المنطق وفلسفة العلم، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة المنوفية- مصر.
salah.mohamed@art.menofia.edu.eg
كورونا ما بين التنظير الأخلاقي وتطبيقه.
لا تُخبرني عن الوقت في غرفة مليئة بالساعات! حسنًا، لكن ماذا لو كنت في هذه الغرفة وأنت عاجزٌ عن معرفة الوقت، أو كنت تعرفه لكنك لا تستطيع استثماره؟
تاريخٌ طويل لأخلاقيات البيولوجيا، وأخلاقيات الطب، وأخلاقيات المهنة، أصبح اليوم على المحك؛ آلاف المؤتمرات واللجان والمنشورات بدت وكأنها بلا نفع أو تأثير يُذكر اليوم! ففي خضم الأزمة الدولية الخانقة لفيروس كورونا أدرك كثيرون أن ثمة فرقًا هائلاً بين أن تقوم بالتنظير الأخلاقي وأن تلتمس تطبيقه؛ وأن لأخلاقيات الدول والحروب – أيًا كانت طبيعتها – قواعد ومعايير يصعب مزجها بأخلاقيات الفرد من خلال الأمر: افعل ولا تفعل! الأمر شبيه بأن تأتي بمن يتضور جوعًا وتتلو عليه آداب الحصول على الطعام وتناوله!
عبر تاريخها الطويل أدركت الفلسفة أهمية التنظير الأخلاقي لقضايا الإنسان المُلحة، بما في ذلك قضايا العلم التي تُمثل تحديًا قويًا لعالمنا المعاصر، لكن أزمة كورونا جاءت لتُعري دُثر القيم الزائفة التي تغنينا بها طويلاً، وبات واضحًا أن الهوة واسعة وسحيقة بين النظر والتطبيق، أو بين «ما يجب أن يكون» و«ما هو كائنٌ بالفعل»، وأن الفلاسفة في وادٍ وصُناع القرار في وادٍ آخر.
إضاءة فلسفية وسؤال أخلاقي | أدركت الفلسفة أهمية التنظير الأخلاقي لقضايا الإنسان المُلحة، بما في ذلك قضايا العلم التي تُمثل تحديًا قويًا لعالمنا المعاصر، لكن أزمة كورونا جاءت لتُعري دُثر القيم الزائفة التي تغنينا بها طويلاً، وبات واضحًا أن الهوة واسعة وسحيقة بين النظر والتطبيق، أو بين «ما يجب أن يكون» و«ما هو كائنٌ بالفعل»، وأن الفلاسفة في وادٍ وصُناع القرار في وادٍ آخر. |
كورونا وغياب فيلسوف الأخلاق من العالم:
الأدهى من ذلك أن الرجل الوحيد الغائب الآن في كافة اللقاءات والمؤتمرات الصحفية لقادة العالم هو “فيلسوف الأخلاق”، على حد تعبير جوناثان توبين Jonathan Tobin في مقاله المنشور يوم الأربعاء 25 مارس 2020 بصحيفة ناشيونال ريفيو الأمريكية National Review تحت عنوان: ترامب في حاجة إلى لجنة لأخلاقيات البيولوجيا لإرشاد الأمة حول سُبل الاستجابة لأزمة كورونا. انصب تركيز الجميع على آليات انتشار الفيروس وكيفية السيطرة عليه، لكن القضايا الأخلاقية التي ترتبط قطعًا بعملية صُنع القرار – سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجمعي لم تجد من يتصدى لها، وسادت حالة من التيه الأخلاقي داخل الوزارات والمشافي والمتاجر وأسواق المال، بل وداخل المعامل والمراكز المعنية بتطوير اللقاحات أو توريد المستلزمات الطبية، لتبدو التساؤلات التالية – وهي جزء من كلٍ ضخم – وكأنها تُطرح لأول مرة:
1- كيف يُقرر مسؤولو المشافي والأطباء من هو جدير بالبقاء على قيد الحياة ومن يجب تركه ليموت؟ وهل يُعد التخلي عن المسنين فعلاً أخلاقيًا رغم كونهم بشرًا، ورغم كونهم من الناحية القانونية مواطنين خضعوا لتشريعات الضرائب الحكومية؟
2- ما حدود المسؤولية الأخلاقية في إخضاع البشر لتجارب اللقاحات المقترحة في هذه المرحلة الحرجة، والتي اندفعت إليها الدول بُغية السيطرة على الوباء؟
3- كيف يمكن الموازنة بين حرية الأفراد والقيود المفروضة من قبل الحكومات بقرارات الحجر الصحي منعًا لانتشار الوباء؟
4- إلى أي حد رُوعي البُعد الأخلاقي بشأن الأسر الفقيرة التي تضررت من إجراءات العزل، سواء من حيث الطعام أو التعليم أو علاج الأمراض النوعية الأخرى، وهل التزمت الحكومات بالتخطيط المُسبق لمواجهة الأزمات المشابهة المُحتملة؟ وما المسؤولية الأخلاقية لرجال الأعمال الذين ترعاهم الدولة في مراعاة هذا البُعد؟
5- ما مدى التزام الأطباء والمسؤولين ووسائل الإعلام بالشفافية والوضوح في مخاطبة الرأي العام؟
6 – هل وفرت الدولة والمؤسسات الطبية وسائل الحماية من العدوى لمن تقتضي الظروف تواجدهم بأماكن العمل خلال فترة الأزمة، لاسيما الأطباء وأعضاء هيئة التمريض الذين أقسموا اليمين على مواصلة العمل حتى وإن تعرضوا للمخاطر؟
– 7هل يتم وضع مصلحة الحوامل والرُضع في الاعتبار في خضم المحاولات المضنية لإنتاج لقاح ضد الفيروس، مع العلم أن ثمة إهمال طبي أخلاقي تاريخي لهذه الفئة الكبيرة من البشر؟
8 – ما المسؤولية الأخلاقية تجاه السجون المزدحمة بمن صدرت ضدهم أحكام أو كانوا رهن الاعتقال أو المحاكمة، وهل تستطيع الحكومات توفير زنزانات حبس انفرادي بكافة سجونها؟
9- هل التزم الصيادلة ومصنعو المواد الطبية بقسم ممارسة المهنة خلال الأزمة، أم راودتهم مُغريات الاحتكار والاستغلال والربح السريع؟
10- سواء أكان الفيروس قد ظهر بصورة طبيعية أو تم تخليقه معمليًا أو جاء نتيجة خطأ معملي، فإلى أي مدى يمكن للعاملين بالهندسة الوراثية والتركيبات الجينية تحمل المسؤولية؟ وما هي حدود هذه المسؤولية بدقة؟
إضاءة ورؤية |
لا شك أن فيروس كورونا يُمثل اختبارًا لقوتنا، لكنه في الوقت ذاته يُمثل أيضًا اختبارًا أقوى لأخلاقياتنا، ولا شك أن ثمة تكلفةً بشرية واقتصادية ضخمة سيتحملها الناجون من الفيروس، لكن التكلفة الأخلاقية قد تكون أشد وأعمق خطورة! |
مركز المجدد للبحوث والدراسات.