الحدث العالمي كورونا – القرآن شفاء .
د. عادل الحمد – الأمين المساعد لرابطة علماء المسلمين.
العالم وكورونا – وعدة تساؤلات للأمة الإسلامية.
ينشغل العالم اليوم بالبحث عن علاج لهذا الوباء الذي اجتاح العالم، وأرعب الناس، وقتل بعضهم نفسيا قبل أن يقتلهم بدنيا.
وتتجه أنظار الناس إلى الغرب والشرق ترقبا لعلاج يأتي من قبلهم، لعله يخلصهم مما هم فيه من الخوف والهلع الشديد.
ولكن ما الذي يمنع أن تتجه أنظار الناس إلى المسلمين يلتمسون منهم الدواء؟!
وما الذي يمنع المسلمين أن يأتي العلاج من قبلهم؟!
هل هي الهزيمة النفسية التي سيطرت على نفوس بعض المسلمين؟!
أم هي فقدان الثقة بالنفس في القدرة على علاج مشاكل العالم؟!
هل هو التضخيم للغرب حتى أصبحنا لا نرى أنفسنا؟!
أم هي عدم القناعة بما نملك من دين عظيم لم ينزل من السماء دين مثله من قبل؟!
هل هو الفكر العلماني الذي أبعد الدين عن الحياة، وحصر العبادة في الشأن الشخصي فقط؟!
أم هي الأفكار والتصورات الخاطئة التي جعلتنا لا نستطيع أن نجمع بين التمسك بديننا والإبداع في دنيانا؟!
الحقيقة أننا نملك أعظم دين أنزله الله عز وجل على البشر، أنزله ليصلح به دنيا الناس وآخرتهم، أنزله للعالمين وليس لنا فقط.
لكن العيب في طريقة عرضنا لبضاعتنا.
لماذا العالم بحاجة ماسة للمسلمين، وكيف استثمر السلف الصالح الحدث؟
إن العالم اليوم بحاجة ماسة لنا، وهذه فرصة كبيرة لنا لنعرض تعاليم ديننا بشكل حضاري لعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين لما عرضت عليهم مثل هذه الفرصة استثمروها واستفادوا منها، بشكل جميل، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رواه البخاري)
لقد قرأ الصحابي على الكافر سورة الفاتحة، لاعتقاده أنها شافية كافية، فشفي الكافر، وحصل الصحابي من ورائه قطيعا من الغنم، استفاد منه الصحابة الذين معه، وأثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فعله، وأكد على أن سورة الفاتحة رقية من الأمراض.
فهل تستقبل عقولنا اليوم مثل هذا الأمر؟!
يقول ابن القيم رحمه الله: ((فَقَدْ أَثَّرَ (هَذَا) الدَّوَاءُ فِي هَذَا الدَّاءِ، وَأَزَالَهُ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ أَسْهَلُ دَوَاءٍ وَأَيْسَرُهُ، وَلَوْ أَحْسَنَ الْعَبْدُ التَّدَاوِيَ بِالْفَاتِحَةِ، لَرَأَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي الشِّفَاءِ.
وَمَكَثْتُ بِمَكَّةَ مُدَّةً يَعْتَرِينِي أَدْوَاءٌ وَلَا أَجِدُ طَبِيبًا وَلَا دَوَاءً، فَكُنْتُ أُعَالِجُ نَفْسِي بِالْفَاتِحَةِ، فَأَرَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا، فَكُنْتُ أَصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي أَلَمًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَبْرَأُ سَرِيعًا)). (الجواب الكافي ص: 9)
ولا عجب في ذلك كله، فقد قال تعالى: ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا“[الإسراء: 82].
إضاءة روحانية:
وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الأَدْوَاءُ كَلامَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الأَرْضِ لَقَطَّعَهَا، فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ، وَالْحَمِيَّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ)). (زاد المعاد 4/ 322) |
القرآن شفاء.
يقول ابن القيم رحمه الله: “فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا”.
وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الأَدْوَاءُ كَلامَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الأَرْضِ لَقَطَّعَهَا، فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ، وَالْحَمِيَّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ)). (زاد المعاد 4/ 322)
فَمَا الظَّنُّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الَّتِي لَمْ يُنْزَلْ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ مِثْلُهَا، الْمُتَضَمِّنَةِ لِجَمِيعِ مَعَانِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى وَمَجَامِعِهَا، وَهِيَ اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ، وَذِكْرِ التَّوْحِيدَيْنِ: تَوْحِيدِ الرَّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَذِكْرِ الِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ، وَطَلَبِ الْهِدَايَةِ، وَتَخْصِيصِهِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ، وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَنْفَعِهِ وَأَفْرَضِهِ، وَمَا الْعِبَادُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْهِدَايَةُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ، وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَيَتَضَمَّنُ ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ، وَانْقِسَامَهُمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَالْعَمَلِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَإِيثَارِهِ، وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ بِعُدُولِهِ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ لَهُ، وَضَالٍّ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ.
وَهَؤُلَاءِ أَقْسَامُ الْخَلِيقَةِ مَعَ تَضَمُّنِهَا لِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَالشَّرْعِ، وَالْأَسْمَاءِ، وَالصِّفَاتِ، وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، وَإِصْلَاحِ الْقُلُوبِ، وَذِكْرِ عَدْلِ اللَّهِ، وَإِحْسَانِهِ، وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَاطِلِ، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا الْكَبِيرِ ” مَدَارِجِ السَّالِكِينَ ” فِي شَرْحِهَا.
وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَيُرْقَى بِهَا اللَّدِيغُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْفَاتِحَةُ مِنْ إِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ مَجَامِعَ النِّعَمِ كُلِّهَا، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الَّتِي تَجْلِبُ النِّعَمَ، وَتَدْفَعُ النِّقَمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ)). (زاد المعاد 4/ 163).
مقاصد الكلام: لا يعني الحديث عن الفاتحة والاستشفاء بالقرآن الكريم، ترك البحث عن العلاج المادي،وإنما قصدت بهذا المثل كيفية استثمار الصحابة لمثل هذا الحدث بما لديهم من إمكانات في تلك اللحظة، ولم يضيعوا الفرصة. |
الخلاصة والرؤية والموعظة.
هذا بعض ما عندنا أيها المسلمون، وهو قليل من كثير من أنواع العلاجات التي يمكن أن نعالج بها الأمراض المادية والنفسية.
ولا يعني الحديث عن الفاتحة والاستشفاء بالقرآن الكريم، ترك البحث عن العلاج المادي، وإنما قصدت بهذا المثل كيفية استثمار الصحابة لمثل هذا الحدث بما لديهم من إمكانات في تلك اللحظة، ولم يضيعوا الفرصة.
إننا نملك أشياء كثيرة تؤهلنا لأن نستخرج علاجا ماديا، لو استفدنا من المفاتيح التي أشار إليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلاج الأمراض، لعلي أذكر بعضها في مقال آخر.
أسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا لنفع الأمة ونشر دينه للعالمين. والحمد لله رب العالمين.
د. عادل الحمد – 5 شعبان 1441هـ.
مركز المجدد للبحوث والدراسات.