الدراما التاريخية… الأثر والتأثير – الجزء الأول.
علاء عبدالحميد الباتع – باحث في تاريخ مصر المعاصر.
التاريخ والدراما:
التاريخ والدراما، علاقة شائكة وغير موضوعية من ناحية الدراما، في ظل التقدم التكنولوجي بات تحويل بعض الأحداث التاريخية إلى مسلسلات درامية لابد منها، ولكن بالرغم من أن الدراما التليفزيونية أصبحت أداة للتثقيف وطرح القضايا التي تمس المجتمع، إلا أن الدراما حتى الآن لم تقدم أعمالاً تاريخية كاملة الأركان ولو بمقدار يعادل ما هو مكتوب عن الأحداث، حيث لا توجد أعمال كبيرة يتم الاعتماد عليها في إعطاء صورة تاريخية من شتى الجوانب عن فترة من الفترات التاريخية، وإنما تعتمد على النص التاريخي المبتور، وخيال المؤلف وعدم وعيه بالأحداث، عدم تفسير الحوادث التاريخية في سياقها الزماني والمكاني وفي إطار العلاقات المحيطة.
إشكالية الدراما التاريخية في الوقت الحاضر:
فضاء التأويل بمقاييس العصر الحاضر وهو خطأ كبير بأن نحلل الأحداث بمعطيات عصرنا، كل هذا يخرج العمل بصورة قبيحة تنافي الحقيقة التاريخية، وهذا خطر لأن الدراما والتليفزيون اليوم باتوا يقومون بدور كبير في التثقيف وبالتالي تنقل الصورة عبر الدراما التاريخية وتؤخذ كحقيقة مسلم بها، ولعل أخطر ما تقدمه الدراما التليفزيونية من أعمال تاريخية هى مراحل التحولات الاجتماعية والسياسية التي تمر بها منطقة أو دولة من الدول عبر مراحل تاريخها، ويتم تقديم الأعمال عن طريق الإنتقائية فقط، دون النظر إلى المقدمات والأسباب والدوافع التي سبقت هذه الأحداث، وبالتالي يكون العمل موجه لأغراض سياسية أو فئوية أو طبقية… إلخ، طبعاً من الحق لأي دولة أن تعتز بتاريخها وتقدمه بالطريقة التي تراها، ولكن يجب أن تكون طريقة التقديم منهجية وموضوعية وتخضع لمنهج التاريخ وليس لهوى المؤلف والممثل، وذلك لأن الخطأ ليس في حق أحد إلا هذا الميراث التاريخي، والتاريخ عموماً مليء بالصراعات والحروب والانتصارات والهزائم والإنكسارات، هذه سنة التاريخ الصعود والسقوط.
الخلاصة والرؤية:
إضاءة تاريخية: لو تم تصوير الأحداث التاريخية التي بها صراع وحروب فقط لأصبح العالم على أبواب حرب، لكن القراءة الثأرية للتاريخ لن تفيد شيء، فالعالم منذ الأزل في صراع بين الخير والشر، وليس كل الوقت حروب ودمار وليس كل الوقت سلام . |
في النهاية التاريخ ليس ملك خيال الكاتب الذي لا يعترف بمنهج ولا يطبق أبسط عناصره في تصوير الحدث، الهدف من الأعمال التاريخية الدرامية هو تثقيف الشعوب، واحترام الآخر في إطار الحدود والمقاييس الموجودة في كل فترة تاريخية، وتعميق الشعور الوطني لدى الشعوب، إبراز حضارات الأمم السابقة، تصوير الصراعات والحروب والهزائم والانتصارات ليس لتعميق الخلاف بين الشعوب وانما لأخذ الدورس المستفادة والعمل على التلاقي في وجهات النظر من خلال احترام الآخر حتى ولو كان عدو، لو تم تصوير الأحداث التاريخية التي بها صراع وحروب فقط لأصبح العالم على أبواب حرب، لكن القراءة الثأرية للتاريخ لن تفيد شيء، فالعالم منذ الأزل في صراع بين الخير والشر، وليس كل الوقت حروب ودمار وليس كل الوقت سلام ، إنما سنن التاريخ والكون.
التاريخ هو ميراث الشعوب ومخزن خبرات البشر، لكن هذا الميراث لا يجب تفتيته بمنهج متعمد ومصطنع لإبراز الكراهية فقط دون النظر إلى باقي الجوانب الإنسانية، فالتاريخ ملك الجميع، فيه الآراء المختلفة، فيه الدراسات العديدة، إذن فلماذا يتم تصويره من وجهة نظر واحدة؟ الموضوع بحاجة إلى دراسة وافية، وليس مجرد كلمة تقال هنا وآخرى هناك، وإلا سيكون هناك صراع واختلاف بين التاريخ المنهجي الموضوعي والتاريخ الذي يأخذ من الأحداث نقطة لنسج الخيال، فتكوين الأحداث لن يستطيع أحد أن يتوصل إليها إلا بدراسة منهج التاريخ والتفاصيل الدقيقة، ويزداد الخلاف أيضاً بين التاريخ المكتوب والتاريخ المصور في الدراما، لذا يجب إعادة صياغة قالب واضح المعالم والجوانب للعلاقة بين الدراما والتاريخ.